كيفية تهيئة الطفل لانفصال الأبوين

العلاقة الزوجية هي رباط مقدس كان وما زال أهم مؤسسة عرفتها البشرية منذ الأزل ويوجب على الإنسان العديد من المسؤوليات والواجبات تجاه شريكه العاطفي ومن ثم تجاه أطفاله لاحقاً، فلا يمكن بناء أسرة متماسكة ومتحابة إلا بالاحترام والاهتمام والتسامح والحب المتبادل بين الزوجين ومساندة بعضهم بعضاً في الأوقات الصعبة، إضافة إلى الوعي الكافي المتعلق بكيفية إدارة الخلافات وحل المشكلات التي لا تخلو منها أيَّة عائلة.



يمكننا عَدُّ الخلافات منكهات طبيعية في الحياة الزوجية، لكن كما توجد علاقات زوجية ناجحة ومميزة توجد علاقات فاشلة أيضاً ربما نتيجة تراكم الخلافات أو نتيجة عدم التوافق الفكري أو غيرها من الأسباب التي تودي بالزوجين إلى اتخاذ قرار الانفصال، فما هو مصير الطفل حينها؟

عند وصول الزوجين إلى قرار الانفصال لا يجب الشروع به قبل تهيئة طفلهما لهذا الانفصال تجنباً للآثار السلبية التي يتركها الانفصال في نفسية طفلهما؛ لذلك إليك هذا المقال الذي يفيد في التعرف إلى كيفية تهيئة الطفل قبل الانفصال.

أثر انفصال الأبوين في الطفل:

يترك انفصال الأبوين "الطلاق" تأثيرات متباينة تختلف من طفل إلى آخر، وذلك باختلاف العمر والنضج وطبيعة الطفل والطريقة التي تم بها الانفصال والوضع المادي بعد الانفصال، لكن على الرغم من تلك الاختلافات فإنَّ الأطفال عموماً بعد انفصال والديهم تظهر عليهم تغيرات وتأثيرات كثيرة وتستمر لفترات طويلة، نذكر منها ما يأتي:

1. التأثير النفسي للانفصال في الطفل:

لا يستطيع الطفل إخفاء مشاعره أو السيطرة عليها بعد الانفصال، وغالباً ما تظهر عليه المشاعر الآتية:

1. الشعور بالذنب:

وخاصةً عند الأطفال بسن صغيرة؛ إذ يعتقد الطفل أنَّه السبب وراء الانفصال ويأخذ على عاتقه لم شمل الأسرة مرة أخرى، وهذا يجعله يشعر بالحزن والألم ويحمله هموماً وأعباء ليست مناسبة لسنه أبداً.

2. القلق:

لأنَّ وجود الطفل بين أبويه هو أساس شعوره بالأمن النفسي والبدني أيضاً، فمجرد غياب أحدهما من حياته اليومية يُدخله بحالة من القلق والخوف من عدم وجوده عندما يحتاجه ليسانده ويلبي طلباته.

3. الإجهاد النفسي:

الذي ينتج عن التفكير المستمر بأسباب الانفصال وعدم فهم كيف تغيرت مشاعر الحب والألفة التي كانت تجمع والديه.

4. الميل إلى العنف:

وذلك نتيجة رغبته في التنفيس وإخراج المشاعر السلبية مثل الغضب أو الاستياء من الوضع الجديد، فيفتعل المشكلات مع الآخرين دون وجود أسباب منطقية لذلك.

2. التأثير الاجتماعي للانفصال في الطفل:

تتمثل التأثيرات الاجتماعية للانفصال في الطفل بما يأتي:

1. ضعف القدرة على التفاعل مع الآخرين:

فغالباً يتعلق الطفل بأحد الوالدين وهو الحاضن له، أما الطرف المبتعد فتضعف قدرته على التواصل معه، ثم تضعف قدرته لاحقاً على التواصل والتفاعل مع الآخرين المحيطين به.

2. التأثير السلبي في العلاقات المستقبلية:

تؤكد الدراسات النفسية أنَّ الطفل الذي نشأ في ظروف انفصال هو الأكثر عرضة للفشل في العلاقات العاطفية مستقبلاً، وعدم القدرة على حل المشكلات الزوجية؛ نتيجة افتقاره إلى الاستقرار الأسري سابقاً.

