كيف يمكننا أن نتقبَّل ما لا نرغب في تقبُّله

نحن نمرُّ أحياناً بظروف صعبة للغاية في حياتنا، وقد نتمنى لو لم تكن موجودة؛ لكنَّ الأمنيات لا تنفع في تغيير الواقع؛ إذ كما هو الحال دائماً، حينما تحارب الواقع وتنكره سينتصر عليك، وهذا هو أفضل وقت لممارسة التقبُّل.



سنستعرض في هذا المقال 3 خرافات ومفاهيم خاطئة عن التقبُّل تعوقنا عن ممارسته.

الخرافة الأولى: يعني التقبُّل الرضى بما يحدث برحابة صدر

أكبر سوء فهم بشأن التقبُّل، يكون حين يعني أنَّ لا مشكلة لدينا مع الشيء الذي نتقبَّله، وأنَّنا وجدنا طريقة ما للتعامل مع هذا الموقف الذي لا نريده.

الحقيقة: لا يعني التقبُّل الرضى عن الأشياء التي قبلناها

لا يتطلب التقبُّل أن نقبل برحابة صدر ما لا نريده، ولا يشمل الشعور بالرضى أو السلام تجاه ما نتقبَّله، ولا يعني أنَّنا نتفق معه.

الخرافة الثانية: يعني التقبُّل عدم محاولة تغيير الوضع

نحن نعتقد أنَّ التقبُّل يعني الاستسلام والتوقف عن محاولة تغيير ما يحصل، وأنَّه يعني أنَّنا راضون عن استمرار الوضع على حاله إلى الأبد.

الحقيقة: لا يعني التقبُّل التوقف عن محاولة تغيير الوضع الراهن

لا يعني التقبُّل أن نفقد الأمل بتغير الواقع، فالتقبُّل يتعلق بالحاضر وليس له علاقة بالمستقبل. علاوة على ذلك، التقبُّل ليس فعلاً سلبياً؛ بل هو فعل ينبع من الحكمة؛ ويعني الموافقة على بدء بذل الجهد للتغيُّر الآن وفقاً للواقع.

الخرافة الثالثة: التقبُّل يعني الإخفاق

هناك اعتقاد شائع في ثقافتنا أنَّ التقبُّل من صفات الضعفاء، وأنَّهم يتقبَّلون الأمور حين يخفقون في فعل أيِّ شيء آخر، فنحن ننظر إلى التقبُّل على أنَّه خيار من لا خيار له، وأنَّه نهاية كئيبة للمعارك التي خسرناها.

الحقيقة: لا ينمُّ التقبُّل عن الإخفاق

عند فهم التقبُّل بشكل صحيح، يمكننا النظر إليه على أنَّه نوع من الشجاعة، يُقدِم عليه أولئك الذين يتمتعون بالقوة لمواجهة الحقيقة والتوقف عن إنكارها، ويمكن أن يكون الخطوة الأولى في عملية تحقيق النجاح والمضي قدماً.

شاهد: 8 نصائح لتحب نفسك وتمنحها حقها

 

حقيقة التقبُّل

قد يكون من المفيد استعمال تعابير مختلفة، فعوضاً عن سؤال نفسك: "هل يمكنني تقبُّل هذا؟"، صِغ الجملة: "هل يمكنني الشعور بالارتياح تجاهه؟" أو "هل يمكنني قبول الوضع على هذا الحال في هذه اللحظة؟" أو "هل يمكنني العيش مع الوضع كما هو؟"، قد تسهل الإجابة عن هذه الأسئلة أكثر عند الأخذ في الحسبان ما نعرفه عن التقبُّل؛ لأنَّ حقيقة الأمر هي أنَّ في أعماقنا جزءاً لن يتقبَّل تماماً أو يتفق مع أمر لا نريده، ويجب أن نُضمِّن هذا الجزء في عملية التقبُّل أيضاً.

لكي نشعر بالارتياح مع الوضع الراهن، يجب أن نتعلم أن نشعر بالارتياح تجاه ذلك الجزء في داخلنا الذي يرفض تقبُّله؛ إذ يعني التقبُّل أن نفتح المجال لمشاعر عدم الرضى أيضاً؛ وذلك بأن نتقبَّل الوضع ونتقبَّل رفضنا له، فلا نحاول أن نجبر أنفسنا على التوقف عن مقاومته ومحاولة تغييره؛ لأنَّ تلك الرغبة تحمينا من الأمور التي لا نريدها؛ لذا يجب أن نسمح لأنفسنا بتقبُّل الوضع السلبي ومشاعر كرهنا له.

علاوة على ذلك، ربما يتعلق التقبُّل بالإقرار بما يحصل؛ لكنَّه لا يعني أنَّنا نحبه أو نوافق عليه، أو أنَّنا سنتوقف عن محاولة تغييره؛ بل يعني بسهولة أنَّنا نتقبَّل أنَّ هذا هو ما عليه الوضع.

العنصر الأساسي للتقبُّل هو الانفتاح على الواقع كما هو، وليس التركيز على ما نشعر به حياله؛ وهو يعني أن نكون مستعدين لعيش ظروف غير سارة.

المضحك في الأمر هو أنَّ رفضنا لتقبُّل موقف ما، يُعَدُّ نوعاً من أنواع رفض الواقع؛ لأنَّنا نرفض الاعتراف بأنَّ ما حصل بالفعل قد حصل، ورفضنا هذا لقبول الواقع فيه شيء من الجنون. عندما نمارس التقبُّل، فنحن بسهولة نعترف بما يحصل بيننا وبين أنفسنا؛ وهذا يسمح لنا بالبدء بمحاولة تغيير الموقف أو تغيير طريقة تعاملنا معه؛ فإمَّا أن يتغير الوضع أو تتغير أنت؛ لكنَّ التغيير سيحدث في كلتا الحالتين.

إقرأ أيضاً: التقبل والاحترام

نحن نهدر الكثير من طاقتنا على رفض الواقع، لدرجة أنَّنا نُفوِّت على أنفسنا فرصة توظيفها لفعل شيء حيال الوضع، فتجدنا نخوض في جدال لا ينتهي مع الواقع، بينما يسمح لنا التقبُّل على الأقل بالبدء بفعل كل ما في وسعنا انطلاقاً من وضعنا الحالي.

يُعَدُّ التقبُّل خطوة كبيرة وقوية في نمونا وتطورنا، وهو يتطلب التحلي بالشجاعة لنكون صادقين مع أنفسنا بشأن وضعنا، كما يتطلب منَّا أن نعقد العزم على الشعور بما هو حقيقي، حتى لو كان مؤلماً؛ لأنَّ ذلك مفيد أكثر بكثير من محاولة تجنب تلك المشاعر عبر إنكار الواقع.

عندما نمارس التقبُّل، والذي يتضمن مشاعر رفضنا للوضع مبدئياً، فإنَّنا نسمح لأنفسنا بالمضي قدماً في حياتنا، وعيش اللحظة الحالية كما هي، والتوقف عن محاولة إنكار الواقع، وهو أمر مرهق وغير مُجدٍ.

قد يبدو التقبُّل غير منطقي؛ لكنَّه في الحقيقة خياراً حكيماً للغاية، وعندما نكون على استعداد لقول: "نعم، هذا هو الحال سواء كنتُ أريد ذلك أم لا"، سنرتاح في أعماقنا لأنَّنا لن نضطر إلى التظاهر بعد الآن.

الغريب في الأمر، هو أنَّنا نعرف دائماً ما الحقيقي ولكنَّنا نحاول أن نخدع أنفسنا بعدم تقبُّلنا له، لكن حين نتقبَّله فنحن نسمح لأنفسنا بأن نكون صادقين معها؛ إذ إنَّنا عندما نتمكن من القول بأنَّنا نتقبَّل هذا الحال، حتى لو كنَّا نكرهه ولا نعرف ماذا سنفعل حياله، سنكون على الأقل صادقين، وتلك في النهاية، هي أشجع وأقوى طريقة لنعيش بها، وأفضل حالة حب للذات يمكننا أن نبني عليها حياتنا.

المصدر:1




مقالات مرتبطة