لماذا يعتبر النوع الصحيح من التجاهل أمراً جيداً في اتخاذ القرار؟

يبدو أنَّ هناك خيارات لا حصر لها في العالم اليوم، ومع زيادة الخيارات تأتي خيارات متزايدة، وقد يبدو هذا شيئاً جيداً، لكنَّه ليس كذلك بالنسبة إلى معظم الناس، فالمزيد من الخيارات يعني المزيد من القرارات، ويمكن أن يؤدي الإرهاق من اتخاذ القرارات إلى الوقوع في دائرة الأفكار السلبية.



الكثير من الخيارات التي تواجهها على أساس يومي لا تؤدي إلى أيَّة نتيجة، فبدلاً من السماح لمزيد من الخيارات، فأنت بحاجة إلى الفطنة والثقة للتخلص من جميع الخيارات، التي لستَ على دراية بها بعد، ومن الصعب للغاية أن يركز عقلك على الأفكار الخاطئة؛ حيث يقول عالم النفس "باري شوارتز" (Barry Schwartz) في كتابه "التناقض في الاختيار" (The Paradox of Choice):

  • تفترض أنَّ المزيد من الخيارات يعني بالضرورة خيارات أفضل ورضا أكبر.
  • تجعلك كثرة الخيارات تشكك في القرارات التي تتخذها قبل أن تتخذها.
  • يتركك فائض الخيارات في حالة دائمة من "الخوف من فوات الشيء" (FOMO)، والتي تجعلك تتوخى الحذر وتتساءل عن القرارات التي اتخذتَها.
  • يضعك هذا في حالة توتر مستمر؛ حيث تشعر وكأنَّك تقصر باستمرار وتشكك في القرارات التي اتخذتَها وتتساءل عما كان يمكن أن يحدث.

إنَّ امتلاك الخيارات أمر جيد، لكنَّ أفضل صانعي القرار يتجنبون عن قصد جميع الخيارات المتاحة تقريباً، قال "جيسون فرايد" (Jason Fried) مؤسس شركة "بيز كامب" (Basecamp)، ذات مرة: "أنا أغفل تماماً عن الكثير من الأشياء عن قصد، فلا أريد أن أتأثر كثيراً".

يتطلب الأمر الثقة والجرأة لقول: "أنا أوافق على هذا القرار، فهذا ما أنا ملتزم به وجاد بشأنه، ومن ثم، فأنا أتخلص من كل شيء آخر الآن، وأنا بحاجة إلى التركيز، ولا يمكنني تشتيت انتباهي بسبب ضجيج وأعمال أي شخص آخر"، فإذا كنتَ جاداً في تحقيق الأهداف والمضي قدماً عن قصد، فيجب عليك أن تكون في بيئة تحميك من العالم.

لا يعني التجاهل الاستراتيجي أن تكون منغلق الذهن؛ حيث يتعلق الأمر بمعرفة ما تريد وأنَّك يمكن بسهولة أن تنحرف عن مسارك، فبدلاً من وضع نفسك في مواقف غبية بالاعتماد على قوة الإرادة، يمكنك ببساطة تجنب هذه المواقف، وحتى المواقف المدهشة التي تعرف أنَّها تشتت انتباهك في النهاية، فأنت من يضع الحدود، لتحقق أولوياتك وقيمك وأحلامك.

قال "بيتر ديمانديس" (Peter Diamandis)، أحد أبرز الخبراء في العالم في مجال ريادة الأعمال والإبداع: "لقد توقفتُ عن مشاهدة الأخبار التلفزيونية، فلم تقدِّم لي أيَّة فائدة"، ولقد اعتمد "ديامانديس" (Diamandis) على التجاهل الاستراتيجي، فقد خلق بيئة لحماية نفسه من مصادر التشتيت والسلبية من وسائل الإعلام الإخبارية، مع البقاء على اطلاع بالموضوعات التي يهتم بها من خلال مصادر موثوقة؛ حيث يتطلب التجاهل الانتقائي أن تكون شخصاً ناجحاً ومبدعاً.

مثال آخر هو رجل الأعمال الأمريكي "سيث جودين" (Seth Godin)، الذي لا يقرأ التعليقات الموجودة على منصة "أمازون" (Amazon) عن كتبه، لقد اعتاد أن يفعل ذلك، لكنَّ ذلك كان يجعله يشعر بالخوف ويشكك في نفسه؛ لذلك في النهاية توقف عن فعل ذلك.

يتجاهل "جودين" (Godin) ما يقوله المنتقدون؛ ونتيجة لذلك هو دائماً في أفضل حال، فهو لا يحتاج إلى أن يتوتر ويزعج نفسه، والجهل الانتقائي ليس تجنب التعلم، كما أنَّه ليس تجنباً لتلقِّي التغذية الراجعة؛ بل ببساطة ذكاء ومعرفة أنَّه مع بعض الأشياء والأشخاص، لن يكون الانتقاد يستحق الإصغاء إليه أبداً، فهو يعرف ما يجب تجنبه.

إقرأ أيضاً: لكي تضمن تقدمك في الحياة لا بد أن تتقن فن التغافل!

يتلقى "جودين" (Godin) تغذية راجعة دون شك، لكنَّه يحصل عليها من مصادر تساعده على تقديم عمل أفضل، وليس تغذية راجعة تهدف إلى تدميره.

لقد كان "ديامانديس" (Diamandis) على اطلاع بالأحداث الجارية، فهذا من الضروري لعمله ومستقبله وبصفته شخصاً يحاول إحداث تغيير عالمي، لكنَّه يحصل على معلوماته من مصادر ثمينة، فقد صمم بيئة لا تصل إليها إلا المعلومات الثمينة، ومن ناحية أخرى، لن تضطر إلى التعامل مع إجهاد القرار واستنفاد قوة الإرادة، ولن تضطر إلى إضاعة الوقت في التفكير في شيء تعرف بالفعل أنَّك لا تريده.

من حيث صلة الأمر بالفرص، من الجيد أن يكون لديك أنظمة حتى لا تضطر إلى التفكير في كل قرار، على سبيل المثال: يمكنك تعيين شخص يساعدك على إنشاء قوائم للفرص التي تُقدَّم لك، ولا يعرضها عليك إذا لم تستوفِ المعايير الخاصة بك، ولكن بدلاً من ذلك، يرد على رسائل البريد الإلكتروني ويخبر المرسل أنَّه لا يمكنك الرد عليه الآن.

إقرأ أيضاً: 9 خطوات لتكون حازماً في اتخاذ القرارات

بالطبع، أنت تريد التعرف إلى طرائق جديدة ومختلفة للعيش، ويتطلب التقدم أن تكون مدركاً للأشياء التي لا تدركها حالياً، ويتعلق التجاهل الاستراتيجي بتجاهل أو حماية نفسك عمداً مما تعرفه بالفعل أنَّه يشتتك أو يعوقك عن تحقيق النجاح في المستقبل، وبذلك ستضمن وصول الأشياء الجديدة الصحيحة فقط إليك.

فكر في جميع الأشياء التي تحصل عليها حالياً، والتي تعمل على التخريب على من تريد أن تكون وما تريد تحقيقه، فبدلاً من الاعتماد على قوة الإرادة، تعلَّم كيف تصبح جاهلاً بهذه الأشياء، وفي أي مجالات من حياتك تحتاج إلى تطبيق التجاهل الاستراتيجي، وما الذي تدركه حالياً أو تبالغ به بشكل مفرط.

المصدر




مقالات مرتبطة