لماذا لا نرى أنفسنا بوضوح؟

أحياناً وفي اليوم الواحد قد يمر تقديرنا لذاتنا بالكثير من القمم والوديان، ففي دقيقة واحدة قد نشعر بالثقة والرضى، وفي الدقيقة التالية قد نشعر بعدم الأمان وعدم الارتياح، وبقدر ما يمكن أن يكون هذا مقلقاً، فهو ليس أمراً نادراً، وغالباً لا يعتمد إدراكنا الذاتي على ما يحدث في حياتنا؛ بل على تشويش داخلي سلبي يُعرف باسم "الصوت الداخلي الناقد".



ما هو الصوت الداخلي الناقد؟

الصوت الداخلي الناقد هو نظام متكامل من الأفكار السلبية التي نحملها تجاه أنفسنا والآخرين، وغالباً ما يكون هذا العدو الداخلي هو السبب الأساسي في المشاعر التي لا نستطيع التحكم بها أو التعامل معها والتي قد تدفعنا إلى الكثير من السلوكات التي تعوقنا في الحياة، فنحن نشعر بهذا الصوت من الداخل، وهو ليس هلوسة سمعية، ولكنَّه يبدو سلسلةً من الأفكار والمواقف الاستجوابية والنقدية التي تحاصرنا طوال اليوم.

كيف يعمل الصوت الداخلي الناقد؟

يمكن أن تساعد المواقف المؤذية التي نمر بها مع آبائنا أو القائمين على رعايتنا، إضافة إلى الذكريات المؤلمة مع الأقران أو الأشقاء أو البالغين المؤثرين في حياتنا على تشكيل صوتنا الداخلي الناقد، فقد يجعلنا الأب أو الأم أو الصديق الرافض لنا نشعر بأنَّنا غير هامين أو أنَّنا عبء، وقد يجعلنا الأب المتطفل والمتسلط نشعر بأنَّنا مليؤون بالعيوب أو لسنا جيدين بما فيه الكفاية.

بوصفنا بالغين قد نواصل عيش حياة مستقلة ومستقرة، ولكنَّنا استوعبنا هذه المواقف وحملناها معنا، أما الجزء الصعب في هذه العملية هو أنَّنا نغدو عاجزين عن تصنيف هذه الأفكار على أنَّها قوى خارجية تلون وجهة نظرنا الواقعية، وبدلاً من ذلك، نرى أنَّ صوتنا الداخلي الناقد هو وجهة نظرنا الحقيقية التي تعبر عن الواقع.

شاهد: 10 أشياء تحرمك من متعة العيش بسلام داخلي

مثال يوضح كيفية تأثير الصوت الداخلي الناقد في حياتنا:

الصوت الداخلي الناقد مصيبة حقيقية؛ وذلك لأنَّه لا يملأ رؤوسنا فقط بالشك وقلة الثقة والتعليقات الحاقدة والتقييمات اللاذعة لكل شيء مثل كيف ننظر، وكيف نتصرف، ومن نحن، وماذا نستحق؛ لكن يمكنه أيضاً أن يثبط شعور الإنسان بذاته.

على سبيل المثال، إذا كنا نفكر فيما إذا كنا سنخرج ليلاً وألقينا نظرة على أنفسنا في المرآة، فقد يتسلل صوت ناقد مع تعليق مثل: "تبدو فظيعاً، لماذا عليك تكبد عناء ارتداء الملابس؟"، وعندما ندخل إلى الحمام، قد يأتي الصوت ويقول لك: "ما هو الهدف من الخروج؟ أنت غير محبوب اجتماعياً"، وفي اللحظة التي نرتدي فيها ملابسنا، قد يغير هذا الصوت طريقة كلامه فيقول: "لست بحاجة إلى الخروج، يمكنك البقاء ومشاهدة هذا المسلسل الذي تحبه ؛ وذلك لأنَّ الخروج سيجعلك تشعر بالإحباط".

قد يتحول الصوت بسرعة من كونه قاسياً وحاسماً إلى نغمة ناعمة وهادئة، ومع ذلك فإنَّ النتيجة هي نفسها، وفي اللحظة التي نستسلم فيها ونقرر البقاء في المنزل يصبح الصوت أقوى ويقول لك: "يا لك من فاشل، أنت في المنزل ليلة الجمعة مرة أخرى، ستكون دائماً وحدك"، ومن المفيد أن تتذكر أنَّ الصوت الناقد ليس في صالحنا أبداً، وقد تم تصميمه لإعادة تأكيد المعتقدات السلبية التي نتمسك بها عن أنفسنا، على سبيل المثال: "أنت قبيح ومحرَج وغير محبوب وغير ذلك".

هل نحن واعون حول عملية النقد الذاتي؟

غالباً ما نكون حساسين للنقد الذي يتناغم مع الأصوات الداخلية النقدية الموجودة مسبقاً في داخلنا، ونشعر أنَّنا لا نستطيع التعامل مع أيَّة انتقادات أو ملاحظات خارجية؛ وذلك لأنَّ صوتنا الداخلي الناقد يأخذ هذه العبارات ويهاجمنا بها بكل قسوة.

غالباً ما يكون رد الفعل المؤلم أو رد الفعل المبالغ به نتيجة لتذكر الظروف التي خلقت الصوت الداخلي الناقد في المقام الأول، على سبيل المثال، الأم أو الأب اللذان يتجاهلان أو يرفضان احتياجاتنا، يجعلاننا في المستقبل نشعر بأنَّنا مطالبون بتلبية احتياجات الآخرين.

نظراً لأنَّ المشاعر التي تتحكم بنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بماضينا، فإنَّنا غالباً ما نشعر بالخوف المفرط من ردود الفعل الخارجية تجاهنا؛ لذا قد نبالغ أو نسيء تفسير ما يقوله شريك أو صديق أو زميل في العمل لجعل الموقف يتناسب مع إحساس قديم ومؤلم بشكل غير واعٍ غالباً.

كيف يمكننا التخلص من الصوت الناقد ورؤية أنفسنا بوضوح؟

الطريقة الأهم للتخلص من سلبيات هذا الصوت هي احتضان الذات بكل تقبُّل ورحمة؛ إذ يركز التعاطف مع الذات على اللطف مع الذات بدلاً من تقييمها ونقدها، ويتضمن هذا اللطف إدراك حقيقة أنَّنا كثيراً ما نستمع لصوت داخلي لئيم لا يخدمنا، وللتغلب على هذا الصوت الداخلي، يجب علينا تحديد وقت ظهوره وفهم مصدره، وفصل وجهة نظرنا الحقيقية وتقويتها، وأخيراً تحدي السلوك الذي يقاوم هذا الصوت السلبي، فلن نقدر على القيام بذلك دون تأمين جو من التعاطف مع الذات.

وفقاً للباحثة "كريستين نيف" ينطوي التعاطف مع الذات على "الانفتاح على المعاناة الفردية، وتجربة مشاعر الاهتمام والطيبة تجاه الذات، واتخاذ موقف متفاهم غير متحيز تجاه أوجه القصور والضعف الموجودة لدينا، والاعتراف بأنَّ تجربة الفرد جزء من التجربة الإنسانية".

يسمح لنا التعاطف مع الذات بمقابلة الناقد الداخلي بتعاطف وتفهم، وسرعان ما تتوسع دائرة هذا التعاطف لتشمل الآخرين الذين يعيشون أيضاً في سجن صوتهم الداخلي الناقد، من خلال نقل تجربتنا الشخصية إليهم، وحثهم على الاستفادة منها بما يناسبهم.

فكر مثل السلحفاة:

إليك طريقة سهلة من ثلاث نصائح تضمن لك ممارسة تفكير السلحفاة التي تساعدك على رؤية نفسك بوضوح، ومن ثمَّ اتخاذ قرارات أفضل:

1. خذ نفساً عميقاً وهادئاً:

عندما تواجه قراراً هاماً من المفيد أن تؤمِّن لنفسك نقطة ثابتة من الهدوء والسلام حتى لو للحظة، فهذا يساعدك على اتخاذ القرارات بشكل أفضل.

2. اعرض قرارك هذا على اللاوعي:

اشرح لنفسك سبب أهمية القرار بالنسبة إليك، واطلب من اللاوعي أن يستجيب من عمق الحكمة والخبرة، ويمكنك أيضاً أن تخاطبه بالكلمات الآتية: "الرجاء مساعدتي على العثور على القرار الذي يخدم نفسي والآخرين على أفضل وجه، وأتمنى أن يقلل هذا القرار الضرر ويزيد الفرح".

