كيف تُكوّن علاقات عميقة مع الآخرين خلال فترة قصيرة؟

إنَّ تكوين الصداقات وبناء العلاقات ليس بالأمر الهيِّن على معظمنا، إذ غالباً ما تكون المشكلة في الذهاب أبعد من حدود المحادثات التقليدية، على غرار: "مرحباً، كيف حالك اليوم؟" أو "إنَّ الطقس سيء، فلنأمل أن يتحسّن في عطلة نهاية الأسبوع". في حين أنَّ هذه الجمل تؤدي على الأقل إلى إجراء محادثة مع شخص ما، إلا أنَّها غالباً ما تعود عليك بردٍّ يقتل باب الحديث في أوله. مثل: "أنا بخير" و"لا بدَّ أن يتحسن الطقس في عطلة نهاية الأسبوع". إذا ما وجدت نفسك في هذه المرحلة أسيراً لمثل تلك العبارات، فأنت بحاجة إلى أن تتعلم كيف تعزز مهاراتك الشَّخصية.



إذا كنت ترغب في استمرار المحادثة، فيجب أن تجعل الأمر أشبه بلعب تنس الطاولة:

إن سبق لك ولعبت تنس الطاولة، فستتمكن على الأغلب من فهم فنِّ "الإفصاح عن النفس" بسرعة.

فمثلاً، عند لعب تنس الطاولة مع أحد الأشخاص، سوف تنخرط بشيءٍ أشبه بالفعل ورد الفعل معه. هذا مشابه لطريقة بدء المحادثات واستدامتها. إذ يطرح أحد الأطراف فكرة أو سؤالاً، ويقوم الطرف الآخر بتقديم تعليقات أو إجابات. والإفصاح عن الذات يتبع نفس النمط.

فمثلاً؛ تذهب لتناول الغداء مع زميل جديد، وبعد الحديث عن الطعام تنفذ منك الأمور التي يمكنك الحديث عنها. في هذه الحالة، يمكنك الانتقال إلى وضع الإفصاح عن النفس وقول شيء مثل: "قد لا تصدق ذلك، لكنَّني أعمل هنا منذ أكثر من 10 سنوات. في الواقع، هذا هو أطول عمل عملت فيه على الإطلاق".

من خلال الإفصاح عن هاتين الحقيقتين الهامتين عن نفسك، من المحتمل جداً أن يختار زميلك الجديد مشاركتك شيء ما عن نفسه أيضاً. إذ من الممكن أن يردَّ عليك بقوله: "واو، 10 سنوات هي فترة طويلة. فقد دام أطول عمل لي مدةَ 6 سنوات فقط. إلا أنَّ زوجتي تعمل في نفس المكان منذ 12 عاماً. وهذا أطول من فترة زواجنا!".

إقرأ أيضاً: 10 عبارات لا تستخدمها أثناء حديثك مع الآخرين

لا تسدد ضرباتٍ ساحقة في بداية المباراة، بل ابدأ ببعض ضربات الإحماء أولاً:

بالعودة إلى مثالنا عن تنس الطاولة، فكر في ذلك الوقت الذي لعبت فيه ضد خصم جديد. إذا لم يكن ذلك أثناء مسابقة رسمية، فعلى الأغلب أنَّك قد أمضيت بضع دقائق في اللعب مع خصمك من أجل الإحماء. هذا من شأنه أن يسمح لكل واحد منكم بقياس أسلوب لعب الطرف الآخر، ومستوى مهاراته المحتملة... إلخ.

تشبه عملية التحمية تلك عملية الإفصاح عن النَّفس إلى حدٍّ كبير. إذ ينتقل الحديث السطحي إلى قضايا أعمق، ويبدأ كل طرف بالتدريج في الكشف عن المزيد من أحلامه ومخاوفه ومعتقداته إلى الشخص الآخر. وقد صنَّف علماء النفس هذا الحدث الطبيعي تحت مسمَّى الاختراق الاجتماعي (Social Penetration).

لكن يجب وبكل تأكيد، إيجاد توازن ما بين الانفتاح والتقارب. فقد لا ترغب مثلاً في الإفصاح عن تفاصيل حميمية لأحد معارفك الجدد، إلا أنَّك قد ترتاح لفكرة القيام بذلك مع صديق قديم.

إقرأ أيضاً: ماهي حركات الجسد التي يجب تجنبها أثناء التواصل مع الآخرين؟

اعرف بعد بضع جولات من اللعبة، فيما لو كنت أنت وخصمك شركاء لعب جيدين:

بعد عملية الإحماء، تبدأ لعبة تنس الطاولة عادة في الانتقال إلى مستوى أكثر جديَّة. إذ في هذه المرحلة، ستُخرِجُ أنت وخصمك ما في جعبتكما من تقنياتٍ في اللعب. بمعنىً آخر، ستبدآن في أن تصبحا أكثر تقارباً وتواصلاً مما كنتما عليه خلال مرحلة الإحماء. كما ستكتشفان أيضاً فيما لو كنتما شريكا لعبٍ جيدَين أم لا.

تعكس مهارات التواصل بين الآخرين (interpersonal skills) ما سبق. إذ وبمجرد ما إن تصل إلى عمق معين من الحديث أثناء الإفصاح المتبادل عن النفس، سوف يتضح وبسرعة فيما لو كان بإمكانكما أن تصبحا أصدقاء مستقبلاً.

ستتخذ هذا القرار غريزياً، وذلك بناءً على مقارنتك بين معتقدات الشخص الآخر وقيمه ومكانته الاجتماعية -على سبيل المثال- ونظيراتها لديك. وهو ما يعرف باسم نظرية المقارنة الاجتماعية (Social Comparison Theory).

قم بممارسة ذلك أينما ذهبت:

الكشف عن الذات ليس أسهل شيء تقوم به. إذ يتطلب الأمر في بعض الأحيان الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك. ومع ذلك، فإنَّ النتائج تستحق الجهد المبذول فيها. إذ ستنشئ صداقات أسرع وأسهل. وستعرف أيضاً متى يمكنك أن تنقل الصداقة العابرة، إلى علاقة أعمق وطويلة الأمد. سواءً أكان ذلك من الناحية الرومنسية أم الأفلاطونية.

لقد قدمنا لك الكثير من المعلومات في هذه المقالة. ولمساعدتك على تذكر النقاط الرئيسية والعمل عليها، قمنا بإدراجها لك أدناه:

  • الإفصاح الذاتي (الكشف عن النفس) ضمن المحادثة هو أمرٌ متبادل.
  • عندما تتعرف على شخص ما، قدِّم بشكلٍ تدريجي مستويات أعمق من الإفصاح الذاتي.
  • حدد مدى قابلية التوافق "matchability" عبر الاستماع إلى الآراء والاهتمامات والقيم التي يكشفها لك الآخرون.
  • كن جاهزاً للمواءمة ما بين كلامك ومستوى الإفصاح عن الذات، من أجل أن تتوافق أنت والشخص الذي تتكلم معه.

عندما يكون لدينا صداقة حميمة أو علاقة مع أحدهم، يصبح الكشف عن الذات أمراً طبيعياً في نهاية المطاف. ونرغب عندئذٍ في أن نخبرهم عن آمالنا وأحلامنا، مع الرغبة في أن نستمع إليهم في المقابل.

لذا وفي المرة القادمة التي تفتقر فيها إلى الأمور التي يجب أن تقولها لأحد معارفك الجدد، دع الإفصاح عن الذات يرشدك للسَّبيل إلى ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة