ما الذي يقوله العلماء حول تدريب العقل على بلوغ أقصى درجات الإبداع

لا يمكن للنجاح على صعيد العمل أن يتحقّق دون وجود الإبداع الذي يُعَدّ ضرورياً لاستحضار أفكار ورؤى مستقبلية جديدة، فهل تتذكر "ستيف جوبز" الذي غير الإبداع الطبيعي لديه طريقة معاينتنا للتصاميم وتفاعلنا مع الأجهزة.



رغم أنَّنا قد نعرف مدى أهميته إلَّا أنَّنا نخفق تماماً في الواقع في سعينا إلى تحسين مستوى الإبداع لدينا، ففي إحدى التجارب التي أجرتها "جامعة كولومبيا" (Columbia University) طُلِبَ من المشاركين استبدال المهام المبنية على المنطق بالمهام المبنية على الإبداع في أثناء سير إحدى التجارب إذ سيكون في استطاعتهم تنفيذ تلك المهام إمَّا ضمن فواصل زمنية محددة مسبقاً وإما اختيار الوقت الذي يودون القيام فيه بالاستبدال حسب تقديرهم.

وحينما سُئِلَ المشاركون في نهاية التجربة عن الطريقة التي فضلوا القيام بالعمل من خلالها قال أغلبهم أنَّهم اختاروا الاستبدال حسبما يتماشى مع تقديرهم. بيد أنَّ النتائج أظهرت بوضوح أنَّ أولئك الذين قاموا بالاستبدال حسب فواصل زمنية محددة مسبقاً كانوا الأكثر فعالية.

فكانت النتيجة أنَّنا إذا لم نكن نستطيع الحكم على أدائنا وإبداعنا حكماً جيداً فكيف سيكون بإمكاننا استثمارهما؟ إليك الإجابة من العلماء:

1- تخفيف الضغط:

إذا كنت تشعر بأنَّك في الحالة الطبيعية أقل إبداعاً حينما تشعر بالضغط فإنَّ ثمَّة مبرراً قوياً لذلك: إذ تقول "كاثلين ماك أوليف" (Kathleen McAuliffe): "تعيق هرمونات الضغط تنشيط المناطق التي تشارك في البحث عن الهدف والوظائف التنفيذية في الدماغ وهو ما يتسبب في دخولنا في "متاهة التفكير" والشلل الذي يدفعنا إلى المماطلة ويعطل مشاريعنا.

إذ يقدِّم الكاتب "مات فالانتاين" (Matt Valentine) في أحد كتبه دليلاً سردياً مبنياً على تجربة أمه في التعامل مع الضغط الناجم عن إدارة شركة للأزياء النسائية تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات واضطرارها شخصياً رغم كل هذا إلى الاستمرار في التصميم بنفسها.

يقول "فالانتين": "لقد قتل توليها مهمة الإدارة، ومراجعة الحسابات المالية، وإدارة الميزانية بأسلوب مستمر الإبداع لديها بمضمون كامل. وحينما كانت تدفع الفواتير وتسير الأمور على ما يرام كانت تستطيع التفكير بوضوح، أمَّا حينما لم يكن في استطاعتها القيام بذلك أو حينما كان لديها مشكلة ما فإنَّها لم تكن تستطيع القيام بأي شيء لتدبُّر أمور حياتها".

قد يكون من الصعب تجنّب الضغط حينما تكون رائد أعمال وقد تبدو التوصيات بشأن المشاركة في أنشطة تساعد على تخفيف الضغط كالتأمل وقراءة المجلات أمراً تافها. ولكن في النهاية إذا كنت ترغب في أن تكون أكثر إبداعاً فإنَّك لن تستطيع بلوغ ذلك إذا كان عقلك يصارع هرمونات الضغط صراعاً مستمراً.


اقرأ أيضاً:
الضغط النفسي: أعراضه، وطرق التخلص منه


2- استغل الأدرينالين لديك:

هذه النصيحة ستجعلني أبدو كأنَّني أناقض نفسي هنا، ولكن انتبه إلي رغم أنَّ هرمونات الضغط كالأدرينالين والكورتيزول تستطيع التأثير في قدرتك على الإبداع إلَّا أنَّك تستطيع كذلك تعلم كيفية الاستفادة تلك الهرمونات.

