لماذا لا يحب البعض أفلام الرعب؟ سايكولوجيا الخوف

لماذا لا يحب بعض الناس أفلام الرعب؟ نعلم أنَّ معظم الناس يقولون إنَّهم يستمتعون بالرعب، لكن ما يزال هناك جزء كبير من الناس – الربع والثلث – يقولون إنَّهم لا يحبون مشاهدة هذه الأشياء.



منذ بضعة أشهر كنت أستقل قطاراً متجهاً إلى مدينتي، وكنت جالساً بجوار امرأة تُحيك وشاحاً من الصوف، فسألتُ في نفسي ما هو الشيء الممتع في الحياكة؟ أجبت نفسي إنَّها فائدة إنشاء شيء مفيد، لكن من الواضح أنَّ هذه المرأة كانت تستمتع بالعملية نفسها، ثم خطر لي أنَّه ربما يكون حبي لأفلام الرعب محيراً مثل حبها الواضح للحياكة بالنسبة إليَّ، وربما يتعلق الأمر بالتعرض والخبرة والتفضيلات الشخصية وطفولة الإنسان التي تجعله يحب شيئاً ما أو ينفر من شيء آخر.

بعض الناس لا يعرف عما يتحدَّث:

بعض الأشخاص الذين يقولون إنَّهم لا يحبون أفلام الرعب لا يعرفون في الواقع ما الذي يتحدثون عنه؛ إذ يسمعون عن "أفلام الرعب" ويتخيلونها مشاهد لمراهقين مخمورين يصرخون ويطاردهم أشرار يرتدون أقنعة سخيفة، فلا يسعني إلا أن أقول لهؤلاء الأشخاص: "لماذا لا تشاهدون فيلم رعب جيداً ومعرفة ما إذا كان من الممكن تحدي تصوراتكم المسبقة؟"، لكن لا نستطيع أن ننفي وجود فئة لا يستهان بها شاهدت العديد من أفلام الرعب الجيدة، ثم وصلت إلى استنتاج منطقي بأنَّ هذا النوع من الأفلام ليس نوعها المفضل.

بقعة الخوف الجميلة:

يوجد عامل آخر يتجلى في التباين الفردي بين الناس اكتشفه الباحثون وخلصوا إلى تسميته "بقعة الخوف الجميلة"، لقد وجد العلماء أنَّك إذا نظرت إلى العلاقة بين الخوف والمتعة في مجال الرعب، فهي ليست علاقة خطية؛ بل هي علاقة معكوسة على شكل حرف (U)، فلا يريد الناس أن يكون رعبهم مخيفاً للغاية، ولكنَّهم أيضاً لا يريدون أن يكون مخيفاً قليلاً.

يجب أن يصل مستوى الرعب إلى مكانهم المفضل، فالناس لديهم نقاط ممتعة مختلفة؛ إذ يتمتع بعضهم بدرجة عالية من التحمل لمشاعر الخوف، على سبيل المثال الباحثون عن الإثارة ومدمنو الأدرينالين، بينما يحتاج بعضهم الآخر إلى القليل من التحفيز للوصول إلى مكانهم الجميل.

إقرأ أيضاً: أفضل 8 أفلام عن نهاية العالم

لماذا نرى هذا الاختلاف بين الناس فيما يتعلق بأفلام الرعب؟

من المفترض أنَّ النقطة الجميلة تختلف وفقاً لشخصية الفرد، مثل مدى قدرة الشخص على الإحساس بالرعب أو مدى انفتاحه على التجربة أو مدى حاجته إلى هذا الإحساس، وقد يكون أيضاً مرتبطاً بحساسية النظام الإدراكي للشخص، ومن المفترض أنَّ بقعة الخوف الجميلة تتم معايرتها مع مرور الوقت ومع خوض مزيد من الخبرات أو التجارب سواء في الحياة اليومية أم في الأفلام والمسلسلات.

إذا كنت تشاهد الكثير من أفلام الرعب، فمن المحتمل أنَّك تبني طاقة تحمُّل تجاه هذا النوع من المشاعر، فتصبح معتاداً على الرعب، ومن ثم ستحتاج إلى جرعات أقوى للوصول إلى بقعة الخوف الجميلة الخاصة بك.

قد تختلف بقعة الخوف الجميلة وفقاً لعوامل أخرى، فإذا كنت مرهقاً أو متوتراً أو قلقاً فإنَّك تستجيب لمشاهد الرعب بسرعة أو بسهولة أكثر، أما إذا كنت مرتاحاً وتشعر بأنَّك في قمة السعادة، فقد ينزلق تحمُّلك في الاتجاه المعاكس، ولكنَّنا لسنا متأكدين تماماً من هذه الفكرة لأنَّه لا يوجد بحث عن هذا الأمر حتى الآن.

لماذا لا يحب بعض الناس أفلام الرعب؟

يبتعد بعض الأشخاص عن أفلام الرعب وهم يفعلون ذلك لأسباب وجيهة؛ إذ إنَّهم يعرفون أو يستشعرون أنَّهم لن يستمتعوا بالتحفيز الذي توفره أفلام الرعب، وربما يجد معظم هؤلاء الأشخاص طرائق أخرى لدغدغة عظم الخوف لديهم، ويبتعد الآخرون عن أفلام الرعب لمجرد أنَّ لديهم فهماً فقيراً لهذا النوع من الأفلام، على غرار الطريقة التي حيرتني بها الحياكة.

إذا كنت أحد هؤلاء الأشخاص، فإنَّ نصيحتي هي مشاهدة فيلم رعب لمعرفة سبب حب الناس لهذا النمط من الأفلام، فابحث عن شيء من المحتمل أن يجلب لك متعة من نوع آخر لم يسبق لك تجربتها من قبل، ولا بد أنَّ لديك صديقاً من عشاق أفلام الرعب يمكنه مساعدتك على العثور على شيء مناسب، فضع في حسبانك أنَّ هناك أدلة متزايدة تشير إلى أنَّ مشاهدة الأفلام المخيفة - والانخراط في أشكال أخرى من الخوف الترفيهي - قد يكون مفيداً لصحتك العقلية والنفسية.

تنشيط مركز الخوف في الدماغ:

أظهر الباحثون أنَّ البشر يدركون اقتراب الأصوات بشكل مختلف عن إدراكهم للأصوات المتراجعة؛ إذ إنَّنا نبالغ في تقدير مدى سرعة تحرك الصوت الذي يقترب منا، وقد سجل الباحثون نشاطاً أكبر في "مركز الخوف" في الدماغ عندما نسمع أصواتاً تقترب منا أكثر مما يحدث عندما نسمع أصواتاً تبتعد عنا.

هذا الميل إلى المبالغة في تقدير سرعة اقتراب الأصوات يسمى "التحيز السمعي"، ويُفترض أنَّه آلية بقاء بيولوجية، وتوجد أيضاً في قرود الريسوس، وهذا يشير إلى أنَّها متجذرة بعمق في سايكولوجيا الرئيسات، فإذا أدركنا تلقائياً الاقتراب السريع للصوت بوصفه علامة على الخطر (على سبيل المثال يتحرك حيوان مفترس جائع نحونا)، فهناك فرصة أكبر لأن نتفاعل بسرعة ونتكيف مع الحياة ونتجنب الافتراس.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتغلب على خوفك من المجهول

طائرات دون طيار:

مثال عن تأثير الرعب السمعي هو الدرون الموسيقية؛ إذ تُحدث الطيارة دون طيار صوتاً رتيباً مستمراً، فالطائرة دون طيار ليست مخيفة بالضرورة، ولكنَّها غالباً ما توجد في أفلام الرعب وتبدو مشؤومة، وربما يكون هذا بسبب عدم وجود مصدر واضح لصوت الطائرة دون طيار، ولا يمكننا رؤية مصدر الصوت، وتستمر في السير دون تغيير، كما يمكنك مشاهدة مثال جيد عن ذلك في فيلم الرعب لـ "جون كاربنتر" (The Thing)؛ إذ يتم استخدام صوت طائرة دون طيار لإثارة ترقب قلق.

الخوف من المجهول:

اعتدنا على ربط الأصوات بمصدر ذي معنى، ولكنَّ الطائرة دون طيار ليست مرتبطة بخطر ملموس ومحدَّد بوضوح مثل الزئير أو الصراخ، ومن الواضح أنَّ صوتها قد لا يعني أي شيء، لكن يبقى الخوف من المجهول أحد أكثر أنواع الخوف الأساسية التي يتسلح بها البشر، وهذا يثير توقعاً بأنَّ شيئاً سيئاً يمكن أن يحدث في أي وقت.

عندما لا نعرف ما إذا كان الشخص أو الموقف خطيراً أو يشكل مصدر تهديد - على سبيل المثال إذا كان شخص غريب يحدق بنا لفترة طويلة جداً، أو وجدنا أنفسنا وحدنا في غابة مظلمة - فإنَّنا ندرك ذلك على أنَّه مخيف ونتفاعل بحذر شديد بسبب تلقينا لإشارات الخطر، وبهذه الطريقة يمكن عَدُّ الطائرة دون طيار مخيفة وخاصة إذا ظهرت في فيلم رعب؛ إذ تعطي إحساساً بأنَّ شيئاً مخيفاً يمكن أن يحدث في أيَّة لحظة.

احترس من الصوت:

ليس من قبيل المصادفة أنَّ الصوت هام جداً في أفلام الرعب، فالبشر بطبيعتهم مجهزون لاكتشاف الأصوات والاستجابة لها؛ وذلك لأنَّ الصوت قد يحتوي على معلومات هامة جداً لبقائنا على قيد الحياة، مثل معلومات عن كمين لحيوان مفترس، وقد لا نكون قادرين على رؤية الفريسة أو المفترس المموه، لكن إذا كنا محظوظين فيمكننا سماعها.

بهذه الطريقة نحن مهتمون خاصة بالأصوات التي تشير إلى الخطر، مثل الأصوات العميقة أو الأصوات التي تقترب بسرعة أو الأصوات الشبيهة بالصراخ؛ وذلك لأنَّ هذه الأصوات كانت هامة لبقائنا على قيد الحياة لملايين السنين.

أفلام الرعب

أفلام الرعب واستغلال الصوت:

يعمل صانعو أفلام الرعب على تحفيز نظام الدفاع البيولوجي لدينا، وفيلم الرعب الجيد هو فيلم رعب مخيف، والصوت أداة فعالة بشكل خاص لأنَّك لا تستطيع حماية نفسك منه؛ إذ يمكننا حماية أنفسنا من الصور المخيفة بإغلاق أعيننا، لكن من الصعب حماية أنفسنا من الأصوات المخيفة لأنَّنا لا نستطيع إغلاق آذاننا ولأنَّنا لا نستمع فقط من خلال آذاننا.

الصوت عبارة عن موجات ضغط يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء الجسم، وحتى لو قمنا بتغطية آذاننا في أثناء عاصفة رعدية شديدة، فما يزال من الممكن الشعور بالانفجارات الناتجة عن ضربات البرق في الجسم ويتم تسجيلها بهذه الطريقة.

بالمثل يمكن للصوت من فيلم رعب – خاصة إذا كنت تشاهده في السينما أو لديك نظام صوتي جيد في المنزل – الدخول مباشرة إلى نظام الخوف البيولوجي لدينا، ولذلك إذا أصبح فيلم الرعب مخيفاً للغاية، فقد يكون من الجيد خفض مستوى الصوت أو تغطية أذنيك.

إقرأ أيضاً: أهم 9 قواعد لإتيكيت الدخول إلى قاعات السينما

في الختام:

ما نريد إيصاله ببساطة هو أنَّ الاختلاف الفردي في بقعة الخوف الجميلة قد يفسر سبب عدم إعجاب بعض الأشخاص بأفلام الرعب، ولكنَّهم على الرغم من ذلك يتمتعون بأشكال أقل حدة من الخوف الترفيهي، فربما يكونون من هواة مشاهدة أفلام الجريمة، وربما يحبون أفلام الإثارة، لكن يمكن أن يكون التحفيز الذي توفره أفلام الرعب في المتوسط ​ أكثر من اللازم بالنسبة إليهم، مثل الشخص الذي سيقبل القليل من الفلفل على البيتزا ولكنَّه سيجد صعوبة في تناول صلصة كارولينا الحارة جداً.




مقالات مرتبطة