لقاح فيروس كورونا: متى تبدأ حملة التلقيح؟ وما مدى فاعليته؟

أظهرت التجارب التي أُجرِيت على عدة لقاحات مرشحة للوقاية من فيروس كورونا (COVID-19) نتائج واعدة، لكن لم ترخِّص الولايات المتحدة أو أوروبا استخدام أي منها حتى الآن، في حين أعلنت روسيا في شهر آب من هذا العام الحصول على الموافقة على لقاح "سبوتنيك في" (Sputnik V) الذي طورته؛ ولكن انتُقِد الإعلان عنه في هذه المرحلة المبكرة لكون ذلك ينطوي على خطورة عالية من عدم نجاعته، إذ لم يكن قد اختُبِر بعد على عددٍ كبيرٍ من الأشخاص.



كما أعلنت كلٌّ من شركتي "فايزر" (Pfizer) و"موديرنا" (Moderna) في شهر تشرين الثاني من عام 2020 إثباتَ فاعلية لقاحهما بنسبة تصل إلى 90٪ و94.5٪ على التوالي، وقد رحَّب الخبراء بالخبر الواعد، مع أنَّ العديد من الأسئلة بقيت عالقة، لا سيما عمَّا إذا كانت اللقاحات تحمي من العدوى، وعن طول الفترة التي سيستمر فيها تأثير اللقاح في منع الإصابة.

لقد صرَّح الأستاذ في كلية هارفارد للصحة العامة "مايكل مينا" (Michael Mina) عن احتمال وجود استجابة مناعية أولية للقاح لكنَّها غير دائمة، وأنَّ الجسم قد يصنع أجساماً مضادة تتلاشى لاحقاً؛ وغرَّد على تويتر (Twitter): "ربَّما يستطيع هذا اللقاح إنشاء مناعة تشكل حصناً منيعاً ضد المرض؛ ولكن يجب الحرص على عدم افتراض استمرار فاعلية هذا الحصن نفسها بعد زوال تلك المناعة المحصِّنة"، وأضاف أنَّ نتائج اللقاح قد أظهرت استهداف اللقاحات للبروتين المناسب؛ كما صرَّح كثيرون غيره أنَّ فاعلية اللقاح العالية تمنحنا الأمل في الوقاية من الإصابة بالفيروس.

كما صرَّح الدكتور باري بلوم (Barry Bloom) -العميد السابق لكلية "تي إتش تشان" (T.H. Chan) للصحة العامة التابعة لجامعة هارفرد (Harvard School of Public Health)- قائلاً: "كلما ازداد عدد الأجسام المضادة، طالت فترة بقائها في الجسم؛ وتعدُّ الفاعلية التي تزيد عن 90٪ أفضل بكثير ممَّا توقعه الخبراء في الواقع"؛ لكن ومع ذلك، يرجِّح الخبراء انخفاض هذه الفاعلية مع استمرار التجارب، وذلك بالتزامن مع ظهور مزيد من الحالات المؤكدة لفيروس كورونا (COVID-19) بين المشاركين، حيث صرح البروفيسور خوسيه فاسكويز بولاند (Jose Vazquez-Boland) -رئيس الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة إدنبرة- قائلاً: "يجب أن نفترض أنَّ هذه التجارب السريرية قد طُوِّرت في ظروف مثالية، وقد تختلف بيانات الفاعلية -التي قد تكون في نهاية المطاف أدنى- عندما تُطبَّق اللقاحات على أرض الواقع".

شاهد بالفيديو: ماذا تفعل إذا أحسست بأعراض كورونا (كوفيد-19)؟

متى ستصل اللقاحات الأولى إلى أوروبا؟

صرَّحت مفوضة الاتحاد الأوروبي للصحة "ستيلا كيرياكيدس" (Stella Kyriakides) قائلة: "إن سارت الأمور على خير ما يرام -يتوقف هذا على الحصول على الموافقة من وكالة الأدوية الأوروبية (European Medicines Agency) بمجرد أن يُصرِّحوا باستخدام اللقاح- فإنَّنا نتوقع احتمالية إتاحة اللقاح في نهاية عام 2020 وبداية عام 2021".

كما طرحت "أندريا عمون" (Andrea Ammon) -رئيسة المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض (European Centre for Disease Control)- جدولاً زمنياً مشابهاً، وصرحت لوكالة فرانس برس (AFP) أنَّ اللقاحات ستتوفر بحلول الربع الأول من عام 2021 إن سارت الأمور على خير ما يرام؛ وأضافت أنَّ اللقاح سيعُطَى إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية والفئات المُعرَّضة إلى الخطر أولاً، لكن لا تزال تفاصيل كيفية عمل سلسلة التوزيع هذه قيد الإنجاز.

يقول البروفيسور "فازكويز بولاند" (Vazquez-Boland) من جامعة إدنبرة: "يمكن أن يوزَّع اللقاح مبكراً قبل نهاية عام 2020 لبعض القطاعات التجريبية من السكان، كبعض الأشخاص المعرضين إلى الخطر أو العاملين في مجال الرعاية الصحية، مع احتمال نشر التلقيح الشامل تدريجياً على مدار عام 2021".

كما صرحت كبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية الدكتورة "سمية سواميناثن" (Soumya Swaminathan) في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني: "نحن نتطلَّع إلى إعطاء جرعات محدودة للغاية في النصف الأول من العام المقبل على الأقل، حيث ستكون الإمدادات محدودة؛ فقد عقدت الشركات صفقات ثنائية، وحجزت بعض الدول العديد من الجرعات مسبقاً".

تعمل الوكالة الأوروبية للأدوية في غضون ذلك على ترخيص اللقاحات في أقرب وقتٍ ممكن، وكانت قد بدأت بـ "مراجعة مستمرة" لبعض اللقاحات لتسريع عملية الترخيص.

إقرأ أيضاً: القلق لن يفيد: 10 أسباب لعدم الذعر بسبب فيروس كورونا

ما الوقت الذي يتطلبه اللقاح للقضاء على الجائحة؟

ستعتمد مناعة القطيع -النقطة التي يكون عندها قسم كبير من السكان محصنين لمنع انتشار العدوى- جزئياً على مدى فاعلية اللقاح وتوزيعه، وقد وضح الدكتور فاسكيز بولاند (Vazquez-Boland) لقناة يورونيوز (Euronews) أنَّ أصول هذا المفهوم ترجع إلى الطب البيطري، وأضاف: "تختلف العتبة اللازمة لوقف انتشار المرض بفاعلية من مرضٍ معدٍ إلى آخر، ويعتمد ذلك جزئياً على شدة عدوى المرض ومدى فاعلية الحصانة المناعية".

وصرحت الدكتورة "كيت أوبراين" (Kate O’Brien)، المسؤولة عن التلقيح في منظمة الصحة العالمية (WHO): "توجد الكثير من اللقاحات التي تنقذ الأرواح، لكن لنأخذ الحصبة كمثال؛ فرغم فاعلية لقاح الحصبة بنسبة تزيد على 95%، لكن لا يزال يتفشى هذا المرض من حين إلى آخر. يشبه الوصول إلى فاعلية اللقاح بناء مخيم على قاعدة جبل إيفرست، لكنَّ توفير اللقاح يماثل الوصول إلى القمة".

يقول الدكتور "بلوم" (Bloom)، الأستاذ الباحث في جامعة هارفارد: "سيظل هناك الكثير من الناس الذين لن يتلقوا اللقاح في الأشهر الستة الأولى أو العام الأول، ونخشى من احتمالية نقلهم العدوى"، وأضاف أنَّ هذا يعني حاجة الأشخاص -ومن ضمنهم الذين تلقوا اللقاح- إلى الاستمرار في ارتداء الكمامات، واتباع قواعد التباعد الاجتماعي للحد من الانتشار الواسع للفيروس في المجتمع؛ كما قال في مؤتمر صحفي بكلية الصحة العامة التابعة لجامعة هارفرد: "لا شك في أنَّه كلما زادت فاعلية اللقاح، قلَّ عدد الأشخاص الذين يتعين عليهم تلقي اللقاح للوصول إلى مناعة القطيع".

