كيفَ تكون أكثر حزماً؟

تعلَّمتُ الحزم من والدتي؛ فهي دوماً ما تعبِّر عن مشاعرها وأحاسيسها، وتستطيعُ الرفضَ بسهولةٍ حين يستلزم الأمرُ، وتتصرَّف دوماً فيما يصبُّ في مصلحة عائلتها، كما أنَّها تفكِّر في مصلحة الجميع، فهي أكثر شخصٍ حازم عرفتُه في حياتي، ولا يمكن لأحدٍ أن يستغلَّها، وحتَّى إن حاول أحدُهم ذلك فلن تسمحَ بذلك وسيندمُ حقاً على فعلته.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية الحزم لمصلحة الشخص والمجتمع، وكيفية تحقيق ذلك.

يُعَدُّ كلٌّ من "روبرت إي. ألبيرتي" (Robert E. Alberti) وَ"ميخائيل إل. إيمونز" (Michael L. Emmons) الخبيرَين الرئيسين في مجال الحزم، ويُعد كتابهما "حقُّك الكامل" (Your Perfect Right) الذي نُشِرَ لأول مرةٍ عام 1970 عملاً فذَّاً ونموذجياً عن هذا الموضوع؛ إذ يعرِّفان السلوك الحازم على النحو الآتي: "الحزم أو تأكيد الذات هو سلوكٌ يمكِّنُ الإنسان من التصرُّف بما يخدم مصالحه الفُضلى والدفاع عن نفسه دون قلقٍ زائد وغير مُبرَّر والتعبير عن مشاعره الصريحة والصادقة بكل سهولة، أو ممارسة حقوقه دون إنكار حقوق الآخرين".

بصورة عامة توجد ثلاثة أنواع للسلوك، وهي:

1. السلوك السلبي:

يتَّصف صاحبُه بأنَّه مُخادع ومُحتال وكاذب وغير مُباشَر في علاقته مع الآخرين، ولا يتولى زمام شيء أو يسيطر على أي أمر، ويحافظ على لُطفه في جميع الحالات مهما تطلَّب الأمر، ويركِّز على الآخرين.

2. السلوك الحازم:

يتميَّز صاحبُه بأنَّه شخصٌ مُباشَر وصادق وصريح، ويحترم ذاتَه ويقدِّرُها، ويتطرَّق إلى صُلب الموضوع مباشرةً، ويركِّز على نفسِه لتطويرها، ويحترم الآخرين.

3. السلوك العدواني:

صاحبُه شخصٌ مؤذٍ ومستعدٌّ للفوز أو الربح بأي ثمن مُتَّصِفاً بالأنانية أو مركزية الذات، ويجد دوماً مسوغات لأساليبه ووسائله الدنيئة التي يستخدمها لبلوغ غاياته، ويرغب كذلك في التحكم بالآخرين.

إن راقبتَ المجتمع الذي نعيشُ فيه حالياً لوجدتَ أنَّ مُعظَم تصرُّفات أفراده تحدث في الحدود القُصوى للأنواع الثلاثة السابقة، وأريدُك أن تسأل نفسَك عن عدد المرات التي كذب عليك الآخرون فيها سواء أكان ذلك في المنزل أم في العمل أم في علاقاتك مع أصدقائك، وستجدُ عندَها أنَّ ذلك ليس دائماً؛ لأنَّ بعضَ الناس لديهم نيَّات شريرة فعلاً، وقد يقولون الحقيقةَ المؤلمة والجارحة أمامَك دون اكتراثٍ بمشاعرك؛ بل تواجه الكذبَ غالباً لأنَّ مُعظَم الناس يتَّبعون سلوكاً سلبياً؛ إذ يخافون من المواجهة ويفضِّلون الكذب للتهرُّب منها.

