ما الذي يحدث عندما يساعد الأجداد في تربية الأبناء؟

لطالما كان للأجداد أهمية في العائلات في جميع الأزمنة، مع وجود اختلافات في دورهم في حياة الأحفاد باختلاف البلدان والثقافات.



في "الولايات المتحدة الأمريكية" (USA) كان ما يقرب من 10% من الأجداد يعيشون مع حفيد لهم في عام 2012، أما في "إفريقيا" (Africa) و"آسيا" (Asia) فإنَّ العيش مع الأجداد والوالدين هو أمر أكثر شيوعاً من العالم الغربي.

تساعد دراسات حديثة عدة تتناول حياة العائلات في البلدان الآسيوية على إلقاء الضوء على دور الأجداد في التربية التي يمارسها الأبوان. ويُعرِّف الباحثون هذه الحالة على أنَّها تقاسُم لدور الرعاية وتشاركية في مسؤولية التربية بين شخصين أو أكثر من البالغين.

وتشير هذه الدراسات إلى أنَّ الأطفال يستفيدون عندما يكون للوالدين علاقات قوية مع الأجداد، وتقدِّم بعض الطرائق التي يمكن من خلالها الحفاظ على هذه العلاقة وتطويرها.

تأثيرات الانسجام بين الآباء والأجداد في تعزيز مهارات الأطفال الاجتماعية:

عندما يتعاون الآباء والأجداد فإنَّ كلاً من الآباء والأولاد يجنون الفوائد.

قامت الباحثة "شياووي لي" (Xiaowei Li) وزملاؤها مؤخراً بدراسة المشاركة بين الأجداد والوالدين في رعاية الأطفال وتربيتهم في "الصين" (China)؛ إذ تكون هذه العلاقة شائعة جداً.

وفي دراسة أجرتها عام 2019، أكملت ما يقرب من 180 أماً لديهن أطفال في سن ما قبل المدرسة استبانات عن مشاركتهن في التربية، وكانت معظم هذه الأمهات يعشن ضمن عائلات مكونة من آباء وأجداد وأحفاد؛ أي إنَّها احتوت على ثلاثة أجيال، وكان لدى 80% من هذه العائلات طفل واحد فقط.

طرحت الاستبانة سؤالاً عن الجوانب الإيجابية للعلاقة بين الوالدين والأجداد، مثل مقدار اتفاقهم، وقوة العلاقة بينهم، ودعمهم بعضهم بعضاً، وتأييدهم لدور الأجداد التربوي، بالإضافة إلى السؤال عن الجوانب غير المرغوبة في العلاقة، مثل مقدار تقويض الأجداد لدور الآباء في التربية، أو عدم تأدية الأجداد لدورهم التربوي. وكم مرة جرى خلاف حاد بين الآباء والأجداد أمام الأطفال.

كما تعرَّف الباحثون أيضاً شعور الأمهات فيما يتعلق باستعمالهن لاستراتيجيات التربية وتعليم أطفالهن المهارات المناسبة لأعمارهم. وبعد ستة أشهر من إجراء الاستبانة، أجابت الأمهات عن أسئلة عن الكفاءة الاجتماعية لأطفالهن؛ أي إلى أي مدى تمكنوا من التعايش مع الآخرين.

وكانت النتائج، أنَّ الأمهات اللاتي لديهن علاقة شراكة قوية مع الأجداد - غالباً مع الجدات - يملن إلى الشعور بأنَّ دورهن بصفتهن والدات أكثر فاعلية، وفي المقابل كان أطفالهن يظهرون مستويات أعلى من الكفاءة الاجتماعية بعد ستة أشهر من إجراء الاستبانة.

ويشرح الباحثون هذه النتائج، بأنَّ الأجداد وبخبرتهم الأبوية الغنية، يمكنهم تقديم الدعم ونموذج عن قدوة يُحتذى بها. كما أنَّهم يشجعون الآباء عندما يتعاونون في تربية الأطفال، وهذا قد يؤثر في شعور الأمهات بفاعلية دورهن التربوي. وعندما تشعر الأمهات بمزيد من الثقة، فيمكنهن تأدية دورهن التربوي بمزيد من الإيجابية والمثابرة، وهذا يعزز فاعلية الأطفال في المجتمع.

وأكمل أكثر من 250 من الأزواج في "الصين"، من أمهات وآباء استبانات عن علاقتهم مع أحد الأجداد الذي يمارس الدور الرئيس في التربية المشتركة، وكانت نسبة 85% منهم من الجدات و15% منهم من الأجداد. قُدِّمت لهم الاستبانات مرتين خلال 10 أشهر.

شاهد بالفديو: 8 طرق لتنمية الذكاء الاجتماعي للطفل

كما أكملت الأمهات أيضاً استبانات عن التحكم الفعال لدى أطفالهن؛ أي قدرة الطفل على استعمال حواسه للانتباه وتثبيط الاستجابات السلوكية، من أجل تنظيم العواطف والسلوكات ذات الصلة.

ووجدت الدراسة أنَّ الآباء والأمهات الذين كانت تربطهم علاقة على صعيد الدور التربوي مماثلة من حيث جودتها للعلاقة التي تربطهما بالأجداد في سياق الدور التربوي أيضاً، يكون لدى أطفالهم قدرة أكبر على التحكم الفعال؛ وذلك بعد انقضاء الأشهر العشرة من الدراسة.

بعبارة أخرى، عندما يكون الوالدان كلاهما على وفاق في رؤيتهما لجودة علاقاتهما مع الأجداد، على سبيل المثال: عندما يتفق كل من الآباء والأمهات على أنَّهم يعملون جيداً بوصفهم فريقاً واحداً مع الأجداد، فإنَّ هذا يعود بالفائدة على الأطفال.

