لماذا يجب أن نستمر في التعلُّم طوال الحياة؟

يرى معظمنا أنَّ نهاية تعليمنا الرسمي هي نهاية تعليمنا؛ إذ نترك المدرسة ونبدأ حياتنا المهنية ونحوِّل تركيزنا بعيداً عن التعلُّم، إلا أنَّ النمو والنضوج عملية تستمر طوال الحياة، ولا تقتصر على التعليم الرسمي؛ إذ إنَّ حكمتنا ومعرفتنا تتراكم تراكماً غير مباشر من خلال تجاربنا في الحياة.



لكن يمكن تسريع تطوُّر حكمتنا وتوسيعها من خلال المعرفة التي نكتسبها من تجارب الحياة التي ترافق تعلُّمنا؛ إذ يمكننا الاستفادة أكثر مما نعرفه، وفهم تجاربنا فهماً أفضل، وإذا كنَّا نرغب حقاً في تحقيق أقصى استفادة من أنفسنا والوصول إلى أعظم إمكاناتنا، فيجب أن ننظر إلى التعلُّم بوصفه عملية تستمر طوال الحياة، ولا يهم ما إذا كان التعلُّم ذاتياً أو في مؤسسة تعليمية.

1. محدودية الموارد:

توجد أسباب حتمية لانتهاء التعليم الرسمي، فبالنسبة إلى معظمنا فإنَّ تكريس سنوات كاملة للتعلم باستمرار أمر منطقي فقط عندما يكونون صغاراً أو في بداية حياتهم المهنية؛ لكنَّ تغيير المسار يُعدُّ أمراً مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً، كما أنَّنا لا نتمتع جميعاً برفاهية بدء حياة مهنية جديدة في مراحل متقدمة من حياتنا.

لذلك فإنَّنا مع اقتراب تعليمنا الإلزامي من نهايته علينا أن نقرر ما إذا كنا سنتابع التعلُّم بأنفسنا أو لا، وهو قرار يجب اتخاذه بناءً على مواردنا وظروفنا الحالية، والتي قد تكون في حدِّ ذاتها وفيرة ومريحة أو نادرة ومقيدة، كما توجد دائماً مسألة عائد الاستثمار التي يجب مراعاتها، وعائد الاستثمار هو نسبة مئوية بسيطة تُحسَب من خلال تقسيم صافي الربح (أو الخسارة) من الاستثمار على تكلفته، لمعرفة إن كان استثمار ما مجزياً أو لا ولمقارنته مع استثمارات أخرى.

قد يكون معظم الناس بحاجة إلى وقت وخبرة أكثر للتعرف إلى أنفسهم عندما يحين الوقت الذي يُجبَرون فيه على اتخاذ قرار بشأن مستقبلهم، وإذا استمروا في تعليمهم فإنَّهم يخاطرون بوقتهم وأموالهم في شيء قد يكون قليل الأهمية أو الفائدة.

يعتمد مستوى المخاطرة على الموارد والدعم المتاح للفرد المعني، فإذا كانت الموارد المالية شحيحة، فقد لا يكون من المنطقي المخاطرة بهذه الموارد في تعليم مكلف.

أولئك الذين يختارون المخاطرة يضطرون إلى الاستمرار في مسارهم التعليمي؛ لأنَّهم في حال قرروا تغييره، فسيضيع تقدمهم ووقتهم وأموالهم سدى.

قد يضطر هؤلاء الأفراد إلى الاستمرار في طريقهم نحو مسار وظيفي معين، وإن كانوا قد أدركوا منذ فترة طويلة أنَّ هذا المسار لم يعد هاماً، فيتغير الناس، وفترة الشباب هي وقت خطير لاتخاذ قرارات مصيرية طوال الحياة.

شاهد بالفديو: 8 طرق لتلتزم بالتعلم مدى الحياة

2. مقارنة غير منطقية:

إنَّ النهاية الحتمية لتعليمنا الرسمي لا تعني نهاية تعليمنا غير الرسمي، من حسن حظنا أنَّنا نعيش في عصر تنتشر فيه المعرفة بالقراءة والكتابة وتنتشر الموارد التعليمية على نطاق واسع؛ لذلك يمكننا اختيار نموذج التعلُّم الذاتي المرن.

لنقارن مع التعليم الرسمي، يُقصد بالتعليم الرسمي عموماً التعليم الذي يؤدي إلى الحصول على شهادة، ومع ذلك فليس من المؤكد أنَّ المعرفة المكتسبة من هذه المؤهلات الرسمية ستؤدي في الواقع إلى أيِّ نمو شخصي أو تطوير للحكمة الحقيقية.

هذا نتيجة لعدم مرونة التعليم الرسمي؛ إذ يُطلب من أولئك الذين يسعون إلى الحصول على شهادات اتباع الإرشادات الصارمة لبرامجهم، كما أنَّهم مطالبون بدراسة برامج معينة في وقت معين.

في المقابل عندما نعتمد على التعليم الذاتي فإنَّنا نحدد الهيكلية التي سنسير عليها، ونظراً لأنَّنا نمتلك حرية كاملة بشأن محتوى تعليمنا وتوقيته، فيمكننا التأكد من قيمته، ومع ذلك فإنَّ القيمة لا تأتي في شكل شهادات وأوراق رسمية؛ لذلك لا يمكن للتعليم الذاتي أن يحسِّن إمكاناتنا في الكسب بأيِّ طريقة مباشرة.

بدلاً من ذلك تكمن قيمته في تعزيز حكمتنا، نحن ننجذب في أيِّ مرحلة من مراحل حياتنا نحو ما يكمِّل المرحلة التي نحن فيها؛ إذ سنبحث طبيعياً عن المعلومات التي تلبي احتياجاتنا وفضولنا وتساؤلاتنا.

لذلك خلال تعليم أنفسنا فإنَّنا نقوم بدور فعَّال في تطوير الحكمة التي نحتاج إليها للتغلب على أزماتنا، بدلاً من الانتظار السلبي لتجارب الحياة لتعلِّمنا دروسها (والتي غالباً ما تكون مؤلمة).

إقرأ أيضاً: الحياة عملية تعلُّمٍ مستمرٍ متسلسل

3. تحدٍّ مجزٍ:

يتطلب التعليم الذاتي استثماراً مالياً قليلاً، وقد لا يتطلبه حتى، ومع أنَّه يتطلب الوقت، فإنَّه يمنحنا حرية اختيار الوقت الذي يناسبنا، كما أنَّه يتطلب اهتمامنا، فإنَّه يمنحنا حرية اختيار البرنامج الدراسي الذي يناسبنا، والعائق الوحيد أمام التعليم الذاتي هو الدافع، يقدم لنا التعليم الرسمي جدولاً للمواعيد النهائية ودعم المجتمع، وهو ما لا نجده في التعليم الذاتي.

يتطلب التغلب على هذه العقبة أن ننظر في قيمة تعليمنا وكذلك قيمة أنفسنا، وهنا تبرز أهمية احترام الذات؛ فإذا لم نعدَّ أنفسنا استثماراً مفيداً، فلن نتكبد عناء الاستثمار فيها، ويجب على أولئك الذين يرغبون في تحقيق أقصى استفادة من حياتهم أن يأخذوا تعلمهم على عاتقهم، يجب أن نتولى مسؤولية بناء أنظمة الدعم وهندستها والحوافز الخاصة بنا؛ وبذلك نصبح نحن من ننظِّم عقولنا ونحن من نختار مسار حياتنا.




مقالات مرتبطة