كيف تشعر بالسعادة في جميع الأوقات؟ تجربة شخصية

في فترةٍ ما من حياتي، كنت أعتقد أنَّ حصولي على السعادة أمرٌ مرهونٌ بتغيير العالم الخارجي. إنَّه تفكيرٌ متهوِّر، أعلم ذلك.



ملاحظة: هذه المقالة مأخوذةٌ عن تجربةٍ شخصيةٍ للكاتب ميشيل بيترزاك (Michael Pietrzak)، والذي يحدِّثنا فيها عن طريقة عيش حياةٍ سعيدة.

اعتدت أن أحدِّث نفسي ببعض الأمور مثل:

  • إذا استطعتُ إحراز تقدُّمٍ وطوَّرتُ متجري الافتراضي، سوف أستطيع بعد ذلك أن أستقيل من عملي الحالي وأعمل لحسابي الخاص، وأن أنتقل إلى العيش في بلدةٍ شاطئيةٍ استوائية.
  • يجب عليَّ أن أُقنع مديري في العمل أن أبدأَ دوامي في الساعة العاشرة صباحاً، وبذلك أتمكَّن من الذهاب إلى النادي الرياضي.
  • سوف أشعر بالضيق إذا لم أتمكَّن من كتابة بِضع صفحاتٍ -على الأقل- أسبوعياً.

كان شعاري دائماً: "سوف أحصل على السعادة عندما يحدث أمرٌ ما"، إذ جعلت من ذلك الشعار هدفي في تحقيق طموحاتي. وفي تلك الأيام، كادت العقبات أن تنال منِّي وأن تُبطِّئ مسيرتي، وازدادت شكواي من الصعوبات التي واجهتني؛ ولكنِّيَ استطعت تحقيق جميع الأمور السابقة التي ذكرتها أعلاه، حتَّى أتمكَّن من الشعور بالسعادة. لقد بذلت جهداً لتحقيق ما قمت به:

  • اقتطعت من ساعات عملي، ووجدت متسعاً من الوقت لأدير عملي الخاص، وسوف أتمكَّن من زيارة الشاطئ المكسيكي مرتين أو ثلاث مرَّاتٍ هذه السنة.
  • غيَّرتُ من تقاليد عطلة نهاية الأسبوع وأدرجتُ فيها النادي الرياضي، بدلاً من تأخير موعد بدء العمل.
  • بدأت أصحو باكراً وأنعمُ بوقتٍ هادئٍ للكتابة.

لقد حصلت على ما أريد تماماً، وتوقَّعت أن أشعر بالسعادة بدلاً من شعور الاستياء الذي كان يرافقني.

إقرأ أيضاً: السعادة قرار داخلي...!

"إنَّ السعي وراء السعادة هو السبب في تعاستك":

لقد أثارَ حفيظتي واستفزَّني مشهد الأشخاص في مترو الأنفاق، حيث كان هناك شابٌّ يسدُّ الباب في محطةٍ مزدحمة، فكان أيُّ شخصٍ يحاول المرور أو النزول على الدرج المزدحم يصيح به قائلاً: "أنت تعيق حركة المرور أيُّها الرجل".

إنَّ صباحاً كهذا تبدؤه بالسخرية والشتائم التي تلقيها على مسامع الغرباء، هو صباحٌ يخلو من الإيجابية.

حينها رَجعت بتفكيري قليلاً إلى الوراء، متسائلاً: "إذا ما استوفيت جميع البنود السابقة، والتي من المفترض أن تضمن لي الإحساس بالسعادة، فلماذا أشعرُ بذلك بالانقباض وكأنَّني أشاهدُ الأخبار على التلفاز لأكثر من سبعٍ وأربعين ساعة؟". لقد أحسست بحاجةٍ ماسةٍ إلى التغيير.

في إحدى صباحات أيام السبت العادية، كنتُ في طريقي لأقابل بعض الأصدقاء على الغداء، حينها سألت نفسي: "لديَّ امرأةٌ رائعةٌ في حياتي، ومنزلٌ وحديقة، وسوف أجني المال قريباً، وعملي ممتع، وأتمتع بصحةٍ جيدة. إذاً، لماذا أبدو بهذه الحماقة وأجادل سيدةً سبعينية، وألقي عليها محاضرةً لتدع الركاب ينزلون من الحافلة قبل صعودها إليها؟"

أعتقدُ أنَّ  الجواب كان كالتالي: لا فائدة من كلِّ ما قمتَ به لتتحكَّم بعالمك الخارجي إذا كانت حياتك الداخلية مليئةً بالوساوس كما لو أنَّها غرفة جلوسٍ لشخصٍ يعاني الوسواس القهري. لذا استرخِ ودعني أضعُ لك عمليةً من ثلاث خطواتٍ تخلِّصك من عقلية الصحف والجرائد.

