لماذا يجد بعض الأشخاص الاعتذار صعباً؟

يتساءل العديد من القراء عن الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص غير قادرين على الاعتذار، حتى عندما يكون من الواضح أنَّهم مخطئون، فهل هم عنيدون فحسب؟ أم أنَّ هناك مشكلة في شخصيتهم تمنعهم من تحمُّل مسؤولية أعمالهم والاعتذار ببساطة؟



لكي نكون واضحين، يفشل أحياناً حتى أكثر الأشخاص وجداناً في الاعتذار، وعندما يحدث هذا، فعادةً ما يكون السبب أحد أمرين:

  1. عدم الاهتمام بالشخص أو العلاقة إلى الحد الذي يُعيننا على تحمُّل الألم العاطفي للاعتراف بخطئنا والاعتذار عنه.
  2. الاعتقاد بأنَّ اعتذارنا لن يهم.

على سبيل المثال: لنفترض أنَّك غضبت من زميلك الذي قاطعك بينما كنت تسارع للانتهاء من مشروع ما بسرعة قبل موعد تسليمه النهائي، فإذا كنت تعتقد أنَّ زميلك في العمل يُضمر لك الضغينة بسبب حادثة سابقة، فقد تمتنع عن الاعتذار؛ لأنَّك تشعر أنَّه لن ينقذ علاقتك به حقاً، فيبدو الأشخاص الذين يتكبَّرون على الاعتذار أقوياء ويرفضون التراجع، لكنَّهم لا يفعلون هذا لأنَّهم أقوياء؛ بل لأنَّهم ضعفاء.

ولكن ماذا عن الأشخاص الذين لا يمكنهم أبداً الاعتراف بأنَّهم أخطؤوا، بصرف النظر عن الظروف؟ وما الذي يجعلهم غير قادرين على الاعتذار حتى عندما يكون من الواضح أنَّهم مخطئون؟ بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص، فإنَّ الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار يمثِّل تهديداً نفسياً كبيراً؛ فهو يعني أنَّهم أساؤوا إلى شخص آخر بطريقة ما؛ مما قد يثير مشاعر الخزي.

غالباً ما يشعر الأشخاص الذين لا يستطيعون الاعتذار بمشاعر عميقة من تدنِّي قيمة الذات بحيث لا يستطيع غرورهم الهش من استيعاب ألم الاعتراف بأنَّهم مخطئون؛ مما يثير آليات دفاعهم في بعض الأحيان دون وعي، وقد يلقون اللوم على الظروف، ويجادلون في الحقائق الأساسية لدرء خطر الحط من شأنهم بتقديم اعتذار، وعندما يضاعفون من أخطائهم من خلال إلقاء الَّلوم على الظروف، أو إنكار الحقائق، أو مهاجمة الشخص الآخر أو الأشخاص المعنيين، يمكن أن يجعلوا أنفسهم يشعرون بالقوة بدلاً من الضعف.

شاهد بالفديو: 15 قول عن التسامح والغفران

ولسوء الحظ، يخطئ الكثير منا في تفسير دفاع هؤلاء الأشخاص الهش على أنَّه علامة قوة؛ وذلك لأنَّهم ظاهرياً يبدون أقوياء ويرفضون التراجع، لكنَّهم لا يفعلون هذا لأنَّهم أقوياء؛ بل لأنَّهم ضعفاء.

من الناحية النفسية، يُعَدُّ الاعتراف بأخطائنا أمراً غير مريح عاطفياً ومؤلماً ويقلل ثقتنا بأنفسنا، ويجب أن يكون احترامنا لذاتنا قوياً بما يكفي لتحمُّل هذا الانزعاج، من أجل تحمُّل المسؤولية والاعتذار، وفي الواقع، إذا كان تقديرنا لذاتنا عالياً ومستقراً، فيمكننا أن نتسامح مع الأذى المؤقت الذي ينطوي عليه الاعتذار، دون المساس بغرورنا.

إقرأ أيضاً: 4 طرق تساعدك على الاعتذار دون الشعور بأي إحراج

ولكن إذا كان تقديرنا لذاتنا مرتفعاً ظاهرياً وهشاً فعلياً، فيمكن لهذا الألم أن يخترق جدراننا الدفاعية ويحطِّم غرورنا، وفي الواقع، كقاعدة عامة نفسية، كلما كانت آليات الدفاع أكثر صرامة، زادت هشاشة الغرور الذي يحمونه.

الخطأ الذي نرتكبه عندما نواجه شخصاً غير قادر عادةً على الاعتذار هو أن نشعر بالغضب - لسبب وجيه بالطبع - ونحاول كسب جدالنا معه لأنَّنا على حق، لكنَّ الحقيقة المحزنة والمحبطة هي أنَّنا لا نستطيع أبداً الفوز بهذا الجدال، فحتى لو أظهرنا أنَّه مخطئ وقدَّمنا له الحقائق الدامغة التي لا جدال فيها، سوف ينكر تلك الحقائق أو يتحول إلى هجوم شخصي ويتهمنا بافتعال المشكلات.

في هذه المواقف، أفضل ما يمكننا القيام به هو توضيح وجهات نظرنا بهدوء والإقناع قدر الإمكان ثم التوقف عن تقديم الحجج عندما تصبح غير منتجة، مثلما يحدث عندما يتعارض كلام الشخص الآخر مع الحقائق، أو يتوصل إلى أعذار سخيفة أو يتمحور حديثه حول الملاحظات التافهة، وعندما يهدأ ويتوقف عن الشعور بأنَّه مُهاجَم، يمكننا البحث عن علامات الندم، كاللطف أو الاهتمام الزائدَين، فهذه هي طريقته في محاولة إصلاح العلاقة معنا دون وعي بأساليب لا تهدد إحساسه بالذات، ومن خلال التصرف بهذا الشكل بعد سوء تصرفه، يمكن أن يشعر بالرضا عن نفسه وليس بالسوء.

إقرأ أيضاً: كيفيّة الاعتذار، طلب العفو بلباقة

ما الذي يمكنك فعله حيال الأشخاص الذين لا يعتذرون في حياتك، خاصةً إذا كانوا من أفراد عائلتك أو زملاء العمل أو الأصدقاء؟

إذا لم يكونوا أشخاصاً تتفاعل معهم بانتظام، فيمكنك التفكير في تقليل التواصل معهم، لكن إذا كانت علاقتك وثيقة بهم، فعليك التعايش معهم بسلام.

أفضل طريقة للقيام بذلك هي قبول سلوكهم على الرغم من أنَّه مزعج، وإدراك أنَّهم ببساطة غير قادرين نفسياً على الاعتذار، وعلاوة على ذلك، فهم لن يتغيروا؛ لذا يمكن أن يساعدك التقبُّل على الانسحاب من الجدال معهم ويساعدك على الحد من مشاعر الإحباط والغضب والأذى، وبعد ذلك، إذا كان الشخص الذي لا يعتذر شخصاً قريباً منك، فيمكنك التعامل معه بلطف وشفقة من خلال تذكير نفسك بأنَّ عناده هذا علامة ضعف.

في الختام

نمرُّ جميعاً بلحظات نرفض فيها الاعتراف بأنَّنا مخطئون، ولكن عندما لا يتحمل شخص ما المسؤولية أبداً ويكون عادةً غير قادر على الاعتذار، فهذه علامة على أنَّه شخص ذو غرور هش وثقة ضعيفة بالذات.

المصدر




مقالات مرتبطة