أحد أفضل الطرائق لتعزيز الإبداع بالنسبة لي يكون عبر القفز بالمظلات والرياضات الخطيرة الأخرى التي من المحتمل أن تشكل تهديداً للحياة. إذ إنَّني أحاول ممارسة القفز بالمظلات مرتين في كل شهر وأقفز في كل جلسة مرتين أو ثلاث مرات فترتفع هرمونات الضغط لدي، ولكنني بدلاً من الشعور بالضغط أحصل على قدرٍ كبير من الطاقة نتيجة تعزيز الأدرينالين وإطلاق الأندروفين، ليبدأ دماغي خلال الخمس ساعات التي تلي الجلسة بالتوصل إلى أفكارٍ جديدة.

فما الذي يحدث هنا؟ يتحدّث "برينت روز" (Brent Rose) وهو من شركة "جيزمودو" (Gizmodo) واصفاً العملية البيولوجية التي تميز هذا الاستخدام للأدرينالين عن الاستخدام النمطي السلبي المرتبط بالضغط:

يقول "روز": "يتشكل الأدرينالين لدى معظمنا طوال اليوم من خلال الشعور بالضغط، ولكنَّنا لا نقوم حياله بأي شيء لأنَّنا نبقى جالسين في كراسينا أو سياراتنا دون أن نستغل هذه الجرعة من الأدرينالين. ولكنَّنا حينما نحرق الأدرينالين من خلال أنواع محددة من التمارين الشاقة تبدأ الأشياء الجيدة بالظهور".

لذا جرب أن تهيء نفسك للحظة التي تكون فيها مستعداً لإظهار تلك الأمور الجيدة من خلال البحث عن النشاط الذي يساعدك على الاستفادة من الأدرينالين، إذ يقول "أوريان تال" (Orian Tal) عضو مجموعة (Adidas Gameplan) أنَّه حصل على الفائدة نفسها من (مبدأ التدرب) الباركور، والمشي، والجري، ورفع الأثقال، وقد ترى التأثير نفسه من خلال مشاهدة أفلام الرعب، لذا جرب عدة بدائل مختلفة حتى تصل إلى النشاط الذي يحفز النوع الإيجابي من الأدرينالين لديك.

3- جرّب أموراً جديدة:

يمثل استكشاف أنشطة جديدة لتحفيز الأدرينالين أحد العوامل التي تفيد في تعزيز الإبداع ناهيك عن كون ذلك طريقةً لتغيير الطريقة التي يتعامل فيها دماغك مع هرمونات الضغط، وقد يقوي هذا كذلك إلى زيادة ما يُعرَف بـ "الذكاء السائل" والذي عرَّفَتْه إحدى الدراسات التي نُشرَتْ في مجلة (Proceedings of the National Academy of Sciences) بأنَّه القدرة على التفكير في المشكلات وحلها بمعزلٍ عن المعارف المكتسبة السابقة.

إنَّ التمتع بقدر أكبر من الذكاء السائل يعني أن تكون أكثر إبداعاً، والجيد في الأمر هو أنَّ الذكاء السائل يُعَدُّ من الأمور التي تستطيع السعي إلى تحسينها، والسبيل الرئيس لذلك هو مواجهة عقلك بمحفزاتٍ جديدة.


اقرأ أيضاً:
8 عادات يوميّة تزيد الذكاء


فكلما تعلمت شيئاً جديداً، أو شاركت في أنشطةٍ جديدة، أو توصلت إلى مفهومٍ جديد فإنَّ عقلك يعيد برمجة نفسه ليتجاوب مع تلك الأنشطة. وأي شيءٍ يجعلك تشعر بقدرٍ كبيرٍ من الارتياح لا يُعَدُّ حقيقةً مفيداً لتطور دماغك، وإذا لم يشكل ما تقوم به تحدياً لك فلا تعتمد عليه في التغيير.

الخلاصة هي أنَّه إذا كان القفز من الطائرة من أجل تعزيز الإبداع فقط يبدو بأنَّه لا يستحق كل هذا العناء فلا تقلق، وتعلُّم كيفية استغلال الأدرينالين لا يُعَدُّ الطريقة الوحيدة لتعزيز الذكاء السائل إذ إنَّ ذلك يُعَدُّ ممكناً أيضاً من خلال السعي المستمر لعيش تجارب جديدة، فحتى بعض الأمور البسيطة كزيارة معرضٍ جديد أو إجراء حوارٍ مثير مع شخصٍ جديد يمكن أن يكون له مفعول السحر مع قدرتك على الإبداع.

 

المصدر




مقالات مرتبطة