كيف تُنشئ صِلات عالية الجودة في مكان العمل؟

يمكن لتعاملاتنا اليومية مع الناس أن يكون لها أثرٌ كبيرٌ في مزاجنا ومستويات طاقتنا وتحفيزنا، حيث يمكن للتبادل الإيجابي المتفائل مع زميلٍ ودودٍ أن يجعل يوم عملك يبدأ بدايةً رائعة، ولكنَّ إلقاء التحيَّة بفتورٍ من عضوٍ آخر في الفريق قد يُخفِّض مستوى طاقتك ويُقلِّل من حماسك.



يؤثِّر إحساسنا بالتواصل مع الأشخاص من حولنا في آفاقنا الشخصية، ويمكن أن يؤثِّر أيضاً في جوِّ مكان عملنا ككل، وبالتالي كيف يمكننا خلق بيئةٍ أكثر سعادةً وإنتاجيَّة؟

تقول جين داتون، أستاذة إدارة الأعمال في جامعة ميشيغان ومؤلِّفة كتاب "تنشيط مكان عملك": كيف تُنشئ وتحافظ على صلاتٍ عالية الجودة في العمل؟ إنَّ سرَّ مكانِ عملٍ صحيٍّ ونشيطٍ هو خلق "صلاتٍ عالية الجودة".

في هذه المقالة، نوضِّح ما هي الصلات عالية الجودة، ولماذا هي مُفيدة؛ ونلقي نظرةً على عواقب الصلات رديئة الجودة، ونقترح أيضاً طرائق يمكنك من خلالها إنشاء عمليات تواصلٍ عالية الجودة في العمل، وفي حياتك الشخصية.

ما هو التواصل عالي الجودة؟

عندما تلتقي بأشخاصٍ في مؤتمر، أو في العمل، أو حتَّى على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فأنت تقوم بإجراء "تواصل"، ولكن قد لا تقوم بخلق "صلة".
عمليات التواصل عالية الجودة: تفاعلاتٌ تجعلك تشعر بالتفاعل والانفتاح والحماس والتجدُّد، وهي لا تعتمد بالضرورة على العلاقات الوثيقة أو المُقرَّبة؛ إذ أنَّ رسالةً سريعةً أو تبادلاً بسيطاً في اجتماعٍ يمكن أن يكون عالي الجودة إذا جعل كِلا المشاركَين يشعران بالتقدير.

كلَّما كانت عمليات التواصل عالية الجودة، أمكنك تحويل المحادثة إلى فائدةٍ تعود على الجميع.

ما فوائد عمليات التواصل عالية الجودة؟

يمكن أن تخلق الروابط الإيجابيَّة فوائدَ هائلةً للأفراد والمنظَّمات. تُعدُّ الصداقات أمثلةً على عمليات التواصل عالية الجودة، وإنَّنا جميعاً نعلم مدى السعادة والطاقة التي يمكن أن تجلبها الصداقة الجيِّدة.

إنَّ كثيراً من الأساليب التي نستكشفها في هذه المقالة يمكن استخدامها خارج مكان العمل، وقد تجد أنَّها تساعد في تنشيط وتحسين علاقاتك مع الأصدقاء وعمليات التواصل الاجتماعية الأخرى.

وفقاً لِداتون، توفِّر عمليات التواصل عالية الجودة ثلاث مزايا رئيسة:

  1. الصحة: تُظهر الدراسات أنَّ عمليات التواصل عالية الجودة تُحسِّن من صحَّتك النفسية والجسدية، فهي تخلق المشاعر الإيجابية والحيوية؛ ممَّا يساعد في تقليل التوتر.
  2. المشاركة: نحن مخلوقاتٌ اجتماعية، ونستمتع بالصداقة والحوار الإيجابي؛ وعندما نقوم بصنع روابطَ عالية الجودة، فإنَّنا نشعر أنَّنا أكثر سعادةً وإنتاجيَّة، حيث يمكن أن تمُدَّنا العلاقات المُنفتحة والموثوقة بالثقة للتعبير عن مشاعرنا، بما في ذلك مخاوفنا وهمومنا؛ لأنَّنا نعلم أنَّنا سنتلقَّى الدعم المناسب.
  3. التعلُّم: تتعلَّم بسهولةٍ أكبر عندما تشعر بإيجابيَّةٍ تجاه نفسك وتجاه الناس من حولك؛ هذا لأنَّ مشاعر السعادة والإثارة والحماس يمكن أن تجعلك مُهتمَّاً بالأفكار الجديدة وتعلُّم الأشياء الجديدة. أنت أيضاً تكون أكثر مرحاً وإبداعاً عندما تشعر أنَّك بحالةٍ جيِّدة، بالإضافة إلى أنَّه يمكنك عندما تكون في علاقاتٍ موثوقةٍ ومنخرطةٍ الشعور بالأمان الكافي لمشاركة مزيدٍ من المعلومات، والمخاطرة والاعتراف بأخطائك؛ ممَّا يسمح لك بالتعلُّم من تجربتك.
إقرأ أيضاً: التواصل غير الكلامي في مكان العمل

ما عواقب عمليات التواصل رديئة الجودة؟

لسوء الحظ، فإنَّ ظروف العمل الشخصية المُجهدة شائعةٌ في أيامنا هذه. إذا كان لديك علاقاتٌ في العمل تفتقر إلى الثقة، أو تشعر أنَّ مساهمتك لا تُقدَّر؛ فيمكن أن يكون لهذا تأثيرٌ سلبيٌّ عليك وعلى إنتاجيَّتك.

تستنزف عمليات التواصل رديئة الجودة طاقتك، ممَّا يجعل من الصعب التركيز والمشاركة مع الآخرين. يمكن لانتباهك أن يتشتَّت في أثناء محاولتك فهم الآخرين والتعامل مع دوافعهم وسلوكاتهم.

ومع مرور الوقت، يمكن لهذه المخاوف أن تحِدَّ من جودة عملك وتنشر السلبيَّة في مكان العمل، كما يمكن أن تجعلك عمليات التواصل السيئة تشعر بعدم التقدير والقيمة والقلق. يأخذ كثيرٌ من الناس هذه المشاعر السلبية معهم إلى المنزل، حيث يؤثِّرون في أصدقائهم وعائلاتهم أيضاً.

كيف تُنشِئ عمليات تواصلٍ عالية الجودة؟

وفقا لداتون، يمكنك إنشاء عمليات تواصلٍ عالية الجودة بثلاث طرائق: التعامل باحترام، وتمكين المَهمَّة، والثقة. وإليك بعض الطرائق للقيام بالأمر:

1. التعامل باحترام:

عندما تعامل الناس باحترام، فأنت تخلق حلقةً من المشاعر الجيِّدة والطاقة الإيجابيَّة التي تزيد من سعادة وإنتاجيَّة جميع المعنيين. فيما يلي بعض الطرائق التي يمكنك من خلالها ممارسة التشارك المحترم:

  • أن تكون حاضراً: في بعض الأحيان نكون مشغولين للغاية عن منح الناس كامل انتباهنا بمشاريع قوائم المهام، والاجتماعات، والأشياء التي تُقلقنا. عندما تكون حاضراً، فأنت تخبر الناس أنّك موجودٌ ومُنفتحٌ ومُتاحٌ لهم، وتجعلهم أيضاً يعرفون أنَّ أفكارهم ومُعتقداتهم وآراءهم هامَّة. فكيف تفعل هذا؟ يمكن أن ترسل لغة جسدك رسالةً واضحةً على أنَّك تُعير الانتباه لشخصٍ ما. تواصل بصرياً، وأرخِ جسدك قليلاً، ويمكنك أيضاً إغلاق كتابك، ووضع قلمك، والالتفاف بعيداً عن الكمبيوتر المحمول، وتوجيه انتباهك إلى الشخص الذي يتحدَّث.
  • الإصغاء: وكجزءٍ من هذا، عندما يتحدَّث معك شخصٌ ما، هل أنت تصغي حقَّاً؟ أم أنَّك تقوم بنصف إصغاءٍ فقط، من خلال القفز إلى الاستنتاجات أو المقاطعة أو التفكير في ما تريد أن تقوله؟ يتيح الإصغاء الفعَّال للناس معرفة أنَّه جرى سماعهم، ممَّا ينقل احترامك. يمكنك القيام بذلك عن طريق الإقرار بمشاعرهم، ثمَّ تأكيد فهمك، على سبيل المثال: "يبدو أنَّك تشعر بالغضب والأذى. هل هذا صحيح؟ هل ذلك لأنَّك تعتقد أنَّه قد جرت مُعاملتك بشكلٍ غير عادل؟ هل تستطيع أن تقول لي لماذا؟".
  • الالتزام بالمواعيد: لا يُعدُّ التواجد في الوقت المناسب للاجتماعات أخلاقاً جيِّدةً فحسب، بل يُظهِر أيضاً أنَّك تحترم وقت الآخرين، وأنَّك تفهم الالتزامات التي عليهم الوفاء بها.
  • الأصالة (كن نفسك): عندما تكون على سجيتك، فأنت تخبر الناس أنَّك صادقٌ وجديرٌ بالثقة ولا تلهو؛ وهذا يعني أيضاً أنَّ سلوكك مبنيٌّ على مشاعرك الحقيقية، وليس على أيِّ ضغوطٍ أو توقعاتٍ خارجية.
  • التأكيد: من الهامِّ توصيل وعيك وفهمك لحالة شخصٍ ما. على سبيل المثال: يمكنك إخبار الناس أنَّك تعرف أنَّهم يتعرَّضون إلى ضغوطٍ كبيرة، وأن تثني عليهم بأنَّهم يتعاملون معها جيِّداً، حيث يجعلهم التشجيع يشعرون أنَّهم محلُّ ملاحظةٍ وتقدير. يمكنك أيضاً القيام بالتأكيد من خلال التعبير عن مقدار تقديرك لأعضاء الفريق، ولمهاراتهم وقدراتهم ومواهبهم.
  • التواصل: الطريقة التي تعبِّر بها عن نفسك توضِّح أيضاً الاستعداد والقدرة على التعامل باحترامٍ مع الناس. على سبيل المثال: حاول استخدام أسلوب الطلبات بدلاً من الأوامر، حيث يشير أسلوب الطلب إلى العمل معاً، وأنَّ مساهمات الجميع تحظى بالتقدير؛ أمَّا أسلوب الأمر يقترح أنَّ هناك طريقةٌ صحيحةٌ وأخرى خاطئةٌ للقيام بالأمور، وهذا يخلق التوتُّر ويقطع الثقة.

يمكنك أيضا تجنُّب سوء التواصل من خلال استخدام لغةٍ إيجابيَّة، وتحديد المصطلحات بوضوح، ومن خلال وضعٍ مُحدَّدٍ للأهداف.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتعزيز مهارات التواصل مع الآخرين

2. أن تمكِّن المَهمَّة:

وهذا ينطوي على تشجيع موظَّفيك ومساعدتهم على الأداء بفعالية. إليكَ بعض الطرائق التي يمكنك استخدامها:

  • التدريب: عندما تقوم بتدريب الناس، فإنَّك تقوم بتطوير مهاراتهم وقدراتهم، وتساعدهم على اكتشاف إجاباتٍ لأنفسهم؛ وبالتالي سيكون أعضاء فريقك أكثر انخراطاً بالحلول التي أتوا بها بأنفسهم. ستُنشئ مساعدتهم في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم عمليات تواصلٍ عالية الجودة.
  • التيسير: يمكنك مساعدة أعضاء فريقك على فهم هيكل المنظمة والعبور ضمنه، وذلك من خلال تزويدهم بالوصول إلى الناس الذين هم بحاجتهم. على سبيل المثال: فتح سُبلٍ لهم لمقابلة الأشخاص الرئيسين في الأحداث الخاصة، أو عن طريق خلق فرصٍ للتحدُّث.
  • الاستيعاب: هل تحافظ على جدول أعمالٍ صارمٍ وتتوقَّع أن يتناسب معه الجميع؟ ولكن مع القليل من المرونة، يمكنك استيعاب احتياجات أعضاء فريقك؛ ممَّا يخلق شعوراً بالدعم المتبادل، ويبني عمليات تواصلٍ عالية الجودة. قد يتضمَّن هذا تمديد المواعيد النهائية أو عرض ساعات عملٍ مرنةٍ تسمح لهم بإكمال عملهم بشكلٍ أكثر فعالية. يمكن للزملاء أيضاً استيعاب أعباء العمل المتغيِّرة لبعضهم بعضاً لمساعدة الجميع على النجاح.
  • الرعاية: تستخدم داتون كلمة "رعاية" لوصف دعم احتياجات الناس العاطفيَّة. يمكن للمدراء من خلال نمذجة الأدوار والتشجيع أن يعالجوا قضايا مثل: الكفاءة وتقدير الذات، حيث يمكنك من خلال تقديم الدعم والتعاطف تزويد أعضاء فريقك بالأساس الصلب للتطوير، سواءً كان شخصياً أم مهنياً.

3. الثقة:

إنَّ الثقة أمرٌ هامٌّ في أيِّ علاقة، لكنَّها ضروريةٌ عند تطوير عمليات تواصلٍ عالية الجودة؛ حيث تقول داتون أنَّ العنصر الرئيس للثقة أن تؤمن بنزاهة شخصٍ ما وموثوقيَّته. هنا بعض الطرائق التي يمكنك من خلالها بناء الثقة:

  • المشاركة: عندما تشارك شيئاً هامَّاً أو قيِّماً، فأنت تقول للمتلقِّي أنَّك تثق به، وأنَّه يمكن أن يثق بك لإعطائه ما يحتاجه للقيام بعمله بشكلٍ جيِّد.
  • الإفصاح عن الذات: يمكن أن يساعد الكشف عن تفاصيل عن نفسك، خاصَّةً إذا كان ذلك معلوماتٍ شخصيةً أو إظهار أنَّك غير مُحصَّنٍ في بناء علاقةٍ قوية. على سبيل المثال: السماح لأعضاء فريقك بمعرفة أنَّك تشعر بالتوتُّر دائماً قبل العرض التقديمي يُظهر أنَّه يمكنك الانفتاح عليهم قليلاً. سوف يقدِّرون أنَّك تثق بهم بمعلوماتٍ شخصية.
  • حسن استعمال اللغة: يمكن للكلمات التي تستخدمها أن تخبر الناس ما إذا كنت تعتقد أنَّكم تعملون معاً كفريق؛ وإذا كنت ترغب بإنشاء بيئةٍ شاملة، فحاول استخدام "نحن" بدلاً من "أنا" أو "أنت". هذا يدلُّ على أنَّك تثق بالآخرين للانضمام إليكَ في جهدٍ تعاوني، وأنَّك تعتقد أنَّه يمكن الاعتماد عليهم. إذا كنت تريد أن يثق بك أعضاء فريقك عند استخدام لغةٍ شاملة، فيجب أن تتطابق أفعالك مع كلماتك.
  • التفويض: يمكنك كمديرٍ نقل الثقة عند تفويض المهام وتسليم المسؤوليَّة عن المشاريع إلى فريقك، فهذا يُظهر أنَّك تؤمن بقدرة الأعضاء على أداء العمل بشكلٍ صحيح. إذا قمت بتفويض مَهمَّةٍ لشخصٍ ما، أعطِه مساحةً للقيام بهذه المهمَّة، إذ يمكنك تقويض الثقة إذا كنت تتحقَّق من عمله باستمرار.
  • تقديم التغذية الراجعة: عادةً ما يكون المدراء هم الذين يقدِّمون التغذية الراجعة لأعضاء فريقهم؛ لذلك إذا سألت الناس حولك عن آرائهم حول أفكارك، فأنت تثبت أنَّك تقدِّر وجهات نظرهم. يحترم الناس ويثقون بهذا النوع من الانفتاح، خاصةً عندما تتقبَّل وتتصرَّف بناءً على التغذية الراجعة التي تتلقَّاها.

 

المصدر: موقع "مايند تولز".




مقالات مرتبطة