لماذا تموت العديد من النساء عند الولادة؟

لقد كانت الولادة حقيقةً في يومٍ من الأيام تجربةً خطيرةً، إذ من بين كل مئة حالة إنجاب في ثلاثينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة كان ثمةَّ امرأة تفقد حياتها في أثناء الولادة وكانت مختلف الدول حول العالم تسجل معدلات مشابهة. ولكن القرن العشرين جلب معه تقدماً هائلاً إلى طب التوليد وزيادةً في إمكانية الحصول على الرعاية فانخفض معدل الوفيات أثناء الولادة بنسبة 99% في البلدان الغنية وبدأت الآن البلدان الفقيرة تحذو حذوها. ولكن في أميركا ثمَّة أمرٌ غريبٌ يحصل، إذ ارتفع معدل الوفيات أثناء الولادة (وهي الحالات التي تتوفى فيها الأمهات خلال الـ 42 يوم التي تلي الولادة) في الـ 25 سنة الماضية، وفي العام 2013 توفيت 18 امرأة من بين كل 100000 حالة إنجاب، كما أنَّ أمريكا هي واحدة من ثماني دول فقط، من ضمنها أفغانستان وجنوب السودان، تسير فيها تلك الأرقام في الاتجاه الخاطئ، فما الذي يجري؟



يعتقد البعض بأنَّ الأمر يتعلّق بحقيقة أنَّ النساء في أمريكا في هذه الأيام يكونون أسمن وأكبر سناً حينما يحملون – وزيادة الوزن والتقدم في السن يترافقان مع ازدياد المخاطر المرتبطة بالولادة. ولكن يمكن رؤية حالات مماثلة في بلدان تنخفض فيها رغم ذلك معدلات الوفاة. ويقترح آخرون بدافعٍ من التفاؤل أنَّ أميركا أصبحت أكثر صرامةً حيال إحصاء حالات الوفاة هذه، إلَّا أنَّ المشكلة في هذا الطرح هي أنَّ نظام جمع هذه البيانات لم يتغير كثيراً خلال العقد الماضي ومع ذلك استمرت الأرقام بالارتفاع.

التفسير الأكثر منطقية لذلك هو ازدياد عدد النساء اللواتي يعانين من صحةٍ سيئة حينما يحملن وعدم تمكنهن بعد ذلك من الحصول على الرعاية المناسبة.

كما أنَّ المشاكل الصحية المزمنة كالبدانة، وارتفاع ضغط الدم، والسكري تزداد انتشاراً بين النساء الحوامل في أميركا وكلُّ واحدٍ من هذه الأمراض يجعل الإنجاب أكثر خطورة، وقد انخفضت خلال السنوات الأخيرة في الواقع الأسباب التقليدية للوفيات المرتبطة بالحمل كالنزف، والجلطات الدموية الوريدية، والاضطرابات المرتبطة بارتفاع ضغط الدم في حين ارتفعت الوفيات الناجمة عن الحالات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية والمشاكل المزمنة الأخرى. إذ تنتشر هذه الحالات انتشاراً أكبر بين النساء الأمريكيات ذوات الأصول الأفريقية وهو ما يفسر جزئياً كون احتمال وفاتهم نتيجة المضاعفات المرتبطة بالحمل يزيد أربعة أضعاف تقريباً عن النساء ذوات البشرة البيضاء.

كما يرتبط الفقر كذلك ارتباطاً وثيقاً مع تدهور الصحة حيث أنَّ النساء الفقيرات أقل فرصةً للحصول على الرعاية الصحية المناسبة بما في ذلك الرعاية التي تختص بمنع الحمل أو تلك التي تسبقه (تُعَدُّ النساء اللاتي يحملن بالصدفة أقل ميلاً إلى البحث عن الرعاية التي تسبق الولادة في الموعد المناسب وهو الأمر الذي يزيد من مخاطر الوفاة). كما أنَّ احتمال أن يعيش الأمريكيون من أصل أفريقي تحت خط الفقر يفوق بأكثر من الضعف احتمال أن يعيش أقرانهم من غير ذوي البشرة السوداء تحت ذلك الخط وهو الأمر الذي يساعدنا على تفسير هذا التفاوت الكبير في معدلات الوفاة أثناء الولادة بين الأعراق المختلفة.

ما الحل إذاً؟ أظهرت الدراسات التي أُجريت على حالات الولادة الطارئة كذلك أنَّه يمكن تجنُّب 40 % على الأقل من حالات الوفاة وحينما يتدرب الأطباء على التعرف على علامات النزف، وارتفاع ضغط الدم الشديد، والجلطات الدموية الوريدية عند ظهورها فإنَّهم يستطيعون التحرك بسرعةٍ أكبر لحماية حياة مرضاهم.

المصدر




مقالات مرتبطة