لماذا علينا تبني عقلية جيل الألفية؟

جيل الألفية جيل اتَّهمه أرباب العمل بأنَّه يحتاج إلى الإحساس المستمر بالتقدير لحثِّهم على العمل بجد، لكن ماذا لو كنَّا مخطئين تماماً؟



ماذا لو كان سر مستقبلنا المرتكز كلياً على التقنية مرتبطاً بشكلٍ قاطع باستعدادنا لمجاراة "جيل واي" (Generation Y) - وهو اسمٌ آخر لجيل الألفية - وليس باستعدادنا لتقبُّلهم في الحقيقة؟

تخيَّل عالماً بلا كتب؛ سيكون المستقبل بائساً، تستبدل فيه البشرية من دون أن تشعر الخيال والإبداع بالتكنولوجيا؛ وذلك بحجة التقدم، وإذا كان هذا التصور يخيفك، فأنت على الأرجح لا تنتمي إلى "الجيل واي" (Generation Y) - أكبرُ جيلٍ على قيد الحياة - الذي سيتعامل مع المستقبل مثلما يتعامل مع أيِّ حدثٍ مفاجئٍ يواجهه، وإذا وضعنا جانباً مسألة التعامل، فإنَّ تصورهم سيكون مختلفاً تماماً؛ إذ بالنسبة إلى فردٍ من جيل الألفية، عالمٌ خالٍ من الكتب، يُعَدُّ خير مثالٍ للتقدم.

إذا أردنا المضي قُدماً والتفكير في المستقبل متجاوزين كل العراقيل، فعلينا تبنِّي طريقة التفكير هذه، فإنَّه أمرٌ حاسمٌ ولا غنى عنه لمستقبلنا، إذا ما أردنا أن نسرِّع من وتيرة الإنجاز.

تصوُّر بعضهم لجيل الألفية:

تم الاستهزاء بجيل الألفية وعُدَّ كسولاً، كما أشار إليه الكثيرون، ويتجلَّى ذلك من خلال كثرة الألقاب التي أُطلِقت عليه، بما في ذلك "جينيراسيون ني ني" (Generación ni- ni) في الإسبانية (للإشارة إلى الشخص الذي لا يدرس ولا يعمل)، و"جينيريشن ميبي" (Generation Maybe) في ألمانيا (للإشارة إلى الأشخاص الذين توفرت لهم فرصٌ لا محدودة لكنَّهم فشلوا في الالتزام بأيٍّ منها)، و"كين لاو تزو" (ken lao zu) في الصينية (للإشارة إلى افتقارهم الملحوظ إلى التركيز)، و"كيرلنج جينيريشن" في السويدية (Curling Generation) (في الإشارة بنوعٍ من الاستهزاء والمزاح إلى جيلٍ يستسهل كل شيء).

إنجازات جيل الألفية:

وفقاً لاستطلاعٍ أجرته كلٌّ من "جامعة دوك" (Duke University) و"مجلة سي أف أو" (CFO Magazine) بعنوان نظرة إلى عالم الأعمال حول العالم (Global Business Outlook)، صرَّح 21% من المديرين الماليين أنَّ جيل الألفية أكثر إبداعاً وابتكاراً من الموظفين الآخرين، ويرضى بأجرٍ أقل، وذكر نفس الاستطلاع أنَّ إحدى ميزات توظيف جيل الألفية هي البراعة التكنولوجية التي يضيفونها إلى العمل؛ وذلك بحسب ما ذكره أكثر من 70% من المديرين الفنيين.

كما يمكن ملاحظة ابتكاراتهم في مختلف المجالات؛ إذ يوجد ضمن قائمة مجلة فوربس (Forbes) التي تضم سبع شركات جديدة أسسها أفراد من جيل الألفية، تطبيق "سناب تشات" (Snapchat)، وهو منصةٌ لمشاركة الصور والدردشة عبر الأجهزة الذكية، وثمَّة أيضاً شركة "سينوتراك" (Synotrac)، التي كانت السبَّاقة إلى ابتكار جهاز يستشعر أولى العلامات الحيوية لمشكلات السائل الزلالي (synovial fluid) في الركبة.

ونشرت مجلة "هافينغتون بوست" (Huffington Post)، قائمةً بثماني شركاتٍ ناشئة درَّت على أفرادٍ من جيل الألفية ملايين الدولارات، بما في ذلك شركة "إيبسي" (Ipsy) لمستحضرات التجميل، وتطبيق "صم بلاي" لتلخيص الأخبار (Summply App)، الذي أسسه "نيك دالويسيو" (Nick D'Aloisio) عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً آنذاك.

شاهد بالفديو: 10 حقائق يجب معرفتها عن جيل الألفية

هيمنة جيل الألفية على القوة العاملة:

لم يعُد هذا الأمر محور القضية، فالإقصاء التام لجيل الألفية سيكون خطأً فادحاً؛ لأنَّنا بذلك نُخرِّب مستقبلنا فعلياً، تماماً بنفس الطريقة التي ينتقد بها كل جيلٍ الجيل الذي تلاه، ابتداءً من الجيل الصامت (Silent Generation) المولود قبل عام 1945، إلى جيل طفرة المواليد (Baby Boomers)، والجيل إكس (Generation X).

وبصرف النظر عن القوالب النمطية والتصوُّرات المسبقة، فالحقيقة الصعبة أنَّه بحلول عام 2025، سيشكِّل جيل الألفية 75% من القوة العاملة، وتماماً مثلما تجاوزت التكنولوجيا عوائق التواصل العالمية، نحن نحتاج إلى تحطيم القوالب الفكرية التقليدية فيما يتعلق بالطريقة التي نؤدي بها أعمالنا.

إقرأ أيضاً: التعليم ومستقبل القوى العاملة: تدريب فرَق الغد

الفكر التكنولوجي:

لتحقيق ذلك، علينا أن نُثير تفاعل عقلية جيل الألفية إثارةً مدروسة، ويتطلب ذلك القدرة على التفكير بشكلٍ مستقل، وتحدِّي الوضع الراهن، وتخطِّي الحدود، ووضع مساراتٍ جديدة، وإحداث تغييرٍ اجتماعي، والتكيُّف مع الصعوبات، التي تُعَدُّ جميعها سمات رئيسةً لجيل الألفية.

يقوم هذا الجيل الرقمي بانتقاء وفرز كل شيء من منظور التكنولوجيا، وقد يبدو الأمر منافياً للعقل بالنسبة إلى الأجيال الأقدم، لكن بالنسبة إلى "الجيل واي" (Generation Y)، فإنَّ التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي أمرٌ مفروغٌ منه؛ إذ إنَّها الطريقة التي يعملون ويفهمون العالم بها.

كما أنَّهم مرتبطون بها ارتباطاً وثيقاً، ليس في ركوب موجة التكنولوجيا بشكلٍ شبه فطري فحسب، لكن بقيادة حركة التطوير لتلك التكنولوجيا أيضاً؛ وذلك من خلال ابتكارهم تقنياتٍ غير مسبوقة وفرضهم لها.

لقد جعلهم الأخذ بهذا النهج البارع في الأمور التقنية يتنبؤون بالتوجهات المستقبلية، ويفكرون تفكيراً يتجاوز الوقت الحاضر، وبناءً عليه، هُم مفتاح مستقبلنا، ليس هذا فحسب؛ بل يجب علينا أيضاً أن نفكر في التكنولوجيا ونستوعبها؛ إنَّه نداء المستقبل.

إنَّ النتائج المترتبة على معاصرة العديد من الأزمات العالمية هو مشهدٌ اجتماعيٌ واقتصاديٌ متغيرٌ باستمرار؛ إذ إنَّه قد جعل من جيل الألفية جيلاً واسع الحيلة ورائداً في الأعمال. وسعة الحيلة وروح المبادرة لريادة المشاريع هذه، يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الشيفرة الوراثية لشركاتنا لبناء ثقافةٍ تُحفِّز الإبداع.

أن نحيا في بيئةٍ يكون التواصل وتناقلُ الأخبار فيها سريع الخُطى؛ هذا يعني أنَّ علينا أن نكون سريعي الاستجابة وقابلين للتكيف أيضاً، بنفس الطريقة الفطرية التي يتعامل بها جيل الألفية الذي نشأ في هذه البيئة.

علاوة على ذلك، قام جيل الألفية بإعادة النظر في مفهوم العمل أيضاً؛ إذ بكونهم جزءاً من شبكة عالمية؛ هذا يعني أنَّه ما من داعٍ إلى وجود المكاتب، ويمكن أن يُنجَز العمل في أيِّ زمان ومكان، إنَّهم يريدون إعادة صياغة نموذج العمل المُتَّبع، والانتقال به إلى ما وراء مسألة تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، إلى تحقيق التكامل بين العمل والحياة الشخصية.

أمَّا بالنسبة إلى الأعمال التجارية، فذلك يعني الاستعداد لإعادة النظر في بيئة العمل والعمليات المرتبطة به؛ إذ إنَّنا بحاجة إلى أن نكون منفتحين على بيئة عمل متغيرة، بيئة يتم فيها الاحتفاء بهيكل تنظيمي للشركة لا وجود للتسلسل الهرمي فيه، أكثر من نظام سيطرة متشدِّد؛ إذ تتم رعاية الموظفين ومراعاة كل أشكال المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي يُعَدُّ حجر الأساس في منظومة قيمنا.

علينا أيضاً أن نكون على استعدادٍ للتعلُّم من جيل الألفية بقدر استعدادنا لتقديم المنتورينغ لهم؛ إذ ستقود عملية تبادل القيم والمهارات النابعة من الاحترام المتبادل للشخص الآخر، إلى نتائج أفضل بكثير من التنافس على التقدير وحده.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتوسيع الفكر والوصول إلى آفاق جديدة

حركة جيل الألفية:

في نهاية الأمر، إذا كانت التكنولوجيا محور عالم الأعمال، فعليك أن تتجاهل هذا الاضطراب، وللبقاء في الطليعة، فنحن نحتاج إلى غرس روح المبادرة وثقافة الابتكار في أماكن العمل.

وللقيام بذلك، يتعين علينا أن نوائم بيئات العمل لدينا مع حركة جيل الألفية، أو المخاطرة بأن تصبح تلك الشركات مجرَّد أعباءٍ مالية، فإلى أين سيقودنا هذا؟ ربما نمسك كتبنا، غير راغبين وغير قادرين على فهم عالم تحوَّل إلى الواقع المعزز.

شاهد بالفيديو: لماذا علينا تبني عقلية جيل الألفية؟

المصدر




مقالات مرتبطة