لماذا لا يمكننا التوقف عن التفكير في المشكلات نفسها؟

هل لاحظت أنَّك تعود مجدداً للتفكير في المشكلات والمواقف المؤلمة السابقة، وتصرُّ على إعادة السؤال عن السبب؟ يُعَدُّ الإدمان على التفكير في المشكلات ظاهرةً غريبةً بالفعل، ومع إرادتنا الواعية بعدم التفكير فيما يزعجنا، إلا أنَّنا نواصل التفكير في الأمر مجدداً، لماذا نفعل هذا؟ وكيف يمكننا كسر إدمان التفكير في المشكلات السابقة؟



بدايةً، علينا معرفة سبب عودتنا للتفكير في الحالات والمواقف المؤلمة؛ وذلك لاعتقادنا المتجذر بأنَّ التفكير الزائد في المشكلة سيعمل على إصلاحها. لقد تكيفنا منذ نعومة أظافرنا على الثقة بأنَّ التفكير هو حل كل معضلة، وهكذا، مع الآثار المؤلمة التي يسببها استرجاع ومواصلة التفكير في القضايا الماضية نفسها، إلا أنَّنا نستمر معتقدين أنَّنا سنأتي بحلٍ للمشكلة.

في نهاية المطاف، نفترض أن تؤدي جميع محاولاتنا إلى تحسين شعورنا الداخلي، ولكن في الواقع يجعل التفكير الزائد حالنا أسوأ من ذي قبل.

في الوقت ذاته، نستمر في استرجاع مشكلاتنا؛ وذلك لشعورنا بأنَّ التفكير في الوضع المؤلم هو وسيلتنا للتعاطف مع آلامنا، وأنَّ المرور بالصعوبات نفسها مراراً وتكراراً هو محاولتنا اليائسة لمواساة أنفسنا وإظهار الرحمة؛ لذا نستمر في التعجب من سوء وفظاعة الأمر الذي حلَّ بنا؛ وهذا يُشعرنا أنَّ ثمَّة من يُنصت لنا، حتى لو كان هذا الشخص هو نحن.

وعلاوةً على ذلك، نحن نتمسك بالعودة بذاكرتنا إلى ما يؤلمنا؛ وذلك لأنَّنا نزعم أنَّ تخطِّي الأمر وتجنُّب التفكير في الأمر، سيبدو كما لو أنَّنا نستهين بالألم.

للتوقف عن التفكير في مشكلاتنا السابقة، لا بد من التصرف - ونحن هنا نقدِّم مثالاً مُتخيَّلاً - تصرُّفاً يوحي أنَّ المشكلة الماضية لم تعد هامة بعد الآن؛ وهذا يعني من حيث الجوهر أن نتجاهل أنفسنا، وبهذه الطريقة تكون المبالغة في التفكير طريقةً لمكافأة معاناتنا بالرعاية والاهتمام.

شاهد بالفديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات

كيف نتخلى عن تكرار التفكير في المشكلة؟

مع كل الأسباب التي نختلقها للتفكير في مشكلاتنا، كيف يمكننا التوقف وتفكيك هذه الأفكار الشائكة؟

الخطوة الأولى في أيَّة عملية تغيير هي الوعي الذاتي، فلا يمكننا تغيير أي شيء إن لم نكن على علمٍ به؛ لذا، علينا أن نلاحظ زمن وكيفية استرجاع المشكلة أو الوضع الصعب الذي مررنا به، وعلينا أن نصبح واعين بالظروف التي تحفز أذهاننا على تذكُّر تفاصيل المشكلة، ونرى كيف يستمر العقل في تحويل انتباهنا إلى المعاناة السابقة.

وعندما ندرك ذلك، يجب أن نكون على استعدادٍ للاعتراف بأنَّ وضعنا الحالي لا يسمح بتقديم حل للمشكلة؛ ولذلك، علينا أن نتخلى عن الخيال والأوهام بأنَّ الإفراط في التفكير سيجد حلاً لها، ويجعلنا نشعر بتحسن، كما علينا أن نقبل أنَّنا لن نحصل على الكنز المفقود ضمن بئر الأفكار السلبية هذا، وبناءً عليه فلن نصل إلى حلٍ سحري بعد كل جولات التفكير التي قمنا بها.