شاهد: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

3. تأثير الانفصال في المستوى التعليمي:

المشاعر السلبية التي يعاني منها الطفل بعد انفصال والديه والتي تحدثنا عنها آنفاً تؤدي إلى معاناة الطفل من الارتباك والتشويش في أثناء الدراسة، ومن ثمَّ عدم القدرة على التركيز الجيد، إضافة إلى ذلك فالطفل سيعاني من نقص في الدعم والتشجيع من الوالدين، فقد ينشغلان لفترة من الزمن بإعادة ترتيب حياتهما الجديدة، وفي حال انتقل الطفل إلى منطقة جديدة سيعاني من صعوبة في التأقلم مع المدرسة الجديدة والزملاء لأنَّه جاء مرغماً إليها.

4. تأثير الانفصال في الوضع المادي:

نتيجة التغيرات التي تتبع الانفصال مثل تأسيس بيت جديد أو الانتقال إلى عمل جديد في منطقة أخرى، فكل ذلك يفرض على الأبوين مصاريف جديدة تجعل الدخل المقدم للطفل أقل، وقد يعجز أحدهما عن تأمين احتياجات الطفل ورغباته وحده في حال لم يكن ثمة اتفاق على التعاون والمشاركة بعد الانفصال في رعاية الطفل.

كيفية تهيئة الطفل لانفصال الأبوين:

الطفل أكثر المخلوقات رقة وهشاشة على وجه الأرض؛ لذلك يعدُّ التعامل معه بطريقة سليمة ومراعاة مشاعره أساسَ التربية الناجحة، وكما لاحظنا فإنَّ الانفصال يترك آثاراً في نفس الطفل وشخصيته لا يمكن أن يغيرها الزمن، لذلك من المفترض أن يقوم الوالدان بتهيئة طفلهما قبل الانفصال.

إليك بعض الخطوات التي تساعد على ذلك:

1. التأكد من كيفية سير حياة الطفل المستقبلية:

وهي الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها قبل الشروع بالطلاق؛ إذ يجب التفكير في كيفية تأمين احتياجات الطفل ليبقى الوضع شبه طبيعي، وفي حال سيحدث انتقال من مكان السكن يجب التأكد من جهوزية المنزل الذي سيسكنه والتعرف إلى المدرسة الجديدة، فهي مسؤولية الوالدين معاً وليس الطرف الحاضن له بعد الانفصال.

2. إخباره بقرار الانفصال وشرح الأسباب:

تقول إحدى السيدات إنَّها أخبرت ابنتها بقرار الانفصال من خلال رسم لوحتين على ورقتين منفصلتين إحداهما فيها بيت مهدَّم وفيه أب وأم وطفلة، والرسمة الأخرى فيها منزلين جميلين في أحدهما أم وطفلة والآخر فيه أب وطفلة، وأمام كل من المنزلين توجد الألعاب والأراجيح، فقامت الطفلة باختيار اللوحة ذات المنزلين.

هكذا يجب إخبار الطفل بالطريقة المناسبة لعمره مع ضرورة التركيز على فكرة أنَّ أحد الأبوين سيترك المنزل، ومن ثمَّ لن يراه بشكل يومي؛ إنَّما سيستقر مع أحدهما، لكن سيذهب إلى الثاني بين الحين والآخر.

3. إبعاد الطفل عن عقدة الذنب:

فكما قلنا سيعتقد أنَّه السبب في الانفصال، لذلك يجب التشديد على فكرة أنَّ الانفصال لا يتعلق به أبداً؛ إنَّما نتيجة غياب قدرة الطرفين على التعايش معاً.

4. المحافظة على الاحترام:

يجب أن تبقى صورة الأبوين في ذهن الطفل جميلة جداً، فلا يقلل أحدهما من شأن الآخر ولا يقوم أحدهما بتغيير القواعد الموضوعة في تربية الطفل كي يستفز الطرف الآخر، كأن يسمح باستخدام شيء كان الآخر قد منعه أو يبدي انزعاجه من محبة الطفل لأهل الطرف الآخر مثلاً، كما يفترض تجنُّب النزاعات أو الخلافات أمامه أو حتى توجيه الملاحظات الناقدة أو الكلمات المسيئة.

5. عدم المنافسة بالرعاية:

فمن الضروري ألا يبالغ الوالدان في اهتمامها بالطفل من خلال شراء الألعاب والمسليات واصطحابه في نزهات بشكل تنافسي كنوع من الرشوة كي يريا إلى أي طرف سيميل الطفل، فهذه التصرفات تعلِّم الطفل الأنانية والطمع والغرور أيضاً.

6. الاستماع إليه:

بعد التنسيق بين الوالدين فيما يتعلق بكيفية حياة الطفل المستقبلية وإخباره بذلك، من المفترض أن يتم الجلوس مع الطفل والاستماع إلى رأيه المتعلق بحياته المستقبلية، فمثلاً من يرغب باصطحابه إلى النزهات أو النشاطات أو مشاركته بأوقات الفراغ؟ فذلك الحوار يشعره بالطمأنينة نوعاً ما.

7. القيام بنشاطات مع الطفل:

من الضروري بعد إخباره بقرار الانفصال ألا يشعر أنَّ انفصال والديه يعني العزوف عن القيام بنشاطات مسلية معاً وانتهاء المرح والمتعة من حياته؛ بل يجب أن يشعر أنَّ روتين العائلة في الأعياد أو المناسبات الاجتماعية نفسه، فمثلاً يمكن القيام بحفلة شواء مع العائلة أو تنظيم رحلة إلى مكان فيه متعة للطفل أو القيام بنشاطات يحبها الطفل، وهذا يساعده على التخلص من القلق أو التوتر واستعادة الراحة النفسية ليستطيع تقبل قرار الانفصال بسهولة وسرعة أكبر.

شاهد أيضاً: 6 علامات تنذر بأن زواجك قد انتهى

8. تحديد يوم أسبوعياً للعائلة:

بعد الانتهاء من التخطيط للانفصال يفترض أن يحدد الوالدان يوماً للم شمل العائلة وقضائه مع الأطفال، خاصةً في الفترة الأولى بعد الانفصال؛ كي لا يشعر الطفل بأنَّه فقد أحد والديه، فيعزز هذا التصرف من ثقته بأنَّ الحياة ستبقى كما كانت عليه نوعاً ما وسيجد والديه سنداً له في جميع الأوقات.

9. تجنُّب إظهار الحالة النفسية السيئة أمامه:

لأنَّ وقع الطلاق على الزوجين كبير جداً حتى عندما يكون بناءً على قرار مدروس منهما، فهو بالنهاية فشل في تجربة بُنيت عليها الكثير من الآمال في بدايتها ومن الطبيعي أن تسوء حالة الفرد النفسية عند الانفصال عن شريكه العاطفي، ولكنَّ إظهار الحالة النفسية السيئة أمام الطفل تجعله يحقد على الطرف الآخر لاعتقاده أنَّه السبب في الحزن، فالأفضل إظهار مدى صحة هذا القرار أمامه ومدى سعادة الطرفين بالحياة الجديدة ومدى محاولتهما لإسعاده أيضاً.

إقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين التربية المشتركة والتربية المنفصلة؟

في الختام:

انفصال الزوجين عن بعضهما قرار صعب جداً عليهما فهو يعني البدء من جديد وتغيير الحياة تغييراً جذرياً، ولكنَّ الصعوبة الأكبر تكمن بكيفية إخبار الطفل بهذا القرار وكيفية جعله يتقبله بأقل الخسائر؛ إذ إنَّ انفصال الوالدين يترك تأثيرات نفسية لدى الطفل كالشعور بالذنب والقلق والإجهاد النفسي والميل إلى العنف أحياناً، ويترك تأثيرات سلبية في تفاعله مع الآخرين وكيفية إنشاء علاقات اجتماعية مستقبلاً.

إقرأ أيضاً: اضطراب قلق الانفصال عند الصغار والكبار: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه

إضافة إلى التأثيرات السلبية للانفصال في تحصيله العلمي ونجاحه؛ لذلك من الضروري تهيئة الطفل جيداً لهذا القرار من خلال قيام الأبوين بإخباره وشرح الأسباب الوجيهة للانفصال التي تبعد شعور الذنب عنه، والاطمئنان على سير حياته لاحقاً بشكل طبيعي من خلال تأمين كل ما يحتاجه.

من الهام جداً عدم مشاهدة الطفل أي نوع من الخلافات؛ بل إظهار الاحترام والود أمامه، أو الحالات النفسية السيئة؛ بل قضاء الأوقات الممتعة معه وتحديد يوم ثابت لجمع العائلة؛ وذلك بعد الأخذ برأيه ومعرفة رغباته تجاه حياته الجديدة.




مقالات مرتبطة