3. استمع للاوعي والتقط الإجابة:

قد يصل اللاوعي إليك بطرائق عدة، وقد يصل عن طريق حلم أو فكرة تنبثق في رأسك أو شعور قوي في الجسد أو عاطفة، على كل حال استمع لما يقول، ومرة أخرى اسمح لنفسك بالعثور على نقطة ثابتة باستخدام التنفس لتهدئتك، فيمكنك المشي أو الجلوس في الطبيعة أو التحديق في السماء، وانفتح على الحكمة الفطرية الموجودة في داخلك.

كيف يرانا الآخرون؟

يعيش معظمنا في مجتمعات تمنعنا من الاستمتاع بما نريده وفي أن نكون ما نريده، وهذا يجعلنا نرتدي الأقنعة باستمرار ونمثل بدرجات متفاوتة أمام الآخرين، ونحن نفكر باستمرار في الصورة التي نعطيها للآخرين وكيف سيروننا؟ وما لا نعرفه هو أنَّ الناس في كثير من الأحيان لا يروننا كما نعتقد أو كما نودهم أن يروننا.

إذا سألت من حولك عن الصورة التي يرونك بها، فستكتشف أشياء لم تكن تعرفها عن نفسك، وسيساعدك ما يقولونه عنك على تكوين صورة حقيقية عن الطريقة التي تظهر بها أمام الآخرين، وفي بعض الأحيان نتأثر كثيراً بما نعتقد أنَّه متوقع منا، فكيف يريد الآخرون منا أن نكون؟ قد يخلق هذا صورة خارجية لنا لا تعبر عن حقيقة شخصيتنا وأفكارنا.

كل ما تعتقده عن نفسك يصبح حقيقة:

كل ما تعتقده عن نفسك سيصبح حقيقة بالنسبة إليك سواء كنت تريد ذلك أم لا، وكل ما يدور في رأسك سوف يُظهر نفسه بطريقة ما، لذلك فكر بإيجابية واترك الجانب السلبي للأشياء في مكان آخر، وسيكون التفكير بإيجابية في نفسك مفيداً جداً لك.

تذكر دائماً "يُخلق الجمال في داخلك" فكل الخير وكل الإيجابيات يجب أن تأتي منك، لا من أحد غيرك، ولماذا نخفي شخصيتنا الحقيقية؟ لذا أظهر ذاتك الحقيقية؛ وذلك لأنَّنا في بعض الأحيان نريد أن نكون أشخاصاً غير أنفسنا؛ لذا تقبَّل نفسك وتقبَّل هذا الجمال الموجود في داخلك وأظهره.

شاهد أيضاً: 9 طرق لممارسة التحدث الإيجابي إلى الذات من أجل تحقيق النجاح

كما تعاملني أراك:

إنَّ معاملة الناس بشكل جيد تجعل الآخرين يرونك بإيجابية، ومن الطبيعي أن تمر بأيام سيئة أحياناً، فكلنا بشر وسنمر حتماً بمثل هذه الأيام، ولكنَّ الطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين هي التي تحدد الطريقة التي سينظرون بها إلينا، ونحن نرى الأشياء كما نراها وليس كما هي في الحقيقة، وإذا كنا سلبيين فسنرى كل شيء بشكل سلبي، وهذه هي الطريقة التي سيرانا بها الآخرون أيضاً.

إقرأ أيضاً: قبول الذات هو الطريق نحو السلام الداخلي

كيف يؤثر غياب الأم في نظرتنا إلى أنفسنا؟

نحن بحاجة إلى دفء الأم وانتباهها وعاطفتها أكثر من أي شيء تقريباً في حياتنا، فإذا كانت أمك متوفاة فلا يوجد شيء في العالم يمكن أن يعوضها، فنحن جميعاً بحاجة إلى الشعور بالحب، وعندما تشعر أنَّه لا يوجد أحد يحبك وأنَّك لا تهم أي شخص، يبدو الأمر كما لو أنَّك محروم من الطعام الذي تحتاجه لكي تعيش، هذا هو الشعور الذي يعيشه من يولَد دون أم.

إقرأ أيضاً: 3 أدوات لتعزيز الحديث الذاتي الإيجابي

في الختام:

جرب واسأل الآخرين كيف يرونك بصفتك شخصاً؛ إذ يمكنك مشاركة ما تكتشفه مع أصدقائك المقربين ومناقشتهم بها، فمن خلال هذا التمرين الصغير ستتمكن من فتح عينيك نحو الداخل ورؤية نفسك من منظور آخر مختلف، كما يجب عليك إدراك حقيقة أنَّ وجهة نظرك ليس بالضرورة أن تكون وجهة النظر الحقيقية الوحيدة.




مقالات مرتبطة