كيف تستنزف الفوضى تفكيرك وكيف يمكنك التخلّص منها؟

تخيّل نفسك جالساً في المترو أو الحافلة، وتحاول قراءة شيء ما، شيءٌ قد يكون مرتبطاً بمشروع عمل، أو لعلّه شيءٌ تقرأه لمجرد التَّسلية. لتأتيَ تلك الفتاتان وتجلسان بجوارك. ويخضن محادثة شخصية صاخبة حول التصرفات العاطفية الغريبة لإحدى صديقاتهن. وبدلاً من التركيز على ما تقرأ، تجد نفسك تصغي لمقتطفات حياةٍ عاطفيةٍ لشخصٍ تجهله. والآن، أصبح عليك أن تُلزم نفسك أن تركِّز ملياً على تجاهل تلك المحادثة، من أجل إنهاء قراءة ما تقرأه.



لعلَّ معظم الناس يعتقدون أنَّه من السَّهل تجاهل هذه المشتتات البسيطة، ولكنَّ الأمر ليس كذلك. فالدماغ لا يقدر إلا على تأدية كمية محدودة من الوظائف في الوقت عينه. فالملهيات والفوضى التي لا تستأهل الاهتمام، تَشغُلُ حيزاً من المساحة المتوفرة في الدماغ، وتقلل المساحة المخصصة للأمور الهامة، والمساحة المخصصة للتفكير بشكلٍ عام.

إنَّ عملية تجاهلِ أي أمرٍ يتطلب طاقة من الدماغ، والدماغ يصبح خاملاً عندما لا يستطيع السيطرة على ما يفكر فيه. وغالباً ما يستنزف تجاهل الفوضى من حولك -مثل الضوضاء والملهيات- نفس القدر من الطاقة اللازمة للتَّركيز على أمرٍ محدد.

المُلهيات التي لا يمكن إدراكها:

فكّر في مكان عملك، بالمعنى المادي للكلمة. إذ عادةً ما تكون هناك مجلدات وأقلام رصاص وغيرها من الأغراض التي لا معنى لها. أنت تدرك سلفاً أنَّه لا ينبغي لك أن تضيع وقتك في العبث بتلك الأشياء -فليس هذا هو الهدف ولن يساعدك على التركيز- ولكن مع مرور اليوم وانخفاض طاقتك، فأنت غالباً ما تنجذب إلى القيام بذلك. وهذه مجرد أشياء مادية فقط؛ فما بالك بالثورة الرقمية التي عقَّدت علينا تلك المهمة أكثر وأكثر.

إذ يتم إرسال ما بين (89) و(115) مليار رسالة بريد إلكتروني على مستوى العالم يوميّاً، ولأغراض العمل فقط. ولا يملك الكثير من الناس نظماً جيدة لتنظيم صناديق بريدهم الإلكتروني الوارد.

يمكن أن يتكرّر الأمر عينه مع العناصر غير المادية؛ مثل الصداقات. فإن كنت في خضمِّ محادثةٍ نصيَّة مزعجة مع أحد أصدقاءك، وأنت تعلم سلفاً (من شاشة قفل هاتفك) أن أحدث رسالةٍ قد وصلت لتوها ستكون غايةً في الإزعاج؛ فقد تقول لنفسك: "سوف أنهي هذه المحادثة وأتجاهلها". لكنَّك وفي الوقت عينه، تعلم سلفاً أنَّ الرسالة تتربص بكَ هناك. لذا سوف تستهلك الكثير من الطاقة الذهنية، فقط في محاولة تجنب تلك الرسالة.

تتراكم كل هذه الأمور الصغيرة لتصبح مشكلة، ذلك لأنَّ حياتنا تشتمل على الكثير من الملهيات المادية والعقلية والرقمية. وكل ذلك يخلق الفوضى والحاجة إلى تجاهل تلك الملهيات، مما يجعل الدماغ يبذل جهداً أكبر.

إقرأ أيضاً: التقليل من الإلهاءات: 10 طرق لتتحكّم بيومك

الأغراض الكثيرة تُرهِق الدماغ:

الأغراض الكثيرة ترهق الدماغ

والآن، تخيل معنا هذا الموقف: أنت تكره القراءة، وتوضع لوحدك في غرفة خاليةٍ إلَّا من كتابٍ واحد. ما الذي سيحدث في نهاية المطاف؟ سوف ينتهي بك الأمر إلى أن تقرأ ذلك الكتاب. إلا أنَّ الوضع لا يكون كذلك على أرض الواقع.

إذ تكون معظم الغرف التي تحتوي على كتب، تشتمل أيضاً على أجهزة تلفازٍ وهواتف ذكية وأجهزة حواسيب وملهيات أخرى. أو قد تتواجد هذه الأغراض في غرفٍ قريبةٍ على أقل تقدير. لذا سيتطلب منك إنهاء قراءة هذا الكتاب الكثير من الطاقة الذهنية لتجاهل جميع الأغراض والملهيات الأخرى.

حتى وإن اعتقدت أنَّك معتاد على الأغراض الموجودة حولك، ولا تجدها تشتت انتباهك؛ فإنَّ كل هذه الأغراض تحفز تفكيرك باستمرار من دون وعي من قِبَلِك. كأن تفكر مثلاً: "أعلم أنَّه يتوجب عليَّ أن أقرأ ذلك الكتاب، لكن ربما عليَّ أن أنفض الغبار عن التلفاز أولاً". أو "أعرف أنَّه من الأفضل أن أبدأ قراءة هذا الكتاب، ولكن يجب وضع الكمبيوتر على مكتبي بدلاً من ذلك".

أُعيدها مجدداً: التفكير في تجاهل هذه الأفكار، يستنزف طاقة دماغك.

استرجع طاقة دماغك:

استرجع طاقة دماغك

عندما تحدد أولويتك وفقاً لما هو هام، فإنَّك تعلم ما الذي يجب إزالته من حياتك وتقوم بتوفير ما يلزم من طاقتك الذهنية. في سياق العمل، لا يستطيع ثلثي المدراء تسمية أولويات مؤسستهم. وغالباً ما يستشري ذلك في كامل أنحاء المؤسسة، مما يؤدي إلى إرباك سير العمل وإشغال الناس في مشاريع يُفترض أنَّها هامَّة، والتي هي في الواقع؛ لا صلة لها بالأولويات الفعلية لتلك المؤسسة على الإطلاق.

يسري ذلك على الحياة والعلاقات الشخصية أيضاً. إذ غالباً ما يكون الناس غير واضحين بشأن ما يريدونه من حياتهم وشركاء حياتهم، وما لمَّ لمُّه. فتراهم يخصصون وقتهم لما لا يمتُّ لأولوياتهم بأيِّ صلة، ويحاولون إدارة أو تجاهل العلاقات السَّامة، وحياة أصدقائهم المصطنعة على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال لا الحصر.

يجب أن تنفق طاقتك الذهنية على المهام اللازمة ذات الأولوية. وهذا يعني العمل ذي القيمة المضافة، والصداقات المتينة والعلاقات المتنامية، والأصدقاء والأسرة، والأهداف المهنية وما شابه ذلك. ولا يَلزَمُ صرف تلك الطاقة على مهام عشوائية ذات أولويةٍ منخفضة.

ولكن بسبب الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا، والطاقة التي نحتاج إلى إنفاقها على تجاهل الفوضى والملهيات من حولنا؛ فإنَّنا كثيراً ما نصرف الكثير من وقتنا وطاقتنا على مهامَ وأحداثَ ذات أولوية متدنية. لذا ابدأ بإزالة "الأغراض" التي لا تخدم هدفاً فعلياً في حياتك.

قد يكون ذلك أمراً صعباً للغاية بالنِّسبة للعديد من الأشخاص، لكن ولحسن الحظ، هناك صيغة على شكلِ معادلة رياضيَّة تسمى: "معادلة التخلّص من الفوضى"، والتي من شأنها أن تساعدك على التَّخلص من الأغراض دون ندم ورميها بعيداً. اطلع على تلك المعادلة وتعلَّمها، وابذل قصارى جهدك للالتزام بها.

فقط عند إزالة الملهيات غير الضرورية والأمور التي تقضي على الطاقة الذهنية؛ يمكنك البدء في إعادة التَّركيز إلى حياتك. وفي كل مرة تجد نفسك محاطاً بالفوضى، فكر في مقدار الطاقة الذهنية التي عليك صرفها لتجاهل تلك الفوضى.

الخطوة الأولى هي التَّخلص من الفوضى في حياتك؛ الماديَّة والرقمية منها. عندها فقط سوف تكون قادراً على توجيه طاقاتك العقلية وتركيزها في الاتجاه الصحيح. وعندما تزيل العناصر غير الضرورية من حياتك، تتمكن عندئذٍ من تسخير طاقتك تلك على العناصر التي تساعدك فعلياً على النمو لتصبح شخصاً ناجحاً ذا صلاتٍ قويَّة.

وكل شيء يبدأ مع تخلُّصِكَ من الفوضى.

المصدر




مقالات مرتبطة