كيف تقف في وجه الأشخاص المتلاعبين؟

يعدُّ الأشخاص المتلاعبون من أصعب أنواع الناس الذين نواجههم في الحياة، وما يصعِّب التعامل معهم للغاية هو أنَّهم لا يدركون ذلك، ويعيشون حياة مليئة بالكذب والخداع، فيختلقون القصص ليجعلوا من أنفسهم مركزاً للحياة، وليبرروا معاملتهم للناس من حولهم على أنَّهم غير هامين.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون جاستن براون (Justin Brown)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته الخاصة كشخص متلاعب.

هل تتساءلون كيف أعرف ذلك؟

لقد كنت يوماً شخصاً متلاعباً، ولم أكن أعلم قط أنِّيَ كذلك، واعتقدت أنَّ غايتي تبرر سلوكي، وآمنت بتفوقي على الآخرين؛ وقد برر هذا كلَّ سلوكات التلاعب التي قمت بها.

لقد تعلمت خلال السنوات القليلة الماضية بعض الدروس الهامة في الحياة، والتي أعادتني إلى الواقع، وصرت أكثر نضجاً عاطفياً بفضلها؛ ممَّا دفعني إلى عيش حياتي بشكلٍ مختلفٍ تماماً.

يمكنني الآن التعرف على الأشخاص المتلاعبين وفهم عقلياتهم، وقد حددت 10 سمات نموذجية لهم، وتعلمت بعض الاستراتيجيات الفعالة للتعامل معهم في الحياة؛ وهذا ما سأورده في هذا المقال؛ لذا فلنبدأ ذلك.    

عقلية المتلاعبين:

الشيء الأساسي الذي يجب أن تعرفه عن الشخص المتلاعب هو أنَّه شخص معجب بنفسه بشدة؛ وهكذا اعتدت أن أكون، نرجسياً بالخفاء، وقد صدَّقت في أعماقي أنَّني أفضل من الناس المتواجدين حولي.

كان لدي قدر هائل من الثقة بالنفس، حيث كنت أدرس لنيل شهادة الدكتوراه، ومُنِحْتُ زمالة مرموقة من قبل المفوضية الأوروبية، وكانت لدي خلفية أكاديمية رائعة؛ لذا شعرت أنَّني أستطيع تحقيق أيِّ شيء أطمح إليه.

جعلتني مؤهلاتي الأكاديمية أعتقد أنَّني أذكى من الآخرين، وقد عزز اتساع رؤيتي غروري، وبرر وهم تفوقي.

كانت سلوكاتي المتلاعبة خفية؛ فقد كنت أنانياً، وأرى الآخرين كأدوات لتحقيق خططي، وكنت أركز انتباه الناس على رؤيتي بدلاً من أفعالي، وألعب دور الضحية عندما تسوء الأمور.

غالباً ما يكون للأشخاص المتلاعبين تجارب مماثلة لتجربتي، وقد لا يكون ما يبرر وهم تفوقهم هو النجاح الأكاديمي؛ لكن سيكون هناك شيء في ماضيهم يعطيهم مبرراً للاعتقاد بأنَّهم أفضل من الآخرين؛ فربَّما قد تربوا على الاعتقاد بأنَّهم أكثر تميزاً من الآخرين، أو أنَّهم قد برعوا في الرياضة في المدرسة، أو حصلوا على ترقية في سنٍّ مبكرة، وغيرها.

لا يهم ما هم عليه، فغالباً ما يكون لديهم عنصر أساسي جوهري في القصة التي يقصونها عن هويتهم، والذي يدفعهم إلى الاعتقاد بأنَّهم في مكانة أرقى.

عندما تعيش حياتك وأنت تنظر إلى الناس من حولك بتعالٍ، تكون سلوكات التلاعب نتيجة طبيعية لذلك.

المشكلة هي أنَّه عادةً ما يكون اعتقادهم هذا متجذراً فيهم بعمق، بحيث لا يمكنك توضيحه لهم؛ فلو حاول شخصٌ ما أن يشرح لي أنَّني كنت متلاعباً، لسخرت منه، ولشرحت له أنَّ العمل الذي كنت أقوم به هامٌّ للغاية، وسينتفع منه العالم أجمع.

هذا حال الأشخاص المتلاعبين عادة، حيث يجدون طريقةً لتبرير الدور المركزي الذي يلعبونه في قصتهم، وهذه هي النقطة الأساسية الأولى التي أريدكم أن تفهموها؛ فإذا كنت تواجه أشخاصاً متلاعبين في حياتك، فعادةً ما يكون توضيح أنَّهم متلاعبون مَهمَّةً صعبةً للغاية.

أمَّا كيف تمكَّنت من معرفة أنَّني شخصٌ متلاعب، وأنَّ عليَّ أن أغير طريقة تفكيري، فسأسرده لاحقاً؛ لكن أولاً، دعونا نخوض في السمات العشر النموذجية للشخص المتلاعب حتى نعرف كيفية تمييزه.

10 سمات نموذجية للشخص المتلاعب:

يكون اهتمام الشخص المتلاعب بك متعلقاً بأهمية شخصيتك في قصته الخاصة؛ فهو يريد أن يجعلك مشاركاً في خططه رغماً عنك.

أنا لا أدعو هنا إلى تصنيف الأشخاص في حياتك على أنَّهم "أشخاص متلاعبون"، لكنَّني أشاركك هذه السمات العشر حتى تتمكَّن من تحديد سلوكات شخص متلاعب يلبي احتياجاته الخاصة على حسابك. وعندما تلاحظ أنَّ شخصاً ما يُظهِر أيَّاً من هذه السمات العشر، احترس، وانتبه إلى ما يحدث كي تقي نفسك منه.

فيما يأتي 10 سمات نموذجية يجب البحث عنها لتتأكد أنَّك تتعامل مع شخصٍ متلاعب:

1. يعتقد أنَّ نهجه هو النهج الصحيح الوحيد:

يشرح "لاتشلان براون" (Lachlan Brown) هذا جيداً، فيقول: "يميل الشخص المتلاعب إلى الاعتقاد أنَّ نهجه هو الأفضل، لدرجة أنَّه لن يفكر حتى في البدائل الأخرى".

قد تشرح له فائدة اتباع نهج مختلف، وقد يفكر فيه لبعض الوقت؛ لكنَّه سيجد دائماً سبباً لكون نهجه هو النهج الصحيح.

2. يملك خبرة في فن الخداع:

سيكذب المتلاعب دون التردد للحظة واحدة، والمشكلة أنَّه يصدق أكاذيبه التي تشكل مجتمعة القصة التي يرويها عن الحياة التي يعيشها.

يكذب الناس لأنَّهم يخافون من عواقب الرفض الاجتماعي؛ لكنَّ الكذب هنا لا يتجلى في عدم قول الحقيقة فحسب، بل وفي إهمال أجزاء هامة من المعلومات التي ربَّما تساعدك في التوصل إلى قرار مدروس.

شاهد بالفيديو: 11 طريقة لكشف الكذب عبر لغة الجسد

3. سيجد طريقة لنسب أفكارك إلى نفسه:

سيدفعك إلى التحدث عن خططك أولاً، وسيجد طريقةً لدمج ما قلته للتو في شرحه لما يجب أن يأتي لاحقاً؛ وهو يفعل هذا لأنَّ لديه اعتقاداً راسخاً بأنَّ طريقته في التفكير تتفوق على طريقة تفكيرك؛ وحتى لو سمع شيئاً جديداً منك، فلن يعترف بالأصالة في اقتراحك؛ ذلك لأنَّه يؤمن بأنَّه قد فكر بالفعل في ذلك من قبل.

4. يلعب دور الضحية، ويجعلك تبدو وكأنَّك من تسبب بالمشكلة:

يقع هذا الخطأ عادةً على عاتقك، وليس على عاتقه هو؛ فهو لن يتحمل تبعات ما يحدث، وستشعر أنت بالذنب بسبب ذلك.

إقرأ أيضاً: دور الضحية

5. لا يتحمل مسؤولية أفعاله:

هذا أحد الدروس الأساسية التي تعلمتها عن الشخص المتلاعب؛ فهو يؤمن بشدة بتفوقه، لدرجة أنَّه لن يتمكن من إجراء نقدٍ ذاتيٍّ لأفعاله.

إنَّ تحمل المسؤولية واحد من أهم خصائص الشخص الناجح، إلَّا أنَّه شيءٌ يصعب على الشخص المتلاعب القيام به.

6. يركز على نواياه بدلاً من التركيز على أفعاله:

هذا درس هام آخر تعلمته عن الحياة: "إنَّ أفعالك أكثر أهمية من نواياك"؛ لكن غالباً ما يخدعك الشخص المتلاعب بالتركيز على ما يقول أنَّه سيفعله بدلاً من التركيز على ما يقوم به فعلاً.

عندما تعرف أنَّ هذه إحدى السمات النموذجية للشخص المتلاعب، تستطيع توجيه تركيزك إلى ما يفعله؛ فالتركيز على أقواله بدلاً من أفعاله هو الطريقة الأكيدة للانخراط في أكاذيبه وخداعه.

7. يُحمِّلك مسؤولية مشكلاته:

فكر في هذا إذا كنت تتعامل مع شخصٍ تعتقد أنَّه يتلاعب بك: كم مرة غادرت محادثة وأنت تشعر بالسوء للتسبب بمشكلةٍ في حياته؟ سيفعل الشخص المتلاعب كلَّ ما في وسعه لتجنُّب تحمُّل مسؤولية مشكلاته الخاصة.

8. سيجعلك تبرر أخطاءه:

ربَّما ارتكب المتلاعب أخطاء في الماضي أدت إلى نتائج سلبية معك؛ وعوضاً عن تحمل المسؤولية، سيجد طريقةً تجعلك تبرر سبب حدوث الخطأ، بحيث لا يشعر بالذنب حول ذلك.

9. يتلاعب بعواطفك:

سيُشعِرك بالسوء تجاه عواطفك الخاصة، نظراً إلى أنَّك لا تتحكم كثيراً بمشاعرك؛ وإذا أدرك أنَّك شخص عاطفي، سيستخدم ذلك ضدك.

10. يحمُّل الآخرين مسؤولية الأشياء السيئة، ويدَّعي مسؤوليته عن الأشياء الجيدة:

عندما يحدث شيء سيئ، فهذا ليس خطأه أبداً، وسيجد طريقةً لتوجيه أصابع الاتهام إلى شخصٍ آخر؛ ولكن عندما يحدث شيءٌ جيد، فهو دائماً جزءٌ من خطته الكبرى.

إقرأ أيضاً: الابتزاز العاطفي: علاماته، وأشكاله، وكيفية مواجهته

كيف نقف في وجه المتلاعبين؟

يبتكر المتلاعبون قصة عن تفوقهم، ويريدون جعلك مجرد شخصية في هذه القصة.

ربَّما لا يفعلون ذلك عن عمد، لكنَّهم يطورون مع مرور الوقت مجموعة من المعتقدات التي تغذي اعتقادهم بأنَّ قصتهم تفوق قصتك أهمية، وتعمل هذه المعتقدات بلا إدراك منهم؛ ممَّا يعني أنَّهم لا يفكرون فيها عمداً.

لذلك لن تجد فائدة تُذكَر من محاولة تغيير سلوكات الأشخاص المتلاعبين؛ لذا عليك بدلاً من ذلك أن تستغل الفرصة التي يمنحونها لك للدفاع عن نفسك.

فيما يأتي ثلاث خطوات أقترح عليك القيام بها للدفاع عن نفسك في مواجهة سلوكات التلاعب:

1. تعرَّف على سلوكات الشخص المتلاعب:

لقد شاركت السمات العشر النموذجية للأشخاص المتلاعبين أعلاه حتى تتمكن من التعرف على سلوكات التلاعب والاحتراز منها.

ليس الهدف تصنيف الأشخاص في حياتك على أنَّهم "متلاعبون"، فقد يتصرف أيُّ شخص بطرائق استغلالية أحياناً؛ لكن من الهام التعرف على سلوكات التلاعب حتى تعرف متى تدافع عن نفسك.

عندما تلاحظ أنَّ شخصاً ما يتصرف بطرائق متلاعبة، فسيكون لديك الفرصة لتعرف أنَّ هذا الشخص قد ابتكر قصة عن كونه متفوقاً، ويمكنك اختيار عدم المشاركة فيها.

يجب عليك أن تركز على قصتك أنت، ولا يهم حتى لو لم تنشئها بعد؛ إذ يكفي تحويل تركيزك إلى ذاتك بدلاً من محاولة تغيير سلوك ذلك الشخص.

2. اغضب من ذلك، واستخدم غضبك لتغذية طاقتك الشخصية:

الخطوة الثانية هي أن تغضب.

سيحذر معظم الناس من الغضب؛ ذلك لأنَّهم ينظرون إلى التعبير عن الغضب على أنَّه علامة على فقدان السيطرة؛ والنتيجة هي أنَّهم ينكرون حقهم المشروع في الشعور بالغضب.

عندما تحرم نفسك من شعور الغضب، تصبح شخصاً يسهل التلاعب به وتوجيهه إلى الشعور بالذنب، وينتهي بك الأمر بأن تصبح مجرد شخصية في قصص الآخرين؛ لهذا السبب، أقترح أن تغضب، حيث يمكن لغضبك أن يغذي طاقتك الشخصية.

إنَّ السماح لنفسك بالشعور بالغضب هو الطريقةُ الأكثر فاعلية للبدء بابتكار قصتك التي تكون أنت شخصيتها المركزية؛ لذا اغضب عندما تكون عرضةً إلى التلاعب، واستخدم غضبك للتركيز على نفسك بدلاً من التركيز على الشخص الآخر.

3. ركِّز على قصتك وتجربتك في الحياة:

يقودنا هذا إلى الخطوة الحاسمة التي يجب اتخاذها، فقد حان الوقت الآن للتركيز على القصة التي ترويها لنفسك حول حياتك.

إذا كنت منزعجاً من الأشخاص المتلاعبين في حياتك، فمن المحتمل أن تكون هذه إشارة إلى أنَّك تركز على الآخرين أكثر ممَّا تركز على نفسك؛ وهذه علامة ضعف، والطريق الأكيد لاستنزاف طاقتك الشخصية.

استخدم إحباطك الناتج عن التلاعب بك كمصدر إلهام للتركيز على قصتك الخاصة، واغضب بسبب هذا، وحول انتباهك إلى ذاتك.

لقد كنتُ شخصاً متلاعباً في الماضي، ولم يكن في نيتي أن أكون كذلك، وأدركت أنَّني متلاعب عندما لاحظت سلوكات التلاعب لدى الآخرين، وبدأت أرى كيف استخدموني كشخصيات في قصتهم، فأصبحت القصة التي رووها عن أنفسهم أكثر أهمية من قصتي.

وبدلاً من توجيه إحباطي نحوهم، استخدمت غضبي كوقود لأركز على نفسي، وأدركت أنَّني صنعت قصتي؛ ممَّا أدى إلى جعلي شخصاً متلاعباً، تماماً مثل الأشخاص الذين شعرت بالإحباط بسببهم.

القصة التي أخبرها لنفسي الآن أكثر دقة؛ فقد توصلت إلى إدراك أنَّ حياتي بسيطة للغاية، وثمَّنت علاقاتي، واستطعت ببساطة أن أكون شخصاً يضيف قيمةً إلى حياة الآخرين من حولي، وفهمت أنَّني سأحقق هدفي في الحياة من خلال مساعدة الآخرين أكثر من العيش لنفسي فحسب.

أفكار أخيرة:

يقودني هذا إلى النقطة الأساسية التي كنت أحاول توضيحها طوال هذا المقال، وهي: "لا يمكنك تغيير الطريقة التي يتصرف بها الآخرون، حتى لو كنت تستطيع أن ترى كم هم متلاعبون"؛ إلَّا أنَّ هناك شيئاً يمكنك تغييره، وهو: "طريقة تفاعلك مع الأشخاص المتلاعبين في حياتك"، ويمكنك استخدم هذه الفرصة كي تصبح شخصاً أقوى وتحسن مستوى وعيك الذاتي.

المصدر




مقالات مرتبطة