من ناحية أخرى، عندما يكون لدى أحد الوالدين علاقة أفضل فيما يخص الدور التربوي مع أحد الأجداد أكثر من علاقتهم مع الشريك، فإنَّ أطفالهم يعانون من انخفاض في قدرات التحكم الفعال.

وتقترح "لي" وزملاؤها، أنَّه عندما لا تكون العلاقات الأبوية المشتركة بين الوالدين والأجداد على توافق، فإنَّ الصراع والخلاف بين الأمهات والآباء يمكن أن يؤثر في الجو العاطفي للأسرة، ومن ثَمَّ يستنزف طاقة الأطفال وقدرتهم على التعايش مع الظروف.

وفي المقابل، يمكن أن يؤدي الانسجام بين الوالدين والأجداد إلى خلق بيئة مناسبة أكثر لتنشئة الأطفال، وهذا يزيد من قدرتهم على التحكم الفعال. كما يمكن أن تؤثر الخلافات بين الوالدين والأجداد في العلاقات الأسرية الأخرى.

وفي دراسة أخرى أُجريت في عام 2020، ألقت "لي" وزملاؤها نظرة أعمق على العلاقة القائمة بين ثلاثة أجيال مختلفة. إذ قاسوا بالإضافة إلى قياس جودة العلاقات بين الوالدين والأجداد، جودة العلاقات بين الوالدين وعلاقاتهما مع أطفالهما؛ وذلك في أكثر من 300 أسرة في "الصين" لديهم أطفال في سن ما قبل المدرسة.

وكان السؤال الرئيس في الدراسة هو عن تكرار الخلافات بين الوالدين خلال زواجهم، كما سألوا عن مقدار التقارب والخلاف، والاستقلالية التي يتمتع بها أطفالهم في هذه العلاقة.

وكانت النتائج أنَّ العائلات التي تتمتع بعلاقات أفضل بين الوالدين والأجداد تعاني من خلافات أقل على صعيد العلاقة بين الزوجين، ومن ثَمَّ علاقات أفضل بين الوالدين وأطفالهما.

تقول "لي": "هناك قول مأثور في الصين وهو أنَّ كل شيء سيكون على ما يرام عندما تكون الأسرة على وئام؛ وهذا يعني أنَّ الانسجام في الأسرة هو الأكثر أهمية، وحتى في حالات الخلاف يجب على الآباء والأجداد وضع مصلحة أسرتهم ضمن أهم الأولويات، والسيطرة على مشاعرهم السلبية؛ وذلك لأنَّه في حال حدثت نزاعات أو تصادمات بين الآباء والأجداد فإنَّ ذلك يمكن أن يؤثر في نواحٍ أخرى من العلاقات الأسرية".

إقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين التربية المشتركة والتربية المنفصلة؟

فوائد التواصل بين الآباء والأجداد لتعزيز علاقتهم على صعيد الدور التربوي:

قد نتساءل عما يمكن أن يفعله الآباء والأجداد من أجل تقوية علاقتهم وجعلها أكثر انسجاماً، وهناك دراسة جديدة تقدِّم دليلاً عن دور التواصل الجيد في تحسين هذه العلاقة.

التشاركية في الدور الأبوي أمر شائع في "فيتنام" (Vietnam)؛ إذ يعيش 50% من الأجداد مع أحفادهم. وقد استكشفت دراسة أجرتها "نام فونغ هوانغ" (Nam-Phuong Hoang)، وأُجريت على أكثر من 500 من الآباء والأمهات في "فيتنام"، وتناولت التعاون والخلافات في العلاقة بين الآباء والأجداد على صعيد المشاركة في تربية الأطفال الذين يبلغون من العمر 4 سنوات.

وفي سبيل الدراسة أجاب الأبوان - وكان معظمهم أمهات حصلن على التعليم الجامعي أو وصلوا إلى مراحل أعلى من التعليم - عن استبانات عن مقدار التقارب أو التنافر في أساليب التواصل مع الأجداد، كما سُئلوا عن السلوكات المسيطرة لدى الأجداد، مثل شعورهم بخيبة الأمل إذا لم يُعتمَد عليهم، أو ما إذا كانوا يتدخلون في مشكلات الآباء.

ووجد الباحثون أنَّ الآباء الذين لديهم أنماط تواصل أكثر انفتاحاً يميلون أكثر إلى إقامة علاقات تعاون مع الأجداد، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الأجداد الذين كان لديهم مستوى أقل من السلوكات النفسية المسيطرة، تمتعوا بأنماط تواصل أكثر انفتاحاً، ومن ثمَّ خلافات أقل على صعيد دورهم التربوي المشترك مع الآباء.

وتشرح "هوانغ" وزملاؤها أنَّ الآباء يمكنهم تحقيق ديناميكية أكثر توازناً في دور الرعاية المشترك مع الأجداد؛ وذلك من خلال بناء مهارات التواصل البناءة بهدف حل الخلافات. وتنطوي علاقات التواصل المنفتحة على شعور الطرفين بإمكانية تبادُل الآراء بحرية ودون قيود، فيشعر الطرفان كلاهما بأنَّ الطرف الآخر يتفهمه.

يسلِّط البحث الأخير عن دور الأجداد، الضوء على أنَّ تقاسُم المسؤوليات المرتبطة برعاية الأطفال لا يخلو من التحديات؛ لكنَّ مشاركة الأجداد في تربية الأطفال يمكن أن تعود بفوائد كبيرة على العائلات وعلى الأجداد أنفسهم.

المصدر




مقالات مرتبطة