لكن يوجد أيضاً كثير من الأشخاص العدوانيين في مجتمعنا؛ إذ يُقال إنَّ العدوان يصبح أكثر انتشاراً وشيوعاً في العالم في الوقت الحالي، ولا أعرفُ شيئاً عن هذا الأمر صراحةً؛ لكنَّني أعلم أنَّه لا أحد يرغبُ في الاقتراب من الأشخاص العدوانيين.

لذا وبصورة مثالية ستجدُ نفسَك ترغبُ في أن تكون في المُنتصَف؛ فتُظهِرَ الاحترام للآخرين وتكون شخصاً مُحترَماً وحازماً وغيرَ عدواني، وهو ما يدور حولَه الاعتدادُ بالنفس.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح تعلّمك الحزم والدفاع عن نفسك بطريقة ذكية

مثال عن الحزم:

إن كنتَ ترغبُ في أن تصبح أكثرَ حزماً عليك أن تتدرَّب على ذلك؛ فالأمر مُماثلٌ لأي شيءٍ تريد تحسينَه وتطويرَه في حياتك، وأفضلُ طريقةٍ للتدرُّب على الحزم تكون في أثناء تعامُلك مع الأشخاص العدوانيين وفي مواقف المُواجَهة؛ لذا في المرة القادمة التي تتعرض فيها لموقف مُجهِد أو باعث للتوتر والضغط النفسي أو حين يتحتم عليك التعامل مع شخصٍ عدواني، انفصِلْ عن ذلك الشخص أو الموقف وقُلْ لنفسك إنَّك تراقب الموقف فقط ولستَ ضمنَه.

عليك أن تحرصَ على عدم التورُّط عاطفياً في هذا الموقف أو مع ذلك الشخص، وهذا هو الشيء الأكثر أهميةً إن كنتَ تريد أن تصبح أكثر حزماً، وبمُجرَّد أن تفصلَ نفسَك ستجد أنَّك تتطرق إلى صُلب الموضوع وتصل إلى هدفك مباشرةً.

أنا أعلمُ أنَّ ذلك يبدو مُبهَماً وغير واضح؛ لذا سأورد مثالاً لتوضيحه من خلال موقفٍ حصل لي شخصياً؛ فقد اتصلتُ منذ بضعة أيام بشركة البناء التي كان من المُفترَض أن تُصلِح مشكلة التسرُّب التي كنتُ أعانيها في شقَّتي، وقد حاول الرجل الذي ردَّ على اتصالي أن يتجاهلني ولم يُحاوِلْ إخفاء ذلك؛ بل أخبرَني بأنَّه ليس لديهم عمالٌ لإصلاح مشكلتي في الوقت الحاضر ولم يُعطِني معلومات دقيقة عن موعد إصلاحها.

لذا توقَّفتُ لبُرهةٍ وفصلتُ نفسي عن الموقف وأدركْتُ أنَّه ليس موقفاً يمسُّني شخصياً وقلتُ له: "ما الذي يُفترَض بي أن أفعلَه؟ هل أدع كلَّ أغراضي تبلى حين تهطل الأمطار؟ ماذا كنتَ لتفعل لو كنت مكاني؟" واستمرَّ الأمرُ على هذا النحو لفترة من الوقت حتَّى أقنعتُه ووافق أخيراً على القدوم لإصلاحها بنفسه ليَحْضُرَ إلى شقتي بعد ساعتَين ويُصلح التسرُّب وتنحلَّ المشكلة.

فنحن غالباً ما نصعِّد المواقف التي ليسَت سيئةً بالضرورة، ونزيد من حدَّتها دون داعٍ، ويعود سببُ ذلك إلى سماحِنا لها بأن تمسَّنا شخصياً وتحرِّك عواطفَنا، لكن علينا أن نُدرك بأنَّ الآخرين لديهم مشكلاتهم التي يُعانون منها أيضاً وليس الموقف الذي نمرُّ به معهم شخصياً أبداً.

أحياناً نفعلُ خلاف ذلك تماماً؛ إذ نبذل كلَّ ما في وُسعِنا؛ كي لا نصعِّد المواقف التي نتعرَّض لها، لكنَّ ذلك يضرُّ بمصالحنا فقط دون أن يعود علينا بأي فائدة؛ فلو حدثَ معي الموقفُ السابق في الماضي، كنتُ لأقبلَ بالواقع وأسألهم عن أقرب موعدٍ يمكنهم إرسال شخصٍ لإصلاح مشكلتي، ومن ثمَّ كان عليَّ الانتظار، وهو ما يمثِّل السلوك السلبيَّ النموذجي.

لذا عليكَ أن تكون حازماً لتحصل على ما تريده في هذا العالم، ولا أقصد أن تتصرَّف كشخصٍ متنمِّرٍ (التنمُّر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء مُوجَّه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة أضعف)، وإنَّما عليك أن تكون متطلِّباً بعضَ الشيء؛ فأنا أنظرُ إلى الحزم على أنَّه صدقٌ وصراحة، فقد كنتُ صادقاً مع ذلك الرجل ببساطة إذ كنتُ أعاني مشكلةً تحتاج إلى حل.

إقرأ أيضاً: ما هو الحزم ولماذا هو هام؟

الأمرُ يتعلَّق بالتدرُّب والممارسة:

حين نصبح أكثر حزماً علينا أن نحذر بشأن عدم المبالغة في ذلك وإلَّا فإنَّنا نخاطر بأن نتحول إلى أشخاصٍ عدوانيين أو مُسَيطرين أكثر من اللازم، وقد أظهرَت الأبحاث الحديثة أنَّ القادة غير الرسميين كانوا يتمتَّعون بقدرٍ أكبر من الإعجاب والاحترام حين كان لديهم مقدار مُعتدِل من الحزم والودّ واللُّطف.

هذا صحيحٌ ودقيق جداً؛ فحين نكون لطفاء للغاية نخاطرُ بالتعرُّض للاستغلال من قبل الآخرين، وحين نكون عدوانيين كثيراً ندفع الناس للابتعاد عنا، لكن عندما نكون صريحين ومُباشَرين في علاقتنا مع مَن حولنا ونحترمهم في الوقت نفسِه، سنتمكن من تحقيق كثير من الإنجازات معاً.

لسوء الحظ فإنَّك لن تصبح أكثر حزماً إلَّا من خلال أن تكون فعلاً شخصاً حازماً وتتدرَّب على ذلك في جميع المواقف التي تتعرض لها، وما سيُساعدك على ذلك هو النظرُ إلى كل موقفٍ اجتماعي على أنَّه تفاوض لتحصل على ما تريد.

إقرأ أيضاً: تعلم الحزم والدفاع عن نفسك بطريقة ذكية

في الختام:

أوصي بشدة بقراءة كتاب "لا تتنازَلْ أبداً" (Never Split The Difference) للكاتب "كريس فوس" (Chris Voss)، وقد تعلَّمتُ تقنيةَ أو طريقةَ "كيف من المُفترَض بي أن أفعل ذلك؟" من هذا الكتاب؛ وهي عبارةٌ عن سؤال يمكنك طرحه على الناس حين يقدِّمون لك اقتراحاً أو يعرضون عليك أمراً ما لا يُعجبك، وقد غيَّرتُه في الموقف الذي حصل معي إلى سؤالِ "ما الذي يُفترَض بي أن أفعلَه؟".

بهذه الطريقة تتمكن من وضع الكرة في ملعب الشخص الآخر وتجبره على اتِّخاذ الخطوة التالية وتقديم الحلول، وهي طريقة جيدة للغاية للتعامل مع المواقف الصعبة من خلال ترك الآخرين يدبِّرون الحلول بدلاً من إرهاق نفسِك، إلَّا أنَّ بعض الناس قد يحتاجون أحياناً إلى دفعةٍ بسيطة لتحقيق ذلك، وهذا بالضبط ما يمثِّله الحزم؛ فهو عبارةٌ عن دفعةٍ صغيرة في الاتجاه الصحيح.

المصدر




مقالات مرتبطة