ما هو التعاطف مع الذات؟

لقد قمت بتيسير دورات تدريبية عن التعاطف لأكثر من ثماني سنوات حتى الآن، ووجدتُ شيئاً واحداً يستمر في الظهور مراراً وتكراراً، وهو: لم يتعلَّم معظمنا أبداً كيف يتعاطف مع نفسه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المديرة التنفيذية "سارة شريدر" (Sara Schairer)، وتحدِّثنا فيه عن تجربتها في اكتشاف أهمية التعاطف مع الذات.

أتذكَّر عندما علمت لأول مرة عن التعاطف مع الذات في عام 2012، وتحدَّاني مُعلِّم التعاطف الخاص بي لأفكِّر: "فكري في الطريقة التي تتحدَّثين بها مع نفسك، فإذا تحدَّثت إلى أصدقائك بالطريقة التي تتحدَّثين بها مع نفسك، فهل سيبقى لديك أي صديق؟".

فكانت إجابتي: "بالطبع لا"، لم أكن لأتحدث إلى أصدقائي أبداً بالطريقة التي أتحدَّث بها مع نفسي، فكثيراً ما كنت أقول لنفسي أشياء مثل: "يا لكِ من حمقاء، كيف يمكنك أن تفعلي هذا؟"، أو "بمَ كنت تفكرين؟".

إذ إنَّني عندما أتحدث إلى الأشخاص الذين أهتمُّ لأمرهم - وحتى الأشخاص الذين لا أهتم لأمرهم - في هذا الشأن، أكون متسامحةً وطيبةً كثيراً، وأقدِّم التشجيع والدعم، وأكون عطوفة.

إذاً، ما هو التعاطف مع الذات بالضبط؟ بحسب الباحثة في التعاطف مع الذات الأستاذة الدكتورة "كريستين نيف" (Kristin Neff)، فإنَّ التعاطف مع الذات يشتمل على ثلاث ركائز أساسية:

1. اليقظة الذهنية:

عندما تكون متعاطفاً مع نفسك، فأنت تُدرك معاناتك، وتجذب انتباهك إلى داخل ذاتك لتلاحظ أفكارك ومشاعرك وأحاسيسك، فعندما نتناغم مع أنفسنا، لا نطلق الأحكام، ونكون فضوليين.

فمن دون التعاطف مع الذات، قد تقول لنفسك: "لا أصدق أنَّني متوتر جداً، وأفكِّر باستمرار في التقرير الواجب تسليمه غداً، لماذا أشعر بتلبُّك في معدتي؟".

بينما مع التعاطف مع الذات، ستلاحظ بفضول وتقول: "ألاحظ وجود تلبُّك في معدتي، إنَّني أشعر بالتوتر الآن؛ أنا أُدرك أنَّني أفكِّر في التقرير الكبير الذي من المقرَّر أن أسلِّمه غداً".

هل لاحظت كيف تغيَّرت طريقة حكمك على الأمر؟

2. الإنسانية المشتركة:

إنَّ الإنسانية المشتركة هي مفهوم طموح يتحدَّانا بأن نتوقَّع أنَّنا جميعاً لدينا شيء مشترك، وأنَّنا جميعاً نكافح بطريقةٍ ما، ونرغب جميعاً في إيجاد السلام، فعندما أدرك أنَّني لست وحدي في معاناتي، أشعر بالراحة.

فقد تشعر بالعزلة عندما تكافح، لأنَّك قد تعتقد أنَّك الوحيد الذي يمرُّ بوقتٍ عصيب، ووسائل التواصل الاجتماعي بالتأكيد لا تساعد، فعندما أمرُّ بوقت عصيب وأرى جميع الناس على تطبيق "إنستغرام" (Instagram) يقضون أفضل أوقاتهم على الإطلاق، أشعر بالوحدة أكثر.

إذ تذكِّرك الإنسانية المشتركة أنَّك لست الوحيد الذي يكافح؛ بل في الواقع تجعلك معاناتك جزءاً من البشرية.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

3. اللطف مع الذات:

يشير ذلك إلى صوتك الداخلي، والذي يبدو كما لو أنَّه ناقد داخلي، فعندما تمارس التعاطف مع الذات، فإنَّك تعامل نفسك بالطريقة التي تعامل بها شخصاً تحترمه وتقدره؛ أي باللطف والتشجيع والمنتورينغ، بدلاً من توبيخ نفسك في كل مرة تخطئ فيها، فيجب أن تقول: "أنا إنسان وأرتكب الأخطاء، ماذا يمكنني أن أتعلَّم من هذا؟" ومن ثمَّ تمضي قدماً.

هل تريد أن تجعل التعاطف مع الذات أولوية؟ كافئ نفسك في كل مرة تقوم فيها بتغيير ناقدك الذاتي إلى قائدٍ يشجِّعك.

إقرأ أيضاً: كيف يحسن اللطف مع الآخرين وظائف الدماغ؟

4. السعي إلى الحصول على الدعم:

إذا كنت منتبهاً، فقد لاحظت أنَّني قلت إنَّ "كريستين نيف" قد عرَّفت التعاطف الذاتي على أنَّه يشتمل على ثلاث ركائز، فلقد أضفت عنصراً رابعاً.

يُرجَى العلم أنَّ التعاطف مع الذات لا يعني أنَّه عليك التعامل مع معاناتك وجدك، بل عندما تكون متناغماً مع جسدك، قد تلاحظ أنَّه يُطلب منك التواصل للحصول على الدعم؛ لذا استمع لتلك الحكمة الداخلية، يريد أعضاء مجتمعك وزملاؤك دعمك بنفس الطريقة التي تريد دعمهم بها عندما يكافحون، فلا تتردَّد في طلب المساعدة.

ليس من السهل تحقيق التعاطف مع الذات، خاصةً إذا كنت قد أمضيت حياتك تقسو على نفسك بسبب كل خطأ ارتكبته، ومع ذلك يمكن للتعاطف مع الذات أن يغيِّر حياتك.

فبمجرد أن بدأتُ أعامل نفسي بالطريقة التي أعامل بها أصدقائي، أصبحت حياتي أكثر بهجة وذات مغزى، فأنا لست خائفةً من ارتكاب الأخطاء، لأنَّني أدرك أنَّني إنسان، وأدرك عندما أكون متوترة أو أعاني من صعوبةٍ ما أنَّه يجب عليَّ أن أمنح نفسي وقتاً للتعافي من ألمي وحزني، بدلاً من التظاهر بأنَّني بخير.

لا تأخذ كلامي بثقةٍ كبيرةٍ، فهذا رأيي وحسب، يمكنك قراءة الكثير من الأبحاث عن التعاطف مع الذات إذا كنت ترغب في أن تحصل على الفائدة عن الموضوع، والأفضل من ذلك جرِّبه بنفسك.

المصدر