لقاء جريدة التجديد مع الدكتور جاسم سلطان من قطر

جاسم السلطان أحد المفكرين الذين تفرغوا للبحث في قضايا التفكير والتخطيط الاستراتيجي. في هذا الحوار يبسط جمال سلطان نسقه الفكري الذي ضمّنه في خمسة كتب، إذ يشرح في "من الصحوة إلى اليقظة" أهمية المعامل المنهجي والفكري في الانتقال من المرحلة العاطفية التي كانت تسود مرحلة الصحوة، ويشرح في كتابه "قوانين النهضة" جملة من القوانين التي تحكم ظاهرة التغيير، ويمثل لها بنماذج شارحة، ومن بين أهم القوانين التي فصل فيها بالحديث قانون شرائح التغيير وقانون التدافع.



كما يعرض في كتابيه "فلسفة التاريخ" و "الذاكرة التاريخية" أهمية التجربة التاريخية والماضي التاريخي في عملية استشراف المستقبل. ويرى من خلال هذا المشروع أنّ فقهاء الحركة الإسلامية وقادتها ملزمون بتوسيع مداركهم الفكرية والمعرفية حتى تكون لهم القدرة الكافية على فهم الواقع واتخاذ القرارت السليمة، وفي هذا الإطار يأتي مشروعه "أدوات المعرفة" كمادة معرفية عملية وظيفية يستعين بها الناشط الإسلامي في عملية الدعوة والتغيير والبناء. 

كما يشير إلى أهمية التفكير الإستراتيجي في عملية النهضة، إذ لا تخطيط استراتيجي بدون تفكير استراتيجي، وينتقد بعض الحركات الإسلامية التي اهتمت بالعمل التشغيلي وخضعت لضغط وإكراه اليومي، وانصرفت عن التفكير والتخطيط الإستراتيجي. وقد كان موضوع التفكير الإستراتيجي هو عنوان كتابه الخامس الذي سيصدر قريبا.

1- من خلال وثيقة النهضة التي طرحتم هل يمكن لكم أن تلخصوا لنا مضمونها؟

الفكرة الرئيسة التي تدور حولها هذه الوثيقة هو أن حركة المجتمع الإسلامي مرت بمرحلة تحد تبعتها مرحلة صحوة. ولقد كان المعامل العاطفي في مرحلة الصحوة جد عال بمقابل معامل الرشد الإستراتيجي الذي كان ضئيلاً جداً، فهي أشبه ما تكون بمرحلة أولي الأيدي، وليس أولي الأبصار. وإذا كانت هذه الأمة تريد أن تنجز عملية النهضة فلابدّ لها أن تمر ببوابة اليقظة، وهذه البوابة هي التي ينضاف فيها البعد الفكري والمنهجي ويصير المعامل العاطفي محكوماً وخاضعاً له.

2- هل هذا هو ما يفسر نشركم لكتاب "من الصحوة إلى اليقظة"؟

بالتأكيد، فنحن نتصور أنّ الأمة تمر بثلاث مسارات رئيسة، فالمسار الأول هو مسار الصحوة، وهذا المسار طرحت عليه أسئلة صعبة لم تتم الإجابة عنها بما يكفي، ويمكن أن نمثل على هذه الأسئلة بمسألة الحريات وتداول السلطة، والمواطنة، والعلاقة بالآخر من المجتمعات الغربية وغيرها. هذه الأسئلة اليوم لا يجيب عنها المتخصصون من مواقعهم العلمية والمعرفية، وإنّما يجيب عنها فقهاء الحركات الإسلامية وزعماؤها، ممّا يعني أن هذه الإشكالات لا تحل، وإنّما يتم ترحيلها إلى المستقبل، وهذا بلا شك سيؤدي لاحقاً إلى حالة تعجز فيها هذه الحركات الإسلامية عن إدارة الشأن العام، إذ ستنفجر هذه الأسئلة في وجهها، ولن تكون قادرة عن الجواب عنها لأن أسلوب حلّها لا يكون بذات الطريقة التي تدار بها القضايا الجزئية اللحظية.

وعندها ستكون محرجة أمام قواعدها والجماهير المتعاطفة معها، لأنّها ستطلب رؤيتها وستنظر على تقديرها ومدى توافقه مع مقاصد الشرع ومبادئه الكلية. ولذلك نحن حاولنا في هذا المشروع الذي نقترحه على الأمة أن نحدد مجموعة موضوعات رئيسة، ونحاول أن نضع لها خطة عمل ذات وزن معرفي وعلمي، بحيث نتجنب الاستجابات الفردية، كما نتجنب التعاطي اليومي الذي يتعامل به فقهاء الحركات الإسلامية وزعماؤها.

إقرأ أيضاً: حوار مع د. جاسم سلطان في جريدة الوطن القطرية

3- ماذا عن المسار الثاني الذي اعتمدتموه في هذه الرؤية؟

أطلقنا مشروعاً ثانياً، وهو بذات الأهمية أو أكثر، وأطلقنا عليه أدوات القادة. فالقيادة اليوم التي يعهد إليها اتخاذ قرارات مفصلية في الساحة الحركية يطلب منها أن تكون مؤهلة بجملة من الكفايات المختلفة. والملاحظ أن الخارطة المعرفية عند الفاعل السياسي وخاصة منه الإسلامي تمر عبر القدرات الدينية الشرعية، فتكون معارفه في العقيدة والشريعة والأخلاق والسيرة بقدر تعاطيه مع مجموعة من الكتب ذات الاختصاص، أمّا معارفه في الاقتصاد والسياسة ممّا له علاقة مباشرة بالشأن العام والدنيوي، فهو يكتفي بخبرته الفردية لحل الإشكالات التي تعرض عليه، فهو بهذا الاعتبار لا يكون مؤهلاً لاتخاذ قرارات صحيحة تتأسّس على وعي معرفي بالقضايا والأسئلة التي ترد عليه. فهو غير مؤهل حتى للتعامل مع المصطلحات التي ترد عليه، فما بالك بالمفاهيم والرؤى والأطر النظرية المختلفة والمتباينة خاصة تلك التي تنتمي إلى حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية ومن هنا أتت الفكرة، وقررنا أن نتبنى منظومة معرفية أطلقنا عليها أدوات القادة.

وسبب ذلك أنّنا رأينا أنّ المعارف موجودة في السوق بشكل من الأشكال، فيمكن أن تجد في السوق كتب علوم السياسة والاجتماع، لكنها موجودة في إطار أكاديمي لا يمكن أن يتجاوب معه إلّا الذي كان له نصيب من البحث والتعاطي الأكاديمي، فمن الصعب جداً أن تعرض لمشروع تكوين معرفي في علم السياسة مثلاً، وتقترح في برنامجه فصلاً عن المدخل إلى هذا العلم، ومسألة التعريفات، وتاريخ علم السياسة من اليونان والرومان إلى اليوم، وتستعرض تاريخ الفكر السياسي.

إنّ عملاً بهذا النوع سيؤدي لا محالة بمن يريد أن يتكون في هذا العلم أن يكفر بساس يسوس وما يدخل في إطارها، ويخرج في المحصلة وهو لم يتعلّم شيئاً، إنّنا قدرنا أنّ الفاعل السياسي لا يمكن أن يكون بمنأى عن هذه المعارف، إذ أن أي فجوة تحصل له في الجانب المعرفي تقود إلى معضلات كبيرة أقلها ضرراً عدم قدرته على فهم الأحداث الجارية حوله، وعجزه عن اتخاذ قرارات سليمة ولذلك، كان رأينا وسطياً ومنهجياً، فلم نقترح علوماً يتعلمها الفاعل السياسي، وإنّما سميناها أدوات القادة، بحيث قمنا بجهد كبير نحول من خلاله المادة المعرفية إلى أدوات يستثمرها الفاعل السياسي ويوظفها لتنمية قدراته في فهم الأحداث، ويستعين بها في اتخاذ القرار السياسي.

4- ما هي المحدّدات التي تميز كل مرحلة، وما هي قوانين وشروط الانتقال إلى مرحلة اليقظة؟

إذا وقفنا على الكتاب الأول الذي قمتم بإنتاجه، وهو يتعلق بالتحديد بالانتقال من مرحلة الصحوة إلى مرحلة اليقظة. نحن نريد أن نعرف ما هي المحدّدات التي تميز كل مرحلة، وما هي قوانين وشروط الانتقال إلى مرحلة اليقظة؟

نحن ننظر إلى ما يجري مثلاً في وضع البحر الأبيض المتوسط أن هناك معضلات في الواقع يتعلق بعضها بإدارة صراعات أو تنافس أو صراعات خارجية، لكن العائد الرئيسي في كل هذه الأحداث يرجع إلى منظومة الأفكار التي ولدت تصرفات معينة اتجاه هذا الواقع الخارجي، وعطّلت مسار الانتقال من حالة إلى حالة أخرى، ولذلك فنحن حصرنا مجموعة من القضايا المعيقة فكرياً للتعاطي مع الواقع الخارجي، وطرحناها في سياق مبسط في شكل نماذج معرفية، وتركناها بيد القارئ كي يستفيد منها.

ومن هذه النماذج الإشكالية التي وقفنا عليها هو كيف نفرق بين الميتا إيديولوجي الذي هو النص المقدس المرجعي، وبين الإيديولوجي الذي هو اشتقاق وتكوين لأفكار مترابطة تحاول أن تفسر الواقع وتستشرف المستقبل، وغالباً ما تعمل على تغيير نظام القوة، فالناس عندما تخلط بين النص المقدس المرجعي وبين الإيديولوجيا الذي هو عمل العقل البشري لمحاولة معالجة إشكاليات الواقع تقدس المنهج الإيديولوجي باعتباره رديفاً للمنتج وهو النص المقدس المرجعي، فيصبح المفكر الذي وضع الإيديولوجيا مقدساً، ويصبح نتاجه الفكري ديناً.

نحن حاولنا بشكل معرفي أن نفصل بين المجالين، وأن نميّز بين المقدس وغير المقدس، وأن نظهر للأمة أنّ هناك مجالات ومساحات كبيرة لا يمكن تلمسها أصالة من الكتاب والسنة، وإنّما يعود أمر اكتسابها إلى المعرفة والخبرة الإنسانية. وهذه الفكرة تقود إلى ضرورة التعامل مع تراثنا بمنظور جديد، وضرورة الانفتاح على التراث الإنساني بدون أية عقدة أو حساسية. وهذا هو البعد المعرفي والفكري الذي كان مفقوداً في مرحلة الصحوة، فنريد أن نضيف إلى البعد العاطفي هذا الجانب الفكري، ونكثف من حضور المنهج وننظر إلى هذا العنصر كمعامل مميز لمرحلة اليقظة. 

إقرأ أيضاً: حوار الأستاذ حسن بن حسن مع د. جاسم سلطان

5- كيف تبررون الانتقال من الحديث عن مرحلة اليقظة للحديث عن قوانين النهضة؟

يعني هذا أنكم أضفتم الجانب الفكري والمنهجي، وتسعون على مراجعة كل الأدبيات التي أنتجت في ظل شروط مرحلة الصحوة، لكنكم في كتابكم الثاني تحدثتم عن قوانين النهضة، فكيف تبررون الانتقال من الحديث عن مرحلة اليقظة للحديث عن قوانين النهضة؟

نحن حينما نتحدث عن القوانين لا نتحدث عنها بنفس الطريقة التي توجد بها في العلوم التطبيقية، إنّما في حدود ما تسمح به العلوم الإنسانية من طرح قضية القانون، فنحن نتحدث عن هذه القوانين من داخل الخبرة التاريخية أو العبرة التاريخية إن صح التعبير.

ولم نتحدث عن كل القوانين الناظمة، وإنّما حاولنا أن نؤطّر القوانين التي تعالج الإشكالات الرئيسة المتداولة والشائكة. فقد حاولنا على سبيل المثال، أن نميز بين قانون الفكرة المركزية وقانون الفكرة الحاشدة، وتكلمنا عن فكرة شرائح التغيير، وتكلمنا عن فكرة التدافع في ذهن الناشط والفاعل الإسلامي
نأخذ مثال شرائح التغيير، ففي قراءة استمرت أزيد من 25 سنة من التجارب الحركية، وجدنا أن هناك فارقاً بين شريحة البدء وشريحة التغيير وبين شريحة البناء.

ففي أي مجتمع من المجتمعات يروم إحداث عملية تحول في المجتمع يمر ضرورة بهذه الشرائح الثلاث، والنبي صلى الله عليه وسلم كون شريحة بدء حينما كان يتكلم مع الناس ويدعوهم إلى الإسلام، لكن شريحة التغيير هي تلك التي هاجرت معه وصبرت وأوذيت، وهي التي نقلت السلطة من دار الندوة إلى المدينة.

فالتغيير لم يحصل في مكة، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم نزل إلى القبائل وطلب تأييدها ونصرتها. لقد كان المطلوب من شريحة التغيير أن تتزود بجملة من المواصفات لإنجاز التغيير، ولعل أهم شرط كان يطلب هو المناعة والقدرة على اتخاذ القرار. وفي المدينة لم تكن شريحة التغيير كافية لإنجاز التحول المطلوب، وعندها وبعد النصرة جاءت الشريحة الثالثة وهي شريحة البناء. لقد كان التعاقد مع مجتمع المدينة كله يهوداً ومسلمين بقبائلهم المختلفة هو عنوان تشكل شريحة البناء.

إنّنا نلمس من خلال هذا التحليل أنّ عملية البناء تتطلّب أن نفتح صدرنا ورؤيتنا كي ننظر إلى المجموع، وإلى جميع مكونات المجتمع للانخراط في هذه العملية الكبيرة.

إنّ الاهتمام بشريحة البدء مهما امتدت وكبرت فهي لا تستطيع أن تحدث التغيير إلّا إذا انظمت إليها شريحة التغيير، وهاتان الشريحتان معاً لا تستطيعان أن تبنيا دولة دون أن تنظم إليهما شريحة ثالثة أوسع هي شريحة البناء. وهي بالطبع لن تكون إلّا المجتمع بجميع شرائحه ومكوناته.

6- ماذا عن قانون التدافع؟ فالحركة الإسلامية تتحدث عن هذه المفردة دون أن تحدّد مفهومها بشكل دقيق ودون أن تعرض لبعض القوانين المؤطرة له؟

إذا نظرنا إلى هذا القانون، وحاولنا أن نفكّك من خلاله مجموعة من القضايا سنجد أنّنا في الحقل الحركي بإزاء أطروحات متغايرة. فهناك أطروحة التربية المطلقة التي ترى أنّنا نأكل المجتمع فرداً فرداً أسرةً فأسرةً، وهذا ينتهي بنا إلى التحول الاجتماعي.

والحقيقة أنّ هذه الأطروحة بهذه المواصفات ليس لها نموذج تاريخي يذكر، ولقد حاولنا من خلال شرح قانون التدافع أن ننتقد هذه الرؤية اللاتاريخية، وبسطنا الطريقة التي يتم بها التحول المجتمعي من خلال تدافع التصورات والأفكار والنماذج والبدائل عبر حركية المجتمع. وهذا يتقاطع بالضرورة مع الطريقة التي يتم بها التحول في الشرائح المجتمعية الثلاثة التي فصلنا فيها سابقاً.

7- لاحظت من خلال كتابكم الثالث أنّكم انتقلتم من الحديث عن قوانين النهضة على الحديث عن فلسفة التاريخ؟

وقد كان النسق المعرفي لكتابتكم أن يكون وضع هذا الكتاب من ناحية الترتيب سابقاً باعتبار أنّ فلسفة التاريخ تمكن من أرضية معرفية تسعف في نقد الأدبيات الأولى"من الصحوة إلى اليقظة" ثم في الحديث عن التحولات "قوانين النهضة" كيف تبررون هذا الاختيار؟

ملاحظتك فيها قدر كبير من الوجاهة، لكنّنا رأينا أن أعمال المفكرين هي امتداد لكتاب قوانين النهضة، بمعنى أنّنا لم نركّز في شرح أعمال الفلاسفة على البعد الأكاديمي، بل حرصنا أن نأخذ من أفكارهم الجوانب العملية التي يحتاجها الناشط والفاعل السياسي حتى تعينه على النظر بصورة أفضل وأوسع للعالم. فنحن لا نعرض لفلسفة "هيغل" في بعده النسقي والديالكتيكي المجرد، وإنّما حرصنا أن نشتق من أفكاره ما يعين هذا الفاعل في عملية فهمه للواقع.

ولم نكن نخضع لأيّة رؤية ضيقة في اختيار النماذج والفلاسفة والمفكرين، لقد كان شعارنا في هذا الباب "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها" فقمنا بعرض ما يمكن الإستفادة منه في أعمال ماركس وهيغل وتوينبي وغير هؤلاء، وسمياناها أدوات للعالم نزود بها بعض معارف الفاعل السياسي في شكل نماذج إذا احتفظ بها يستطيع أن يرى العالم بطرق مختلفة، وبذلك عددنا له زوايا النظر، وأسهمنا في الخروج به من أسر الرؤية النمطية والرؤية الأحادية.

8- لكني لم افهم ما السر في إضافة كتاب آخر إلى مشروعكم يتعلق بالذاكرة التاريخية؟

فما وضع الذاكرة التاريخية ضمن نسقكم، ولماذا تفردون كتابين متعلقين كلاهما بالتاريخ؟

لأمر بسيط هو أن مجتمعاتنا وشبابنا لا ذاكرة تاريخية لهم، ونحن لا يمكن أن نقود تغييرا بدون أن تكون لنا ذاكرة تاريخية. ولذلك فخريطتنا المعرفية إن لم تهتم بالبد التاريخية، وإن لم تنم وتشحذ الذاكرة التاريخية، فالإنسان الفاعل التاريخي لا يمكن أن تكون عنده حوافز لا للتغيير ولا للبناء. إن الذاكرة التاريخية هي بمثابة البوصلة التي تطلع الإنسان المنخرط في عملية النهضة بماضيه وحضارته وأهم نقاط قوته ومسار تخلفه، وتبصره بالعوامل الحقيقية لكبوته التاريخية، بل وتجعله يرى العالم برؤية حقيقية. لا نستطيع أن نبني المستقبل بدون رؤية صحيحة للواقع، وهذه الرؤية لا يمكن أن تتشكل من دون ذاكرة تاريخية.

9- لعل أهم كتاب تنوون إصداره، وهو عمق المشروع الذي تنادون به هو التفكير الإستراتيجي، فلماذا بالضبط الحديث عن التفكير الإستراتيجي وما هي مبرراته؟

السبب هو أنّ كثيراً من الحركات الإسلامـية وغـير الإسلامـية تتحدث عن التخطيط الإستراتيجي، لكـنها تغفل أن التخطيط الإستراتيجي لا يمكن أن يحصل دون وجود تفـكير إستراتيجي، فالتخطيط الإستراتيجي هـو ثمرة التفكير الإستراتيجي، فما الذي يعوق التفكير الإستراتيجي أن يتحول إلى حقيقة وأن يصبح ممارسة تقليدية في المجـتمعات العربية والإسلامية. 

