لماذا يجب علينا إخبار الشريك بما نحتاجه منه؟

هناك نوعان من الأكاذيب: نوع يخدم مصالح ذاتية، ويحجب السلوك السيئ لتجنُّب العواقب؛ وآخر يكون مفاده الخير، ومحاولة إنقاذ شخصٍ ما من المشاعر أو المعلومات التي قد تُلحِق الأذى به.



وفي حين أنَّ معظم الفلاسفة يؤكدون أنَّ الأكاذيب سيئة وخاطئة عموماً، إلَّا أنَّ بعضهم على استعداد للتمييز الأخلاقي بين الأكاذيب المختلفة بناءً على تأثيرها أو دوافعها؛ وذلك باعتبار أنَّ الأكاذيب ذات النية الحسنة أقل سوءاً، أو أنَّها خاطئة ولكنَّها مبرَّرة.

ينطبق الشيء نفسه على الكذب في العلاقات العاطفية؛ إذ لا ينبغي لنا أن نكذب على شركائنا عموماً، لكنَّ الكثير من الناس سيعترفون بأنَّ بعض الأكاذيب أسوأ من غيرها.

شاهد بالفيديو: 6 قواعد أساسيّة لنجاح العلاقة الزوجيّة

إنَّه لمن الواضح أنَّ الأكاذيب التي تحمل مصالح شخصية -مثل تلك التي يُطلَب فيها التستر على شيءٍ ما- خاطئة؛ إذ إنَّ من يكذب من أجل مصالح شخصية أو رغبات أنانية يضيف الخيانة إلى الخداع، ويعطي الأولوية للغش والمصالح الأنانية على حساب شريكه، ويحرمه من الاحترام الذي يستحقه.

وكذلك الكذب بشأن سوء التصرف، مثل أكل قطعة من الكعك في حين أنَّك وعدت شريكك بالامتناع عن الحلوى؛ إذ يعتقد بعضهم أنَّ هذا كذبٌ سيئ لأنَّ الآخر قد استخدم فيه الخداع لإخفاء مثل هذا التجاوز البسيط.

أمَّا الأكاذيب الخيرة، فليست أكثر من مسألة متفاوتة من شخصٍ إلى آخر، فقد يُعَدُّ أنَّه من الحماقة أن تكون صريحاً تماماً إذ سألك أحدهم: "هل تجعلني ثيابي هذه أبدو سميناً؟"، إذ يمكننا أن نتصور بسهولة أنَّ الشخص الذي يطرح هذا السؤال لا يتوقع -أو لا يريد- الأمانة الكاملة، ولكن يريد الطمأنينة والتعاطف.

إقرأ أيضاً: أوقفوا السخرية من زيادة الوزن في فترة انتشار وباء كورونا

لكن ومع ذلك، هناك نوعٌ من الأكاذيب الخيرة التي مهما كانت حسنة النية وغير أنانية، فقد تكون مدمرة للعلاقة بقدر الأكاذيب التي تخدم مصالح شخصية؛ وهي الأكاذيب التي يجري إخفاؤها لتمويه أو إخفاء ما يحتاجه الشركاء في علاقاتهم.

دعنا نأخذ مثالاً عن شخصين يُدعَيان (سمير) و(سالي)، ولنفترض أنَّهما متزوجان طيلة عشر سنوات، ويعيشان في سعادة كبيرة دون أي عوائق أو مشكلات كبيرة في علاقتهم؛ ولكن كان لكلٍّ منهما مشكلاته الخاصة على مدار العامين الماضيين.

عانت (سالي) من بعض المشكلات الصحية التي تسببت بتغيرات في جسدها، وكانت تخشى أن تجعلها أقل جاذبية أمام زوجها (سمير)؛ أمَّا (سمير)، فكان في جدالٍ مستمرٍّ مع شقيقه حول بعض الأمور، ممَّا أدى إلى تذكره لبعض المشكلات العاطفية من ماضيه، وبالتالي ضعُفَت ثقته بنفسه، وقد تسببت مشكلاته في انسحابه من حياة (سالي) في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إلى انتباهه أكثر من أيّ وقتٍ مضى؛ كما جعلت مشاعر (سالي) حول جسدها التواصلَ العاطفيَّ مع زوجها (سمير) أمراً صعباً عندما كان يحتاج إلى شخصٍ للتحدث معه عن عائلته؛ ورغم معرفة كلٍّ منهما بما يمرُّ به الآخر، لم يرغبا في تحديد ما يحتاجه كلٌّ منهما من شريكه.

لقد كانا يرفضان التعبير عن احتياجاتهما قائلَين: "أنا بخير، أنا بخير، لا تقلق بشأني، لديك مشكلاتك الخاصة، فلا تحمل همومي"، وذلك بدافع من الرغبة الصادقة والعاطفية لعدم وضع أيّ أعباء إضافية على عاتق الشريك؛ ولكن في إخفاء ما يحتاجون إليه عن بعضهم بعضاً، والكذب حول ما يحتاجون إليه حقاً، فإنَّهم لا يؤذون أنفسهم فحسب، بل يضرون بعضهم بعضاً أيضاً، ويفسدون علاقتهم نفسها عندما يكونون في أمسِّ الحاجة إليها.

إنَّنا نبني العلاقات لأسباب عديدة، ولعلَّ أهمها الاهتمام المتبادل؛ إذ تصبح الأوقات ممتعة ورائعة عندما نمتلك شخصاً مميزاً لنشاركها معه؛ وعندما نعاني، ندرك كم نحن بحاجةٍ حقاً إلى شخصٍ يقف في صفنا.

قد يكون هذا الشخص فرداً من العائلة أو صديقاً مقرباً، ولكن بالنسبة إلى الكثيرين منَّا، سيكون هذا هو الشخص الذي اخترنا مشاركته حياتنا وبيتنا وعاطفتنا؛ لكنَّنا نخسر هذا الغرض الأساسي من العلاقات عندما نحجب احتياجاتنا عن شركائنا، في حين أنَّهم الخيار الأنسب للمساعدة في التعامل مع هذه الاحتياجات.

قد يشعر شركاؤنا أنَّ هناك خطأ ما وأنَّنا بحاجة إليهم، لكنَّهم يشعرون بالعجز لأنَّنا لا نخبرهم بما نحتاج إليه؛ وقد نظن أنَّنا نتعامل بلطف وإحسان وإيثار، إذ يأتي هذا التردد في مشاركة معاناتنا من مكانٍ جيّدٍ بداخلنا؛ لكنَّنا ننسى أنَّ شركاءنا يريدون مساعدتنا، وقد يكون رفض التعاطف عندما تكون هناك حاجةٌ ماسّةٌ إليه مؤلماً وضاراً للغاية.

إقرأ أيضاً: ما هي النرجسية؟ وكيفية التعامل مع الشريك النرجسي؟

يجب على كلٍّ من (سالي) و(سمير) أن يكون صريحاً مع الآخر بشأن مشكلاته واحتياجاته، فلن يشعر كلٌّ منهما بالارتياح لكونه قادراً على المساعدة فحسب، بل سيجعلهما التصرف البسيط الذي يقوم على مساعدة بعضهما بعضاً يشعران بتحسنٍ تجاه أنفسهم، وربَّما يساعدهما في حلّ مشكلاتهما الخاصة أيضاً.

إنَّ (سالي) و(سمير) في علاقةٍ لأسباب عديدة، ومن أهمها التواجد مع بعضهما بعضاً خلال الأوقات العصيبة في الحياة؛ ولكنَّهما يحتاجان إلى أن يكونا صادقين مع بعضهما بعضاً حتى يتمكنا من القيام بذلك.

قد يكون الكذب الخَيّر في هذه الحالات ضاراً للغاية، ذلك لأنَّه يكون هزيمةً ذاتية؛ وعلى القدر نفسه من النبل الذي قد يبدو عليه الأمر، لا تنجح العلاقات القائمة على الذات، إذ يريد الناس أن تكون هناك حاجة إليهم، خاصةً من قِبَلِ أولئك الذين يحبونهم.

رغم أنَّ الأمر قد يبدو أنانياً، إلَّا أنَّ الصدق مع شريكك بشأن ما تحتاجه منه هو فعل خير حقاً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة