كيف تقنع الآخرين بتطبيق نصائحك؟

وفقاً لدراسة أجرتها جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania) فإنَّ الأمور التي تفكِّر فيها قبل تلقي النصائح لها تأثير كبير في مدى تقبِّلك للنصائح.



إذ تقول المُعدِّة الرئيسة للدراسة "إميلي فاك" (Emily Falk): "توضِّح النتائج التي توصلنا إليها أنَّ أموراً بسيطة مثل التفكير في القيم الأساسية يمكن أن تغير جذرياً من الطريقة التي تستجيب بها أدمغتنا لما يخبرنا به الآخرون يومياً، ومع مرور الوقت يتضاعف هذا التأثير تضاعفاً هائلاً".

إذا كنت قد تجاهلت سابقاً نصيحة جيدة وندمت لاحقاً فقد يكون هذا هو السبب الذي منعك من قبول النصيحة على الرَّغم من أنَّها جيدة، وبالمثل إذا سبق لك أن قدمت نصيحة جيدة لأحدهم وتجاهلها فقد يكون هذا هو السبب وراء ذلك.

ما هو سبب تجاهلنا النصائح الجيدة؟

حتَّى بالنسبة إلى أكثر الأشخاص مرونةً فإنَّ الحياة هي كفاح مستمر من أجل السيطرة؛ فجميعنا يقضي معظم يومه في محاولة السيطرة على أفكاره والحفاظ على هذه السيطرة، ويتطلب الأمر كثيراً من الجهد لتضمن أنَّ جسمك يؤدي الأمور التي تريدها، وإضافةً إلى ذلك كله لديك كبرياء ونفوذ تريد أن تحافظ عليهما، وبصرف النظر عن هويتك فأنت تحب أن تشعر بأنَّك تملك زمام نفسك وتسيطر عليها، وتحب أن تشعر أنَّك قوي.

بصفتك إنساناً فإنَّ هويتك بحاجة إلى شعور وهمي بالسيطرة؛ لكنَّك لست خبيراً في كل شيء؛ لذلك تحتاج أحياناً إلى نصيحة من أحدهم لتساعدك على تحقيق النجاح في مجالات لا تعرف عنها أموراً كثيرة، وهنا تكمن المشكلة أنَّه كلما ازداد شعورك بالسيطرة زادت احتمالية تجاهلك للنصائح مهما بلغت أهميتها.

لقد أجرى فريق من الباحثين من جامعة واشنطن (The University of Washington) وهارفارد (Harvard University) وديوك (Duke University) عدة اختبارات على مجموعة من طلاب الجامعات، وفي جزء من التجارب قاموا بالثناء على بعض الطلاب قبل تقديم النصيحة لهم في سياق تخمين عدد من العملات المعدنية الموجودة في جرة بأكبر قدر ممكن من الدقة؛ فأدى الثناء والمديح الذي تلقاه الطلاب إلى تعزيز مشاعر السيطرة لديهم.

الأمر الذي أدى إلى الحد من قدراتهم على التفكير في النصائح الجيدة، حتَّى عندما لم يكن لديهم أي فكرة عمَّا كانوا يفعلونه وكانت النصيحة تأتي من شخص خبير وطيب القلب، وقد توصلوا إلى النتيجة نفسها مراراً وتكراراً من خلال عدد من الاختبارات التي تتحكم بالمتغيرات المختلفة؛ فالشعور بأنَّك تمتلك خبرة قوية في مجال ما هو أمر جيد، لكن اتضح أنَّه من الممكن أن يجعلك تبالغ في تقدير إمكاناتك لدرجة تتجاهل معها النصائح المفيدة.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة كي تحسن حياتك للأفضل

منطقة في الدماغ مسؤولة عن تقبُّل النصائح:

إذا كان هناك أحد يعرف كيف يعامل هذه الطبيعة البشرية أكثر من الآخرين فهم بلا شك الأطباء، لقد كرسوا حياتهم ليتعلموا كيف يساعدونك على أن تكون بصحة جيدة على الرَّغم من أنَّ معظم المرضى يقابلون نصائحهم بالتجاهل، وربَّما أنت أيضاً تجاهلت نصيحة أحد الأطباء.

غالباً ما تتجاهل النصيحة وتندم عليها بعد ذلك، ونظراً لأنَّ الأطباء يتعرضون كثيراً لهذه المواقف؛ فإنَّ لديهم كثيراً من الخبرة في التعامل معها؛ بمعنى أنَّهم يعرفون كيف يجعلون الأشخاص يقومون بالأمور المفيدة لهم.

كشفت إميلي فاك المُعدة الرئيسة لدراسة حديثة تناولت هذا الموضوع تحديداً عن تكتيك فعَّال بطريقة مدهشة، والشيء الذي تعلمته فاك هو أنَّ المريض الذي يتذكَّر الأمور ذات الأهمية الكبيرة في حياته قبل تلقي نصيحة من الطبيب، يكون غالباً أكثر استعداداً لتقبُّلها؛ والسبب في هذا يكمن في الآلية التي تعمل بها أدمغتنا.

تعمل هذه الآلية على النحو الآتي: عندما نفكِّر في الأمور الهامة في حياتنا يزداد نشاط قشرة الفص الجبهي البطني في الدماغ، وهذه المنطقة مسؤولة عن تقبُّل النصائح الجيدة، بالطبع لها وظائف أخرى لكن نحن نتحدَّث عن نشاطها بعد التفكير في الأمور الهامة في حياتنا، وكلما نشطت هذه المنطقة، زادت احتمالية تقبُّل نصائح الخبراء وتطبيقها.

من ثمَّ كلما ساعدت الآخرين على تذكُّر الأمور التي تعني لهم، ازدادت قدرتك على إقناعهم بتطبيق نصيحتك، وهذا أمر أساسي إذا كنت ترغب في بناء علاقات قوية مع الناس والحفاظ عليها.

إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن مهارات الإقناع

كيف تستفيد من هذه الحقائق في تقبُّل النصائح وإقناع الآخرين بنصائحك؟

ما ذكرناه يوضِّح أنَّنا نعيش جميعاً في مفارقة؛ فمن جهة من الجيد أن تشعر أنَّك قوي ومسيطر؛ فهذا يعزز سعادتك وقدرتك على النجاح، لكن من جهة أخرى كلما ازدادت ثقتك بقدراتك، ازدادت احتمالية تجاهلك للنصائح القيِّمة، وهذه النصائح هي التي ساعدتك على تحقق النجاح؛ لذلك أنت في مفارقة حقيقية.

إذاً يصبح السؤال: "كيف تبقى واثقاً بنفسك دون أن تفوت فرصة الاستفادة من النصائح الرائعة؟"؛ ببساطة خصص بعض الوقت يومياً للتفكير في الأمور الهامة في حياتك، الأمور القيِّمة التي عملت وتعمل بجد لتحقيقها، وبالمثل عندما تقدِّم المشورة أو النصيحة لأحدهم تذكَّر مدى أهمية جعلهم يفكِّرون في الأمور الهامة في حياتهم، فإذا كنت تريد حقاً مساعدة الآخرين فعليك أن تقدِّم النصيحة بطريقة تزيد من احتمالية اتباعهم لها.

اجعل الآخرين يفكِّرون في قيمهم الأساسية قبل تقديم نصيحتك وبذلك يربطون بين ما هو هام بالنسبة إليهم وبين نصيحتك، ربَّما لا أحد يعلم سبب نجاح هذه الطريقة في إقناع الناس؛ لكنَّها تنجح، ربما السبب وراء نجاحها هو أنَّه عندما يفكِّر الشخص في الأمور الهامة في حياته، فإنَّه تلقائياً يتطلع إلى الأهداف طويلة الأمد.

إقرأ أيضاً: كيف تحدِّد قيمك الشخصية لتعيشَ حياةً ملؤها الإنجاز؟

في الختام:

عندما تفكِّر في الحقائق المذكورة في هذا المقال، ستتأكد أنَّك لست خبيراً في كل شيء، وعدم امتلاكك للخبرة في كل شيء هو مجرد نقطة ضعف في قدراتك، ونقطة الضعف هذه ترممها النصائح الجيدة التي يقدِّمها لك الأشخاص الذين تثق بهم.




مقالات مرتبطة