لماذا لا تكون النصائح المدعومة علمياً الأفضل دوماً؟

ثمة كثير من "النصائح المدعومة علمياً" المنشورة في الكتب والمقالات والصحف والأماكن الأخرى التي نحصل منها على النصائح؛ لكنَّني بصراحة، أشير دائماً إلى الدراسات العلمية؛ وذلك لأنَّ هدفي من كتابة المقالات هو الجمع بين تجربتي الشخصية وبين الأدلة، وغالباً ما أشارك تجربتي الخاصة، وأحياناً أخرى أنشر قصصاً عن تجارب أشخاصٍ آخرين وأبحاثهم؛ لكنَّني أفكر دائماً: "كيف يمكننا الوثوق بهذه المصادر؟".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويخبرنا فيه عن صحة النصائح العلمية.

لكن لحسن الحظ، أنا لست الشخص الوحيد الذي يعتقد  ذلك، فحتى العلماء يقولون إنَّه علينا أن نبقى في حالة شك وانتقاد لنتائج التجارب العلمية؛ وقد درس منذ فترة الدكتور وأستاذ علم النفس في جامعة فرجينيا كومنولث (Virginia Commonwealth University) ديفيد تشيستر (David Chester) الدراسات، وكتب مع زميلته إميلي لاسكو (Emily Lasko): "من المحتمل جداً أن تستند نتائج علم النفس التجريبي إلى أسس غير مختبرة".

فقد أجريا دراسة للتجارب العلمية في مجال علم النفس وبحثا تشيستر ولاسكو في 348 تجربة نفسية، وأظهرت دراستهما أنَّ ما يقرب من 42 ٪ من التجارب تفتقر إلى الصلاحية والدليل على الصحة؛ إذ تُعدُّ الصلاحية مفهوماً هاماً في البحث العلمي؛ لأنَّها مؤشر على مدى صحة البحث؛ وبمعنى آخر، إنَّ تشيستر ولاسكو قالا إنَّنا لا نستطيع معرفة مدى قوة ادعاءات العلماء وصحتها.

كيفية تفسير أبحاث علم النفس:

يُعدُّ نسيم نيكولاس طالب (Nassim Nicholas Taleb)، مؤلف كتاب "مخدوع بالعشوائية" (Fooled by Randomness)، من أكبر منتقدي التجارب العلمية؛ إذ يقول: "أيُّ "تحيزات" نفسية هي أخطاء من قبل الباحثين الذين يفتقدون شيئاً من عدم اليقين في نموذج الدراسة"، ويناقش طالب بأنَّ العلماء يرتكبون أخطاء في التفكير أيضاً، لذا ينبغي ألا نتعامل مع نتائجهم على أنَّها الحقيقة، وأن نبقى في حالة انتقاد في الأوقات جميعها؛ لكن كيف نعرف التجارب التي تفتقر إلى الصلاحية؟

لم يفصح تشيستر ولاسكو عن تلك المعلومات، وهو ما أفهمه؛ إذ لم يرغبا في توجيه أصابع الاتهام إلى زملائهما، لكن علينا أن ندرك أنَّ هناك كثيراً من تلك التجارب، فربما سمعت عن "العجز المكتسب"، وهي تجربة كنت قد أشرت إليها في الماضي، وضمَّنتها أيضاً في دورة الإنتاجية الخاصة بي، لكن هل هذا يعني أنَّنا لا نستطيع الوثوق بالعلم على الإطلاق؟ بالطبع لا.

إذا لم تكن الدراسة صالحة، فهذا لا يعني تلقائياً أنَّها غير صالحة، ويشرح ديفيد تشيستر ذلك جيداً بقوله: "فشلت جميع الدراسات التي فحصناها تقريباً في تقديم الدليل الضروري على أنَّها كانت صالحة، وهذا لا يعني أنَّها غير صالحة؛ فصلاحيتها غير معروفة"؛ فعدم وجود دليل ليس دليلاً؛ لكنَّ المثقفين الزائفين يحبون استخدام غياب الأدلة بوصفها دليلاً.

ربما كان فيلسوف القرن السابع عشر جون لوك (John Locke) هو أول من كتب عن مغالطة التفكير هذه، وكان القول المأثور على النحو الآتي: "غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب"، فمن الجهل رفض العلم، ومع ذلك، إنَّنا نلاحظ هذا الرفض طوال الوقت؛ لهذا السبب يمكننا جميعاً الاستفادة من المعرفة الأساسية عن كيفية تفسير الدراسات العلمية.

شاهد: خطوات تلخيص كتاب

إليك فيما يأتي بعض الأشياء التي يجب أخذها في الحسبان عند القراءة عن الدراسات العلمية:

  1. العلماء بشر والبشر يخطئون.
  2. لا نعرف كلَّ شيء.
  3. تجنب الادعاءات التي تأتي من مصدر واحد.
  4. عدم الانحياز.
  5. إذا أمكن، اختبر الأفكار في حياتك الخاصة.
  6. الدليل لا يعني صحة الادعاء.
  7. عدم وجود دليل لا يعني الخطأ.
  8. لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع.

انتقاد النظريات على الدوام:

قام كل من وارن بافت (Warren Buffett) ورائد الأعمال الأمريكي تشارلي مونجر (Charlie Munger) بأبحاثٍ دقيقة عن الاقتصاديين الذين يؤمنون بفرضية كفاءة السوق (Efficient Market Hypothesis)، والتي تنص على أنَّ أسعار الأسهم تعكس دائماً المعلومات المتاحة جميعها، وتُسعَّر بكفاءة، ووفقاً لهذه النظرية، من المستحيل على المستثمرين شراء أسهم بأقل من قيمتها.

