كيفية التعامل مع القلق والاكتئاب والتوتر

نستطيع جميعاً الاستسلام لمخاوفنا ولظروفنا الصعبة وللخيبات التي نواجهها يومياً وللعثرات التي لا تتوقف عن الظهور في طريقنا وتمنعنا عن المضي قُدُماً، لكن هل فعلاً الاستسلام هو الحل؟ وهل التنحي جانباً والتخلي عن أحلامنا هو القرار الصائب؟ وهل علينا أن نسمح لنوبات القلق والاكتئاب والتوتر أن تعوقنا عن سعينا، وتحول حياتنا لمجرد نوم في السرير وتحديق بالفراغ الذي يحيط بنا من كل جانب؟ أم أنَّنا ما زلنا نمتلك قرار المواجهة، وما زالت الحياة بحلوها ومرها بانتظارنا لنعيشها كما نريد، غير مكترثين لكل ما يحيط بنا من ظروف ومصاعب؟



كيفية التعامل مع القلق والاكتئاب موضوع مقالنا اليوم، فإذا كنت تمر بمرحلة صعبة في حياتك، وفي حال كنت تبحث عن حل لكل الضغوطات التي تشعر بها والمعاناة التي تعتقد أنَّها خاصة بك وحدك، فهذا المقال لك؛ لذا تابع معنا القراءة.

أولاً: الفيل الموجود في الغرفة

الفيل الموجود في الغرفة (the elephant in the room) مصطلح إنجليزي يعبِّر عن حالة يواجهها أغلب الناس؛ لنتخيل معاً أنَّك تعيش في غرفة فارغة ومظلمة وباردة، لكن إن نظرت جيداً، فستكتشف أنَّك لست وحدك داخلها، وأنَّ هناك فيلاً ضخماً يعيش معك في هذه الغرفة، فيلاً تشعر بوجوده منذ زمن، لكن في أغلب الأحيان تتجاهله وتفضل عدم مواجهته، وتتركه يتمادى في غرفتك، بينما أنت تنسحب تدريجياً لتشغل فقط أضيق زاوية موجودة فيها، وهذا الفيل هو صحتك النفسية.

عليك أولاً أن تعترف بوجوده، لكن كيف؟

قصة "روز" هي قصة حقيقية، والحديث عنها سيشرح أكثر عن الفيل في الغرفة؛ إذ إنَّ "روز" فتاة عانت من الاغتصاب المتكرر من قِبل أحد المقربين من العائلة، فقررت "روز" أنَّ الصمت هو الخيار الأفضل لمشكلتها، وتركت القصة سراً بينها وبين نفسها.

في الوقت الذي بدأ فيه هذا السر يتحول إلى فيل ضخم يحتل غرفتها، كانت "روز" تنكمش في أضيق زاوية من غرفتها، تعاني من هجمات الحزن والقلق والتوتر والاكتئاب وحدها، حتى دون أن تعترف أنَّ كل ما تعانيه ليس إلا نتيجة ما مرت به؛ نتيجة الفيل الضخم الذي يسكن غرفتها، وتغمض عينيها كل يوم متجاهلة وجوده، لدرجة أنَّ "روز" كادت أن تخسر حياتها وتستسلم لحزنها وتمضي بقية حياتها متكورة على نفسها، إلى أن قررت أخيراً أن تعترف بوجود الفيل، وأن تعترف أنَّ صحتها النفسية هي السبب الرئيس في كل ما تعانيه، وفي كل ما تمر به.

قررت أن تتكلم أخيراً وتواجه مخاوفها، وتواجه القلق والاكتئاب والتوتر، ثم عرفت في اللحظة الأخيرة أنَّ القلق هو أخطر ما قد يعانيه الإنسان، وأنَّه السبب وراء كل مشكلاتنا واضطراباتنا النفسية، فعندما نتعامل مع قلقنا بشكل صحيح، سنتغلب عليه، فقد اعترفت "روز" بوجود الفيل في غرفتها، والآن دورك، فعليك أن تعترف أنَّ الفيل يضيق عليك مساحتك، ويحشرك في الزاوية، والفيل ضخم بالتأكيد، لكن تأكد أنَّ لديك سلاحاً أقوى بكثير منه، وهذا السلاح هو أنت، لذلك ابدأ بالمواجهة.

ثانياً: كيف تتعامل مع القلق والتوتر بشكل صحيح؟

القلق والتوتر يزيدان الاضطراب الداخلي الذي يعيشه الإنسان، وهذا ما يعكر صفو حياته، ويؤثر في صحته النفسية والجسدية تأثيراً كبيراً، فالقلق مرض العصر، هذه الجملة لم تعد من العبارات التي تقال جزافاً؛ إذ تشير الإحصاءات إلى أنَّه وخلال السنوات العشر الأخيرة، زادت نسبة الأمراض النفسية عند الشباب إلى أكثر من 50%، كما زاد استخدام مضادات الاكتئاب أكثر من ثلاثة أضعاف.

كيف نتعامل مع القلق والتوتر بشكل صحيح؟ وما هي الطرائق التي تساعدنا على الاسترخاء وتخلصنا من المشاعر السلبية التي تسيطر على حياتنا؟ وهل التخلص منها أمر سهل؟ جميع هذه الأسئلة بالتأكيد تراودكم الآن.

مشاعر القلق والتوتر في الواقع ليست مشاعر سهلة، والتعامل معها ليس بتلك السهولة، وخاصة أنَّ نمط الحياة العصرية اليوم يساهم في تفاقم هذه المشاعر، إضافة إلى عواقب هذه المشاعر الوخيمة على صحة الجسم وسلامته، فالأمر لا يتوقف عند القلق والتوتر؛ بل يتطور إلى كثير من المشكلات الأخرى التي قد تكون نفسية، مثل الاضطرابات النفسية أو الجسدية التي تظهر على شكل زيادة في ضربات القلب وقلة تركيز وآلام مَعدية.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلّص من التوتر والاضطراب خلال العمل؟

فيما يأتي سنعرض بعضاً من الطرائق التي من شأنها مساعدتك للتخلص من القلق والتوتر:

1. تشجيع نفسك:

تذكر جيداً أنَّك في نهاية المطاف الوحيد القادر على مساعدة نفسك وإنقاذها من كل ما تعانيه - إحساسك الداخلي وألمك - فمشاعر القلق والتوتر التي تعيشها تخصك وحدك، ولا أحد قادر على الإحساس بها مهما شرحتها، لذلك حاول دائماً أن تكون سند نفسك، فقم بتشجيعها دائماً، وقبل النوم مثلاً اكتب الأشياء الجميلة التي قمت بها، والإنجازات التي فعلتها مهما كانت بسيطة، وقل أمام مرآتك بصوت عالٍ: "أنا جيد كفاية، أنا قوي"، فقد تعتقد أنَّ هذا الأمر غير مفيد، أو ربما قد تقول عنه إنَّه كلام ساذج، لكن عليك أن تؤمن أنَّك لن تحترم نفسك إن لم تحبها وتثق بها.

2. تمرينات الاسترخاء:

ستكون مناسبة جداً للتخلص من التوتر والقلق، فمارس اليوغا مثلاً، وقم بالتأمل أو أي أسلوب آخر من أساليب الاسترخاء؛ إذ إنَّ عقلك هو المحرك الأساسي لكل فعل تقوم به، وكلما كان عقلك بصحة جيدة ونشاط، ستكون أكثر حكمة وأكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصائبة.

3. فعل الأشياء التي تحبها:

لا تستسلم لظروفك وحياتك والضغوطات التي تعاني منها، لذلك عليك دائماً إيجاد وقت لنفسك، ولفعل ما يمتعك ويشعرك بالسعادة، فالمشكلات لا تنتهي، والعمل لا ينتهي أيضاً، ولكنَّك تمتلك حياة واحدة فقط، وعليك أن تعيشها كما تحب وترغب، فاستمع للموسيقى، ومارس الرياضة، وشاهد الأفلام، واذهب مع أصدقائك في رحلات، فالهام ألا تبقى وحدك وتسجن نفسك داخل أفكارك وقلقك، ولا تخضع للتوتر الذي ينتابك قبل التفكير بأي تغيير أو أيَّة خطوة تجلب لك السعادة، فأنت دائماً تتساءل عن كيفية التعامل مع القلق والاكتئاب والتوتر، لكن هل بدأت فعلاً بالمحاولة؟

4. المكافأة:

لا تنتظر المكافأة من أحد، فقم أنت بمكافأة نفسك، ودللها، وقدم لنفسك هدايا تعرف أنَّها ستسعدك، مثل كتاب أو حمام دافئ أو ملابس جديدة أو أي شيء تحبه، وإياك أن تشعر أنَّك لا تستحق هذا؛ بل بخلاف ذلك تماماً، عليك أن تقتنع أنَّك تستحق الأفضل من كل شيء.

قد تبدو الطرائق التي عرضناها بسيطة، وقد تتساءل عن جدواها، وأيضاً تبحث عن الأدوية والعقاقير، لكن عليك أن تدرك أنَّ أي تغيير للأفضل سوف يحدث مرتبط بإرادتك أولاً، وبمدى قدرتك على الاعتراف بوجود الفيل داخل غرفتك، فالاختباء من المشكلات النفسية سيظهر دائماً بطريقة ما في حياتك؛ قد يكون بمرض جسدي، أو على شكل نوبات غضب وانفعالات، أو على شكل قلق وتوتر دائم.

ابحث جيداً عن السبب الحقيقي وراء المشاعر التي تنتابك، وإن شعرت أنَّ الأمور تفوق طاقتك أو قدرتك على الاحتمال، فاستشر اختصاصياً نفسياً، ولا تأبه لآراء المحيطين بك، وتذكر دائماً أنت فقط أكثر إدراكاً من غيرك، وأكثر حساسية فقط.

إقرأ أيضاً: كيف تكتشف أسرار نظام المكافآت في الدماغ وتحافظ على الدافع؟

ثالثاً: كيفية التعامل مع القلق والاكتئاب

كما أسلفنا فإنَّ القلق والاكتئاب من أكثر الأمور المنتشرة اليوم؛ إذ يعاني منها الكثيرون حول العالم، حتى إنَّ الدراسات تشير إلى أنَّ واحداً من بين كل أربعة أشخاص يعاني من الاكتئاب، كما أنَّ الاكتئاب هو السبب الثاني لموت المراهقين، فالاكتئاب يمنع الإنسان من الشعور بالفرح، ويقضي على الأمل داخله، ويستهلك طاقته لدرجة أن يصبح السرير الملاذ الأخير للمكتئب والمكان الآمن الوحيد في العالم.

التعامل مع الاكتئاب ليس بالصعوبة التي نتخيلها، وهنا لا بد - وقبل الحديث عن كيفية التعامل مع القلق والاكتئاب - ألا نتحدث عن الاكتئاب المرضي الذي يحتاج إلى متخصصين نفسيين؛ إنَّما ما نتحدث عنه هو الشعور بالقلق والاكتئاب الذي يرافقنا بسبب صعوبات وضغوطات الحياة اليومية؛ تلك الصعوبات التي يمكن أن نتجاوزها وحدنا بالعزيمة والإصرار:

  1. تحديد الأهداف سواء الأهداف طويلة الأمد أم قصيرة الأمد يجعل لحياتك معنى، كأن تستيقظ صباحاً وأنت تعرف ما تريد وما تسعى من أجله، سيشجعك على المضي قدماً، ومريض الاكتئاب يشعر بالفراغ واليأس، وأنَّه لا يوجد هدف أمامه لتحقيقه، لذلك الخطوة الأولى في التعامل مع الاكتئاب، هي تحديد هدف واقعي قابل للتحقق لكل يوم.
  2. تغيير نمط حياتك وأسلوبه، بدلاً من البقاء بالسرير طوال اليوم، وتكرار فعل الأشياء ذاتها، فجرب إحداث تغيير في حياتك، واترك هاتفك جانباً، وأغلق هذا العالم الافتراضي الذي يسحبك إلى داخله ويمنعك عن حياة طبيعية واقعية، ومارس الرياضة، وقم بالنشاطات التي تحبها في الهواء الطلق، وحاول أن تبقى مشغولاً، وتجنب الوحدة قدر الإمكان.
  3. الابتعاد عن مصادر الإجهاد وأسباب القلق والتوتر؛ وذلك لأنَّها تزيد من شعورك بالاكتئاب.
  4. المحافظة على نمط طعام صحي وغني بالخضار والفواكه والأطعمة الصحية.
  5. التخفيف قدر الإمكان من الأفكار السلبية، فلا تصدر تقييمات بحق نفسك، وليس بالضرورة أن يكون كل شيء مثالياً؛ بل بخلاف ذلك تماماً، وإن فكرت جيداً، فستجد أنَّ الأشخاص الذين يعيشون حياة مثالية ليسوا أشخاصاً سعداء، فابحث عن أسباب بسيطة للسعادة، كأن تقدم المساعدة لطفل محتاج أو صديق يمر بأزمة.
  6. لا أحد غيرك سيساعدك على تخطي ما تمر به، لذلك توقف عن معاقبة نفسك وعن جلد ذاتك، وحاول قدر الإمكان أن تتقبل نفسك بأخطائك وهفواتك، فكل خطأ نفعله يزيد خبراتنا.

في الواقع توجد عدة استراتيجيات لكيفية التعامل مع الاكتئاب والقلق والتوتر، ولكنَّها جميعاً تصب في الفكرة نفسها، فحياتك تخصك وحدك، وكل ما يحدث لك، وكل ما تشعر به هو من صنعك، وتذكر دائماً أنَّك قادر في أيَّة لحظة على تغيير حياتك إلى الأبد، فالحياة ليست غرفتك، والعالم ليس سريرك، وفي الخارج أشياء جميلة جداً، وأنت تستحق أن تعيشها.

إقرأ أيضاً: 9 حقائق تثبت أنَّ ممارسة الرياضة تساعد على تقليل الاكتئاب والقلق

في الختام:

الصحة النفسية من الأمور التي عليك أن توليها الأهمية الأولى في حياتك، فتأكد أنَّك كلما تمتعت بصحة نفسية جيدة، كانت حياتك أفضل وأجمل وأكثر نجاحاً على جميع الأصعدة؛ في المنزل والعمل ومع الأصدقاء وحتى في علاقاتك العاطفية، وفي النهاية وبعدما حاولنا تقديم بعض من الاستراتيجيات التي تتعلق بكيفية التعامل مع القلق والتوتر والاكتئاب، بقي أن نؤكد أنَّ استشارة طبيب أو متخصص نفسي هامة جداً في حال لم تنجح معك الطرائق السابقة، وفي حال لم تتمكن وحدك من مواجهة مخاوفك والتخلص منها.




مقالات مرتبطة