كيف تغير طريقة تفكيرك لترى العالم رؤية مختلفة؟

الصمت والتقاعس إساءةٌ للذات

تخيَّل للحظة أنَّك صياد تعيش قبل 2000 عام من الميلاد على ساحلٍ ما يُعرَف الآن بجنوب أوروبا (Southern Europe)، وأنَّك جالس كما تفعل كلَّ يوم وتقوم باصطياد السمك، وفجأةً تشعر بدفعة قوية من الطاقة في جسمك؛ إذ تخلق إحساساً بالوخز في أطراف أصابعك، ورعشةٍ في قلبك وإحساس غريب في معدتك، وأنت تعلم أنَّ ما تشعر به هو ليس قلقاً أو نوبة قلبية؛ لأنَّك تشعر بالراحة والرضى.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "آنجل كرنوف" (Angel Chernoff)، وتُحدِّثنا فيه عن أهمية إجراء تغيير ما.

ثم تضع صنارة الصيد جانباً وتجلس على حافة الماء، ثم تمد يدك على الماء البارد وترش قليلاً منه على وجهك، وفي هذه اللحظة الهادئة، يأتيك الإلهام، وبينما أنت غير قادر على شرح كيف أو لماذا أتاك هذا الإلهام الآن - إذ إنَّك لم تفعل أيَّ شيء خارج عن المألوف لتشعر به - فإنَّ رسالته واضحة تماماً، ألا وهي:

إنَّ الأرض ليست مسطحة؛ بل إنَّها كروية الشكل، ويمكنك تصور أنَّها تدور حول الشمس في نمط مداري يمكن التنبؤ به؛ إذ تكشف هذه التصورات أيضاً أنَّ الأرض جزء من نظام شمسي مكون من ثمانية كواكب منفصلة عن النجوم الأخرى في سماء الليل، وأنَّ هذه النجوم الأخرى تتَّبع أنماط حركة متشابهة يمكن التنبؤ بها، ويوجد عالم مجهول بالكامل لا يعرفه أحد.

بعد أن تفهم حجم هذا الإلهام، تبدأ في التعرق من شدة التوتر؛ ففي حين أنَّ القرية الساحلية الصغيرة التي تعيش فيها مسالمة، لكن يوجد القليل من التسامح مع الأفكار والنظريات الغريبة مثل تلك التي أربكت عقلك للتو، وإذا كنت تريد إخبار الآخرين عنها، فقد يفسرها النبلاء وقادة البلدة على أنَّها تهديد مباشر للاستقرار الثقافي للمجتمع، ومن المحتمل أن يعتقد باقي القرويون أنَّك مجنون.

بعد ذلك تقرر أنَّك يجب أن تتعامل مع الأمر كالمعتاد وتترك الرؤى العميقة والتجليات للأطباء السحرة والعرافين الذين يسكنون في الغابات في ضواحي المدينة، فقد قرر هؤلاء الأشخاص أنَّ العالم الذي نشؤوا فيه لا يحتوي على الإجابات التي يبحثون عنها، وهم من يجب أن ينقلوا هذه الأفكار الغريبة إلى العالم؛ لأنَّهم ليس لديهم ما يخسرونه، أو على الأقل ليس بقدرك؛ لذا تقرر أن لا تخبر أيَّ أحد عن إلهامك.

تتحول الأيام إلى أسابيع، والأسابيع إلى أشهر، وتتخيل كلَّ يوم أنَّك أفضل حالاً لأنَّك أبقيت الأمر سراً؛ لكنَّك تدرك أيضاً أنَّ إخفاء هذا السر يؤثِّر فيك كثيراً، فقد أبعدت نفسك عن الناس، وقد قلَّ نومك كثيراً، ولا تستطيع الكف عن التفكير.

شاهد بالفيديو: 8 علامات تخبرك بضرورة تغيير طريقة تفكيرك

كلمات حكيمة:

في إحدى الليالي، بعد ساعات من عدم القدرة على النوم، تغفو أخيراً وتبدأ في الحلم، تحلم بأنَّك جالس على طاولة مستديرة في غرفة مضاءة إضاءة خافتة، وتوجد امرأة تجلس على الجانب الآخر من الطاولة، وبالكاد يمكنك تمييز وجهها، لكن يمكنك رؤية شعرها الأبيض وبشرتها المتعبة؛ إذ تبدو هذه المرأة أنَّها عجوز مليئة بالحكمة، ويبدو أنَّها تستطيع رؤية ما بداخلك مباشرةً؛ لكنَّك تشعر بالراحة أيضاً لأنَّه لا يوجد ما تخفيه عنها، فهي تعرف ما تعرفه تماماً.

فجأةً تسألك هذه المرأة بصوت منخفض وهادئ: "هل تعرف لماذا تجلس معي هنا؟".

ثم تجيبها: "كلا، لا أعرف؛ لكنَّني أعتقد أنَّني هنا لأنَّه لا يوجد أيُّ شخص آخر يمكنني التحدث إليه".

ثم تبتسم وتقول لك: "أنت هنا لأنَّك تملك شيء لتقوله، شيء تعرفه أنَّه ذو أهمية كبيرة؛ إنَّه شيء سيغير العالم عندما تقوله؛ لكنَّك تخشى أن تقوله لأنَّك تعتقد أنَّ الناس غير مستعدين لسماعه".

ثم تجلس في صمت للحظة، بينما تحدق في عينيها فقط، ثم تشعر بطاقة تنبعث من قلبها وتهدئ قلبك بلطف، وتخفف من توترك؛ لأنَّك في مكان آمن، ملاذ خالٍ من الأحكام؛ ومن ثَمَّ ينحسر كلُّ الخوف الذي بداخلك ببطء.

ثم تأخذ نفساً عميقاً، وتقول: "أنا هنا لأنَّني رأيت إلهاماً، ورأيت بوضوح أنَّ الأرض ليست مسطحة؛ بل إنَّها كرة تدور حول الشمس بوصفها جزءاً من النظام الشمسي المكون من ثمانية كواكب، وتوجد نجوم أخرى أيضاً، ربما في أنظمة شمسية أخرى أو فيما يبدو كأنَّه كوناً شاسعاً مجهولاً".

ثم تتوقف للحظة، وتأخذ نفسَين عميقَين وتتابع: "لا أعرف من أين أتى هذا الإلهام، ولماذا جاء إلي؛ لكنَّني أجريت منذ ذلك الحين بعض الاختبارات الأولية وأثبتت النتائج دقة هذا الإلهام، في الواقع، أنا متأكد في هذه المرحلة من دقتها، وأنا متأكد أيضاً أنَّ الناس غير مستعدين لذلك، ولقد عوقبت بالفعل لأنَّني حصلت على هذا الإلهام، لمجرد معرفتي بما أعرفه الآن، ولا أريد أن أُعَاقَب مرة أخرى لأنَّني نقلت ما أعرفه للآخرين".

ثم تبتسم هذه المرأة مرة أخرى، وبينما تبتسم، تشعر أنت براحة أكبر ممَّا شعرت قبل أن يأتيك الإلهام، ثم تقول لك: "في جميع مناحي الحياة، لن تعرف أبداً متى يكون العالم جاهزاً؛ ستعرف فقط متى تكون أنت جاهزاً، وستعرف متى تكون كذلك؛ لأنَّك ستُقدِم على عملٍ ما وتعالج القضية، وبعد أن تفعل شيئاً ما، ستعرف متى يكون لديك المزيد لتفعله؛ لأنَّك ستفعل المزيد".

كلماتها الحكيمة واضحة وبسيطة للغاية، لكن العالم الحقيقي هو أكثر انحرافاً وتعقيداً؛ ففي العالم الحقيقي، توجد ثقافات وعادات موجودة منذ أجيال يجب التعامل معها.

ثم تتابع قائلة: "أهم شيء يجب تذكُّره هو: عندما تشعر بأنَّك تحت رحمة العالم، فأنت لست كذلك؛ لأنَّ العالم حولك هو مجرد انعكاس لما بداخلك؛ أي انعكاس لأفكارك، وإنَّ ما يبدو لك كأنَّه عالم كامل غير جاهز، هو ليس عالماً على الإطلاق؛ بل إنَّه أنت فقط، وعندما تتغير، ستلاحظ أنَّ العالم الخارجي قد تغير أيضاً".

لقد تَغَيَّرت:

بعد ذلك، تتفتح عينيك ببطء، ثم تجلس في السرير وتتأمل في حلمك بصمت، وبعد لحظات قليلة، تنهض وتخرج لاستنشاق بعض الهواء النقي، وبينما تقف وتشاهد شروق الشمس فوق القرية، تلاحظ شيئاً مختلفاً؛ إذ تبدو القرية بأكملها أكثر إشراقاً وأكثر حيوية مما تذكر، ثم تتساءل هل تغيرت القرية؟ أو هل تغير الناس؟  أو أنَّك أنت الذي تغيرت فقط؟ أنت غير متأكد.

لكن ما أنت متأكد منه هو أنَّك يجب أن تقوم بما تقوم به كلَّ يوم، وأنَّك تملك شيئاً هاماً لتقوله، وبينما لا تعرف حتى كيف ستقول ذلك، فإنَّك تزداد ثقة في أنَّك ستعرف قريباً، وبحلول الوقت الذي تدرك فيه أنَّك تعرف كيف ستقول ذلك، ستكون قد بدأت في قول ما تريد قوله، وسيكون العالم حولك قد بدأ في التغيُّر؛ لأنَّك قد تغيرت.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح تساعدك على تغيير طريقة تفكيرك للحد من القلق

في الختام:

قد تتساءل عن سبب مشاركتي لهذا الكلام معك للتو، لكن يساعدني القيام بذلك على تذكيري برسالةٍ هامة، وأنا أعلم أنَّك بحاجة إلى تذكيرٍ في بعض الأحيان أيضاً؛ إذ إنَّنا في بعض الأحيان، جميعنا بحاجة إلى تذكُّر كيف يمكن أن يصبح صمتنا وتقاعسنا إساءةً إلى الذات.

إقرأ أيضاً: تحدي الـ 66 يوماً: طريقة بسيطة وفعالة تغير طريقة تفكيرك تماماً

عليك أن تعترف بأنَّك قضيت كثيراً من حياتك وأنت تتجنب الحديث عن شيء معين، وأنت تحاول أن تصبح أكثر هدوءاً، وأقل حساسية، وأقل جنوناً، وأنت تحاول ألا تكون على سجيتك؛ لأنَّك لا تريد أن تُرهق الناس، ولأنَّك أردت أن تترك انطباعاً جيداً، وكنت تريد أن تتأقلم وأن يحبك الجميع، وأردت أن يكون كلُّ شيء سهلاً؛ لذلك خلال فترة طويلة من حياتك، قمت بالتضحية بجزء من نفسك - جزء من الحقيقة - من أجل عدم التصرف تصرفاً غير لائق، وخلال فترة طويلة من حياتك، كنت تؤذي نفسك بصمتك وتقاعسك؛ لكنَّك تعبت من العيش بهذه الطريقة، أليس كذلك؟ بالنسبة إلي، لقد تعبتُ أيضاً؛ لذلك دعنا نُجري تغييراً اليوم معاً.




مقالات مرتبطة