ما هي الصعوبات التي قد تعيق توزيع اللقاح؟

وُضِعت العديد من مجموعات توزيع اللقاحات الحالية لتلقيح الأطفال والمراهقين، لكن يقول الخبراء أنَّ على لقاحات فيروس كورونا (COVID-19) استهداف البالغين الأكثر عرضة إلى خطر الإصابة بالمرض الشديد، وتتضاعف فرص نجاح اللقاح بتعدد اللقاحات المرشحة؛ وذلك لملاءمة بعض اللقاحات دون غيرها لظروف معينة.

صرح البروفيسور "روبن شاتوك" (Robin Shattock) من قسم الأمراض المعدية في جامعة إمبريال كوليدج اللندنية لـ "يورونيوز" قائلاً: "تُلقَى على عاتقنا مَهمَّة شاقة للتأكد من وصول اللقاح إلى الجميع، وحصول الجميع على جرعتين منه، والبحث عمَّن لم يحصلوا على اللقاح لسببٍ أو لآخر"؛ ويعني هذا أنَّه من الأفضل حصول بعض البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل على لقاح مؤلف من جرعة واحدة لتوفير المناعة دون الحاجة إلى معززات أخرى، كيلا يضطروا مرة أخرى إلى إيجاد أشخاص يزودونهم بجرعة ثانية من اللقاح؛ ولكن سيتعين أيضاً توزيع اللقاح على العديد من المناطق السكانية المختلفة في البلدان ذات الدخل المرتفع على حدٍّ سواء.

ذكر تقرير للجمعية الملكية (Royal Society) عن توزيع اللقاح في المملكة المتحدة كمثال: "قد تلعب قلة فرص الحصول على الرعاية الأولية دوراً في حرمان المناطق الفقيرة من أخذ كفايتها من اللقاح نتيجة نقص الموارد البشرية لتطبيق خطة البرنامج في هذه المناطق".

يقول البروفيسور "فاسكويز بولاند" (Vazquez-Boland): "تعدُّ شبكات الرعاية الأولية دائماً حجر الزاوية في هذه المواقف، وتحتاج إلى دعمها وإعدادها بالشكل الأنسب لتنفيذ استراتيجية التلقيح ومراقبة (المرحلة 4) للسلامة والفعالية"، مشيراً إلى أهمية مراقبة أي تأثيرات سلبية لهذه اللقاحات الجديدة.

يتأثر التوزيع بطريقة تخزين اللقاحات، حيث يقول الخبراء أنَّ إحدى مزايا لقاح شركة موديرنا (Moderna) المرشح -على سبيل المثال- أنَّه لا يحتاج إلى درجات حرارة شديدة البرودة لتخزينه، ويمكن تخزينه في ثلاجة عادية لمدة 30 يوماً، ممَّا يسهِّل عملية التوزيع؛ ويضيف البروفيسور شاتوك (Shattock): "سيمثل تصنيع اللقاحات وتوزيعها عالمياً تحدياً كبيراً في ظل الخطر المحدِق والدائم المتمثل بوجود سوق سوداء للقاحات المزيفة أو المزورة".

إقرأ أيضاً: كيفية الوقاية من فيروس كورونا: أفضل 5 أغذية مضادة للفيروسات

إلى أيِّ حد يُعدُّ التشكيك بجدوى اللقاح مشكلة؟

قال الخبراء أنَّ تغيير آراء الناس حول اللقاحات ومعالجة مخاوفهم قد يشكل الأساس لتحقيق مناعة القطيع، وقال الدكتور بلوم (Bloom): "إنَّني قلق بشأن الحركات المناهضة للقاحات"، مشيراً إلى أنَّها "حركة قوية"، وأنَّ الأدوات التي نمتلكها للتعامل مع المعلومات المضللة "محدودة" أكثر من الأدوات التي نملكها لجعل اللقاح ناجحاً.

كما كشفت "هايدي لارسون" (Heidi Larson) من كلية الصحة والطب الاستوائي في جامعة لندن لقناة "يورونيوز" (Euronews) أنَّه ينبغي لنا أن نأخذ العبر من وباء الإيبولا (Ebola)، وقالت أنَّ الخبراء بحاجةٍ إلى "التعاطف" مع الأفراد غير المقتنعين من جدوى اللقاح، وأن يسعوا إلى بناء أواصر الثقة معهم، مضيفة: "نحن قادرون على إيجاد هؤلاء الناس والانخراط والتواصل معهم".

المصدر




مقالات مرتبطة