كيف يحمينا التفاعل الاجتماعي من الاكتئاب؟

تُعَدُّ العلاقات مع الآخرين جزءاً لا يتجزَّأ من حياتنا سواء كان ذلك الارتباط مع ما لدينا أم دائرة الأصدقاء أم في الحي، فنحن على اتصال دائم مع بعضنا بعضاً؛ إذ يؤثر القرب من الآخرين أيضاً في رفاهيتنا، فربما تكون قد اكتشفت أنَّ العشاء مع الأصدقاء أو ابتسامة لطيفة من شريكك يمكن أن يجعلك سعيداً.



في الواقع إنَّ الاتصالات الاجتماعية الداعمة تحمي من الاكتئاب ويمكن أن يكون لها تأثير إيجابي في مسارك في الحياة، وتؤدي مهاراتنا الاجتماعية دوراً حاسماً، وسنوضح لك ما وراء ذلك وما يمكنك فعله إذا أُصبت بالاكتئاب.

كيف يؤثر الاكتئاب في اتصالاتنا الاجتماعية؟

يمكن أن يظهر الاكتئاب في عدد من الأعراض التي تثقل تفاعلنا الاجتماعي وتجعل من الصعب التعامل مع الآخرين، فالسعي الواعي إلى التواصل والسماح بالتقارب والتحدث كل هذا يمكن أن يساعدنا مساعدةً كبيرةً عندما نشعر بالاكتئاب ونفتقر إلى الثقة بالنفس والطاقة والتركيز.

غالباً ما يعاني المكتئبون من انعدام الأمان في العلاقات، على سبيل المثال إنَّهم يشعرون بالإهمال لأنَّهم لا يستطيعون أن يقولوا ويضحكوا كما اعتادوا، ولكنَّهم ما زالوا يحاولون الحفاظ على وجودهم بين أصدقائهم ولو كان هذا الوجود شكلياً.

من أجل تجنُّب هذه المشاعر المجهدة على الأمد القصير يختار العديد من الناس الانسحاب الاجتماعي؛ ونتيجة لذلك فإنَّ المهارات الاجتماعية تصدأ وتقل التجارب الإيجابية مع الآخرين، وكل هذا يمكن أن يؤدي إلى دوامة هبوطية تفاقم الاكتئاب.

ما هي الكفاءة الاجتماعية؟

توجد في الكفاءة الاجتماعية جميع المهارات اللازمة لتشكيل العلاقات مع إخواننا من البشر، والهدف هو إيجاد توازن بين احتياجاتك الخاصة واحتياجات الآخرين، فعادة ما يتم تطوير المهارات الاجتماعية منذ سن مبكرة، على سبيل المثال من خلال معرفة حدود الآخرين واحترامها.

مع مرور الوقت نلتقي بالمزيد من الناس ونتعلم كيف ندرك ونعبِّر عن احتياجاتنا الخاصة وننفذها، ونحن ننظر أيضاً إلى مهارات التعامل مع الآخرين مع بعضهم، وكيف يتعامل آباؤنا مع بعضهم بعضاً وكيف نحل الخلافات في دائرة الأصدقاء لدينا، فكل هذه الممارسة الاجتماعية هي عملية تستمر مدى الحياة، فنحن لا نتوقف أبداً عن التعلم وعادة ما نصبح أكثر ثقة بالنفس في التعامل مع الأشخاص الآخرين مع تقدُّم العمر.

تشمل الكفاءة الاجتماعية:

  1. المهارات اللفظية: على سبيل المثال تحية بعضكم بعضاً والسؤال والثناء والراحة وقول لا.
  2. المهارات غير اللفظية: على سبيل المثال التواصل البصري والابتسامة والسلوكات والصوت.
  3. التعاطف: أي القدرة على وضع نفسك مكان الشخص الآخر.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتقديم الدعم لشخص يعاني من الاكتئاب

لماذا تُعَدُّ المهارات الاجتماعية هامة للحماية من الاكتئاب؟

يَعُدُّ الأشخاص الأكفاء اجتماعياً أنفسهم اجتماعيين، وهذا يعني أنَّه يمكنهم التعامل بشكل جيد مع الآخرين والتكيف حتى في المواقف الصعبة اجتماعياً، وهذا يشكل الأساس لبناء العلاقات مع الآخرين، ومع ذلك نحن البشر بحاجة إلى شبكة اجتماعية جيدة من العلاقات الموثوقة والداعمة مثل الأسرة والصداقات والشراكة.

إنَّ إدراك نفسك لتكون مؤهلاً اجتماعياً ومشاركاً يمكن أن يعزز احترام الذات، وتقدير الذات العالي بدوره يعمل بوصفه جهازاً مناعياً عقلياً يساعدنا على الشعور بالرضى ويحمينا ويجعلنا أكثر مقاومة للتوتر، وإذا كان الانسحاب الاجتماعي ناتجاً عن الاكتئاب، فعليك أن تفعل خلاف ذلك تماماً وتسعى إلى التواصل مع الآخرين، وفكر فيما كان عليه الحال قبل الابتعاد عن أصدقائك والدخول في الاكتئاب.

إقرأ أيضاً: 10 طرق لتطوير المهارات الاجتماعية

ما هي أهم النصائح لاستخدام العلاقات الاجتماعية ضد الاكتئاب؟

يمكن أن تكون العلاقات مع الآخرين درعاً واقياً ضد الاكتئاب وأن تدلك على طريق الخروج منه؛ إذ نعرض لك أهم النصائح التي يمكنك من خلالها تقوية مهاراتك الاجتماعية والاقتراب من الآخرين مرة أخرى:

1. تصرَّف بطريقة أخرى واعمل على تقوية علاقاتك:

لمنع الاكتئاب والتأثير في مزاجك تأثيراً إيجابياً، من الهام أن تكون نشطاً ومختلطاً، وهنا يساعدك التصرف في الاتجاه المخالف؛ أي أن تفعل بالضبط خلاف ما يقوله الشعور بالاكتئاب، ومن أجل العمل في الاتجاه المخالف من المنطقي عمل خطة واضحة وأسئلة مثل "متى أريد مقابلة فلان؟ وإلى متى؟".

ابحث عن شخص تحبه ومكان تشعر فيه بالراحة "سأذهب في نزهة لمدة 40 دقيقة مع أختي يوم السبت"، وافعل ما هو هام بالنسبة إليك وقل لنفسك "أنا ألتقي بها الآن لأنَّني خططت لذلك والعائلة هامة بالنسبة إليَّ".

2. فكِّر بطريقة أخرى وعزز ثقتك بنفسك:

تُعَدُّ قلة الثقة بالنفس من الأعراض الشائعة للاكتئاب، فغالباً ما يرى المصابون أنفسهم على أنَّهم محرجون أو غير مجدين أو غير جذابين؛ لذا ينسحبون حتى لا يكونوا عبئاً إضافياً على الآخرين، ويساعد التفكير المخالف هنا؛ أي التفكير في خلاف ما يقوله الصوت الداخلي (المكتئب).

3. ابحث عن المحادثة وتحدَّث عن الاكتئاب:

غالباً ما يؤدي الخوف من التعرض للحكم السلبي من قِبل الآخرين إلى انسحاب الأشخاص المصابين بالاكتئاب من علاقاتهم الاجتماعية، ومن الهام التحدث إلى شخص تثق به بشأن اكتئابك، وعلى الرغم من كل المخاوف عادة ما يكون الارتياح أكبر عند الحديث عن الأشياء بأسمائها الحقيقية بكل صراحة.

ابحث عن وقت يمكنك فيه التحدث دون إزعاج، واشرح لصديقك ما يجري وما هي المشكلات التي تزعجك، فربما تريد أيضاً أن توضح أنَّ هذا الشخص هام بالنسبة إليك وأنَّ انسحابك ليس تقليلاً من قيمة أحد، فما هو نوع الدعم الذي تحتاجه؟ يمكنك أيضاً تدوين الملاحظات مسبقاً أو التدرب على المحادثة في ذهنك أو كتابتها.

4. خذ خطوة إلى الوراء واحصل على المساعدة:

في بعض الأحيان قد يكون من الأسهل التحدث إلى طبيب الأسرة أو المعالج النفسي عن الاكتئاب؛ إذ يعود الشريك شريكاً مرة أخرى ولم يعد مضطراً لتولي دور "عالم النفس"، وبمساعدة العلاج النفسي يمكنك تقوية مهاراتك الاجتماعية، إضافة إلى ذلك يمكن للدورات النفسية عبر الإنترنت أن تساعد أيضاً على زيادة الثقة بالنفس وتعزيز علاقاتك الاجتماعية على الرغم من الاكتئاب.

