كيف تنجح كقائد في أوقات الأزمات؟

عندما سار نابليون بجيشٍ مكوَّنٍ من 685000 رجلٍ إلى روسيا في حزيران 1812، كان في ذروة قوَّته؛ وفي حلول تشرين الثاني، عاد إلى بلاده مع 27000 جنديٍّ فقط، وتحطَّمت هيمنة فرنسا في أوروبا. كيف يمكن لجيشٍ لا يقهر أن يصبح في حالةٍ كارثيةٍ خلال خمسة أشهر فقط؟ الجواب سهل: يحدث هذا عندما يكسر القائد كلَّ القواعد الخاصَّة بإدارة الأزمات.



في ليلة رأس السنة الجديدة في عام 2019، توقعنا أن يكون عاماً آخر تسوده ثقافة "العمل كالمعتاد". بالتأكيد، حطَّمت السنة الجديدة كلَّ التوقعات المألوفة، إذا لا أحد توقع أن يدخل 7 مليار شخصٍ إلى منازلهم، ويصبحون معزولين عن العالم الخارجي دون خروجٍ أو عمل، وهو الشيء الذي اعتبرناه دائماً أمراً مسلَّماً به.

كيف سيتعامل قادتنا مع الأزمة؟ وكيف نتصرَّف في الأشهر العديدة القادمة؟ وكيف سنعالج هذا الوباء الذي يحدث مرةً في القرن؟ لحسن الحظ، يحتوي التاريخ على ستة دروسٍ لتعليم القادة كيفية الانتصار على الأزمات.

1. تعلَّم من التاريخ:

أفضل طريقةٍ للتعامل مع الأزمات: الاستعداد الجيد لها. إنَّ التاريخ يعيد نفسه، ولا توجد حالاتٌ غير مسبوقة، فالقادة الفاعلون مثل الكشَّافة الجيدين، مستعدون لأيِّ شيء. إنَّهم يعرفون أنَّ وصول الأزمة هو مسألة وقتٍ ليس أكثر.

كيف تفشل؟

استعد نابليون لحملته من خلال دراسته للهجمات السابقة على هذا البلد، لكنَّه فشل في استخدام هذه المعلومات. كان يعلم أنَّه في الغزو السويدي لروسيا قبل 100 عام، كان دعم القوَّات العسكرية أمراً صعباً بسبب شبكة الطرق السيئة، وأنَّ الروس استخدموا سياسة الأرض المحروقة (حرق المنازل وإخفاء أو القضاء على الماشية والمحاصيل التي يحتاجها الجيش الغازي للبقاء على قيد الحياة).

رتَّب نابليون حملة لوجستية ضخمة، لكنَّه اعتمد مع ذلك على قدرة جيشه في البحث عن الطعام في أراضي العدو. كان يعلم أيضاً أنَّ الشتاء الروسي القاسي قد دمَّر القوات السويدية، ومع ذلك لم يجهِّز أيَّاً من جنوده بملابس شتوية، حتَّى مع اقتراب الطقس البارد؛ ورغم أنَّ ذلك الدرس موجودٌ في صفحات التاريخ، إلَّا أنَّه لم يتعلَّم منه.

كيف تنجح؟

تقع تايوان على بعد 130 كيلومتراً (80 ميلاً) فقط من البر الرئيس للصين، وفي كلِّ عام، يسافر الملايين إلى كلا البلدين ذهاباً وإياباً، لذا سيكون لدى قادتها عذرٌ مقبولٌ إذا كانت تايوان واحدةً من أكثر الأماكن تضرراً من فيروس كورونا.

في وقت كتابة هذا التقرير، أبلغت تايوان عن 252 حالةٍ مؤكَّدةٍ فقط، وحالتي وفاة. لكن كيف تجنَّبوا أزمةً أكبر بكثير؟

لقد تضرَّرت البلاد بشدةٍ من السارس في عام 2003، ومرةً أخرى من إنفلونزا الخنازير في عام 2009؛ لهذا كان قادتها مستعدين، فقد تعلَّموا من دروس التاريخ.

في 31 ديسمبر 2019، حذَّرت منظمة الصحة العالمية العالم أجمع من تفشِّي الفيروس الجديد، وقالت أنَّه يحتمل أن يكون خطيراً. ووفقاً لأحد التقارير ذهب المسؤولون التايوانيون إلى الصين في اليوم نفسه لدراسة المشكلة. بعد خمسة أيامٍ فقط، فُحِص الزوار من ووهان في أثناء نزولهم من الطائرات.

لقد درست تايوان التاريخ جيداً، وأخذت هذا التهديد الجديد على محمل الجد، ولأنَّها استعدت، كانت قادرةً على التحرُّك بسرعةٍ لتقليل الأزمة.

2. افهم الواقع:

"لا يوجد شيءٌ أكثر أهميَّةً من فهم الواقع وكيفية التعامل معه" - راي داليو (Ray Dalio).

يريد البشر أن يتجنَّبوا الألم ويبحثون عن المتعة، لذا نبحث باستمرارٍ عن أسبابٍ لنكون في حالٍ جيدة. ولكنَّ الواقع على العكس تماماً، ففي بعض الأحيان، الواقع السيء يجعل الغرق في الأوهام سهلاً، ونشعر نتيجةً لذلك بأنَّ أحداث اليوم ليست إلَّا مُقدِمةً للكارثة التي تقترب.

لهذا إذا كانت أفكارنا واقعية، فسوف تقوم بعملها الخاصِّ من أجل معالجة الأزمة بشكلٍ فعَّال، لذا نحن نحتاج إلى رؤية ذلك بموضوعية؛ فلو أنَّ نابليون نجح في حملته، لكانوا يتحدَّثون الفرنسية في موسكو الآن.

كيف تفشل؟

بعد وقتٍ قصير من دخول الجيش الفرنسي إلى روسيا، أصبح من الواضح أنَّ الأزمات كانت تتراكم، فقد كان من المفروض أن يرسل نابليون آلاف العربات لإمداد القوَّات في الشرق، بيد أنَّه لم يرسلها منذ اليوم الأول.

عرف نابليون أنَّ آلاف الأطنان من الإمدادات المنقولة لن تُغذِّي جميع قوَّاته، فتوقَّع أن ينهب الجنود القرى في أثناء مرورهم، كما يحدث في الحروب عادةً؛ ولكن عندما اكتشف جنوده قريةً محترقةً تلو الأخرى، كان من الواضح أنَّ الواقع خالف توقعاتهم. لقد رأى نابليون الحقيقة، لكنَّه اختار تجاهلها، وتوهَّم أنَّ عرباته التي تجرُّها الثيران يمكن أن تمدَّ جيشه لفترةٍ طويلةٍ بما يكفي من أجل تحقيق النصر. ربَّما كان سينجح  نابليون في حملته لو أنَّه ركَّز على إعادة الإمداد، لكنَّه بدلاً من ذلك خلق أزمةً أسوء بسبب تجاهله الواقع.

كيف تنجح؟

كان جاك ويلش (Jack Welch)، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك، معروفاً بعقد الاجتماعات في أثناء الأزمات، وسؤاله "ما هو الواقع؟". وكان سر نجاحه أنَّه كان يعلم أنَّ الحقيقة أداةٌ قويةٌ في حلِّ أيِّ أزمة، مثل أزمة الوباء.

عندما عاد المحقِّقون التايوانيون من ووهان في أوائل كانون الثاني (يناير)، كان لدى قادة البلاد المعلومات اللازمة لرؤية الواقع، والشجاعة لقبوله، فبدؤوا يتعاملون مع هذا على أنَّه أزمةٌ خطيرة. كانت تايوان هي التي حثَّت منظمة الصحة العالمية في 9 آذار على وصف تفشِّي الكوفيد-19 بأنَّه وباءٌ عالمي (جائحة)، على أمل أن يأخذ العالم هذا التهديد بجديةٍ أكبر؛ ولكن رَفَضَ المدير العامُّ لمنظمة الصحة العالمية الفكرة برمَّتها وقتها، ثمَّ تراجع وسمَّاها بـ "الجائحة" في 12 آذار 2020.

