لماذا قد يكون اتباع الشغف أسوأ نصيحة مهنية على الإطلاق؟

متوسط عمر رواد الأعمال في المكسيك حالياً هو 33 عاماً، بالطبع هناك رواد أعمال بدؤوا حياتهم المهنية في عمر أصغر، وآخرون بدؤوا مسيرتهم المهنية في مرحلة لاحقة من حياتهم، ورغم ذلك حققوا النجاح.



لكنَّ الأمر المؤكَّد هو أنَّ رواد الأعمال من جيل الألفية (millennials) مسؤولون عن 80% من المشاريع الجديدة حالياً، وأكثر نصيحة رُدِّدَت على مسامع هذا الجيل هي "اتبع شغفك".

يعرف رواد الأعمال العظماء أنَّ ريادة الأعمال والنجاح غير متلازمان، فنادرون هم الذين ينجحون من أول محاولة؛ حيث يقول المدير التنفيذي السابق لشركة "تاجين" (Tajín) بكل ثقة: "لقد تسبَّبتُ بإفلاس شركات أكثر من التي أدرتُها، وفكرتُ بإغلاق شركة "تاجين" مرات عدَّة"، لكنَّ الاجتهاد يؤتي ثماره، وكلُّ خسارة تُمهِّد الطريق نحو تحقيق النجاح في المستقبل.

إن كنتَ فكرتَ ببدء عملك الخاص، أو تساءلتَ يوماً كيف لك أن تبدأ، فلا بُدَّ أن نصحك أحد ما سواء والديك، أم صديقك، أم ربما مُعلِّمك، أم خبير في المجال بأن "تتبع شغفك".

إنَّها نصيحة سيئة للغاية:

"اتبع شغفك" هي ربما أكثر النصائح شيوعاً، وقد تتسبب بأكبر خسائر؛ حيث يُقدِّم العالَم المعاصر آلاف الخيارات، ومن المغري أن "تتبع شغفك"؛ فكما يقولون: "هكذا لن تشعر بجهد العمل يوماً في حياتك"، ومَن منا لا يريد ذلك حقاً؟ لكنَّ المنطق خلف هذه العبارة لا يصمد طويلاً في وجه الواقع؛ فكما تعلم، كثيرون هم مَن حاولوا اتِّباع شغفهم دون نجاح، ولا يشعرون الآن بالرضا أو السعادة أو الحرية، فينتهي بهم الأمر يعملون في أيِّ مجال آخر، ويخصصون عطلاتهم لممارسة شغفهم، وهذا إن كانوا محظوظين، فهؤلاء هم الأشخاص الذين يكرهون بداية أسبوع العمل، ولم يعثروا على مكانهم في العالم.

بالرغم من أهمية ممارسة أمر تشعر بالشغف تجاهه، لكنَّه غير كافٍ ليدلك على طريق النجاح؛ لذا حين يطلب أحدٌ ما نصيحتك حول أي مجال عليه اختياره أو كيف يبدأ، لا يكفي أن تقول له: "اتبع شغفك"؛ بل تتضمن الإجابة الصحيحة لتلك الأسئلة الخطوات الثلاث الآتية:

  1. تحديد موهبتك.
  2. ربط موهبتك بشغفك.
  3. تعلُّم تفاصيل العمل.

الشغف شعور عميق يحفزنا، لكنَّه ذو طبيعة متغيرة، مثله مثل أي شعور آخر؛ فمن المحتمل أن تشعر في بعض الأيام بحماس أقل من أيام أخرى، كما مجرد أنَّ أمراً ما "يعجبك" أو "تحبه" لا يعني أنَّك بارع فيه.

شاهد بالفيديو: 14 نصيحة لتحويل شغفك إلى أفكار قابلة للتنفيذ

الشغف غير كافٍ:

"يحب" بعض الأشخاص الغناء، و"شغف" آخرين هو كرة القدم، لكنَّ أيَّاً من تلك الأشياء غير كافٍ لوحده، لأنَّك ينبغي أن تتمتع بالموهبة كي تُحقِّق النجاح؛ فالموهبة فطرة تُولَد معنا ومن واجبنا صقلها وتهذيبها، وتختلف المواهب بين الأشخاص، وقد يكون اكتشاف موهبتك أهمَّ لحظة في حياتك، كما يستخدم المحاضر والمؤلف البريطاني "كين روبنسن" (Ken Robinson) مصطلح "العنصر" (the element) ليصف النقطة حيث يلتقي شغفك مع موهبتك، ومن هنا عليك أن تؤسس مهنتك أو عملك.

موهبتك هي الخطوة الأولى لتحقيق النجاح؛ إذ يجب أن تختار أمراً أنت بارع فيه، ويمكِن أن تتحسن فيه بعد التدريب أو الدراسة، وقد يبدو الكلام التالي قاسياً، لكن من الضروري أن تسمعه: لا يهم إن كنتَ شغوفاً بكرة القدم، ما دمتَ تتعثر في مشيتك، فلن تصبح لاعباً محترفاً أبداً؛ وإن كنتَ بطول 1.45م، فلن يوصِّلك شغفك بكرة السلة إلى الأولمبياد مهما حاولتَ؛ لذا ابدأ بمعاينة نفسك، ثمَّ حدِّد مواهبك، وإن لم تتمكن من تحديدها، فاسأل شخصاً يعرفك جيداً، ثمَّ اصقلها حتى تصبح الأفضل في هذا المجال.

يشرح المؤلف "مالكوم جلادويل" (Malcolm Gladwell)، في كتابه "المتميزون" (Outliers) الأكثر مبيعاً، أنَّ احتراف أيَّة موهبة يتطلب ممارستها 10,000 ساعة؛ لذا لا يكفي أن تتمتع بالموهبة؛ بل يجب أن تصقلها أيضاً، لأنَّ قضاء وقتك في العمل على شيء لا تحبه ولستَ موهوباً فيه سيكون عذاباً ومضيعة للوقت.

إقرأ أيضاً: هل تسعى إلى تحقيق هدفك؟ ولماذا لا يجب أن تبدأ بالشغف؟

استثمار "العنصر" الخاص بك اقتصادياً:

يختار بعض الأشخاص مهنتهم لاعتقادهم أنَّ فيها ربحاً مالياً، ولكن احذر من هذه الطريقة في التفكير، فهنالك أشخاص ناجحون وأثرياء في كافة المجالات، بدءاً من الرياضيين، والمحاسبين، والمحامين، ووصولاً إلى الشعراء، والراقصين، والمُعلِّمين، والكتَّاب، فبغضِّ النظر عن المجال الذي تختار أن تعمل به، يمكِن أن يتحول إلى حياة مهنية ناجحة جداً؛ فالمال موجود أينما التفتَّ، لكنَّ الفرق هو طريقتنا في تطبيق "العنصر" على صيغة عملنا.

ولهذا فإنَّ الموهبة والشغف غير كافيان أيضاً، فهناك كتَّاب عباقرة لا ينشر لهم أحد كتاباتهم، ومطربون مذهلون لا تستمر شهرتهم طويلاً؛ لذا بعد العثور على "عنصرك"، عليك تعلُّم وفهم مجال العمل الذي اخترتَه، كما عليك أن تتعلم كيف تستثمر موهبتك لجني المال، وتتعلم كيف تدير العمل والحسابات، وتبيع وتُطبِّق المشاريع، وتجمع وتفوِّض المهام؛ لأنَّ لا أحد يجيد عملك أكثر منك أنت.

بالرغم من أنَّ بعض الناس لن يتفقوا مع التالي، لكنَّها الحقيقة: أنت الرابح حين تبحث عن أشخاص وأماكن لتتعلم فيها، حتى لو لم يتضمن ذلك عائداً مالياً أو كان الأجر ضئيلاً، وبالطبع العمل على شيء لا تحبه مجاناً هو استغلال، ولكن إن كان المجال ضمن نطاق "عنصرك"، فالمعرفة التي ستكسبها هي أفضل أجر ممكن.

مثلاً: إن كنتَ تتمتع بموهبة وتشعر بشغف تجاه الطهو، وبالوقت نفسه تريد أن تكون رائد أعمال، فلن تمانع العمل ليل نهار في مطعم، لأنَّك تعرف أنَّها ليست سوى الخطوة الأولى في رحلتك نحو إتقان المهارات التي ستحتاجها لاحقاً (تذكَّر قاعدة الـ 10,000 ساعة)، أو إن كنتَ شغوفاً بالقانون، فحتى لو كانت أول وظيفة لك هي نسخ الأوراق، ولكن ما يهم هو أن تعمل في مكان يمكِنك فيه تعلُّم سير العمل، وكيفية الحصول على العملاء والتوظيف، وكم يتقاضون أتعاباً، وما هي المخاطر والمشكلات ومصادر القلق في هذا النوع من العمل؛ فلن يكفي أن تكون بارعاً لتصبح محامٍ ثريَّاً؛ بل يجب أن تتعلم أيضاً فنَّ ريادة الأعمال.

هناك الجوانب غير المستحبة لريادة الأعمال، مثل: الأرقام، والأنظمة، والضرائب، والزبائن المزعجون؛ ولذا يجب أن تعرف أنَّه لمجرد أنَّك تتبع شغفك وموهبتك لا يعني ذلك أنَّ كلَّ شيء سيكون سهلاً وممتعاً؛ بل يجب أن تتعمق في مجالك، وتتعلَّم تفاصيل العمل، وتمتلك رؤيةً مستقبلية لما ستبنيه، مما يعني استثمار آلاف الساعات، وارتكاب العديد من الأخطاء، وتجاوز المصاعب، وسهر الليالي.

لكن هنالك أمر واحد حتمي، وهو طالما أنَّك تعمل في مجال "عنصرك"، فإنَّ كلَّ ذلك سيكون أسهل بآلاف المرات مِن لو كنتَ تعمل في مجال آخر؛ فاكتشاف ومعرفة مواهبك والربط بينها وبين شغفك سيساعدك على التقدُّم بسرعة أكبر وبالاستمتاع خلال الرحلة، فتقليد الآخرين لمجرد أنَّهم نجحوا، لن يعود عليك سوى بالخسارة؛ لذا اعثر على طريقك بنفسك، وحين تصل إلى قمة نجاحك سيتعجب الآخرون من حظك السعيد، لكنَّك ستعرف أنَّ نجاحك لا علاقة له بالحظ، وله كلُّ العلاقة بإيجاد موهبتك وصقلها ومواجهة تحديات تحويلها إلى عمل ناجح.

إن كنتَ عالقاً في حياة مهنية لا مستقبل لها، فاسأل نفسك: هل هذا هو "العنصر الخاص بي" حقاً؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فتوقَّف وانظر من حولك، ثمَّ غيِّر مسارك؛ إذ لم يَفُت الأوان أبداً على الوصول إلى المكان الصحيح.

المصدر




مقالات مرتبطة