كيف تستعيد الثقة في علاقتك؟

قد يعتقد معظم الناس أنَّ الحب هو ما يسمح لنا بالتغلُّب على العقبات التي نواجهها في العلاقات؛ ولكنَّ الأمر يتعلق بالثقة التي نشعر بها تجاه الشخص الآخر؛ إذ إنَّ الثقة هي الركيزة الرئيسة التي تحافظ على العلاقة، ومن دونها تتوقف العلاقة عن النمو، فهل خان شخص أحببته ثقتك؟ إنَّ الخيانة شعورٌ مؤلم تشعر به في جسدك وفي قلبك؛ ولكنَّ الثقة ليست مجرد شعور بالقلب؛ بل إنَّها مرتبطة أيضاً بأنماط وعمليات دماغنا.



إنَّ الميل إلى الثقة متجذرٌ في سلوكنا، فعندما يخون أحدٌ ما ثقتنا، فإنَّ الشبكات العصبية ومناطق الدماغ المرتبطة بالثقة تنفصل وتتوقف عن العمل؛ وذلك لأنَّ الأجزاء الموجودة في الدماغ والتي ارتبطت سابقاً بالعواطف الإيجابية والقبول تجاه الشخص الآخر تُستبدل الآن بمشاعر الحقد والشك والاستياء؛ إذ يمكن لمعظم الناس أن يتعاملوا مع هذا الشعور بصرف النظر عن موقفهم من موضوع الثقة.

مثال عن تدمير مشاعر الثقة:

سنتحدث في مثالنا عن زوجين يدعيان مارتن (Martin) وبوني (Bonnie) يعانيان جروح عاطفية وخيبات أمل من حياتهما وعلاقاتهما، ولقد تلاشت ثقتهما ببعضهما بشدة بسبب السلوكات والكلمات والمواقف السامة تجاه بعضهما الآخر، وعندما حضروا أحد برامج الاستشارات الزوجية، كانوا يواجهون مشكلة معقدة وصعبة جداً فيما يخص استعادة الثقة في علاقتهما.

شعرت بوني أنَّ مارتن لم يكن متعاطفاً مع مشاعر الألم الذي شعرت به، وأنَّه لم يعترف بدوره في إحداث هذا الألم؛ أمَّا بالنسبة إلى مارتن فقد شعر أنَّه قدم الدعم إلى بوني في الماضي؛ ولكنَّه اعتقد أنَّها كانت غارقة في مشاعرها الخاصة لدرجة أنَّها لم تكن قادرة على رؤية كم كان مجروحاً ومحبطاً بسبب علاقتهما التي كانت تتدهور؛ إذ يقول الكاتب توني روبنز (Tony Robbins): "إنَّ الشركاء الذين يعانون الضغط أو عدم الثقة تجاه بعضهما بعضاً غالباً ما يظهرون سلوكات سامة وغير صحية من شأنها أن تجعل استعادة العلاقة أمراً صعباً".

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتقوية العلاقات المتعثرة

دوامة التفكير والشعور والسلوك السلبي:

إنَّ التجربة التي يمر بها مارتن وبوني هي أمرٌ طبيعي في كلِّ علاقة يعاني طرفاها نتيجة السماح للأفكار والسلوكات والمشاعر السامة بالظهور؛ إذ تبدأ هذه الأفكار أولاً في أذهاننا، ثمَّ تظهر بوضوح على شكل سلوكات في العلاقة.

إنَّ الطرائق التي نفكر ونشعر بها ونتصرف بناءً عليها كلُّها مرتبطة ببعضها بعضاً، ويؤثِّر كلٌّ منها في الآخر، على سبيل المثال عندما تعتقد أنَّه لا يمكنك الاعتماد على شريكك للحصول على الدعم، فقد تتصرف بطرائق تدفع شريكك بعيداً، أو تبني حواجز تمنعه ​​من تقديم الدعم الذي تريده، ممَّا يؤدي إلى الشعور بعدم الدعم والغضب والوحدة.

تستمر هذه المشاعر في الدوامة التي تعيشها وتؤثِّر في أفكارك بطرائق أكثر سلبية بينما تسعى إلى الحصول على دليل لإثبات سبب عدم إمكانية الوثوق بشريكك؛ إذ يؤدي استياؤك إلى سلوكات تختلق مسافة أكبر بينك وبين شريكك، وتستمر هذه الحلقة فتصبح محبطاً إحباطاً متزايداً من علاقتك وأكثر انتقاداً لشريكك وتتخلى عن الأمل، ومع كلِّ الأفكار والمشاعر والسلوكات السلبية يزداد ضعف الثقة بشريكك.

من الواضح أنَّ مارتن وبوني يعيشان هذا النوع من المشكلات؛ إذ تشعر بوني بأنَّها لا تتلقى الدعم من مارتن ويُساء فهمها؛ بينما يشعر مارتن بالرفض، ثم يُساء فهمه أيضاً ويشعر أيضاً بأنَّه لا يتلقى الدعم من بوني، فيشعر كلاهما بالوحدة، هل تبدو هذه الدوامة مألوفة لك في علاقتك؟

تقدُّم العلاقة:

يوجد تغيُّر جلي في كلامهما وموقفهما مع تقدُّم برنامج الاستشارة الزوجية؛ فقد كانت بوني تتحدث عن تجربة مؤلمة للغاية لم تُحل أبداً، وكان مارتن على دراية بهذه التجربة؛ ولكنَّه لم يعد قادراً أبداً على تحمُّل سماع الشيء نفسه الذي تقوله بوني، وأصبح يطلب منها تجاوز الأمر فحسب.

لكن في هذه اللحظة، عادت عيون مارتن والتقت عيون بوني؛ فقد تغيرت ملامح وجهه من انعدام القدرة على تحمُّل الأمر إلى الإصغاء لما تقوله بوني بعمق، فهذه المرة كان يُدخل شيئاً مختلفاً إلى دوامتهما السلبية؛ وقد كان من اللافت للنظر أنَّ ما يسمعه كان يشعر به في قلبه، ثُم قال الكلمات التي غيرت اتجاه علاقتهما في النهاية: "لابدَّ أنَّ ذلك كان مؤلماً للغاية بالنسبة إليك".

لقد تحدَّث بشعور وتعاطف عميقين، نظرت بوني إلى مارتن في دهشة، وقد دمعت عيناها عندما شعرت بتعاطفه؛ فقالت بضع كلمات أُخرى عن الحادث الذي وقع منذ مدة طويلة، ثمَّ قالت لمارتن: "أعلم أنَّ السنوات القليلة الماضية لم تكن سهلة بالنسبة إليك، أعتقد أنَّني نسيت كيف أكون زوجة صالحة وصديقة لك"، فغمرت عينا مارتن الدموع.

كيف يمكنك الخروج من الدوامة السلبية في علاقتك؟

نظراً لأنَّ الأفكار والمشاعر والسلوكات مرتبطة ببعضها بعضاً، إذا كنت تريد أن تتغير طبيعة علاقتك، يمكنك أن تقوم بأيِّ شيء في أيِّ وقت؛ وذلك لأنَّ أيَّ تغيير تقوم به من المُرجح أن يؤدي إلى سلسلة من التغييرات؛ لذلك إذا قمت بتغيير سلوكك كما فعل مارتن في هذه الحالة بالتعبير عن استعداده لفهم بوني ودعمها دعماً أفضل، فإنَّ الأفكار والمشاعر والسلوكات التالية في الحلقة قد تغيرت لكليهما.

كما يقول توني، فإنَّ مفتاح أيِّ علاقة هو أن تعطي شريكك دون أن تتوقع أيَّ شيء في المقابل؛ وفي تلك اللحظة، أعطى مارتن لبوني دون أن يطلب أيَّ شيء في المقابل.

إقرأ أيضاً: بناء الثّقة في العلاقات الزوجية الناجحة

قد حقق إنجازاً عميقاً بفهم وجهة نظر بوني:

  • كان قادراً على إجراء تغيير في دوامة التفكير السلبي التي عصفت بعلاقتهما لسنوات.
  • أدى هذا التغيير إلى سلوك تعاطفي والاعتراف بألم بوني.
  • أدى التعاطف إلى شعوره الجديد بالتفاهم والانفتاح والثقة.

أدى التحول في حلقة مارتن إلى جعل بوني في حالة جديدة؛ إذ:

  • شعرت بمشاعر وعواطف جديدة وأكثر صحة.
  • أدى ذلك إلى نمط جديد من الأفكار الإيجابية عن مارتن واهتمامه بها.
  • هذه الأفكار بدورها قادت بوني إلى التصرف بطريقة تتسم بالامتنان وتحمُّل المسؤولية.
إقرأ أيضاً: 5 مفاتيح لتطوير علاقات مبنية على الثقة

في الختام:

مع كلِّ كلمة أو إيماءة مسؤولة وصادقة وحنونة، شُفيت الجروح ونمت الثقة المتبادلة بينهما، وقد بدأ كلُّ هذا مع بذل مارتن جهداً للخروج من دوامته السلبية الأنانية لفهم وجهة نظر بوني فهماً أفضل، وتسارع الأمر عندما آمن بأنَّ مشاعر زوجته كانت حقيقية، وبشجاعته قال كلمات من قلبه تعبِّر عن السلام والتعاطف تجاه زوجته تماماً مثل مارتن وبوني، لديك أيضاً القدرة على تغيير حلقة علاقتك وإنشاء علاقة أقوى.




مقالات مرتبطة