كيف يعزز التأمل سعادتنا وتركيزنا؟

كان المذيع "دان هاريس" (Dan Harris) في عام 2004 يقدم موجزاً لمستجدات الأحداث في برنامج "صباح الخير يا أمريكا" (Good Morning America) عندما أصيب بنوبة هلع، وقد روى ما حدث بطريقة لا يمكنني نسيانها؛ حيث قال: "لقد شعرتُ بالذهول أمام خمسة ملايين شخص"، الأمر الذي دفعه إلى البحث عن سبب ما جرى معه لإيجاد الحلول؛ حيث قاده بحثه إلى التأمل، وأدى ذلك إلى تأليف كتابه المتصدر قائمة المبيعات في صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) "أكثر سعادة بنسبة 10%: كيف تأقلمتُ مع الأصوات الداخلية في رأسي، وقللتُ التوتر دون أن أفقد حدتي، ووجدتُ المساعدة الذاتية التي تنجح بالفعل - مستوحى من قصة حقيقية" (10% Happier: How I Tamed the Voice in My Head, Reduced Stress Without Losing My Edge, and Found Self-Help That Actually Works—A True Story).



حلَّ "دان هاريس" ضيفاً على حلقة البرنامج الإذاعي "أكثر سعادة بنسبة 10% مع دان هاريس" (Ten Percent Happier with Dan Harris).

يُعَدُّ التأمل أحد موضوعاتي المفضلة؛ لذلك كنتُ متحمسةً لوجود "هاريس" كضيف لي في الحلقة الأخيرة من البرنامج، فنحن نعيش أوقاتاً عصيبة، وبالنظر إلى أنَّني شخص يعاني من القلق منذ فترة طويلة قبل جائحة كوفيد-19 (COVID-19)، فقد وجدتُ أنَّ التأمل وسيلة ثمينة للغاية لإدارة التوتر والقلق، فإن كنتَ تعاني من القلق، أو كنتَ ترغب في إدارة حياتك بشكل أكثر فاعلية وتكون أكثر سعادة بنسبة 10%، فقد تناسبك كثيراً قراءة هذه المحادثة.

أحد الأشياء التي أحبها في عمل "هاريس" هو كيف يجعل التأمل سهل التطبيق، فكما أخبرني، كان أحد أسباب تأليفه للكتاب؛ هو تصحيح الخرافة القائلة إنَّ التأمل يجعلك تعيش في عالم الخيال فحسب، وفي الواقع، قبل أن يبدأ بحثه بخصوص التأمل، كان يعتقد أنَّه مجرد هراء، ولكن عندما غاص في علوم التأمل ووجد ما يمكن أن يكون له تأثير في الواقع، بما في ذلك خفض ضغط الدم، وتقليل التوتر، وتقوية جهاز المناعة، فقد غيَّر رأيه تماماً تجاه هذا التمرين الذهني المفيد.

أعدُّ نفسي أيضاً شخصاً يتردد في ممارسة التأمل، على الرغم من أنَّه جزء أساسي من روتين السلامة الخاص بي، إلا أنَّني لا أستطيع التركيز فيه دائماً، وأجد نفسي مشتتةً باستمرار، وأعتقد أنَّ هذا ما يخيف الكثير من الناس الذين حاولوا التأمل مرة واحدة، وتشتَّت انتباههم، واعتقدوا أنَّهم فشلوا.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لتصفية ذهنك

هذا هو السبب الذي جعلني أتأثر خاصةً بالطريقة التي شرح بها "هاريس" طريقة التأمل؛ إذ على حد تعبيره، "ملاحظة المشتتات هو دليل على أنَّك ناجح؛ لذا فممارسة التأمل لا تتعلق بعدم تشتيت الانتباه؛ بل تتعلق بالقدرة على العودة إلى أفكارك بعد التشتت وتصحيح مسار التفكير، وفي كل مرة يتشتت فيها انتباهك، وتلاحظ فيه ذلك، حاول التخلص من السبب بهدوء، وعُد إلى تأملك، وكرر ذلك مراراً وتكراراً، فهذا الفعل بمنزلة تمرين للذهن وكأنَّه أشبه بعضلة تقوم بتدريبها وتقويتها".

بالنسبة إلى "هاريس"، فإنَّ فكرة أنَّ التأمل يتعلق بتنقية العقل، أو إغلاقه عن كل ما حوله، هي واحدة من أسوأ المفاهيم الخاطئة حول التأمل؛ حيث يكون الدماغ في قمة نشاطه في أثناء التأمل، وكل ما نقوم به هو توجيهه فحسب ليعمل بطريقة مختلفة ومفيدة للغاية.

يشير "هاريس" إلى اثنتين على وجه الخصوص من فوائد التأمل العديدة؛ الأولى هي التركيز، والذي قد يبدو مثيراً للسخرية بالنسبة إلى تمرين يعتمد على ملاحظة افتقارنا إلى التركيز، ولكن كما شرح "هاريس"، أنَّ فحوصات الدماغ تُظهر في الواقع كيف يؤثِّر التأمل في زيادة مناطق الدماغ المرتبطة بالتركيز.

أمَّا الفائدة الثانية هي اليقظة الذهنية، والتي عرَّفها "هاريس" على أنَّها "القدرة على معرفة ما يحدث في رأسك في أيَّة لحظة دون التأثر به"، ولدينا جميعاً - وأنا أيضاً بالتأكيد - تلك الأصوات السلبية في رؤوسنا، وهذا الصوت على حد تعبير "هاريس" هو بمنزلة تنبيه، لكن ما يتيحه لنا التأمل هو التعرف إلى هذا الصوت على حقيقته.

قال "هاريس": "تتملكك تلك الأصوات عندما تكون مجهولة بالنسبة إليك وتسيطر على تفكيرك، وهذا هو سبب قيامنا بأفعال لا نعرف لماذا فعلناها لاحقاً، ولكن بعد إدراك هذه الأصوات بالتركيز والتأمل، وبعد أن تصبح مألوفة بالنسبة إليك، يتوقف ذلك الإحساس بالتملك".

عارض "هاريس" أيضاً فكرة أنَّ التأمل يجعلنا سلبيين، والتي قال إنَّها تستند إلى مساواة خاطئة بين السعادة والرضا عن الذات: "السعادة الحقيقية لا تتعلق بالاكتفاء بأمجادك ونجاحاتك السابقة أو في أن تكون كسولاً؛ بل تعني أن تتعامل مع ما تقدِّمه إليك الحياة بطريقة أكثر نجاحاً؛ لذلك فهو ليس أمراً سلبياً.

لكنَّ الأمر الأكثر أهمية هو أنَّ السعادة ليست شيئاً يحدث لنا، أو حالة من الوجود تتطلب توافقاً فريداً ودقيقاً للظروف الخارجية، وفي الواقع، السعادة مهارة عليك تحمُّل مسؤوليتها، والتأمل لن يحل جميع مشكلاتك، لكنَّه يعزز قدرتك على التعامل مع كل ما تواجهه في الحياة"، وفي الوقت الحالي، تُلقي الحياة علينا جميعاً كثيراً من الأعباء؛ لذا إن لم تكن قد غيرتَ رأيك بالفعل تجاه التأمل، فأنا أحثُّك ​​على تجربته.

المصدر




مقالات مرتبطة