لا تغيِّر نفسَك بل حسِّنها

ليس من الهام أحياناً مدى جودة إدراك الذات، فربَّما تعرف نفسَك فعلاً؛ لكنَّك لا تتصرَّف على طبيعتك، فلا بدَّ أنَّه شعورٌ مألوف بالنسبة إليك، وسأورد فيما يأتي بضعةَ أسئلة أودُّ منك أن تطرحها على نفسك:



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية التصرُّف على طبيعتنا وعدم تغيير أنفسنا لأجل الآخرين مهما كلَّف الأمر.

  • هل تشعرُ بأنَّك الشخصُ ذاتُه في العمل وفي المنزل أيضاً؟
  • وهل تشعر بأنَّك الشخص نفسُه حين تكون مع أصدقائك ومع شريك حياتك؟
  • هل تشعر أنَّك مُجبَرٌ على التصرف بطريقة مختلفة في بعض المواقف؟

غالباً ما تكون الإجابة (لا) عن السؤالين الأولَين، وَ(نعم) عن السؤال الأخير، والسببُ في ذلك هو شعورُنا بطريقةٍ ما بأنَّنا مُجبَرون على أن نكون أشخاصاً مختلفين في المواقف المختلفة؛ لكنَّها كذبةٌ في الحقيقة، ويعبِّر كاتب المقالات الأمريكي "رالف والدو إيمرسون" (Ralph Waldo Emerson) عن ذلك بأفضل طريقة في قوله: "إنَّ أعظم إنجاز هو أن تكون على طبيعتك في عالمٍ يحاول باستمرار أن يجعلك شخصاً آخر".

ما يزال هذا الاقتباسُ مُتداوَلاً إلى وقتنا هذا، فنحن نعيشُ اليومَ حقاً في عالمٍ يحاول دائماً أن يحوِّلَنا إلى أشخاص مختلفين ولا نشبه أنفسَنا بسبب وجود معظم المعايير عن الطريقة التي يجب أن نتصرَّف ونتحدث بها، إضافة إلى معاييرٍ تحدد طريقة لباسنا ومظهرنا الخارجي أيضاً.

شاهد بالفديو: أربع عادات تمنحك الثقة بالنفس

لا تحاوِل تغييرَ نفسِك:

غالباً ما نجد أنفسَنا في حالاتٍ أو مواقف نشعر فيها بعدم الانتماء أو بأنَّ المكان ليس مكانَنا، فربَّما تشعر وكأنَّك غريبٌ أو دخيل في عملك أو مدرستك أو منزل عائلة زوجتك أو حتَّى في منزلك؛ وبالنسبة إلي، فأنا لا أؤمن بفكرة عدم فهم الآخرين لك بالكامل، فكثيراً ما يحاول بعضُ الناس أن يتمرَّدوا ويثوروا مُدَّعين أنَّ الآخرين لا يفهمونَهم أبداً.

قد يكون ذلك تصرُّفات طفوليةً أو مُجرَّد ادِّعاءاتٍ للفت الأنظار؛ لكنَّني أؤمن بأمرٍ واحدٍ بسيطٍ للغاية وهو ألَّا تعتذر إطلاقاً عن حقيقتك أو هُويَّتك؛ إذ لا يدلُّ هذا الأمرُ إطلاقاً على كونك منبوذاً أو متمرِّداً؛ بل يتعلَّق بتصرُّفك على طبيعتك فحسب؛ وحين لا تتمكن من التصرُّف على طبيعتك، فما من حلٍّ آخر أمامَك إلَّا الهروب.

لقد اعتقدتُ فيما مضى أنَّه لا مانعَ من تغيير الإنسان لنفسه، لأكتشفَ فيما بعد أنَّه ليس أمراً مُجدياً أو نافعاً أبداً؛ بل إنَّ تغيير هويتك وحقيقتك ما هو إلَّا قصةٌ اختلقَها المُجتمَع، ويُعَدُّ رجال الأعمال والأشخاص الذين يعملون في مجال التجارة المسؤولين عن ذلك على وجه الخصوص؛ إذ يخبرونك بأنَّك يجب أن تتأقلم مع ثقافة الشركة وتتكيف معها؛ لكنَّني أشكُّ في صحة ذلك، فما من سببٍ يدفعُني إلى التأقلم أو التعوُّد على الشكوى والتذمُّر أو الخيانة والطَّعن في الظهر أو العلاقات الاجتماعية في جوِّ العمل وسياساته؛ لذا إن لم يعجبك ذلك، أنصحك بعدم فعله.

يشرح الكاتب والمدرِّس "بيتر دراكر" (Peter Drucker) ذلك شرحاً جيداً في كتابه المُسمَّى "إدارة الذات" ( Managing Oneself) قائلاً: "يجدر بنا التذكير بالنتيجة النهائية وهي ألَّا تحاول تغييرَ نفسك لأنَّك من غير المُرجَّح أن تنجح بهذه الطريقة؛ وإنَّما عليك أن تعمل بجدٍّ لتحسين طريقة أدائك".

إذاً، لا تتغيَّر؛ بل حسِّن من قوتك.

إقرأ أيضاً: التكيف مع التغيير: ما أهميته؟ وكيف نطبقه؟

مَن هو الشخصُ الذي لا تريدُ أن تكون عليه؟

لقد استغرقتُ سنواتٍ عديدة كي أتمكن من تطبيق فكرة عدم محاولة تغيير نفسي في حياتي؛ فقد كنتُ أقبل في الماضي بوظائف في شركاتٍ ذات ثقافاتٍ رديئة وسيئة للغاية، كما كنتُ أخرج للتنزُّه أحياناً مع رجالٍ يتحدثون فقط عن السيارات والشُّقَق السكنية وكرة القدم والفتيات، لكن في الوقت الحالي، لم أعُد أضع نفسي في مواقفَ مشابهة، فلم أعُد أعمل مع أشخاصٍ مغرورين أو متكبِّرين ولا لحسابهم، كما أنَّني لا أقضي وقتي في التسلية مع أشخاص همُّهم الانتقاد ويُطلِقون الأحكام على الآخرين أو مع الناس السطحيِّين.

يقول الكاتب "روبرت غرين" (Robert Greene) مؤلِّف كتاب "الإتقان" (Mastery) في ذلك: "كلَّما عرفتَ بوضوحٍ أكبر الشخصَ الذي لا ترغبُ في أن تكون عليه، أصبح إحساسُك بالهوية والهدف أكثر وضوحاً"؛ ولهذا السبب أتصرف على طبيعتي طوالَ الوقت، فأنا أعلمُ تماماً مَن الإنسان الذي لا أريدُ أن أكون عليه.

في الختام:

لا يمكن أن يحبَّك كلُّ البشر في العالم؛ ومن ثَمَّ لا مانعَ إن لم يحبَّك بعضُ الأشخاصُ حولك؛ إذ يُسعِدُني أن أدفع هذا الثمن إن استطعت أن أكون على طبيعتي، كما أنَّني مستعدٌّ في الواقع لدفع أيِّ ثمن مقابل أن أبقى حقيقياً وصادقاً مع نفسي؛ لأنَّ هذا أحد الأشياء القليلة في الحياة التي تستحقُّ العناءَ فعلاً.




مقالات مرتبطة