كيف تستثمر وقتك بأقصى حد، سايكولوجياً وعملياً؟

تُعَدُّ معضلة تنظيم الوقت واستغلاله من أكبر المعضلات التي تواجه الإنسان الحديث، خصوصاً في ظل الحياة التي تعج بالمشتتات والمسليات؛ إذ يندفع الفرد اندفاعاً غير إرادي، ودون أن يشعر إلى قضاء أوقات فراغه أو حتى أوقات عمله الهامة في الأمور السخيفة وغير الهامة؛ لذا يجب عل



في كثير من الحالات، نستيقظ في صباح يوم جديد ونحن في حيرة من أمرنا حيال كيفية الاستفادة من الوقت الفارغ أو الوقت الضائع، وكيفية منع الهدر، ونحتار بأي الأمور نبدأ، بالسهلة أو الصعبة، أو بالمهام التي لها أهمية خاصة أو مدة تسليم قليلة، أو بالتي لا تتطلب كثيراً من الوقت والجهد؛ لذا سنقدم في هذا المقال، أهم الطرائق العملية لتحقيق كامل الاستفادة من كل وقتك.

تعرَّف أهم الآليات السايكولوجية التي تمكِّنك من البدء باستراتيجية الاستثمار الكامل للوقت:

  1. يجب عليك أن تقتنع بأنَّ صورتك أمام نفسك هي التي تصنع جودة أدائك؛ إذ إنَّ أي إنسان يتعامل مع محيطه الخارجي، أو المشكلات التي يتعرض لها بالطريقة نفسها التي يعامل بها نفسه من الداخل؛ لذا يجب عليك التدريب على أن تتخيل ذاتك كما تحبها أن تكون، وليس كما كانت في الماضي. وتستطيع بكل سهولة تغيير صورة نفسك من الداخل؛ وذلك عبر تخيُّل بأنَّك مسيطر على وقتك وبارع في إدارته، وتملك الكفاءة والفاعلية والقدرة على استغلاله أفضل استغلال، ومن خلال تمرير هذه الصور دائماً في الذهن، حتى تعتاد عليها؛ ومن ثَم إيداعها في عقلك الباطن، ستصبح عملية إدارة الوقت واستغلاله بفاعلية من الأمور السهلة والتلقائية.
  2. يجب عليك أن تتذكر جيداً أنَّ تعلُّم أيَّة عادة يتطلب عشرين يوماً من الممارسة والتكرار، فأنت اليوم بكل مميزاتك النفسية والجسدية أخذتَ من السنوات ما يكفي لتشكل بها عاداتك وشخصيتك، لتصبح الشخص الذي يقرأ هذا المقال الآن. وعلى هذا المنوال، فإنَّ تعلُّم عادة إدارة الوقت تحتاج إلى التزام طويل الأمد، أو بالأحرى تدريب على الالتزام إلى أن يتقبل ذهنك أو عقلك الباطن العادات الجديدة، ويحولها إلى تعليمات تلقائية؛ لذا يجب عليك الصبر حتى تحصل على النتيجة، فلا شيء يأتي بسهولة أو دون تعب.
  3. يجب أن تقدِّم لنفسك وعداً بأن تصبح ماهراً في إدارة وقتك، وأن تنتبه إلى الضائع منه وتحاول استثماره، وعندما تخبر الأشخاص المقربين منك بأنَّك ستلتزم بمبادئ إدارة الوقت؛ فهذا يجعلك أكثر إصراراً والتزاماً بالخطة التي بدأتَ بها؛ إذ إنَّك باللاوعي ستشعر أنَّ الآخرين يراقبون تصرفاتك أو أفعالك لمعرفة فيما إذا كنت حقاً تلتزم بكلامك، وتسير وفق ما خططت له ووعدت به نفسك.
  4. عند اكتساب المهارات اللازمة في إدارة الوقت، طبِّق ما اكتسبتَه أو ما تعلَّمتَه في مجال واحد فقط كبداية، واختر مجالاً تعاني فيه من سوء إدارتك لوقتك، فمن غير المفيد أن تحاول تغيير كل شيء دفعة واحدة، فقد يؤثر هذا فيك تأثيراً سلبياً. لذا حاول أن تغيِّر نشاطاً واحداً أو عادة واحدة فقط، ولاحظ الفوائد التي تكتسبها، وراقب التحسن؛ فإنَّ ذلك سيرفع معنوياتك، بالإضافة إلى أنَّ هذا التحسن في الجانب الذي عملتَ عليه سيؤثر إيجاباً في إنتاجيتك وفاعليتك في مجالات أخرى في الوقت نفسه.
  5. حاول أن تبدأ بكل قوَّتك وطاقتك في إدارة وقتك، في حال قررتَ أن تكون دقيقاً في مواعيدك، فكن دقيقاً في جميع مواعيدك دون استثناء، لكي تصبح الدقة في المواعيد جزءاً أساسياً من سلوكك المنضبط في إدارة وقتك. إنَّ الدماغ البشري يميل إلى الراحة والكسل، فاحرص على ألا تفلت حبل انضباطك ولو قليلاً، ولا تسمح لأعذار الهروب الواهية أن تسيطر عليك، وعلى العكس، عليك أن تحرص على تكرار سلوكات إدارة الوقت حتى تترسخ العادة.
  6. من المفيد أن تتعلَّم في حال فشلتَ في إحدى خطوات إدارة وقتك، بأن تراجع ما قمت به، وتتبع مسار سلوكاتك من أجل معرفة مواطن الخلل والعمل على إصلاحها، ومن المفيد جداً أن تسأل نفسك عن سبب تصرفك بهذا الأسلوب أو ذاك، وما هي العقبات التي تواجهك في أثناء إدارة وقتك؛ وهذا يكسبك مهارة في تنمية وعيك حيال الوقت وأهميته.
  7. من الهام أن تمتلك الإيمان الكامل بذاتك ونفسك بأنَّك قادر على تنظيم وقتك وإدارته إدارة صحيحة؛ إذ إنَّ ما تؤمن به سيصبح واقعاً مع الوقت، ويتمثَّل هذا الإيمان بالسرعة في أداء سلوكاتك الجديدة المتعلقة بالوقت.
إقرأ أيضاً: 11 علامة تشير إلى أنَّك لا تدير وقتك بشكل فعال

ما هي العقبات النفسية الذهنية التي تعوق استثمارك الكامل للوقت؟

  • توجد خرافة شائعة يؤمن بها كثير من الناس تقول: في حال كنتَ منظماً ودقيقاً في إدارة وقتك واستغلاله، فإنَّك ستصبح صاحب شخصية باردة وغير عاطفية وحذرة، أو إذا أصبحتَ صاحب عمل فعال، فقد تخسر روتين حياتك الذي اعتدتَ عليه أو قد تخسر حريتك أو عفويتك. وقد يشعر بعض الناس بالقلق حيال نظرة الآخرين إليهم على أنَّهم معقدون في حال أصبحوا منظَّمين، أو أنَّهم سيصبحون أقل مرونة أو أقل قدرة على السير مع التيار.
  • تبيَّن فيما بعد أنَّ كل هذه الأفكار خاطئة، وهي مجرد مسوغات يخدع الناس بها أنفسهم كي يلتزموا بالانضباط الذي لا يريحهم، ولكنَّه حتماً يجعل منهم أشخاصاً أفضل، أما فيما يتعلق بأنَّ الشخص المنظِّم لوقته هو إنسان غير عفوي، أو مرتبك لأنَّه مشغول في أغلب الحالات، ويعاني من القلق أو التوتر فهذا غير صحيح؛ بل على العكس تماماً تبيَّن أنَّ تنظيم الوقت يمنحك مزيداً من الوقت لكي تسترخي، وتستغل الفرص بفاعلية أكبر. تنظيم الوقت لا يمنحك فقط سيطرة على أمورك الخارجية؛ بل ينظم أيضاً بيئتك الداخلية، ويجعلك أكثر ثقة ورخاء.
  • إنَّ البرمجة العقلية السلبية التي يزرعها الأهل أو الأصدقاء في ذهن الشخص منذ طفولته أو مراهقته، عند وصفه بأنَّه إنسان غير مرتَّب أو فوضوي، أو عند تذكيره طوال الوقت بأنَّه يتأخر في مواعيده، أو أنَّه عاجز عن إتمام المهام التي يبدأ بها، هذه الأمور وغيرها قد تبقى في ذهن المراهق لفترة طويلة، وتؤثر في شخصيته سلباً.
  • وهنا يستعمل الشخص استعمالاً لاواعياً مجموعة من الأعذار الواهية، مثل أن يقول إنَّ حياته دوماً كانت على هذا النسق، وإنَّه اعتاد على ما اعتاد عليه، أما في حقيقة الأمر فلا يوجد شخص يولد فوضوياً أو منظماً أو مرتباً أو مديراً لوقته إدارة جيدة؛ إنَّما كل المهارات ومنها مهارة إدارة الوقت، يستطيع أي شخص بالمواظبة والتكرار والإرادة تعلُّمها أو اكتسابها.

فلو كنا نملك كثيراً من العادات السيئة التي تضيِّع علينا كثيراً من وقتنا الثمين، فإنَّنا نستطيع إبدالها بعادات أخرى نافعة ومفيدة، تجعلنا نستغل الوقت استغلالاً أفضل.

ما هي العادات التي تستطيع من خلالها استغلال وقتك بأقصى حد؟

  • إنَّ حياة الإنسان مليئة بالأوقات الضائعة، فمن الممكن أن يتأخر صديقك عن لقائك في الموعد المحدد الذي اتفقتما عليه، أو من الممكن أن تنتظر وقتاً من أجل حصولك على تذكرة حضور مباراة كرة قدم، أو قد تقضي الكثير من الوقت في السفر في الطائرة أو القطار أو سيارتك الخاصة. تُعَدُّ كل هذه الأوقات المستقطعة فترات مهدورة من وقتك الشخصي، ومن حياتك التي لن تعيشها مرتين، ولن تستطيع أن تعوِّضها، أو تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، لكن لا عليك لكل مشكلة حل.
  • قد يكون استغلال هذه الأوقات الزمنية أمراً مستغرباً عند بعض الأشخاص للوهلة الأولى، ولكن لها فوائد عظيمة، أو لنقل فوائد مزدوجة؛ فأنت تستطيع قتل الملل في الانتظار أو السفر، وفي الوقت نفسه تزيد خبرتك ومعلوماتك التي تفيد وتُثري حياتك، وتطوِّر مهاراتك وقدراتك.
  • فلو كنتَ تسافر في سيارتك الخاصة أو تذهب بها إلى عملك كل يوم، فمن الممكن أن تستمع لتسجيلات صوتية في موضوعات تحبها، أو ترغب في زيادة معلوماتك حيالها، وهي طريقة سهلة وممتعة.
  • في حال كنت تسافر بالقطار أو الحافلة فمن الممكن لهاتفك الذكي أن يُثري معلوماتك، من خلال تحميل المقاطع، واستعمال السماعات للإصغاء إلى ما تريد تعلُّمه، أو قد تسجِّل المعلومات الهامة التي تريد استذكارها من أجل الامتحان من خلال مسجِّل الصوت في هاتفك، وتستمع لها في طريق السفر.
  • في حال نسيت سماعاتك، فمن الممكن أن تشغل المقطع الصوتي، وتضع الهاتف إلى جانب الأذن، وكأنَّك تردُّ على إحدى المكالمات، والاستماع لما تريد، ويمكن استعمال هذه الطريقة إن كنت ترتبك في اصطحاب سماعاتك أينما ذهبت.
  • لاحظنا أنَّ كل الخيارات السابقة التي اقترحناها تُوجب وجود هاتف محمول، ولكن ماذا لو كانت بطارية هاتفك الذكي فارغة أو على وشك النفاد؟ من الممكن أن تحضر معك دفتراً صغيراً جداً بحيث يمكن وضعه في الجيب، تدوِّن عليه ملاحظاتك في المنزل أو خلال الدراسة، ويكون في حقيبتك دائماً؛ فإذا تأخَّر أحد الأصدقاء عن الموعد، فإنَّ وقت انتظارك هذا سيكون مفيداً، وليس مضجراً أو مملاً.

شاهد بالفديو: لصوص الوقت العشرة ابتعد عنهم

في الختام:

لا بد من القول إنَّ تنظيم الوقت وهيكلته، يمنحك وقتاً من أجل التفكير في المستقبل والتخطيط له، فتُحسن التصرف مع الحالات الطارئة التي تتطلب منك سرعة في التعامل، وكلما كنت أكثر تنظيماً، أصبحت أكثر سيطرة على حياتك؛ وهذا يؤثر إيجاباً في جميع مناحي الحياة.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة