لا يؤدي كل مسار مهني إلى منصب المدير

يوفر عدد قليل من المؤسسات الفرصة للأفراد المساهمين لفعل ما يتقنونه؛ إذ يكون التسلق نحو المناصب هو السبيل الوحيد لكسب أفضل ومكانة أرقى.



ملاحظة: هذا المقال للمدوِّنة "روبن هاردمان" (Robin Hardman)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في تطبيق ثقافة العمل البديلة للتسلسل الهرمي التقليدي.

يعترف الجميع تقريباً بواقع "مبدأ بيتر" (Peter Principle) الذي يقوم على فكرة أنَّ كل موظف في الهرم الوظيفي يُرقَّى حتى يصل إلى مستوى تنعدم فيه الكفاءة عنده؛ لذا يترقَّى الأشخاص إلى وظائف لا يملكون المهارات اللازمة لها ومن الممكن ألا يكون لهم اهتمام بها؛ وبذلك نخرجهم من منطقة الراحة.

بالنسبة إليَّ شخصياً، لم أرغب في أن أشغل منصب مدير، ولا بأس في ذلك لأنَّني أعترف بأنَّني لا أملك الكفاءة لإدارة الناس؛ إنَّ الرغبة في "مجرد القيام للعمل" هي ما دفعَتني للانطلاق للعمل وحدي؛ إذ إنَّه مع العمل الشاغل والغزير، ما زلتُ أقوم بأغلب العمل بنفسي، ولست وحدي بهذا الموقف؛ فمن بين الأصدقاء، والزملاء، وأفراد العائلة، أرى عدداً من القادة الناجحين، ولكنَّني أعرف بعضاً ممن هم سعداء بترك أدوار القيادة الرسمية لغيرهم.

وهذا لا يعني دائماً أنَّهم ليسوا قادة؛ فيمكن للقيادة أن تتخذ عدة أشكال؛ إذ يؤدي الأفراد المساهمون دوراً قيادياً في مكان العمل، وفي بعض الأحيان يكونون قادةً بصفتهم أفراداً مساهمين أفضل مما إذا كانوا مديرين.

شاهد بالفديو: 11 مهارة تنظيمية يحتاجها كل قائد ذكي

ما يُغفله منهج إدارة الخطوة التالية:

يوجد جانب مُغفَل من "مبدأ بيتر"؛ إذ إنَّ ترقية شخص لا يملك اهتماماً أو موهبة إلى دور إداري، يمكن أن تكون السبب في إدارة سيئة، وبالمثل، فإنَّه يؤدي إلى فريق غير منتِج وغير سعيد، وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي ببعض الأفراد إلى ترك الفريق، واستقالة الموظف الذي رُقِّي بحد ذاته، ولكنَّ ما يُغفَل ذكره هو حقيقة أنَّ ذلك يترك فجوة في السلم الوظيفي؛ وهذا بدوره يجبر المؤسسات في بعض الأحيان على استبدال المساهِمين المميَّزين والخبيرين والموهوبين.

من البديهي أن يكون جعل الناس يقومون بما يجيدون فعله، ويبنون مهنتهم من ذلك، حلاً يُرضي جميع الأطراف، ولكن لتحقيق ذلك، نحتاج إلى منحهم فرصة كالتي نمنحها للمديرين؛ وهذا يعني التفكير تفكيراً مختلفاً بشأن الأفراد المساهمين؛ كأن نشجِّعهم ونكافئهم لقيادتهم، ونساعدهم على تطوير مهاراتهم، ونعترف بخبراتهم ومعرفتهم المؤسساتية.

يذكر مقال لـ "جيف ميلر" (Jeff Miller) هذه الفكرة، ويحث القادة على توضيح أنَّ النمو الوظيفي لا يجب أن يعني طريقاً حتمياً نحو الإدارة؛ فلا يوجد سبب لعدم وجود معايير تقيس تقدُّم الأفراد المساهمين، تماماً كما توجد معايير للأشخاص الذين يرتقون إلى المناصب.

إقرأ أيضاً: أهم 6 صفات يتميّز بها المدير الناجح

الحاجة إلى تغيير في ثقافة العمل:

يصف مقال في مجلة "ذي إيكونوميست" (The Economist) بعض الشركات التي تنتهج إنشاء مسارات وظيفية بديلة، ومنها شركة التكنولوجيا "هايلاند" (Hyland)، ملاحظين أنَّها تضمَّنت موظفين موهوبين جداً ممن كانوا يطورون استراتيجيات ويتخذون قرارات ضمن مشاريعهم، مع أنَّهم ليسوا مديرين، ولقد أعادت "هايلاند" هيكلة مستويات العمل والدفع لمكافأتهم، وأسَّست نظاماً تفصيلياً يرسم مسارات واسعة ومتنوعة وكفاءات مطلوبة للسير وَفقها.

إنَّ أكبر التحديات، وَفقاً لـ "ماري فاليز" (Mary Vales) مديرة التعلم والتطور المنظماتي، كان التحول الثقافي الذي اقتضاه هذا التجديد: "كان على جميع الموظفين أن يتعلموا ما هي المستويات والأدوار الجديدة للتقنيين، على سبيل المثال "المطوِّر5" هو المقابل في المستوى للمشرف".

يتعلق الأمر كله بالتحول الثقافي، ووَفقاً لما ذكره "آرمين تروست" (Armin Trost) البروفيسور في الموارد البشرية، في مقال له في مجلة "ذي إيكونوميست": المسارات الوظيفية البديلة هي جزء من التقدُّم الطبيعي للعمل من كونه هرمياً بمفاهيم متفاوتة، مع رؤساءٍ يُملون على الموظفين كيف وماذا يجب أن يفعلوا، إلى كونه شبيهاً بمبدأ الأوركسترا؛ إذ يكون الموسيقيون أدرى بكيفية العزف على آلاتهم الموسيقية، وتقتصر مهمة قائد الأوركسترا على التوفيق بين هؤلاء الخبراء مع بعضهم ليبدعوا شيئاً معاً".

إنَّها من فكرة بديعة أن تُدار المؤسسات كما تُدار الأوركسترا، وتُعزف السمفونيات من الأرباح.

المصدر




مقالات مرتبطة