إقرأ أيضاً: كيف تطلب المساعدة عندما تخشى ذلك؟

5. تحلَّ بالصبر ولا تثبط عزيمتك:

يستغرق الأمر وقتاً حتى تشعر بالتحسن، لذلك ربما ما تزال تشعر بعدم الأمان عند الاتصال بالآخرين لفترة من الوقت؛ لذا انتبه إلى الأشياء الصغيرة، مثل ابتسامة البائع أو رسالة نصية لطيفة من صديقك المفضل، وركز على ما يمكنك تغييره بنفسك.

ماذا تقول الدراسات الحديثة عن العلاقة بين الاكتئاب والتفاعل الاجتماعي؟

إليك بعض العوامل التي تساعد على استقرار الحالة النفسية، ومن ثمَّ الحماية من الاكتئاب، لكن ما هو عامل التأثير الأكبر؟ حدد باحثون من مستشفى "ماساتشوستس العام" (MGH) أهم عوامل الحماية من الاكتئاب بوصفها جزءاً من الدراسة، وحددوا واحدة تبرز بشكل خاص وهي التفاعل الاجتماعي؛ إذ إنَّه العامل الأكثر أهمية الذي يحمي الناس من الانزلاق إلى الاكتئاب، وينطبق هذا أيضاً على الأشخاص المعرضين بشكل أكبر لحدوث انخفاض في مزاجهم.

اعتمد الباحثون على قاعدة بيانات لأكثر من 100000 مشارك تم تسجيلهم في البنك الحيوي في المملكة المتحدة احتوت على 106 عوامل محتملة تزيد خطر الاكتئاب، ومن ذلك التفاعل الاجتماعي وأنماط النوم والنظام الغذائي والنشاط البدني والعوامل البيئية مثل البيئة الخضراء أو تلوث الهواء، وقاموا بتقييم تأثيرهم باستخدام طريقة تم تطويرها بالتوازي مع فحص الجينات الخطرة، وهو ما يسمى بمسح الارتباط على نطاق التعرض (ExWAS).

ثم قاموا بتطبيق تقنية معروفة في العلوم باسم (MR) (Mendelian Randomization)، وهذا ما جعل من الممكن معرفة ما إذا كانت العلاقة القائمة بين الاكتئاب وعامل معين مجرد ارتباط عرضي أو ما إذا كانت ثمة علاقة سببية حقيقية.

"كان العامل الأكثر أهمية إلى حد بعيد هو استمرار تواصل الشخص بطريقة تتسم بالثقة مع الآخرين، إضافة إلى العوامل الاجتماعية مثل الاجتماعات مع الأصدقاء والعائلة" وذلك حسب تقرير قائد الدراسة "جوردان سمولر"، وهذا ما يوضح أهمية الاتصالات الاجتماعية والتماسك الاجتماعي للصحة العقلية للناس، وأضاف "سمولر": "هذه العوامل أكثر أهمية من أي وقت مضى، وخاصةً في زمن يغلب عليه التباعد الاجتماعي والانفصال عن الأصدقاء والعائلة".

شاهد بالفيديو: كيف تعيش بعيداً عن الاكتئاب؟

تلفزيون أقل، لا قيلولة:

كان لتقليل النشاطات غير الجسدية مثل مشاهدة التلفزيون تأثير إيجابي أيضاً، وما يزال من غير الواضح ما إذا كانت مشاهدة المواد الإعلامية تشجع تشجيعاً مباشراً على الاكتئاب، أو ما إذا كان الاكتئاب مرتبطاً بانخفاض النشاط البدني، ويبدو أنَّ عدم أخذ قيلولة في أثناء النهار يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب، ومع ذلك ثمة حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة الآلية الدقيقة لهذا العامل.

يقول "سمولر": "يلحق الاكتئاب خسائر فادحة بالمرضى وأسرهم ومجتمعهم، ولكنَّنا ما زلنا نعرف القليل عن كيفية الوقاية منه"، "لقد اكتشفنا أنَّه من الممكن الآن الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال نهج شامل قائم على قواعد البيانات لم يكن متاحاً قبل بضع سنوات".

في الختام:

الاكتئاب هو مرض نفسي حقيقي وموجود لا يمكننا التغلب عليه من خلال إنكاره؛ إنَّما هو حقنا الطبيعي في أن نتعب ونطلب المساعدة من الأصدقاء أو العائلة أو الطبيب النفسي، ولا شك في أنَّ التفاعل الاجتماعي يقي من الاكتئاب ويساعد على الخروج منه، إلا أنَّنا يجب أن نكون حذرين في انتقاء أصدقائنا والابتعاد عن العلاقات السامة.




مقالات مرتبطة