لا وجود للشخصية الإدمانية: إليك السبب

"الحياة سلسلة من الإدمانات، ومن دونها نموت"، هذا هو اقتباسي المفضل عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الإدمان من منظورٍ أكاديمي، وقد نشره الطبيب النفسي إسحاق ماركس (Isaac Marks) في عام 1990 في المجلة البريطانية للإدمان (British Journal of Addiction).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن ستيفن أيتشيسون (Steven Aitchison)، ويُحدِّثنا فيه أنَّه لا وجود للشخصية الإدمانية، ويشرح لنا السبب في ذلك. 

لقد قيلت هذه العبارة الاستفزازية، والمثيرة للجدل لتحفيز النقاش فيما إذا كان يمكن تصنيف النشاطات المبالغ بها، والتي يحتمل أن تسبب مشكلات على أنَّها إدمان حقيقي.

قد نقول لأنفسنا إنَّنا "مدمنون" على الشاي أو القهوة أو العمل أو حتى الشوكولاتة، أو قد نعرف أشخاصاً آخرين ونصفهم بأنَّهم "مدمنون" على شيء ما، لكن هل هذه الافتراضات لها أيُّ أساس في الواقع؟

تكمن المشكلة في كيفية تعريف الإدمان في المقام الأول؛ لأنَّ معظمنا لا يتفقون في هذا المجال على ماهية المكونات الأساسية للإدمان في الواقع، وقد يختلف كثيرون بشأن كلمتي "إدمان" و"يسبب الإدمان"، وقد استُخدمت كثيراً في الظروف اليومية لدرجة أنَّها أصبحت بلا معنى.

على سبيل المثال، القول لدي كتاب تسبب قراءته الإدمان، أو أعرف مسلسلاً تلفزيونياً معيناً مشاهدته تسبب الإدمان يجعل الكلمة غير مجدية في الظروف السريرية، ويمكن القول إنَّ كلمة "مسبب للإدمان" تُستخدم بطريقة إيجابية؛ ومن ثَمَّ فإنَّها تقلِّل من قيمتها الحقيقية.

حماسة صحية l مشكلة حقيقية؟

إنَّ السؤال الذي يُطرح عليَّ كثيراً "لا سيما من قبل وسائل الإعلام المرئية" ما الفرق بين الحماسة الصحية المبالغ بها والإدمان؟ وإجابتي بسيطة، وهي: الحماسة الصحية تضيف الشيء الكثير إلى الحياة، بينما الإدمان يقلِّل من قيمتها.

أعتقد أيضاً أنَّه لكي يُصنف أيُّ سلوك على أنَّه إدمان، يجب أن يشتمل على عدد من المكونات الرئيسة، ومن ذلك الانشغال المطلق بالسلوك، والتعارض مع النشاطات والعلاقات الأخرى، وأعراض الانسحاب عند عدم القدرة على القيام بالنشاط، وزيادة في السلوك ذاته مع مرور الوقت (التحمل)، واستخدامه لتغيير حالة المزاج.

غالباً ما توجد عواقب أخرى، مثل الشعور بالخروج عن السيطرة مع السلوك، والرغبة الشديدة في القيام به، فإذا كانت هذه العلامات والأعراض كلُّها موجودة، فإنَّ السلوك يعدُّ إدماناً حقيقياً، لكن هذا لم يمنع الآخرين من اتهامي بتمييع مفهوم الإدمان.

شاهد: كيف تتعامل مع مدمن المخدرات؟

علم الإدمان:

قبل بضعة سنوات، نشرت أنا والمحامي الأمريكي ستيف سوسمان (Steve Sussman) واختصاصية الإحصاء نادرة ليشا (Nadra Lisha) مراجعة تبحث في العلاقة بين 9 سلوكات يُحتمل أن تكون مسببة للإدمان، والتي أُبلغ عنها في الكتب الأكاديمية، مثل: تدخين التبغ، وتعاطي المخدرات غير المشروعة، والأكل، والمراهنات، واستخدام الإنترنت، والحب، والتمرينات الرياضية، والعمل، والتسوق.

فحصنا البيانات من 83 دراسة واسعة النطاق، وأبلغنا عن أنَّ انتشار الإدمان بين البالغين في الولايات المتحدة (US) تراوح من 15% إلى 61%، في فترة 12 شهر.

لقد أبلغنا أيضاً أنَّه من المنطقي أن يكون 47% من السكان البالغين في الولايات المتحدة، يعانون من علامات عدم التكيف بسبب اضطرابات الإدمان على مدى 12 شهراً، وأنَّه قد يكون من المفيد التفكير في الإدمان على أنَّه يحدث بسبب مشكلات نمط الحياة، وكذلك بسبب عوامل على المستوى الشخصي؛ باختصار "مع عدة تحذيرات"، ذكرت ورقتنا البحثية أنَّ نصف سكان الولايات المتحدة مدمنون على سلوك واحد أو أكثر.

ثمة عدة كتب علمية تظهر أنَّ وجود إدمان واحد يزيد من الميل للإدمان عامة، على سبيل المثال، في بحثي الخاص صادفت أشخاصاً مدمنين على شيئين في آن واحد، فجميعنا يمكننا التفكير في أشخاص يمكن وصفهم بأنَّهم مدمنون على العمل، ومدمنون على الكافيين في آنٍ واحد، ومن الشائع أيضاً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتخلون عن إدمان واحد أن يستبدلوه بآخر، والتي نطلق عليها نحن علماء النفس اسم "المعاملة بالمثل" (Reciprocity).

يسهل فهم هذا الأمر؛ لأنَّه عندما يتخلى الشخص عن إدمان معين؛ فإنَّه يترك فراغاً في حياته، وغالباً ما تكون النشاطات الوحيدة التي يمكن أن تملأ الفراغ وتعطي تجارب مماثلة هي سلوكات أخرى يمكن أن تسبب الإدمان، وقد أدى هذا الأمر بمعظم الناس إلى وصف هؤلاء الأشخاص بأنَّهم "شخصيات إدمانية".

إقرأ أيضاً: تعرّف على أضرار إدمان الهواتف الذكية وعلى أهم طرق علاجه

الشخصيات الإدمانية:

في حين أنَّ ثمة عدة عوامل مسببة للسلوك الإدماني ومن ذلك الجينات وسمات الشخصية، مثل العصابية العالية؛ أي القلق والتعاسة والعرضة للمشاعر السلبية، وقلة الوعي؛ أي التسرع والإهمال والفوضوية؛ إلا أنَّ الشخصية الإدمانية هي مجرد خرافة.

على الرَّغم من وجود دليل علمي جيد على أنَّ معظم الأشخاص الذين يعانون من الإدمان هم عصابيون للغاية، إلا أنَّ العصابية في حد ذاتها لا تنبئ بالإدمان، على سبيل المثال، ثمة أشخاص عصابيون للغاية وغير مدمنين على أيِّ شيء؛ باختصار لا يوجد أيُّ دليل على وجود سمة شخصية محددة "أو مجموعة سمات" تنبئ بالإدمان.

إقرأ أيضاً: الشخصية العصبية وكيفية التعامل معها

في الختام:

إنَّ القيام بشيء ما بشكل معتاد أو مفرط لا يجعله مشكلة، ففي حين أنَّ بعض السلوكات، مثل استهلاك كثير من الكافيين أو مشاهدة كثير من التلفاز، والتي يمكن وصفها نظرياً بأنَّها سلوكات إدمانية، فمن المرجح أن تكون عبارة عن سلوكات اعتيادية هامة في حياة الشخص، لكنَّها في الواقع تسبب قليلاً من المشكلات أو لا تسبب أيَّة مشكلات على الإطلاق؛ ومن ثَمَّ ينبغي ألا تصف هذه السلوكات على أنَّها إدمانية ما لم تتسبب في آثار نفسية أو فيزيولوجية كبيرة في الحياة اليومية.

المصدر




مقالات مرتبطة