1. قوَّة الأفكار:

أعطِ أهميةً كبيرةً لوقع كلماتك، وراقب أحاديثك واختياراتك للألفاظ، فالكلمات سلاحٌ قويٌّ ويجب أن تتعامل معه بحكمة، يقول رويز: "للكلمات وقعٌ كالسحر". فعلى سبيل المثال: من الممكن أن توجِّه ملاحظةً لطفلةٍ في أثناء غنائها، فتقول: "اخفضِي صوتك". سوف تتلقَّى هذه الكلمات وتفسرها على أنَّ غناءها سيء، ولن تحاول لثلاثين عاماً أخرى أن تتجرأ على الغناء.

هذا تماماً ما سيحدث لو أنَّك استمريت في توجيه الملاحظات والانتقادات، في حين أنََك لو تحدَّثت بلهجةٍ من الصدق والتعاطف، فإنَّك سوف تستنهِض همم الآخرين وتُعلِي من شأنهم.

حاول أن تخبر شخصاً ما أنَّك معجبٌ بأخلاقيات عمله، وسوف تشاهده يعمل بمزيدٍ من الجدِّ والإصرار.

أتعجَّب: إذا كان لكلماتي كلُّ هذا الوقع على الآخرين، فماذا عن الأمور التي أُحدِّث بها نفسي؟

"انتفض قائلاً أنا غاضب"، فكِّر في هذه الطريقة فقط، وسوف تمضي يومك مكتئباً.

بدأتُ بمراقبة عملية "السبب والنتيجة" هذه بوعيٍ كاملٍ وانتباهٍ شديد، ورأيت صلةً واضحةً ومباشرةً بين حواري الداخلي وكمية الإحباط التي تنتج عنه، والتي تثقل كاهلي وكأنِّي أحملُ على ظهري كيساً من الطوب. كِدت أخسر اللعبة الرئيسة، عندما كنت أنا الشخص الوحيد الذي يلعب.

إنَّه لأمرٌ مرهقٌ أن تتجول وأنت غاضبٌ طوال اليوم؛ لذلك قرَّرت أن أتعامل مع أفكاري بطريقةٍ أكثرَ إيجابية، وأقرب إلى المثالية.

إقرأ أيضاً: قوة الكلمات والحديث مع النفس

2. عدم أخذ الأمور على محمل شخصي:

كتب الطبيب ديفيد بيرنز كتاباً تفصيلياً حول كيفية امتلاك الشعور بالرضا عن الذات، عنوانه "حسِّن حياتك (feeling Good)"، وأعتقد أنَّه ليس بمبالغةٍ أن يطلق على هذا الكتاب "إرشاداتٌ لتحسين طريقة تفكيرك". حيث أنَّ فكرته الرئيسة والأطروحة المركزية للعلاج المعرفي تتبنَّى فكرةَ أنَّ "كلَّ حالاتك المزاجيَّة أُنشِئَت من قِبَلِ أفكارك". فالطريقة التي تشعر بها حيال أمرٍ ما أو حدثٍ معيَّن، ليست بالضرورة أن تكون تصوُّراً دقيقاً للواقع، بل إنَّ ذلك الشعور ما هو إلَّا ترسيخُ المعنى الذي تعطيه أنت للواقع.

هل سبق لك وأن شعرت بغضبٍ تجاه شخصٍ ما، لتكتشف لاحقاً أنَّه لم يفعل ما اعتقدتَ أنَّه قام به؟ لم تكن الحقيقة هي السبب في استفزازك، لقد كانت القصة التي ألَّفتها أنت، وهذا ماتدعوه الكاتبة برينيه براون: "المسودَّة الأولى عديمة القيمة".

إنَّ تبَّني تغييرٍ بسيطٍ في طريقة مقاربتك وحكمك على الأمور، سوف يوضِّح الفارق بين افتراض أنَّ هذا الشخص لا يحترمك (مشاعر غضب)، وبين أنَّ هذا الشخص يتألَّم: (مشاعر تعاطف). عليك أن تصحِّح هذه الفرضية.

