لماذا لا يمكنك الجمع بين السعي نحو الكمال وريادة الأعمال؟

تخيّل شخصاً ناجحاً للغاية في عمله يشق طريقه قُدُماً في المؤسسة قرّر في يومٍ من الأيام أنَّ الوقت قد حان للبدء بعمله الخاص.

لقد كان سقف المعايير التي وضعها لنفسه ولعمله مرتفعاً للغاية، إذ كان يجب عليه القيام بكل شيء حتى وإن كان ذلك يعني العمل مدة 18 ساعة في اليوم، فربط ثقته بنفسه بمقدار ما ينجزه من أعمال وأصبح كل خطأ صغير يشكل هاجساً بالنسبة له.



هذا ما يبدو عليه الحال حينما يُقرّر شخصٌ مهووسٌ بالكمال أن يصبح رائداً للأعمال، وبالنسبة إلى معظمهم لا تنتهي الأمور نهاية جيّدة.

حيث يتطلّع الأشخاص المهووسون بالكمال إلى تحقيق نتائج غير منطقية ولا يمكن بلوغها غالباً مما يؤدي مع مرور الوقت إلى إصابتهم بأمراض عقلية وجسدية، فقد أظهر أحد الأبحاث في الواقع أن السعي نحو الكمال مرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمراض العقلية التي تشمل القلق والاكتئاب.

ومن هنا نجد أن اجتماع صفات الأشخاص الذين يسعون إلى الكمال وتوقعاتهم مع الضغوطات والعمليات التي ترافق حياة رائد الأعمال لا يُعدُّ أمراً جيداً.

تقديم النصح لن يُغيّر التوقعات التي يحملها الشخص داخله:

بعد أن يتّخذ رواد الأعمال قرارهم بالبدء بمشروعهم الخاص، يضع معظمهم خطة عمل ويطلبون النصح من المنتورز، والمدربين، والزملاء. فيُعرب البعض منهم عن تقديره لتلك النصائح ويقومون بتعديل خططهم وفقاً لها.

بيد أنَّ المهوسين بالكمال قد يتخذون موقفاً دفاعيَّاً أو يشعرون بالإحباط، حتى إنَّهم قد يمتنعون عن طلب النصيحة بالكامل لاعتبارهم ذلك دليلاً على ضعفهم، وهو ما يشير إلى أنَّ الكثير من المتاعب في انتظارهم كرواد أعمال.

والأمر الآخر الذي قد يقوم به هؤلاء الأشخاص هو تأجيل الافتتاح الرسمي لمشروعهم أو برنامجهم إلى أن "يكتمل" بصورةٍ مثالية، الأمر الذي من المرجح أنَّه لن يتحقق على أرض الواقع.

وخلال الوقت الذي يقلق فيه رائد الأعمال حيال مثالية المنتج أو الخطة فإنَّه يضيِّع فرصة بيع المنتج أو تشكيل قاعدة مستهلكين ومساعدة عدد أكبر من الأشخاص وتعديل خطة العمل لتناسب معدّل تطورّه وتحقيق نجاح أكبر.

لقد كان ستيف جوبز مؤسس شركة آبل أحد أكثر رواد الأعمال شهرةً وهوساً ببلوغ الكمال كذلك، وقد انتشرت الكثير من الأقاويل عنه وعن سعيه نحو الكمال، فكان دائماً ما يُدخل التعديلات على أجهزة ماك بوكس التي نحبها، ويُطالب الموظفين بإعلامه بجميع التفاصيل المتعلقة بكمبيوتر ماكنتوش، وقد يستشيط غضباً في وجه الموظفين أحياناً ويطردهم دون أي تردّد.

ولو لم يكن "جوبز" مبدعاً للغاية ولو أنَّه لم يتغيّر على المستوى الشخصي لما استمرت "آبل" إلى يومنا هذا على الأرجح.

هناك صوت للـ "أنا" ضمن الفريق:

تشكل إضافة أعضاء لفريق عملك نقطةً إيجابيةً بالنسبة إلى رواد الأعمال، فهي تعني أنَّ عملك ناجحٌ ويستطيع إعالة الموظفين. وقد تُعَدُّ كذلك بالنسبة إلى الساعين نحو الكمال إلا أنّها معهم قد تفتح المجال لحدوث خلافات في مكان العمل.

يؤمن الساعون نحو الكمال بالمقولة الشهيرة التي كانت تُردَّد قديماً: "إن أردت إتمام عملٍ ما بصورةٍ جيّدة فقم به بنفسك"، وهو ما يصْعُب تحقيقه عندما يترتب عليك إدارة العمل والموظفين فيه.

لتتمكّن من تطوير عملك يجب عليك تحديد المهام وتفويضها للفريق الخاص بك وبذلك يكون لديك الوقت الكافي لتركيز الاهتمام على إدارة الشركة وتطويرها. أمَّا إذ لم تثق بفريقك لاعتقادك أنَّه يجب عليك القيام بكل شيء بنفسك فلا فائدة من تعيين الموظفين لأنَّك سرعان ما ستجد نفسك غارقاً في العمل ومنهك القوى.

فإذا قام أحد المهوسين بالكمال بتفويض المهام لموظفٍ ما ولم تعجبه الطريقة التي أدى بها المهمة، فقد ينتقده ثم يقوم بتوجيهه إلى الطريقة التي رآها مناسبة، ممَّا سيشكل آلية عملٍ غير مريحةٍ مع الموظف وخاصةً إن كان يقوم بعمله بأسلوب جيد.   

وفي حالاتٍ أخرى قد يتم إخبار الموظف منذ البداية بكيفية القيام بكل المهمات، ولكن قد يكتشف الموظف بمرور الوقت طريقةً أخرى أفضل وفعالةً أكثر من الطريقة الأصلية، فيذهب لاستشارة المدير المهوس بالكمال، إلا أن المدير قد يَعُدُّ ذلك نقداً لعمله ويبدي انزعاجه وغضبه من الموظف وبذلك يصبح جو العمل غير مريح.


اقرأ أيضاً:
7 خطوات ضروريّة لتفويض ناجح


انعدام التوازن يؤدي لتزايد الضغط والانهيار في نهاية المطاف:

يُسبّب السعي الدائم إلى بلوغ الكمال إلى التوتر وزيادة ساعات العمل بأسلوب مبالغٍ فيه بغية بلوغ التوقعات المُفترضة، الأمر الذي قد يدفع الساعين إلى الكمال إلى زيادة ساعات عملهم باستمرار فلا يبقى إلَّا جزءٌ بسيطٌ جداً من وقتهم للعائلة أو للنشاطات الاجتماعية، وبذلك يقضون على أية فرصة لتحقيق التوازن بين حياتهم وعملهم.

بالنسبة للكثير من الساعين نحو الكمال يصبح العمل محور حياتهم بالكامل ولا يمنحون أنفسهم وقتاً للراحة أو إعادة تنظيم سير العمل اللذَيْن يساعدان الأشخاص على التخلّص من الضغط، فيصبح الوقت الذي يقضونه في العمل مليئاً بالضغط ويمضون ساعاتٍ كثيرةً في العمل دون تحصيل الكثير من النتائج وبذلك يصبح عملهم بلا جدوى ويؤدي إلى نتائج عكسية.

فساعات العمل الطويلة والمتواصلة التي تترافق مع التوتر الدائم قد تؤدي للإنهاك، وهو ما يشعر به رواد الأعمال أحياناً ويشعر به الساعون نحو الكمال دائماً!، لأن الأشخاص عندما يصلون إلى حافة الانهيار، لا يعود في إمكانهم العمل بكفاءة على أي مستوى، ويدل على ذلك العديد من الأمور منها: الأرق والإرهاق وفقدان الشهية والنسيان وضعف التركيز والانتباه.

السعي نحو الكمال دوامة منهكة لا نهاية لها، ولذلك لا يُعَدُّ الجمع بينها وبين الإجراءات الطبيعية المترافقة مع كونك رائداً للأعمال خياراً سليماً.


اقرأ أيضاً:
صفات رائد الأعمال الناجح، وأهم النصائح لرواد الأعمال المُبتدئين


إن كنت ساعياً نحو الكمال وتريد أن تصبح رائداً للأعمال، فمن الأفضل أن تبدأ بوضع خططك لتنظيم المشاريع واحرص على وجود الدعم الكافي حولك على الدوام، ولا تبالغ في تحديد الأمور التي تتقن إنجازها واحرص على الحفاظ على صحتك وعافيتك.

وفي نهاية المطاف نجد أن إتمام العمل أفضل من الانشغال بجعله مثالياً لأنَّه في حال لم يجد ذاك العمل الذي تسعى إلى جعله مثالياً طريقه إلى النور فإنَّه لن يقدم التأثير الذي تسعى إلى أن يقدمه. فربما آن الأوان للانتقال إلى عقلية " قم بذلك وحسب" والمضي قدماً في إتمام المهام وزيادة الإنجازات وتخصيص المزيد من الوقت لتهتم بشؤونك الخاصة وتنمية العمل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة