لماذا عليك دائماً أن تقلق بشأن الأشياء الصغيرة؟

أنا متأكد أنَّه قد قيل لك ألا تقلق بشأن الأشياء الصغيرة، أو أن تنسى أمرها، أو أنَّ الأمر ليس هاماً أو عرضياً؛ إذاً، ما الذي ينبغي عليك فعله بدلاً من ذلك، هل يجب أن تقلق بشأن الأشياء الكبيرة وتشعر بالتوتر بسبب اللحظات المحبطة في الحياة؟ يبدو هذا فظيعاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن أنَّ الأهداف الكبيرة تتحقق تدريجياً بسلسلة من الأهداف الصغيرة.

ماذا لو بدلاً من عدم القلق بشأن الأشياء الصغيرة، أن تفعل العكس وتقلق بشأنها؟ وماذا لو أخبرتك، خلافاً للاعتقاد السائد، إنَّك إذا ركزت على الأحداث الصغيرة ومتناهية الصغر، فستصبح في الواقع أكثر سعادةً ونجاحاً مما كنت تعتقد؟ هذا بالضبط ما أقصده.

الأشياء الصغيرة هي خلاف ما تكون بالضبط:

يُعَدُّ الزخم أمراً أساسياً للقلق بشأن الأشياء الصغيرة وبذل الجهد من أجلها؛ فتذكر أنَّ العالِم "إسحاق نيوتن" (Isaac Newton) قد علَّمنا أنَّ الشيء الخامل يبقى خاملاً، وخلاف ذلك صحيح؛ وهذا يعني أنَّك إذا كنت قادراً على التقدم خطوة نحو الأمام، مهما كانت خطوتك صغيرة، فسوف تستمر في التقدم؛ إذ يمكنك اتخاذ خطوات سريعة أو بطيئة، فالهدف هو الحفاظ على الزخم؛ لذا لإثبات هذه النقطة، دعونا نلقي نظرة على الطرف الآخر من الطيف وهو: النجاح الكبير.

كما ترى، توجد ظاهرة يكون فيها الأشخاص الأكثر ثراءً ونجاحاً هم أكثر الأشخاص اكتئاباً، ويبدو أنَّ أصحاب الملايين والمليارات على الإنترنت، ورواد الفضاء المشهورين، ونجوم "اليوتيوب" (YouTube) يمتلكون كل شيء، ومع ذلك، داخلياً، هم أكثر اكتئاباً من الشخص الذي يعيش على راتبه؛ لماذا؟

الجواب هو الزخم، فعندما تنجح كثيراً فإنَّك تُكافأ كثيراً، لقد كنت تعمل بلا كلل نحو هدفٍ واحد، هدف موجَّه ومعين، ومن ثم تحقِّقه، وبعدها سرعان ما يصبح السؤال، "ماذا الآن؟" كثير من الناس ليس لديهم إجابة؛ لذا يفقدون الدافع في تقدُّمهم إلى الأمام.

يقول اختصاصي العلاج "ماندريد كيتس دي فرييس" (Mandred Kets de Vries): "عندما يتوفر المال بكميات غير محدودة، تصاب الضحية بالكسل والخمول"؛ فمن الغريب أن نفكر في الشخص الذي يملك المليارات على أنَّه ضحية، ولكنَّ هذا صحيح؛ فعندما يحقق الناس مستويات عالية من النجاح، تتوقف الحياة عن المضي قدماً.

تتفاقم المشكلة عندما ينجح الناس نجاحاً كبيراً بسرعة كبيرة، أو دون عمل كثير، فالفائزون في اليانصيب، على سبيل المثال، يعانون من الاكتئاب؛ هذا لأنَّ حياتهم تفقد الزخم؛ إذ إنَّهم قد ربحوا الكثير دون الحاجة إلى العمل الجاد، والآن ليس عليهم العمل على الإطلاق، لكن ما الذي حققوه لأنفسهم؟ ليس الكثير في الواقع، وهذا ما يتسبب في توقف الحياة.

مثال آخر، سُلِّط الضوء عليه في كتاب "شين سنو" (Shane Snow) بعنوان "التفكير تفكيراً مختلفاً" (Smartcuts)، تحدَّث فيه عن رائد الفضاء السابق "باز ألدرين" (Buzz Aldrin)، مع أنَّني لم ألتقِ بهذا الرجل من قبل، لكن كان من المعروف أنَّه كان يعاني في حياته بعد أن حقق إنجاز المشي على القمر، لقد أصبح مدمناً على الكحول، وتزوج ثلاث مرات، وكتب مذكرتين عن اكتئابه، وكان مستشاراً لـ "ناسا" (Nasa) لفترة وجيزة، ومن بعدها اختفى ذكره.

كيف يمكن لثاني أشهر رائد فضاء في التاريخ أن يصاب بهذا الاكتئاب؟ فبعد تحقيق هذا الإنجاز الذي حققه، ما الذي يمكنه فعله أكثر من ذلك؟

شاهد بالفيديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

التركيز على المكاسب الصغيرة:

المكاسب الكبيرة ليست سيئة بالطبع، فنحن نريد أن نحقق مستويات عالية من النجاح، ومع ذلك، عندما تخلو الإنجازات الكبيرة من المكاسب الصغيرة، قد يقع الفشل بسرعة؛ لذا بدلاً من التركيز على المكاسب الكبيرة، اختر التأكيد على المكاسب الصغيرة التي ستوصلك إلى هدفك، وسوف يجبرك هذا على قياس النجاح بناءً على التقدُّم المستقبلي بدلاً من الإنجازات الكبيرة.

على سبيل المثال، أجرت "تيريزا أميابل" (Teresa Amiable)، الأستاذة في "كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد" (Harvard Business School)، دراسة عن سعادة الموظف، وكان لديها 238 عاملاً من ذوي الياقات البيضاء، يحتفظون بمذكرات للعمل، ويصنفون ما يشعرون به في حياتهم اليومية، بالنظر إلى المهام التي كانوا يؤدونها في ذلك الوقت.

بعد تحليل أكثر من 12000 مذكرة، وجدت "تيريزا" وفريقها أنَّ التقدُّم البسيط كان له التأثير الأكبر في السعادة الداخلية، وبالتحديد، أدى التقدُّم إلى الأمام - بصرف النظر عن حجمه - مباشرةً إلى الرضى النفسي؛ لذلك بدلاً من الحاجة إلى المكاسب الكبيرة، يريد جميع الموظفين سلسلة من المكاسب الصغيرة التي تثبت تقدُّمهم.

بالإضافة إلى ذلك، يشير الكتاب الذي يحمل عنوان "مبدأ التقدم" (The Progress Principle)، الذي كتبه "ستيفن ج. كرامر" (Steven J. Kramer)، إلى أنَّ القادة يكونون فعالين عندما يساعدون فرقهم على تجربة كثيرٍ من الانتصارات الصغيرة.

مرةً أخرى، إنَّها حالة تقدُّم إلى الأمام، وإذا فكرت في الأمر، فإنَّ الزخم ينتج عنه شعورٌ بالهدف؛ لذا بمعنى ما، ينتج عن التقدم معنى؛ لذلك استمتع بالأشياء الصغيرة في الحياة فهذا هو الأهم، والأدلة تدعم هذا الأمر.

إقرأ أيضاً: تجنب الخسائر الصغيرة لتحقيق مكاسب كبيرة

النجاح يُحقَّق تدريجياً:

بالعودة إلى المكاسب الكبيرة، دعونا نواجه الأمر، كلنا نريد أن ننجح نجاحاً كبيراً، لكن تنتهي معظم - إن لم يكن كل - أهدافنا بنجاح هائل، سواء كانت المال أم الشهرة أم النفوذ، وبالطبع، هذا أمرٌ رائع؛ إذ يجب أن يكون لدينا جميعاً مساعٍ عظيمة.

لكن دعونا نقسم المكاسب قليلاً بنسخة معدلة لما يطلق عليه رائد الأعمال "إيلون ماسك" (Elon Musk) "العودة إلى المبادئ الأولى"؛ فوفقاً لـ "إيلون"، عندما تريد إحداث تأثير بنسبة 10 مرات بدلاً من زيادة بنسبة 10% تدريجياً، عليك أن تختزل أهدافك ورغباتك إلى أبسط أشكالها.

إنَّ أفضل تشبيه قد سمعته هو أيضاً من كتاب "التفكير تفكيراً مختلفاً": قبل اختراع السيارات، إذا أراد شخص ما وسيلة نقل أسرع، فسيحاول أن يحصل على أفضل نسل من الخيول، وهذه تُعَدُّ زيادة بنسبة 10%، لكن ما الذي ستبحث عنه؟ أنت لا تريد خيولاً أسرع؛ أنت تريد وسيلة نقل أفضل، وتريد أن تمضي قدماً بكفاءة وسرعة.

لذا عندما تدرك أنَّ هدفك لا يتعلق بالخيول الأقوى على الإطلاق؛ بل يتعلق بالسفر لمسافات طويلة في أقل وقت ممكن، يمكنك التفكير تفكيراً أوسع إلى أن تتوصل في النهاية إلى محرك السيارة، وهذا تغييرٌ كبيرٌ جداً.

أمَّا الآن فدعونا نطبق المبادئ الأولى على المكاسب الكبيرة والمكاسب الصغيرة؛ ففكر في أسمى أهدافك، يمكن أن تكون صفقة قيمتها مئات المليارات من الدولارات، أو أن تصبح فناناً ناجحاً، أو أن تؤسِّس منظمة غير ربحية تغيِّر العالم، أو أي شيء آخر، هل تفكر في هذا الأمر؟ الآن، كم عدد الخطوات المتاحة لك للانتقال من النقطة الأولى إلى تحقيق النجاح الكبير؟ الكثير، أنا متأكد.

وهذا هو الهدف، تتكوَّن المكاسب الكبيرة من سلسلة من المكاسب الصغيرة المتتالية؛ لذا بدلاً من التركيز على هدفك الكبير الهائل، قسِّمه إلى سلسلة من الخطوات الصغيرة؛ لأنَّ هذا هو النجاح: سلسلة من المكاسب الصغيرة مع مرور الوقت.

ليكن لديك حلم، ثم حوِّله إلى رؤية، وبعدها دوِّنه بوصفه خطة، ثم ضع الخطة، وابدأ بالخطوة الأولى، واحتفِ بكل خطوة كأنَّها ستغير حياتك؛ وذلك لأنَّها ستغير حياتك مع مرور الوقت، وبعد ذلك؛ أي بعد تحقيق هذا الفوز الكبير، لا تخف من أن تصبح الفائز التالي بجائزة اليانصيب المصاب بالاكتئاب، أو الشخص القادم الذي سيمشي على سطح القمر، وبدلاً من ذلك، عُد إلى المبادئ الأولى، واستثمر فوزك الكبير في هدف آخر بسلسلة من الانتصارات الصغيرة المتتالية.

إقرأ أيضاً: كيف تحقّق النجاح المهني وتصل إلى أهم الإنجازات

الخلاصة:

إذا لم تكن قد فهمت الخلاصة من الكلام حتى الآن، فسأشرحها لك: الأشياء الصغيرة تساوي الزخم؛ أي المكاسب الصغيرة هي المفتاح؛ وذلك لأنَّها تمنحك تقدُّماً للأمام؛ لذا بدلاً من السعي إلى تحقيق المكاسب الكبيرة التي تجعلك تشعر بالفراغ، ركِّز على التغييرات التدريجية التي تدفع حياتك باتجاه إيجابي، وبعد ذلك، ستكون قد حققت كل هدف كبير قد أردته في حياتك في فترة قصيرة، والغريب في الأمر هو أنَّك سوف تشعر أنَّه فوز صغير آخر، وهذا هو الهدف.

المصدر




مقالات مرتبطة