يعرف القادة العظماء أنَّ حلَّ المشكلات يتطلَّب رغبةً لا تعرف الخوف لمواجهة الحقائق، وعندها فقط يمكنهم العمل بشكلٍ فعَّال.

إقرأ أيضاً: مع انتشار فيروس كورونا: نصائح لإدارة الموظفين عن بُعد في أوقات الأزمات

3. اتَّبع استراتيجية:

عندما تكون لديك الشجاعة لمواجهة الأزمة فإنَّك تقوم بجمع معلوماتٍ قيِّمةٍ حول الوضع، لتجد أنَّ الحلَّ المحتمل غالباً ما يقدِّم نفسه، وأنَّ الطريق إلى هذا الحلِّ سوف يصبح استراتيجيتك، وهذه أداةٌ قويةٌ لأيِّ قائد. فإذا كنت تريد الفوز في معركةٍ ما، فأنت بحاجةٍ إلى تنفيذ خطةٍ ستحقِّق لك النصر على الأغلب، والأزمة هنا ليست في المعركة ذاتها، إنَّما في الخطة.

يفشل العديد من القادة في وضع استراتيجيةٍ في الأزمة، ويتمسَّكون بذلك، ويقفزون من تحدٍ إلى آخر، ويستجيبون "كردِّ فعلٍ" دائماً، ولا يتحكَّمون بالأمور أبداً. كانت هذه وصفةٌ لحربٍ تنتهي دائماً بالموت وبآلاف الجروح.

كيف تفشل؟

كان لدى نابليون استراتيجيةٌ عندما دخل إلى روسيا، وقد نجحت هذه الاستراتيجية في العديد من الحملات السابقة. لقد كانت استراتيجيَّته: تحرَّك بسرعةٍ واسحق جيش العدو. لكنَّها كانت استراتيجيةً مغلوطةً للغاية؛ لأنَّه فشل في التعلُّم من التاريخ، وفشل في رؤية الحقيقة بوضوح.

لو أنَّه تعلَّم الدرس من التاريخ، لكان بمقدوره أن يتوقَّع انسحاب الجيش الروسي متجنباً الأخير معركةً ضارية، وتاركاً الشتاء يقاتلُ بدلاً عنه. ولكن في الواقع، كان يجب أن يرى أنَّ الطرق الروسية ستمنع الإمدادات من مواكبة القوات، وأنَّ الروس سيستخدمون سياسة الأرض المحروقة، ويسلبون جيشه الإمدادات اللازمة للبقاء على قيد الحياة.

في غضون أسابيع، كان من الواضح أنَّ خطته كانت تتعارض مع الواقع، وأنَّ الأزمة كانت تزداد سوءاً.

كيف تنجح؟

اعترفت تايوان بهذه الأزمة وعدَّتها تهديداً كبيراً، وأدركت أنَّها بحاجةٍ إلى خطةٍ شاملةٍ لمنع العدوى والوفيات، وقد كانت استراتيجيتها تعتمد على تحديد واحتواء أكبر عددٍ ممكنٍ من الحالات، وكانت واثقةً من النجاح بسبب ما تعلَّمته من الأوبئة السابقة، ولأنَّها كانت صادقةً بشأن الوضع.

دعمت كلُّ الإجراءات التي اتخذتها الدولة منذ أوائل كانون الثاني هذه الاستراتيجية: دمج قواعد البيانات الوطنية الخاصَّة بالصحة والجمارك للإبلاغ عن المسافرين الذين يعانون من الأعراض، وتتبُّع الأفراد المعزولين، وإرسال المحققين يومياً لتعقُّب المرضى. لقد نجحت استراتيجية تايوان، وتمكَّن شعبها إلى حدٍّ كبيرٍ من تجنُّب إجراءات الإقامة الجبرية والحجر الصحي الصارم والتبعات الاقتصادية التي يتحمَّلها معظم العالم الغربي اليوم.

4. اتخِذ إجراءاتٍ حاسمة:

حسناً، لقد حضَّرتَ -كقائدٍ- لهذه الأزمة من خلال دراسة التاريخ، ونظرتَ إلى الحقائق دون تضليل، واستخدمتَها لوضع استراتيجيتك؛ والآن، حان وقت العمل. ولكن لا يجب عليك أن تكون متراخياً كما لو كنت ذاهباً إلى تناول الغداء، بل عليك استخدام إجراءاتٍ هائلةٍ وعاجلة، كما لو كان منزلك مشتعلاً.

إنَّ الأزمات وقتٌ صعبٌ جداً، وبالتالي فإنَّ العمل المضني هو الاستجابة المناسبة الوحيدة، مثل: سدِّ الثغرات، واستدعاء الاحتياطيات، وتفعيل صندوق الطوارئ، والتضحية ببعض الرعاية الذاتية والوقت الاجتماعي؛ وقد يتطلَّب هذا أسبوعاً من العمل لمدة 100 ساعةٍ لك ولفريقك. لن يستمرَّ العمل الهائل إلى الأبد، فهناك وقتٌ ومكانٌ له فقط خلال الأزمات.

كيف تفشل؟

لطالما كانت أوامر نابليون إجراءً حاسماً، ففي المراحل الأولى من غزوه لروسيا كان التقدُّم سريعاً، حيث دخل الجيش الفرنسي الكبير عبر نهر (نيمين)، وقضى على الفيلق السادس الروسي تقريباً، مبيداً حوالي 12000 جنديٍّ روسي. بعد أربعة أيامٍ فقط من عبور النهر، دخل الفرنسيون مدينة فيلنا (مقرُّ الجيش الروسي الذي يقوده الإمبراطور ألكسندر بنفسه). لكنَّ الجيش الفرنسي لم يكن سريعاً بما يكفي، ووصل بعد ساعةٍ واحدةٍ فقط من الإخلاء الروسي، فوجدوا إمدادات المدينة والجسر الذي أمامها قد دُمِّرا تماماً، وذهب أمل نابليون بالفوز في غضون ساعةٍ فقط.

في وقتٍ لاحقٍ من الحملة هُزِم مرةً أخرى، ولكن هذه المرة بسبب شقيقه جيروم، والذي من خلال تقدُّمه البطيء سمح للجيش الروسي بالانسحاب دون أن يُصاب بأذى؛ ليواجه بعد شهورٍ في معركة بورودينو الجيش نفسه الذي واجهه.

كيف تنجح؟

أدركت تايوان أنَّ الاستراتيجية المثالية والصحيحة لا قيمة لها بدون تنفيذٍ صارم، وقد كانت الدولة تتفوق باستمرارٍ على الآخرين في مكافحة هذا الفيروس، وأدركت العواقب قبل نهاية يناير، فقامت بتنشيط مركز قيادتها للوباء، ومنعت دخول المسافرين من ووهان، ومنعت شعبها من السفر إلى الصين، وأقامت مراقبةً إلكترونيةً للمواطنين في الحجر الصحي، كل ذلك كان يجري في الوقت الذي لم يبدأ معظم العالم حتَّى في فحص السيَّاح في مطاراتهم. وفي 19 آذار، ذهبت تايوان إلى أبعد من ذلك، حيث منعت جميع الأجانب من دخول البلاد، بينما العديد من الدول استبعدت ذلك.

السرعة أمرٌ حاسمٌ في الأزمات، وفي حالة تفشِّي جائحة، يمكن أن يعني التأخير لساعاتٍ فقط وفاة مئاتٍ آخرين، وهو أمرٌ تتعرَّض إليه دول أوروبا وأمريكا بشكلٍ مأساويٍّ اليوم.

5. كن مرناً:

"كن واضحاً بشأن هدفك، ولكن كن مرناً بشأن الوصول إليه" - براين تريسي Brian Tracy.

إنَّ وضع ثقلك كلِّه في سبيل تحقيق استراتيجيةٍ موثوقةٍ هو نهجٌ ممتازٌ لإدارة الأزمة، باستثناء إذا خالف الواقع توقعاتك ولم يكن عوناً لك.

وإذا كانت الاستراتيجية لا تنجح، فاسأل نفسك: هل هذا لأنَّني لم أعطها الوقت الكافي لتنجح؟ أم أنَّ الإستراتيجية نفسها خاطئة؟ إنَّ معرفة الإجابة ليس سهلاً، إنَّه فنٌ أكثر من كونه علماً، وإنَّها مهارةٌ تأتي مع الخبرة.

ومع ذلك، في كثيرٍ من الحالات، سيخبرك الموقف بأنَّ استراتيجيتك معيبة، وأنَّك بحاجةٍ إلى تعديل المسار.

كيف تفشل؟

اعتقد نابليون أنَّه إذا خاض المعركة وجهاً لوجه مع العدو، فسوف يسحقه؛ لذلك طارد الروس لمسافة 600 ميل (965 كم). ولكن بحلول أيلول عام 1812، لم يحقِّق الفرنسيون نصراً حاسماً أبداً.

كان يأمل في تطويق الروس أولاً داخل الحدود، ثم يطوِّقهم قبل الوصول إلى سمولينسك، ثمَّ في بورودينو؛ لكن بعد اجتياز كلٍّ من نقاط العلَّام تلك، كان جيش العدو لا يزال سليماً في معظمه ويهزأ به، لقد كان بعيد المنال.

استراتيجيته الأصلية لم تكن لتسمح له أبداً بتجاوز سمولينسك في عام 1812، لكنَّه تابع التقدُّم على أيِّ حال. ومع اقتراب الشتاء، وبحلول سبتمبر (أيلول)، سار إلى موسكو، التي كانت في حينه مدينةً مهجورةً من السكان، خاليةً من الإمدادات التي تشتدُّ الحاجة إليها مع مرور الوقت.

لقد فشلت استراتيجيته بشكلٍ واضح، فقد احتلَّ نابليون المدينة لمدة شهرٍ في انتظار مبعوثٍ روسيٍّ يحمل إليه رسالة الإقرار بالاستسلام؛ وهو ما لم يحدث قَطّ.

كيف تنجح؟

بما أنَّ استراتيجية تايوان تحقِّق النتائج المرجوة، تمسكَّت الحكومة بالخطة. حتَّى 19 آذار، كان لدى البلاد حوالي 100 حالة إصابةٍ بالفيروس فقط، مقارنةً بجارتها الصينية التي سجَّلت 81000 إصابة؛ وبعد ذلك بيومٍ واحد، ظهرت 27 حالةً جديدة، مع الإبلاغ عن حالاتٍ جديدةٍ كلَّ يومٍ منذ ذلك الحين.

ماذا حصل؟ سُجِّلت معظم الحالات الجديدة من المسافرين العائدين.

لقد تغيَّر الواقع؛ لذا نصحت حكومة تايوان على الفور مواطنيها بعدم السفر إلى الخارج، ويبدو أنَّ قلَّةً من الناس فاتتهم المذكِّرة الأصلية، وباتت عاصمة تايوان على شفا الإغلاق التام، وحُظِرت عمليات النقل الجوي عبر المطارات في البلاد. لم تغيِّر الدولة استراتيجيتها بشكلٍ جذريٍّ حتَّى الآن، ولكن سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان الوضع سيتغيَّر إذا لم يكن بالإمكان التحكُّم بازدياد الحالات الجديدة.

إقرأ أيضاً: نصائح لأصحاب العمل للتعامل مع فيروس كورونا

6. كُن قدوة:

لا يوجد ما هو أفضل من أزمةٍ تكشف عن شخصية القائد الحقيقية. بالنسبة إلى الأشخاص الشرفاء، فإنَّهم يُظهِرون الرحمة والنزاهة والشجاعة؛ أمَّا الأشخاص غير الأخلاقيين فيستغلُّون الوضع ويبدأون باكتناز المواد الغذائية والإمدادات لبيعها بأرباحٍ مضاعفة.

إذا كنت تريد أن تقود نفسك وفريقك بنجاحٍ خلال أزمة، فأنت بحاجةٍ إلى أن تكون قدوةً للآخرين.

كيف تفشل؟

بحلول تشرين الأول 1812، كان نابليون قابعاً في موسكو لمدة شهرٍ في انتظار استسلامٍ لم يأتِ أبداً، وكان سكان المدينة قد هجروها، وكانت قد حُرِقَ ثلاثة أرباعها ونُهِبَ بالكامل.

لذا انسحب نابليون، وتضاءل جيشه إلى مئة ألف رجلٍ فقط، ومع اقتراب فصل الشتاء القاسي، وتوقُّع هجومٍ مضادٍ من قبل الجيش الروسي، اتخذَّ نابليون القرار الكارثي: الفرار. وعندما عاد الروس إلى المدينة، وجدوا أنَّ الفرنسيين قاموا بتفجير الكرملين، ودنَّسوا الكنائس، وتركوا الموتى دون دفنٍ في الشوارع.

وفي منتصف طريق العودة إلى فرنسا، أثارت أنباءٌ عن انقلابٍ حاصلٍ في باريس ذعر نابليون، فتخلَّى عن جيشه في سبيل الوصول بسرعةٍ إلى فرنسا لحماية عرشه. إنَّ التردد والجبن والتهور ليست صفات جيدةً للقائد، وتصرُّف نابليون سحق معنويات جنوده بلا شك، وأدى إلى تفاقم الأزمة.

كيف تنجح؟

إنَّ القادة الجيدين لن يتردَّدوا أو يخافوا أو يتخلُّوا عن القوَّات في الأزمات؛ بل يُظهِرون الهدوء، ويتواصلون بوضوح، ويستمعون إلى فريقهم، ويلهمونهم، ويعترفون بالمسؤولية عن الأخطاء.

لم تخبر القيادة التايوانية جمهورها بأنَّ أخبار انتشار فيروس كورونا ستكون سريَّة. في الحقيقة كانوا صريحين حول الوضع، وفي وقتٍ مبكرٍ بدأ كلٌّ من وزير الصحة ونائب الرئيس -الذي يعمل في علم الأوبئة لحسن الحظ- في عقد جلسات إحاطةٍ صحفيةٍ يومياً، وأصدر مكتب الرئيس تحديثاتٍ منتظمة.

وعلى عكس الكثير من السياسيين في جميع أنحاء العالم، تولَّى وزير الصحة التايواني شخصياً قيادة مركز القيادة المركزية للوباء في البلاد؛ وهذا خير مثالٍ للقائد الجيد.

إنَّ إعطاء مثالٍ عمليٍّ يحتذي المواطنون به لا يمنحهم تعليماتٍ واضحةٍ، إنَّما يقلِّل فقط من انتشار الفيروس؛ لذا عليك أيضاً الحفاظ على معنويات المواطنين، لذا ستكون تعليقات الاستحسان من قبل الحكومة جيدةً جداً حينها.

هذه هي فرصتك:

لا أحد يرغب بهذا الوباء العالمي، حتَّى أنَّ أسوأ الأعداء وجميع الناس الطيبون في العالم يحزنون على هذه الوفيات المتزايدة، ونتمنَّى كلُّنا أن ينتهي الكابوس. ومع ذلك فنحن هنا في منتصف أكبر أزمةٍ منذ مئة عام، وسواءً أحببنا ذلك أم لا، سوف تُظهِر هذه الأزمة كلَّ واحدٍ منَّا على حقيقته.

هل نحن حزينون وجبناء؟ إنَّ كلَّ شخصٍ منَّا يجلس على مؤونته من الأطعمة وورق الحمام، حتَّى من هم في قمة التطور.

يمكن لكلِّ واحدٍ منَّا أن يختار أن يكون قائداً بطريقته الخاصة، وفي مجالات نفوذه.

الآن، لديك خارطة الطريق؛ لذا أظهِر للعالم أنَّك جاهزٌ للاختبار.

 

المصدر




مقالات مرتبطة