كيف نربي أولادنا تربية جنسية صحيحة؟

تترافق كلمة "جنس" في مجتمعاتنا العربية تلقائياً مع الصورة الذهنية للعلاقة الحميمية بين الأزواج، أو مع مقاطع الإباحية والأمور اللاأخلاقية الضارَّة بصحة الإنسان، الأمر الذي أفقد المفهوم معناه الواسع والشامل والهام، وحوَّله من كونه ثقافةً وتربيةً قائمةً بحدِّ ذاتها لخلق إنسانٍ متكاملٍ وسليم، إلى جزءٍ صغيرٍ لا يرتقي إلى القدرة على التعبير الحقيقي عن قضية الجنس برمَّتها؛ كما وقد أضفى الكثير من الأشخاص على هذا المصطلح كمَّاً كبيراً من مشاعر الازدراء والخوف والرعب، وتحوَّل إلى "تابو" لا يجوز الحديث عنه بحالٍ من الأحوال، حتَّى أُدرِج تحت بند المُحرَّمات.



أمَّا فيما يخصُّ الأطفال وضرورة توعيتهم الجنسية، فتجاهل معظم الأهالي موضوع الجنس في التربية تماماً تحت حججٍ واهية، مثل: "لم نتعلَّم شيئاً عن الجنس من قِبَل آبائنا؛ ومع ذلك كبرنا، وتمكَّنا من تأسيس أسرةٍ وإنجاب أطفال"، و"هل تقولين لي أن أتحدَّث مع أولادي عن الجنس؟ ما هذا العيب؟"؛ فتركوا أطفالهم كالريشة في مهبِّ الرِّيح، دون وعيٍ أو حصانةٍ أو صورةٍ واضحةٍ عن الأمور؛ ممَّا جعلهم عرضةً إلى الانحراف واستقبال المعلومات من مصادر غير موثوقٍ بها.

كما قد تبنَّى الكثير من الأهالي سلوكاتٍ متطرِّفةً في تربيتهم لأولادهم، فتعاملوا مع أيِّ ملاحظةٍ جنسيةٍ تظهر على سلوكات أبنائهم بالكثير من النَّهر والغضب ونوباتٍ من الجنون والهستيريا، الأمر الذي خلق لدى الطفل صدمةً نفسيةً ومشاعر من الخوف الشديد تجاه شيءٍ لا يعرف ماهيَّته بعد، لكنَّه يعرف أنَّه شيءٌ يُغضِب ذويه كثيراً دون أن يعرف سبب هذا الغضب، وقد تطوَّر الأمر لدى بعضهم إلى عقدةٍ حقيقيةٍ من الجنس، أو إلى شذوذٍ وإدمانٍ جنسي.

أطفالنا اليوم عرضةٌ إلى "الإباحية" أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، فهي منتشرةٌ بشدة، وأصبح الوصول إليها متاحاً في ظلِّ انفتاح العالم والتكنولوجيا، والسؤال هنا موجَّهٌ إلى الأهالي الكرام: هل ستبقون تحشرون رؤوسَكم في التراب كالنعام، متجاهلين التغيُّرات الحاصلة في العالم، متَّبعِين سياسة قديمة في التربية؟ أم أنَّكم ستُواصِلون أسلوب الزجر والتعنيف لمجرَّد ورود فكرةٍ جنسيةٍ إلى أذهان أطفالكم؟ أم ستسعون إلى التعمق في موضوع الجنس أكثر، وتبنِّي أساليب حديثةٍ في التربية تجعل من أطفالكم أصحَّاءَ وسليمين نفسياً وعقلياً واجتماعياً وجنسيَّاً؟

هدف كل الأهالي واحد؛ لكنَّ اختلاف الطريقة هو ما يجعل النتيجة مختلفة؛ فكيف نُربِّي أطفالنا تربيةً جنسيًّة صحيحة؟ إنَّه لسؤالٌ هامٌّ جداً، وستكون الإجابة عنه محور مقالنا هذا.

هل الجنس مجرَّد "علاقة"؟ أم أنَّ الموضوع أعمق من هذا بكثير؟

يعتقد أغلب الأشخاص أنَّ الجنس يقتصر على العلاقة الزوجية، في حين أنَّه يتعدَّى هذا الأمر ليكون تربيةً قائمةً بحدِّ ذاتها، لها قواعدها وممارساتها وأسسها.

إن أردنا تعريف التربية الجنسيَّة، فسنقول أنَّها "مجموعة المعتقدات والأفكار والسلوكات والمفاهيم التي يكتسبها الطفل حول الجنس والهوية الجنسية، سواءً من المنزل أم المدرسة أم المجتمع".

تبدأ التربية الجنسية من عمرٍ صغيرٍ جداً للطفل، وتتدرَّج حتَّى عمر الخامسة عشر، وتتضمَّن كلَّاً من:

  • صفات الذكورة والأنوثة.
  • اللباس الخاصَّ بالذكور والإناث.
  • الاستئذان واحترام خصوصية الآخر.
  • العورة.
  • التلامس.
  • آداب العلاقة.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لحماية طفلك من التعرض للتحرش الجنسي

كيف نربِّي أولادنا تربيةً جنسيةً صحيحة؟

سنقسِّم الإجابة إلى جزئين: جزءٌ خاصٌّ بالتربية الجنسية حتَّى سنِّ المراهقة، وجزءٌ خاصٌّ بالتربية الجنسية في أثناء المراهقة.

التربية الجنسية قبل سن المراهقة:

تبدأ الهوية الجنسية للطفل في التشكل بعمر (2-3) سنوات، حيث ينتبه إلى كون لباسه مختلفاً عن لباس الأنثى، وشكله الفيزيولوجي مختلفٌ عن شكلها؛ ويكون الطفل بين عمر(3-5) فضولياً جنسياً، ويبدأ استكشاف أعضائه التناسلية، ويبدأ بعد ذلك طرح العديد من الأسئلة المُحرِجة؛ لذلك على الأهالي دراسة السمات العامَّة لكلِّ مرحلةٍ عمريةٍ للطفل.

إقرأ أيضاً: أسئلة الأطفال المحرجة، وطرق التعامل معها

نستطيع بشكلٍ عامٍّ ذكر بعض النقاط التي لابدَّ من مراعاتها في أثناء التربية الجنسية خلال الفترة العمرية (2- 12) سنة:

1. الإجابة الصادقة العفوية المتماشية مع المرحلة العمرية للطفل: 

عندما يُدرِك الطفل الذكر أنَّه مختلفٌ فيزيولوجياً عن الأنثى - إذ تملك الأنثى شعراً طويلاً لا يمتلكه، ويرتدي زيَّاً لا يشبه الذي ترتديه - تتحرَّك لديه ملكة التحليل، فيسأل أسئلةً كنوعٍ من الاستفسارات عن هويته الجنسية، مثل: "لماذا شكل جسدي مختلفٌ عن شكل جسد أختي؟".

على الأهالي هنا استقبال أيِّ سؤالٍ يُطرَح بهدوءٍ واتزان، والإجابة الصادقة بما يتناسب مع مرحلته العمرية، كأن يجيبوه: "إنَّ الكون مبنيٌّ على الزوجين، فهناك ذكرٌ وأنثى من كلِّ شيء، حيث يوجد في عالم الحيوان والنبات ذكورٌ وإناثٌ أيضاً، ويكون لكلٍّ منهما شكله ومميِّزاته".

قد يطرح الطفل سؤال: "من أين أتيت؟"، وهنا من الممكن أن تكون الإجابة: "من بطني"، تماشياً مع سنِّه؛ لكن قد يصبح الجواب أكثر تفصيلاً عندما يكبر الطفل أكثر.

على الأهالي أن يعلموا أنَّ أسئلة الطفل دليل ذكاءٍ وقدرةٍ على تحليل الأمور، ويعدُّ التهرُّب من الإجابة، أو الإجابة عنها بطريقةٍ تحمل مشاعر غضبٍ وعصبية؛ أسلوباً فاشلاً في التربية، حيث يُقلِّل من القدرات العقلية للطفل، ويُضعِف من ثقته بنفسه، ومن التواصل بينه وبين الأهل؛ فبدلاً من أن يكون الأهل مرجعيةَ طفلهم عندما يطرأ في ذهنه أيُّ سؤال، يتحوَّلون إلى مجرَّد أبوين يطعمانه ويساعدانه في واجباته المدرسية.

2. الخصوصية:

على الأهالي تعليم الأطفال أنَّ هناك مناطق خاصَّةً في أجسادهم لا يجوز إظهارها، وعليهم الانتباه إلى جزئيَّاتٍ هامَّة، مثل: الاستحمام مع الطفل، أو خلع الملابس أمامه، أو ترك الأطفال يستحمُّون سويَّاً؛ لأنَّهم إن قاموا بذلك، فإنَّهم يجعلون الفضول الجنسي لدى الطفل يزداد، ولا يعلِّمونه مبدأ الخصوصية وضرورة احترام خصوصية الآخرين؛ كما يجب على الأهالي تعليم أطفالهم ضرورة الاستئذان قبل الدخول إلى أيِّ غرفةٍ ضمن المنزل؛ لأنَّ هذا السلوك يعدُّ احتراماً لخصوصيَّات الآخرين. من شأن الانتباه إلى هذه التفاصيل أن يُعلِّم الأطفال أهمية احترام جسدهم وخصوصيَّته؛ كيلا يكونوا عرضةً إلى أيِّ نوعٍ من أنواع التحرُّش.

إقرأ أيضاً: القيم الأخلاقيّة في الإسلام، ونصائح مهمة لغرسها في أطفالنا

التربية الجنسية خلال المراهقة:

1. من واجب الآباء خلال فترة المراهقة توعية أبنائهم عن تفاصيل العلاقة الجنسية بطريقةٍ علميةٍ راقية، كأن يشرحوا لهم التركيب التشريحي للأجهزة التناسلية الذكرية والأنثوية، والوظائف الفيزيولوجية والإنجابية للجهاز التناسلي.

2. يجب على الأهالي شرح البعد الجمالي (الوجداني) للعلاقة الجنسية، والتفريق بين الحبِّ والجنس، فالحبُّ أشمل من الجنس وأدوم، ولكنَّ الجنس وسيلةٌ للتعبير عن الحب؛ وهنا عليهم التأكيد على أنَّ العلاقة الحميميَّة يجب أن تكون مع الشخص المناسب وفي الوقت المناسب وضمن إطار الزواج؛ لأنَّ الجنس يجب أن يخدم هدفاً ساميَّاً يتمثَّل ببناء عائلةٍ وإنجاب أطفالٍ أصحَّاء، فهو العملية الأكثر أهميةً للحفاظ على الجنس البشري.

3. يجب على الأبوين توضيح أنَّ العلاقة الجنسية شيءٌ مقدَّسٌ للذكر والأنثى؛ لذلك يجب أن تحدث بعمرٍ معيَّن، بعد أن يكون الإنسان قد تأكَّد من مشاعره ونضج كفايةً لاختيار شريك حياته المناسب؛ كما يجب عليهما تبنِّي الحوار الدائم مع المراهق، وإشباعه حبَّاً وحناناً واهتماماً؛ فالإشباع الروحي والجسدي هامٌّ جداً، كأن يحتضنوا ولدهم باستمرارٍ ويقولوا له عباراتٍ إيجابيَّةً مفعمةً بالحميمية والدفء.

4. على الأهل اتباع سياسة "التقبُّل"، واحتواء ابنهم حتَّى لو قام بتصرُّفٍ جنسيٍّ سلبيٍّ جداً؛ ولا يعني التقبُّل هنا الموافقة، بل يعني استيعاب الموقف بهدوءٍ وحكمة، ومن ثمَّ الجلوس مع المراهق ومحاورته وسؤاله عن الأسباب التي دفعته للقيام بذلك السلوك، ومن ثمَّ شرح مخاطر الأمر له، ولماذا يعدُّ أمراً خاطئاً، وفتح المجال له للاستغفار والتوبة الجميلة؛ حيث يتثبَّت بهذه الطريقة في عقل المراهق حقيقة أنَّ أبويه هما المرجع الأساسي والأول لأيِّ أمرٍ يرغب بمناقشته، أو أيِّ سؤال يطرأ في باله.