علينا أن نتخلى عن الأمل في أن يؤدي المزيد من التفكير إلى الوصول إلى السلام الداخلي، وبدلاً من ذلك، علينا أن نكون منفتحين على إمكانية الوصول إلى طريق السلام عبر الابتعاد عن المشكلة وتقليل التفكير؛ إذ يُعَدُّ الاستسلام لعدم القدرة على اكتشاف حلٍّ ملاذاً آمناً أكثر من المحاولة الحثيثة لإيجاد حلٍّ دون طائل.

بالإضافة إلى ذلك، علينا تذكُّر أنَّ آلامنا جزءٌ لا يتجزأ من تجاربنا، سواء كنا نفكر في ذلك أم لا، لوقف عملية اجترار الآلام المستمرة، فإنَّ ما عانيناه من قبل جزءٌ لا يتجزأ مما نحن عليه الآن.

إنَّه جزءٌ منا ولا نحتاج إلى التفكير المستمر فيه لإبراز أهميته، أو العناية به، أو حتى الاحتفاظ به في ذاكرتنا، فليس علينا أن نستمر في إعادة إحياء الآلام في الوقت الحاضر لنبرز وجودها ضمن رصيد المعاناة الذي تعرَّضنا له خلال حياتنا.

راقب أفكارك ليومٍ واحد، ولاحظ اتجاه تركيزك، وما هي الأفكار التي تدور في ذهنك، وكن يقظاً عندما تفتح ملفات الآلام القديمة مرة أخرى، وخصوصاً فيما يتعلق بمشكلات أعدتَ النقاش فيها مرات عدة من قبل، ولاحظ تأثير إعادة التفكير في المشكلة في مزاجك وشعورك.

إقرأ أيضاً: كيف تواجه المشكلات الصعبة في الحياة؟

لنكن منصفين، نحن مدمنون على التفكير في مشكلاتنا؛ ذلك لأنَّ المعاناة جزءٌ من تكوين هويتنا؛ إذ لا بد من التفكير في التجارب التي مررنا بها، بوصفها نسيجاً واحداً مصنوعاً مما عشناه، وتحمَّلناه، ونجونا منه.

وتتشكل ملامح هويتنا إلى حدٍ كبير من رحم المعاناة؛ وذلك يقودنا لاعتقاد أنَّ الغوص في التفكير فيما يزعجنا أمر اعتيادي وأساسي؛ وهذا يتيح لنا أن نشعر أنَّنا على قيد الحياة، كما يمكننا أن نشعر بوجودنا، عندما تستحوذ مشكلةٌ ما على تركيزنا؛ إذ لا يوجد شيء، في الواقع، يُشعرنا بضرورة وجودنا في اللحظة الراهنة أكثر من إيجاد حل لمشكلة ما.

فكِّر مليِّاً: ربما لا يمكن إيجاد حل لهذه المشكلة، لا بالطريقة الاعتيادية، ولا بمزيدٍ من التفكير. وكتمرينٍ عملي، لنضع احتمالاً أن يكون الطريق إلى السلام الداخلي والشعور بتحسن بعد مواجهة أوقات صعبة، شيئاً غريباً للغاية، مثل: عدم التفكير في الأمر، أو الابتعاد عن المشكلة وتركها في الماضي دون إيجاد حل لها.

يبدو ذلك جنونياً، لكن علينا مواجهة حقيقة عدم وجود حل لكل مشكلة، حتى مع كل معارف الفرد، وعِظم شأنه.

إذاً؛ لنطبق هذه النصيحة اليوم، بدلاً من إعادة التفكير في المشكلة مرة أخرى، للحصول على الحل الثمين الخفي، لِمَ لا نفعل شيئاً مختلفاً كتحويل الانتباه بعيداً عن المشكلة، والعودة إلى اللحظة الراهنة، واختيار الخروج من المكان الخطأ والتحرك نحو ما نعيشه الآن، مع قليلٍ من الانتباه لعدم تكرار الممارسات القديمة الخاطئة.

لن يؤول الأمر للنتيجة الاعتيادية نفسها؛ إذاً، علينا تقبُّل حقيقة عدم وجود حل لكل معضلة، وأنَّه من الجيد ترك بعض الأمور الشائكة غير محسومة، كما يجب معرفة أنَّ التفكير المفرط لن يهدي إلى السلام الداخلي أبداً؛ لذا إذا كنت تبحث عن السلام الداخلي، فكن على استعداد لتجربة طريق مختلف.

المصدر




مقالات مرتبطة