قام الدكتور بيرنز بإنشاء تقنيَّة الأعمدة الثلاثة لمساعدتك في القيام بذلك:

أنشئ جدولاً ذي ثلاثة أعمدةٍ متضمِّنةً هذه العناوين:

  1. ما هي الفكرة؟
  2. كيف شوَّهتُ الحقيقةَ من خلال تضمين افتراضاتي؟
  3. كيف يجب أن تكون ردَّة فعلي المنطقية والعقلانية؟

الآن، عندما أرى شخصاً ما يمشي ويكتب الرسائل النصية على هاتفه المحمول، أُحاول مقاربة المشهد من خلال هذا الجدول:

الفكرة التلقائية

الافتراض

الاستجابة العقلانية

 ما هذا الكائن؟ أنا أشعر بالاستياء منه

 "لابدَّ أنّه يجري محادثةً تافهةً وغير ضرورية".

 "ليس لديَّ فكرةٌ عمَّا يكتبه في الرَّسائل النصية، وربَّما يحاول التصالح مع زوجته، أو التحدُّث مع والدته المريضة، ويمكنني أن أكون صبوراً"

من المحتمل أنَّ هذا الشخصَ في الحقيقة يطارد شخصيةً افتراضية (البوكيمون)، ولكن إذا كان لديَّ الخيار، لماذا أختار تصديق ما يجعلني مُستَفزَاً وغاضباً؟

3. اختر مشاعرك بعناية:

أستطيع من خلال استعادة الوعي بطبيعة الأفكار الواردة إلى عقلي لحظةً بلحظة، والتي كانت تسرق مني سعادتي، اختيار أفكارٍ جديدةٍ تُولِّد مشاعر أفضل.

دعنا في هذه المرحلة نعود إلى حكاية وبراعة برينيه براون، الباحثة والطالبة في التجربة الإنسانية، ومؤلفة كتاب "انهض أكثر قوةً" (Rising Strong).

ماذا عساك أن تفعل بعد أن أصبح لديك معرفةٌ بقوة الأفكارِ، وأصبحَ بإمكانك أن تتعامل معها؟ إنَّه وقت التغيير يا عزيزي.

هذا هو الجزء الأهمُّ الذي ستجري من خلاله عملاً هائلاً -حتَّى لو كان في رأسك فقط- احمل السلاح وابدأ بمهاجمة الحكم القديمة، وانتخب أفكاراً جديدة، واختر حاكماً جديداً لعقلك وأنماط تفكيرك.

تقول برينيه: "على عكس التغير التطوري الذي يتزايد، فإنَّ التغيير الثوري يحوِّل الأفكار والمعتقدات لدينا بشكلٍ جذري".

وتضيف: "لن تؤدِّي الخطوات الصغيرة إلى نوعية التحول الروحي الذي نحتاجه. فإذا اقتصرْتُ على التغيير الطفيف في ممارسة تمريناتي العقلية الصباحية فقط، والتي تحمي من الخمول الذهني؛ فسأحصل على تغييراتٍ طفيفة. وبدلاً من ذلك، يمكنني أن أدرك كم من غير المنطقيِّ أن أجعل نفسي بائسةً بتلك الأفكار التي تتولَّد من مواقف مختلفة، وأن أتخذ خياراً يستبعدها تماماً".

وتكمل برينيه: "اتخذت قراراً أن أختار الأفكار التي تولِّد في داخلي مشاعر إيجابيةً أينما كنت، في الحافلة، أو المنزل، أو العمل، وحتَّى في علاقاتي الشخصيَّة. وبعد أسبوعٍ فقط من الوعي الشعوري، بدأت أضحك كثيراً، وبلا سبب، وبدون القيام بجهدٍ يذكر؛ بعد أن كنت قد نسيت كيف تبدو السعادة الحقيقية".

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

الآن، حانَ دورك لتختبر ذلك بنفسك:

لم أُفلِح دائماً في اختيار الأفكارِ الإيجابية، فقد أدركت بعد ظهر يوم الثلاثاء أنَّني تأثَّرت بشيءٍ بعد ساعاتٍ من تدويره في عقلي، ولكنِّي أحاول أن أتغلَّب على هذا الشعور.

لن تستمرّ تلك السعادة التي تحصل عليها بسهولة، ومع ذلك فأنا متأكِّدٌ من أنِّي استطعت امتلاكها عندما كنت أعي وأدرك طبيعة أفكاري، وأعمل على استبعاد السلبيّ منها، وأصرُّ على اختيار المعتقدات الإيجابية (الواقعية).

ووجدت أنَّه من المفيد أن أذكِّر نفسي بأنَّ تحقيق الإنجازات ليس بالضرورة أن يكون سبيلاً للرضا عن الذات والسعادة.

إنَّ العمل على تحسين عالمك الخارجي أمرٌ يستحقُّ الثناء، وله بعض التأثير في شعورك بالسعادة. ولكن سيكون من الخطأ إهمال عالمك الداخلي، وأفكارك التي تخلق -فعلياً- واقعك في هذه اللحظة.

المصدر




مقالات مرتبطة