كيف تنشئ مهنة مقاومة اقتصادياً لآثار الركود؟

في الفترة التي تلت إفلاس بنك "ليمان" (Lehman) عام 2008، بات الاقتصاد العالمي في حالة نمو مطَّرد، وهو ما لم يلحظه أغلب الناس؛ مما أسهمَ في تقليل نسبة البطالة في الولايات المتحدة، وأوروبا، وسويسرا، وآسيا، خلال العقد الماضي؛ إلا أنَّ فترة النمو هذه تشارف على الانتهاء. وتُوضِّح هذه المقالة لِمَ ستجتاحنا موجة تطيح بالاقتصاد العالمي عام 2020، وكيف يمكِنك الاستعداد لتجنُّب الوقوع ضحية الركود الاقتصادي على حين غرة.



الركود الأكثر ترقُّباً في التاريخ:

إنَّنا نواجه واحدةً من أكثر حالات الركود العالمية ترقُّباً في التاريخ؛ فهو أمر محتَّم للغاية، وتشير إحدى الإحصاءات أنَّ نمو الاقتصاد العالمي سيبلغ 3% هذا العام، وهو ما يُعدُّ أبطأ معدل للتوسع وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي (IMF)، وذلك منذ أن بدأَت الأزمة المالية العالمية عام 2008.

ويعاني الاقتصاد الألماني حالياً من ركود تقني وهو أكبر اقتصاد دول أوروبا؛ في حين تعاني إيطاليا وهي ثاني أكبر اقتصاد أوروبي من عدم الاستقرار السياسي وأزمة الديون، كما توقَّفَ النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة في نهاية عام ،2019 ويُتوَقَّع حدوث ركود اقتصادي قريباً.

وقال جوزيف ستيغليتز (Joseph Stieglitz) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد: إنَّ تباطؤ الاقتصاد في الصين هو الأساس المحوري والجوهري لتباطؤ الاقتصاد العالمي، ومن المُتوقَّع أن نشهد أقل معدلات من النمو منذ 30 عاماً.

وقد احتلَّت الصين المرتبة السادسة من حيث قوة الاقتصاد مع حصة تساوي 8,7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتحتل اليوم المرتبة الثانية من حيث قوة الاقتصاد مع 19,3 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إلا أنَّ سوق الأوراق المالية في الصين هبط بنسبة 9,1% في يوم واحد في الثالث من شهر شباط عام 2020.

وقد أرسلَت بعض الشركات الكبرى مثل: غوغل (Google)، ومايكروسوفت (Microsoft)، وأبل (Apple)، وسامسونج (Samsung)، وتيسلا (Tesla)، وفوكسكون (Foxconne)، ونايك (Nike)، عشرات الآلاف ممَّن يعملون في شركاتها إلى منازلهم بعد اضطرارهم إلى إغلاقها بسبب الوباء.

وقد قال المدير التنفيذي لمجموعة دراسة السياسة التجارية بين هونغ كونغ ومنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (Hong Kong-APEC Trade Policy Study Group)، ديفيد دودويل (David Dodwell): إنَّ الحديث عن فايروس كورونا تسبَّبَ في الركود العالمي وعلى رأسهم الصين، قائلاً: "مع إغلاق المصانع الصينية وبقاء الناس في منازلهم والتقليل من نفقاتهم ومصاريفهم، بدأَت الصناعات في الانهيار، وخفَّت السياحة، وانخفضت أسعار السلع الأساسية".

وعلى الرغم من أنَّنا نستطيع توقُّع تأثير اقتصادي حاد على شكل منحنى V أي؛ منحنى يبدأ باضطراب شديد وينتهي بانتعاش، إلا أنَّ الدول الآسيوية التي تعتمد اعتماداً كلِّيَّاً على الصين ستتأثر بشدة، وخاصة سنغافورة وكوريا الجنوبية.

ومع هذا الركود الذي يلوح في الأفق، ما هو أفضل مسار للعمل من أجل ضمان الأمن في أثناء فترة التغيير؟

إقرأ أيضاً: كيف تقوم بتحليل السوق من أجل خطّة عمل مُحكمة؟

كيف تحمي مهنتك من الركود؟

1. رفع الستار عن الوظائف الخفية:

سيصبح سوق العمل قريباً تحت رحمة المشترين، مع تحوُّل السلطة في سوق العمل نحو الشركات؛ حيث توجد مجموعة كبيرة من مُقدِّمي الطلبات مع تقلص ميزانيات التوظيف، وتقليل فرص العمل المفتوحة، واستبعاد المنافسة بين المترشحين، وقد يجد الباحثون في المناصب التنفيذية العليا داخل الشركة صعوبةً متزايدة في الحصول على عمل بسبب الركود في سوق العمل المفتوح؛ ولهذا السبب ينبغي معرفة سوق الوظائف الخفي وكيفية التعمق فيها، وكذلك كيفية كشف الوظائف الخفية وكيفية تأمينها.

كان أحد كبار موظفي التكنولوجيا يبحث عن وظيفة لمدة ستة أشهر وغير قادر على تأمين مقابلة عمل لتولِّي منصب مدير تنفيذي؛ وقد كانت طريقة بحثه عن الوظيفة خاطئةً؛ ولكن ما إن حوَّل بحثه من الوظائف المفتوحة إلى الوظائف الخفية، استطاع الحصول على المقابلة التي يحتاجها، وحصل بعد أربعة أشهر على عرض لمنصب المدير التنفيذي لشركة من شركات "الأبطال الخفيين" (Hidden Champions)، والتي يملكها تكتُّل صناعي، وتبلغ قيمتها 10 مليار دولار أمريكي.

شاهد بالفديو: كيف تسوق لنفسك في سوق العمل؟

2. الترويج لعلامتك التجارية:

هناك عدد قليل من المسؤولين التنفيذيين الذين يعرفون علامتهم التجارية ناهيك عن كيفية الترويج لأنفسهم؛ وخاصة أولئك الذين عملوا لفترة طويلة في الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والسلع الاستهلاكية سريعة التداول والسلع الكمالية، ظنَّاً منهم أنَّ سوق العمل سيتهافت عليهم إذا قرروا الرحيل.

وكمثال على ذلك: أصبح مديرو المبيعات ونائب رئيس المالية من شركة يونيليفر (Unilever)، عاطلين عن العمل لأكثر من عام، لأنَّهما لم يكونا مرغوبين في سوق العمل.

ويُحذِّر الفيسلوف والدبلوماسي الإيطالي ميكافيللي (Machiavelli) من أنَّ الناس غير قادرين على تغيير شخصيتهم الثابتة أو لا يستطيعون إقناع أنفسهم بالتغيير، لأنَّهم كانوا يتبعون أسلوباً ناجحاً للغاية؛ لذا تذكَّر أنَّ غرورك ليس صديقك.

3. إعادة ابتكار ذاتك:

كيف ستخوض معركةً رابحة في حياتك المهنية وفي الصناعة في أثناء فترة الركود الاقتصادي المستقبلي؟ تكمن الإجابة في صنع قدرك بنفسك، وإلا سيأتي شخص آخر ويتحكم به.

وقد اعترف مسؤول تنفيذي سابق في مجال الإضاءة، والذي يبحث عن تحدٍّ جديد، قائلاً:

"لقد أتقنتُ قواعد وأسرار مجال العمل جميعها بعد مزاولة هذه المهنة لمدة عشرين عاماً، وعرفتُ الأشخاص الرئيسين كلهم في هذه الصناعة، وصرتُ مديراً تنفيذياً، وحققتُ مَهمتي؛ ومع أنَّ موقعي آمن، إلا أنَّني أشعر بالملل".

ولخلق طاقة جديدة ونهج في حياته المهنية، أدرك أنَّه بحاجة إلى إعادة ابتكار نفسه وأصبح اليوم المدير التنفيذي لشركة تكنولوجيا الطاقة الشمسية الأكثر إبداعاً في أوروبا.

إقرأ أيضاً: كيف تصنع لنفسك اسماً جديداً في صناعة موجودة؟

الخلاصة:

يريد الناس أن ينعموا بأيام سعيدة، ولهذا السبب ينبغي أن تحمي نفسك؛ فمن المحال التنبؤ بحالات الركود، ولكنَّها ستأتي في نهاية المطاف؛ فهي جزء من التقلبات المحتَّمة التي تواجه الاقتصاد العالمي، ولكن تكمن المشكلة الحقيقية في عدم الاستعداد؛ فإذا لم تُسارِع في اتخاذ الإجراءات، فستُغلَق الأبواب أمامك في أثناء الركود؛ لذا حدِّد موقعكء وأعِد النظر في استراتيجية الخوض في الأسواق في ظل الأوضاع المتدهورة، وذلك تجنُّباً لإعادة الهيكلة أو غيرها من التدابير المناسبة، وقُد حياتك المهنية في الاتجاه الصحيح لتكون على علم مسبق، ومَن يدري، يمكِن أن تجعل من الركود القادم سمةً مميزة لمهنتك بأكملها.

 

المصدر




مقالات مرتبطة