5. يجب على الأبوين احترام مشاعر المراهق وعدم السخرية أو الاستهزاء بها، ففي حال صارحهم ولدهم أنَّه يعيش حالة حبٍّ مع صديقته، فيجب عليهما استيعاب الأمر، وشكر المراهق على صراحته معهم، ومن ثمَّ التوضيح له أنَّ مشاعره طبيعية وصحية وراقية؛ لكن عليه أن يحافظ حالياً على صداقتهما ضمن إطار مجموعة المدرسة، وعندما يصبح الوقت مناسباً فيما بعد، فمن الممكن أن يتطوَّر الأمر إلى حبٍّ وزواج.

6. يجب على الآباء التفنُّن في استخدام السُلطة، بحيث يغدقوا الأطفال بالحبِّ والحنان والدفء، ممَّا يجعل الأبناء في حالة استعدادٍ لتقبُّل الأمور المحسومة لدى الآباء بعد مناقشتها معهم طبعاً؛ فهذا أسلوب التوازن في التربية، بحيث لا يتَّبع الآباء النقد المستمر الذي يؤدِّي إلى إضعاف ثقة الأطفال بهم، ولا يتبعون أسلوب الدلال المستمرِّ الذي يُفسِد الأبناء ويُعلِّمهم الإتكالية وعدم المسؤولية.

7. يجب على الأهل خلق الضمير الشخصي لطفلهم المراهق، بحيث تكون سلوكاته نابعةً من قناعاته ومبادئه، لا من خوفه من أبويه وعقابهما. يكون ضمير الطفل في سنواته الأولى ناتجاً عن القناعات التي زرعها أبواه بأسلوبٍ صحيح، بحيث يشرحون له ما يجوز تصرُّفه وما لا يجوز، مع تبيان الأسباب المُقنعة؛ ثمَّ تأتي المراهقة، ليصبح للطفل ضميره الشخصي؛ فإن كانت زراعة القيم من قبل الأبوين قد حدثت بأسلوب حوارٍ مُقنِعٍ واحتواء، فلن يكون الضمير الشخصي للمراهق بعيداً عن ضمير الأبوين، وستجده ينفِر من السلوكات السلبية، حتَّى لو كان الوسط المحيط به في المدرسة يقوم بها، فهو غير خاضعٍ لتأثير الجماعة؛ لأنَّه مُشبعٌ بشكلٍ صحيحٍ ومتزن من تربيته المنزلية.

8. على الأهل إدراك أنَّهم قدوةٌ لأبنائهم في كلِّ شيء، وأنَّ نموذج علاقتهم سينطبع في أذهان الأطفال، ليكون معياراً لهم في علاقاتهم العاطفية المستقبلية؛ لذلك عليهم أن يكونوا في منتهى الحرص، وأن يكونوا قدوةً حسنةً لأبنائهم.

9. على الأهالي أن يعوا أنماط الشخصية المختلفة بين أطفالهم، فلا يجوز اتباع ذات الأسلوب مع جميع الأطفال؛ لذلك عليهم التفنن في اختيار الأساليب المناسبة لتربية كلِّ طفلٍ على حدة؛ دون أن ينسوا أهمية مراقبة أصدقاء الأطفال والتعرُّف على أهاليهم، لمعرفة نوعيَّة محيط أطفالهم.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح وقائيّة لتقي طفلك التعرض للتحرش الجنسي

الخلاصة:

كونوا وسطيين ومتوازنين في تربيتكم لأطفالكم، فلا يُجدِي القمع نفعاً، ولا حتَّى ترك الأمور على سجيتها؛ لذلك حاوروا أطفالكم باستمرار، وتقبَّلوا أغلاطهم، وبَيِّنوا لهم الصواب بطريقةٍ مُقنعِةٍ وهادئة، ولا تخجلوا من مناقشة أيِّ موضوعٍ معهم، بما في ذلك المواضيع الجنسية؛ فأنتم مُؤتمَنون عليهم، ويجب أن تكونوا على قدر الأمانة.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة