كيف نواجه ظاهرة التحرش الجنسي في العمل؟

يُعد التحرّش الجنسي من الظواهر الاجتماعيّة الخطيرة التي انتشرت بشكل كبير وجرى التحدُّث عنها بكثافة في الآونة الأخيرة، إضافة لكونه واحداً من أكثر المشاكل الشائعة في العالم، فوفقاً لتقرير صادر عن وزارة الصحّة والخدمات الإنسانيّة بالولايات المتحدة أنّ 9.2٪ شخصاً يتعرَّض للاعتداء الجنسي سنويّاً، ويشمل هذا الرقم واحدة من كل خمس نساء، ورجل من كل عشرين رجل. وجريمة التحرّش الجنسي قد تَحدُث في العديد من الأماكن المختلفة إلّا أنّ من أصعبها تلك التي قد تَحدُث في أماكن العمل بحكم الاحتكاك الدائم بين الضحية والُمتحرِّش. لذلك سنتحدث فيما يلي عن التحرّش الجنسي في العمل وأسبابه وما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لصدّ المتحرّش ومواجهة هذه الظاهرة في العمل.



أوّلاً: ما هو التحرّش الجنسي؟

يُعرّف التحرّش الجنسي حسب مفوضيّة الأمم المتحدة بأنّه أي تلميح جنسي غير مُرحَّب به، أو طلب أداء خدمة جنسيّة، أو سلوك أو إيماءة لفظيّة أو جسديّة ذات طابع جنسي، أو أيّ سلوك ذي طابع جنسي ينتج عنه إساءة للآخرين وإهانة لهم.

كما يُعرّف التحرّش الجنسي بأنّه سلوك جنسي غير مرغوب فيه يجعل الشخص المُتحرَّش به يشعر بالإهانة أو التهديد أو الإذلال، وهو قد يكون واضحاً أو غير مُباشر، جسديّاً أو لفظيّاً، كما قد يشمل الأشخاص من نفس الجنس وليس شرطاً أن يكون ضدّ شخص من الجنس الآخر.

ويندرج التحرّش الجنسي تحت السلوك الجنسي الإجرامي الذي يُعرف باسم "العنف الجنسي"، والذي يشمل:

  • التحرّش الجنسي.
  • الاعتداء الجنسي مثل الاغتصاب.
  • التعذيب.

ووفقاً لهيئة حقوق الإنسان الأستراليّة فإنَّ صور التحرّش الجنسي تشمل:

  • التحديق.
  • التعامُل الودّي غير المنطقي أو المرغوب، مثل تعمُّد الاحتكاك بالشخص أو احتضانه.
  • استعمال تعليقات ذات إيحاءات جنسيّة.
  • إلقاء النكات الجنسيّة أو ذات الإيحاءات الجنسيّة.
  • استعمال شتائم أو ألفاظ جنسيّة أو موحية.
  • سؤال الضحيّة أسئلة خاصّة، مثل سؤالها عن ارتباطاتها أو سلوكها الجنسي.
  • عرض مواد جنسيّة أمام الضحيّة، مثل أن يقوم موظّف في مكان العمل بوضع ملصقات إباحيّة على مكتبه بحيث تكون مرئيّة من قِبَل الضحيّة المُتحرَّش بها، أو وضع حافظة شاشة تتضمن مشاهد جنسيّة أو موحية.
  • طلب ممارسة الجنس بشكل صريح أو غير مباشر.
  • ممارسة الاعتداء الجسدي المباشر، مثل لمس المتحرَّش بها أو مُحاولة تقبيلها أو كشف ما تستره من جسمها. وهنا ينتقل التحرُّش ليصل إلى مرحلة الاعتداء الجنسي.

ثانياً: أين يحدث التحرّش؟

إنَّ التحرّش ليس حكراً على مكان محدَّد فقد يحدث في أي مكان، مثل العمل والمدرسة والجامعة، وفي الأماكن العامّة وأماكن التجُّمعات مثل الاحتفالات والأسواق، وفي وسائل المواصلات العامّة والخاصّة.

ويُعتبر التحرّش الجنسي ظاهرة خطيرة للغاية، ويمكن أن يدخل في مجال العمل، أو يكون شرطاً من شروط التوظيف أو يخلق بيئة عمل تخويفيّة أو عدائيّة أو مُهينة.

إقرأ أيضاً: معلومات هامة عن ظاهرة التحرش الجنسي

ثالثاً: التحرّش الجنسي في العمل

عُرِّف التحرّش الجنسي في العمل وفقاً للجنة تكافؤ فرص العمل الأمريكية أنّه: "تلميح جنسي غير مُرَحّب به أو طلب خدمة جنسيّة أو أي سلوك أو قول -واضح أو ضمني- له طبيعية جنسيّة ويؤثِّر على وظيفة الشخص ويتداخل بشكلٍ غير معقول في أدائه للعمل أو يخلق جو عمل عدائي ومُخيف".

وبحسب الإحصاءات فإنّ نسبة 79% من الضحايا كانوا من النساء و21% من الرجال، ونسبة 51% يُتحرش بهم بواسطة رؤسائهم، ونسبة 12% تمّ تهديدهم بالطرد في حال رفضهم تلبيّة الخدمات المطلوبة منهم.

وأكثر الوظائف التي يحدُث ضمنها التحرّش هي الأعمال الحرّة والتجارة والخدمات البنكيّة والماليّة.

وأشار تقرير الشفافية الدولي والذي تناول قضيّة التحرّش الجنسي في العمل، إلى أنّ هناك دراسات أجريت في أسيا والمحيط الهندي حول التحرّش الجنسي في أماكن العمل، وقد أشارت إلى أنّ نسبة 30% من النساء العاملات أبلغن عن تعرضهنَّ للتحرّش الجنسي كلاميّاً وبدنيّاً.

بالإضافة لذلك فقد أشارت دراسة للاتحاد الأوربي إلى وجود معدّلات مرتفعة من التحرّش الجنسي في أماكن العمل، حيث تبيَّنَ أنّ نسبة من 40% إلى 50% من النساء العاملات في دول الاتحاد الأوربي قد تعرّضْنَ لشكلٍ من أشكال التحرّش في أماكن عملهن. وبحسب دراسة تعرَّضت نسبة 18% من النساء العاملات في الصين في العمل للتحرش الجنسي.

ووفقاً لدراسة ميدانية أجرتها وكالة رويترز تتعلَّق بقضايا التحرّش الجنسي في أماكن العمل، فقد احتلت السعودية المركز الثالث من بين 24 دولة شملتها الدراسة و12 ألف امرأة شملتها العيّنة، وهي نسبة تزيد عن نسب التحرش في الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها، وحسب الدراسة فقد تعرَّضت 16% من العاملات بالسعودية للتحرّش من رؤسائهن في العمل، بينما تزيد هذه النسبة إلى 26% في الهند، وأدناها في السويد وفرنسا 3%.

وفي دراسة أردنيّة حديثة أظهرت أنّ واحدة من كل 3 عاملات تتعرّض للتحرّش في أماكن العمل، وقد بيّنت الدراسة، أنّ حَمَلَة الشهادة الجامعيّة هم الأكثر عرضة للتحرّش في أماكن العمل، مُشيرة إلى أنّ 35% من ضحايا التحرّش كنَّ يرتدين الملابس العاديّة مع حجاب.

كما تُشير الدراسة إلى أنّ أعلى نسبة لمرتكبي التحرّش في أماكن العمل كانت من قِبَل زملاء العمل الذكور بنسبة (29.1%)، تلاها المراجعون (21.7%)، والإداريون (12.3%)، والمديرون (11.6%)، في حين أنّ الأخطر من هذا أنّ نسبة ضئيلة من ضحايا التحرّش في تلك الأماكن تقدَّموا بشكاوى للجهات الرسميّة.

وفي الحقيقة فإنّ التحرش الجنسي في مجال العمل قد يكون في صورة ضغوط وتجاوزات وغالباً ما يكون المتحرِّش في منصب أعلى وأقوى من المتحرَّش به، بحيث يستغل هذه المكانة للضغط على من هو في منصب أقل منه، وهو أكثر أشكال التحرُّش الجنسي شيوعاً ويُسمى "بالمقايضة"، وهي حالة يطلب فيها شخص يتمتّع بسلطة مؤسسيّة (أو متصوّرة) مطالب جنسيّة من شخص ذي سلطة أقل نسبيّاً، مُقابل ترقية وظيفيّة مثلاً، أو التهديد بالانتقام الوظيفي.

ويعتبر التحرّش بالجنس الآخر من أشكال المضايقات الجنسيّة الأكثر انتشاراً، كتحرّش الرجال بالنساء، ويكون هذا التحرّش على صورة تعليقات شفهيّة غير مرغوب فيها، وطلبات غير مُناسبة ومتكرِّرة لتحديد موعد غرامي، وتعليقات حول الشكل والجسد، إضافة لسلوك غير لفظي، كالتحديق، والصفير أحياناً، والإيماءات التي غالباً ما تأتي من أشخاص متساوين في المركز والقوّة مع الضحيّة (وهي أمور تبلغ نسبتها حوالي 55 في المئة من حالات التحرّش الجنسي).

ويُعَد التحرّش الجنسي في مكان العمل من أكثر أنواع التحرّش صعوبةً في التعامل فوفقاً لدراسة أجراها اتحاد نقابات العمال في بريطانيا بأنّ أكثر من نصف السيدات صرّحن بأنهنَّ يتعرضنَ للتحرّش الجنسي في العمل، واعترف معظمهنَّ بأنهنَّ لم يقمن بالتبليغ عن حدوث تلك الوقائع.

وهناك عدّة أسباب قد تمنع المرأة من المبادرة بفعل شيء ومنها الخوف من الفضيحة وتلويث السمعة وإلحاق العار بنفسها أو بعائلتها، أو الخوف من فقدان عملها أو على مستقبلها المهني، أو حتى الخوف من الانتقام، أو بسبب عدم قدرتها على إثبات التحرّش الذي حدث واحتماليّة عدم تصديق المسؤولين لها وعدم الجديّة في التعامل معها أو إلقاء اللوم عليها.

إقرأ أيضاً: 6 طرق للتعامل مع التحرشات الجنسية في مكان العمل

رابعاً: آثار التحرّش الجنسي على المرأة العاملة

يَترُك التحرّش الجنسي على المرأة العاملة العديد من الآثار السلبية منها:

  • الترهيب النفسي.
  • القلق والتوتّر.
  • الإحساس بالذنب.
  • السهر وصعوبات في النوم.
  • تكرار الكوابيس الليليّة.
  • اللامبالاة.
  • عدم التركيز.
  • الخوف.
  • ترك العمل رغـم الحاجة إلى المال.
  • ترك العمل رغـم أنّه ضمن مجال التخصُّص.
  • العصبيّة التي تنعكس على العمل والبيت.
  • قلّة الإنتاج في العمل أو التغيُّب عنه.
  • الانهيار العصبي.
  • تأثير سلبي على الحياة العاطفيّة والاجتماعيّة والعائليّة والجسميّة.
  • الطلاق إذا كانت متزوجة.
  • تكوين صورة سلبيّة عن الرجل ورفض الارتباط والزواج إذا كانت فتاة.

خامساً: أسباب التحرّش الجنسي بالعمل

يعود سبب بروز ظاهرة التحرّش الجنسي في أوساط العمل بشكل أساسي إلى كون أنّ الطرف الذي يملك سلطة التسيير وسلطة اتخاذ القرار هو الرئيس وهذا الرئيس قد يكون رجلاً في بعض الحالات إن لم يكن في أغلب الحالات، وبالتالي تكون الضحيّة ضمن علاقة تخضع في إطارها للتبعيّة للمرؤوس، وهذه العلاقة التبعيّة قد تُفسح مجالاً لهذا الرئيس ليستغل السلطة التي يمتلكها للتمادي في ممارساته وحتّى في معاملته مع مرؤوسه والتي غالباً ما تكون امرأة.

وفي الحقيقة فإنّ النظرة المُتخلِّفة للمرأة والتي لا زالت موجودة إلى الآن في المجتمعات والتي تَنظُر للمرأة كأداة للجنس فقط، فلا يُنظَر إليها كإنسان له عقل وله حق في التفكير والإبداع وفي تقلُّد المناصب، خاصةً مع انتشار بعض الآراء والتيارات اللي تدعم هذا الاتجاه كاعتبار انتشار البطالة مثلاً يرجع إلى غزو المرأة لسوق العمل، وبالتالي نتيجةً لذلك فإنّ الإحساس بتفوُّق المرأة يؤدِّي إلى مردود عكسي لدى الرجل وعليه يُحاوِل أن يُخضعها ويُشعرها أنّها مُجرَّد أداة للجنس وليس لها أكثر من هذا، كما يحاول الحَطْ منها وجعلها في وضع أدنى بشكلٍ دائم، وإن لم يكن جميع الرجال كذلك لكن في المُقابل هناك الكثير ممَّن يفعلون ذلك خاصةً في مواقع العمل وفي حالات الترقية وفي حالات أخرى عديدة.

سادساً: كيف يمكن التصدّي للمتحرِّش؟

في الحقيقة حين نتحدَّث عن التحرّش الجنسي في مكان العمل فغالباً ما يتبع ذلك الضغط والمُلاحقة المُستمرة إلى حد كتم أنفاس الضحيّة من قِبَل الرؤساء سواء كان المدير أو رئيس الموظفين أو غيره، وهؤلاء دائماً يمارسون ضغوطاتهم على الضحيّة ويمتلكون طبعاً السلطة لكي يمارسوا هذا الضغط. فيهددونها في مهنتها وفي فرصها في العمل، ويهددونها في بقائها ومتابعتها لعملها ويهددونها بخدش عرضها والتشهير بها.

لذلك يجب على الضحية أن تستوعب نقطة رئيسيّة ومهمّة وهي ألّا تخضع في أيّ حال من الأحوال لأيٍّ كان ومهما كان إلّا في إطار علاقات تنظيميّة إداريّة مَحْضَة، وألّا تسقُط فريسة في فخ هذه الملاحقة والمطاردة الجنسيّة لأنّها بذلك تشكِّل خطراً على مهنتها بجميع حيثياتها.

وهناك عدد من الحلول التي يمكن اللجوء إليها وهي:

  • يُمكن القيام ببحث في قانون العمل في بلدك عن قانون ضدّ التحرّش الجنسي حتّى تعرف حقوقك وضماناتك.
  • يُمكنك ببساطة أن توضِّح للطرف الآخر أنّ سلوكه أو تصرُّفه يسبب لك الضيق والانزعاج، وهذا كافٍ بأن يجعله يتوقَّف عن سلوكه إذا كان تصرفه غير مقصود.
  • التحدُّث مع زميل في العمل حول واقعة التحرّش والذي يُعتبر أمراً مهمّاً جدّاً لضمان وجود شهود ليقدِّموا دعمهم في حال تفاقم الموضوع إلى مشكلة لاحقاً.
  • الاحتفاظ بإثباتات وأدلة من تواريخ واقعة التحرّش وعدد مرَّات التحرّش، كما يمكنك الاستعانة بكاميرات المراقبة أيضاً.
  • يمكن اللجوء للتحدُّث مع المدير ويفضَّل كتابة رسالة الكترونيّة مع إرسال نسخة إلى مدير الموارد البشريّة أو مدير القسم المسؤول، أو التحدُّث مع مسؤول الموارد البشرية أو اتحاد العمال الذي تنتمي إليه للحصول على النصيحة.

أمّا في حال كان المتحرِّش هو الرئيس أو المدير المباشر فيمكن اللجوء لكتابة رسالة شكوى رسميّة وإرسالها إلى الإدارة العُليا.

وأخيراً إذا لم تستطع القيام بأيّ من هذه الحلول، يمكنك اللجوء إلى القانون والقضاء ورفع دعوى على هذا الشخص.

وفي الواقع، فإنَّ الأبحاث تبيِّن أنّ الجوّ العام للمؤسسة ودرجة التساهُل فيها هما مقياس هام لوجود أو غياب التحرّش الجنسي فيها. حيث أنّ درجة التساهُل في المؤسَّسة هي التي تحدِّد مدى الخطورة التي قد تتعرَّض لها الضحيّة عند تقديم الشكوى، ومدى احتمال مُعاقبة المتحرِّش، ومدى جديّة تلقِّي الشكاوى من قِبَل المؤسّسة والزملاء.

المصادر: 7 5 4 3 2 1




مقالات مرتبطة