هذا يعني أنَّه ربما من المستحيل التفوق في الأداء على السوق ككل، لكن ليس بالنسبة إلى  بافت ومونجر، اللَّذَين تفوقا دائماً على السوق لعقود؛ إذ إنَّ 1000 دولار مستثمرة مع وارن بافيت منذ عام 1965 كانت قيمتها أكثر من 27 مليون دولار العام الماضي، وكان المبلغ المماثل لمؤشر البورصة نحو 200000 دولار.

يعدُّ إدراك عدم صحة النظريات بالنسبة إلى الجميع أمراً هاماً؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بتجارب علم النفس؛ لذا اسمحوا لي أن أقدم لكم مثالاً في عالم التطوير الشخصي؛ إذ يحب معظم الكتَّاب الإشارة إلى تأثير زيجارنيك.

الفكرة هي أن يتذكر الناس المهام غير المكتملة بشكل أفضل من المهام المكتملة؛ إذ يدَّعي بعض الخبراء أنَّ بعض المهام تبقى في ذهنك لأنَّك لم تكملها، لكن فشلت معظم الدراسات الأخرى في تكرار تجربة زيجارنيك (فان بيرجن، 1968)؛ وهذا لا يعني بالضرورة أنَّ النظرية خاطئة؛ بل يعني أنَّ المفهوم قد يكون صحيحاً بالنسبة إلى بعض الناس، لكن ليس كلَّ الناس.

يجب أن ندرك أنَّ التجارب تظهر نتائج من مجموعة صغيرة من المشاركين؛ فإذا استمرت مجموعة من الطلاب في التفكير في مهامهم غير المكتملة؛ فهذا لا يعني أنَّنا جميعاً نفكر بهذه الطريقة، فكلُّ شخص مختلف عن الآخر، ومعظم تجارب علم النفس ظرفية.

ربما تكون الفكرة صحيحة لمجموعة معينة من الناس أو خلال موقف معين، على سبيل المثال، أنا نفسي ليس لدي مشكلة مع المهام غير المكتملة؛ فهذه الأشياء لا تبقى في ذهني لأنَّني أمارس تمرينات اليقظة.

يدحض الكاتب ديفيد إبستاين (David Epstein) في كتابه المدى (Range)، معظم المعتقدات الشائعة التي تدعي وجود أدلة علمية، ويوضح أنَّنا يجب أن نظل في حالة انتقاد؛ لأنَّ هذه الدراسات تشير فقط إلى مجموعة محددة جداً من الأشخاص، ولا يمكننا استقراء هذه الأفكار لكلِّ شيء في الحياة.

شاهد أيضاً: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

الحقائق الشاملة قليلة:

تكمن مشكلة المعلومات في طريقة تقديمها؛ فعندما تكون لدينا فكرة ما أو نتعلّم شيئاً جديداً، نسارع إلى الاعتقاد بأنَّها صحيحة بنسبة 100٪؛ فنحن نحب تقديم الأفكار على أنَّها حقائق؛ إذ تعدُّ الجائحة خير مثال على ذلك، فقد قرأت وشاهدت مقابلات مع العشرات من علماء الفيروسات وعلماء الأوبئة، وتحدَّث جميعهم تقريباً بثقة كاملة؛ إذ يبدو أنَّهم يصفون العلم بِعدِّه حقائق ثابتة، لكنَّ القليل جداً من الأشياء في الحياة تكون مباشرة وواضحة مثل الرياضيات الأساسية.

اطلب من 100 معلم أن يطلعوا طفلاً على كيفية إجراء الرياضيات الأساسية وسترى نهجاً موحداً؛ فالرياضيات الأساسية هي حقيقة ثابتة، ولا يمكننا الجدال مع حقيقة أنَّ 5 × 5 تساوي 25، لكن اسأل 100 عالِم فيروسات عمَّا إذا كان يجب علينا إغلاق المدارس في أثناء الجائحة وستحصل على حرب فكرية، ولا أحد يعرف مَن هو صاحب الفكرة الصائبة.

إقرأ أيضاً: مفهوم البحث العلمي وأنواعه وأهدافه

في الختام:

هناك القليل جداً من الحقائق الثابتة في الحياة، أشياء يمكننا قولها بيقين مطلق، وأنا شخصياً أعيش حياتي وفقاً لتلك الحقائق، ومعظمهم من الفطرة السليمة، الأشياء التي انتقلت من جيل إلى جيل.

إقرأ أيضاً: مفهوم إدارة المعرفة وأهميتها وأهدافها

إحدى هذه الحقائق هي شيء تعلَّمْته من والدتي، التي تعلَّمَتْها بدورها من والدها، وهكذا دواليك؛ إذ يؤمن جدي إيماناً راسخاً بقوة الاستيقاظ كلَّ يوم في الوقت نفسه، وهو شخص منظم للغاية، وهذه الاستراتيجية تُجدي نفعاً تماماً معه، وما يزال مستقلاً ويعيش وحده.

أنا أتَّبع نصيحته أيضاً، فقد جربت هذه النصيحة ووجدت أنَّها نافعة؛ فمعظم الأوقات التي أكون فيها أكثر ثباتاً في الحياة هي عندما أستيقظ في الوقت نفسه كلَّ يوم، إذن يمكنك دائماً إجراء تجاربك الخاصة لمعرفة ما يناسبك، ولا يتعين علينا أن نكون علماء حتى نجرب الأشياء؛ لكنَّني سعيدٌ لأنَّ أشخاصاً مثل تشيستر ولاسكو يواصلان إجراء البحوث العلمية بعقل متفتح؛ إذ تظهر لنا مثل هذه النتائج أنَّنا لا نتوقف أبداً عن التعلم.

المصدر




مقالات مرتبطة