لقد حاولنا في هذا الكتاب أن نستجمع كل ما علمناه في هذا الموضوع أو مارسناه، ووضعناه في كتاب واحد لمن شاء أن يستجمع ذهنه في قضية الإستراتيجية، سواء كانت من ناحية مفهومها أو عوائق التفكير في الموضوع، وما هي الممارسات الخاطئة في ما يسـمى العمل الإستراتيجي ومتى نسمي هذا العمل استراتيجياً وهذا غير إستراتيجي.

لقد حاولنا أن نضع كتاباً آخر ينضاف إلى أدوات القادة، ونبتغي من خلال كل هذا من الناشط السياسي ألّا يشتغل بمعزل عن هذه المعارف القيادية، فإذا كان من المتعذر له أن تكون له إحاطة شاملة بالمعارف الاجتماعية والسياسية، فلا قل من أن يتخذ هذه الأدوات القيادية كوسيلة ضرورية تعينه على فهم الواقع، وتمكنه من اتخاذ قرارات سليمة بشأنه. 

إقرأ أيضاً: النهضة الأدبية في الوطن العربي وأبرز أدباء عصر النهضة

10- في نظرك هل أصبح الفكر الإستراتيجي سلوكاً معرفياً للحركة الإسلامية أم أن المر لم يتجاوز فقط مرحلة الحديث عن الضرورة والحاجة؟

لا شك أن الحركة الإسلامية اليوم صارت مقتنعة تماماً بضرورة التخطيط الإستراتيجي، وصارت تكثف في أدبياتها مفردات مثل الإستراتيجية والفكر الإستراتيجي، في نظرك هل أصبح الفكر الإستراتيجي سلوكاً معرفياً للحركة الإسلامية أم أن المر لم يتجاوز فقط مرحلة الحديث عن الضرورة والحاجة؟

فكرة الإستراتيجية بشكل مجرد هي عبارة عن إيجاد حل لعقدة الموقف، لأنّه بدون الوصول إلى عقدة الموقف، وبدون إيجاد وسيلة لحل عقدة الموقف يبقى الحديث عن الإستراتيجية أمراً بعيداً. أمّا في ما يخص الواقع الذي أنظر إليه الآن، أرى أنّ الحركة الإسلامية غير مدركة لعقدة الموقف، وأحياناً لا تريد الاقتراب من عقدة الموقف، وبالتالي فهي تفضل الهروب إلى فضاءات تشغيلية تستنزف فيها الأوقات في أعمال ثانوية ليست متعلقة تماماً بعقدة الموقف، لكن متعلقة بالإجابة على رسالة أخرى غير عقدة الموقف. 

لكن هناك شعوراً بالرضا من طرف هذه الحركة بسبب أنّها تقوم بالحركة في حد ذاتها، فحركتها في المجتمع حتى ولو لم تقارب عقدة الموقف تجعلها تشعر بنوع من الرضا من كسبها. لكن عند النظر والتأمل نرى أن العمل الإسلامي في كثير من المواقع يهتم بعمل تشغيلي لا يرقى إلى ما يسمى استراتيجية. يعني أنّ الأسئلة الحقيقية لم تطرح بعد، أو ربما تطرح ولا تعطى الوقت للإجابة عليها، أو لأن الناس ينصرفون للجزء الأسهل، كتيار النهر عندما يجد مجرى مسدوداً يمر في المناطق السهلة والمنخفضة أكثر، وكلّما انخفض وانحدر إلى مستويات أدنى وصل إلى القاع.

أجرى الحوار: بلال التليدي

6/9/2006 جريدة التجديد