كيف يمكننا القضاء على الانحياز الجنسي في العمل؟

لقد أظهرت الأبحاث أنَّ 39% فقط من الشرطيات والموظفات البريطانيات شعرن بدعم مديرهن في أوقات حملهن، وقد علمت هذا عندما كُلفت أنا وزملائي - بالتعاون مع الشرطة - بإنشاء بيئة أكثر دعماً لهؤلاء الموظفات؛ ويعني هذا جزئياً تحسين طريقة تواصل المديرين مع الموظفات ودعمهن؛ حيث استُشير من بين 44% من النساء اللائي انتقلن إلى وظيفة مختلفة بعد أن أعلنَّ عن حملهن نصفهن فقط، وقد أجرين محادثة مع مديريهن المباشرين من أجل الحفاظ على التواصل طوال فترة الحمل.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة والمستشارة البريطانية "تينا ليكي" (Tiina Likki)، والتي تُحدِّثنا فيه عن صعوبة محاربة العنصرية الجنسية بين الرجل والمرأة.

لقد افتُرِض أنَّ القوالب النمطية والانحياز قد يلعبان دوراً في ذلك؛ فربما افترض المديرون أنَّ مرؤوساتهم بحاجة إلى الحماية من العالم الخارجي، أو أنَّ طموحاتهن المهنية سوف تتبخر بسبب الحمل، كما ظننا أنَّ مراعاة الآخرين والشعور بما يشعرون به أو يفكرون فيه سوف يساعد في هذا الأمر؛ إذ أدَّى هذا، في التجارب العملية، إلى تحسين التواصل وتقليل الميل إلى التنميط والانحياز وزيادة التعاطف، وقد اعتقدنا أنَّ الشيء نفسه قد يحدث بالنسبة إلى العاملين في الشرطة.

لقد صممنا مهمة مدتها 15 دقيقة عبر الإنترنت لنسأل المديرين التنفيذيين عن وجهة نظرهم، ونطلب منهم تخيُّل ما سيكون عليه الأمر عندما تصير إحدى الموظفات حاملاً، وفي هذه المهمة، أكمل المديرون أولاً تمريناً كتابياً قصيراً مصمَّماً لتعزيز فاعليتهم الذاتية من خلال تذكُّر موقف تمكنوا فيه من التغلب على التحديات لمساعدة شخص آخر، ثم عُرض على المديرين وصفاً موجزاً ​​وصورة لضابطة شرطة حامل، وطُلب منهم كتابة بضع جمل عن حياتها كما تخيلوها، بما في ذلك تجربتها في العمل ومع أشخاص آخرين، ولقد شُجِّع المديرين على كتابة بعض الأشياء المحددة التي يمكنهم القيام بها في الأسبوع القادم لتحسين الدعم أو التواصل مع الموظفات.

إقرأ أيضاً: التقنيات السبع الأهم لإتقان التواصل في مكان العمل

لقد كانت النتائج مفاجئة؛ ففي تجربة عشوائية مع أكثر من 3500 مدير من قوات الشرطة، لم يوجد أي تأثير إيجابي، وفي الواقع، كان أداء المديرين التنفيذيين الذين أكملوا مهمة مراعاة الآخرين أسوأ قليلاً في السيناريوهات الافتراضية التي طلبت منهم الإدلاء برأيهم عن كيفية دعم الموظفات.

لكن ربما لم يكن علينا أن نتفاجأ بهذا القدر؛ فالصورة النمطية تجاه نوع الجنس معروفة بصعوبتها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّنا لا ندرك تمسُّكنا بها عادةً، وأنَّه يمكنها التأثير في الانطباعات والأحكام بلا وعي؛ ممَّا يعني هذا أنَّه حتى عندما يعتقد شخص ما حقاً أنَّه يعامل الرجال والنساء بمساواة، قد تتسلل الانحيازات القائمة على القوالب النمطية تسلُّلاً لا إرادياً.

كما أنَّ القوالب النمطية تجاه نوع الجنس صعبة؛ وذلك لأنَّه مع كل التقدم المحرز في العديد من جوانب المساواة بين الجنسين، مثل حق التصويت والتعليم، لا تزال القوالب النمطية مستمرة في مجالات مثل وسائل الإعلام والترفيه.

إنَّه لمن الصعب تغيير معتقدات الناس الواعية وغير الواعية عن المرأة، وحتى تأثير البرامج التي تقوم بذلك يُعدُّ محدوداً، كما تثبت الأبحاث عن التدريب على تقبُّل الاختلاف والانحياز اللاواعي ذلك؛ فالتدريبات غير فعَّالة في الغالب في تغيير السلوك وقد تأتي بنتائج عكسية، لا سيما عندما تكون التدريبات إلزامية، وقد تفشل التدريبات على تقبُّل الاختلاف أيضاً إذا خُلِق وهماً بأنَّ المنظمة قد أصلحت هذه النوعيات من المشكلات.

لقد أوضحت آليات مماثلة في دراستنا سبب عدم فاعلية تدخلنا، أو ربما لم يعرف المديرون المباشرون ببساطة كيف يكونون أكثر دعماً، حتى لو أرادوا ذلك؛ لذا يجب أن تقدم التدريبات المستقبلية وسائل محدَّدة لتغيير السلوك، بالتعاون مع الدعم التنظيمي للحفاظ على السلوكات الجديدة.

ثمَّة العديد من التحديات، ومع ذلك، لا يزال هناك أمل، لكنَّ الحل لن يأتي من التخلص من الصور النمطية داخل رؤوسنا؛ إذ تقول الخبيرة الاقتصادية السلوكية "إيريس بونيه" (Iris Bohnet): يكمن الحل في تغيير الصور النمطية والانحيازات داخل أنظمتنا، مثل أنظمة التوظيف والاختيار في المؤسسات، أو كيفية تقييمنا للطلاب في المدارس.

في عمليات التوظيف على سبيل المثال، يضرُّ النظام بالمرأة دائماً، كما يتضح من قلَّة نسبة النساء في المناصب العليا، لقد أطلق زملائي في فريق الرؤى السلوكية منصة تُسمَّى "أبلايد" (Applied)، وهي منصة توظيف مصمَّمة لإزالة الانحيازات من قرارات التوظيف، ويحدث ذلك من خلال الميزات المختلفة المستندة إلى الأدلة مثل إزالة اسم المرشح أو العلامات الأخرى التي قد تؤثر في احتمالية دعوة المرشح إلى مقابلة.

كما تُعدُّ الأنظمة التي قد تؤثر في الترقيات - مثل مراجعات الأداء - أرضاً خصبة للانحياز؛ على سبيل المثال: باستخدام بيانات من مؤسسة خدمات كبيرة - لم يُحدَّد نوع المنظمة في البحث - وجد "إميليو كاستيلا" (Emilio Castilla)، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (MITK أنَّ التقييمات المتطابقة في مراجعات الأداء قد تؤدي إلى ترقية للرجال أكثر من النساء، وتُسمَّى هذه ظاهرة انحياز مكافأة الأداء.

إقرأ أيضاً: حسب الأبحاث: النساء أفضل من الرجال في الإدارة

الخطوة الأولى التي يمكن أن تتخذها أي منظمة هي إلقاء نظرة على بيانات أفرادها، والذي قد يؤدي إلى التعمق في الفروق بين الجنسين في تخصيص العمل، وفرص التطوير، والرواتب، والمكافآت، والترقيات، ففي المملكة المتحدة، بدأ العديد من أرباب العمل مؤخراً النظر في بياناتهم بسبب المتطلبات القانونية الجديدة للإبلاغ علناً عن فجوة الأجور بين الجنسين، وهو مقياس يعكس الاختلاف في الأجور بالساعة بين الرجال والنساء في جميع المستويات؛ لذا بمجرد أن تحدد المنظمة الانحيازات الممنهجة المحتملة، قد تبدأ بتطبيق العلوم السلوكية، ولكنَّ هذه هي البداية فقط؛ وذلك لأنَّه من الهام أن تراقب المؤسسة تلك البيانات باستمرار، وتقيِّم الإجراءات المتخذة، وتضع أهدافاً قابلة للقياس من أجل التغيير.

بالإضافة إلى ذلك، عندما تفشل الحلول، يتعيَّن علينا نشر هذه الإخفاقات علناً؛ وذلك لأنَّنا سنستطيع فهم الأمور التي تساعدنا على تعزيز المساواة بين الجنسين إذا أظهرنا متى أخطأت المبادرات أو تبيَّن أنَّها ضعيفة.

أتطلع دائماً إلى الاستمرار في حل هذه المشكلة، وأعدك بمواصلة مشاركة الإخفاقات والنجاحات في أثناء ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة