كيف تسامح دون أن تنسى؟

في 15 سبتمبر 2001، وبعد أربعة أيام من هجمات 11 سبتمبر، جلس "فرانك روكس" (Frank Roques) في أحد المقاهي في ولاية "أريزونا" (Arizona) وصرَّح لنادله بأنَّه سيطلق النار على بعض الأشخاص الذين يرتدون "العمامات"، وذلك بعد الحملة الإعلامية الضخمة التي استهدفت العرب والمسلمين دون أي دليل إدانة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك مانسون" (Mark Manson)، والذي يحدِّثنا فيه عن أهمية التسامُح والطريقة التي يجب أن نتسامح بها مع الآخرين.

ثمَّ عاد فرانك إلى المنزل، وحمل أسلحته في شاحنته، وأخذ يقود حول أرجاء المدينة بحثاً عن أهدافه ليقتلهم؛ وعندما مرَّ على محطة وقود، رأى رجلاً ذا لحية طويلة وعمامة اسمه "بالبير سينغ سودي" (Balbir Singh Sodhi) يزرع الزهور أمام محطة الوقود التي يديرها؛ فدخل "فرانك" إلى المحطة، ونزل من شاحنته، وأطلق النار على "بالبير" خمس مرات في ظهره؛ ممَّا أدَّى إلى مقتله على الفور.

لم يكن "بالبير سينغ سودي" (Balbir Singh Sodhi) عربياً أو حتى مسلماً؛ فقد كان من السيخ، أي ينتمي إلى ديانة نشأت قبل مئات السنين في الهند؛ ولكن بسبب الصور النمطية الثقافية، لم يدرك فرانك الفَارق بينهم. وعندما قُبِض عليه واعتقِلَ، أخذ "فرانك" يصرخ متعجباً، قائلاً: "أنا وطني! أنا أمريكي!".

حُكِم على "فرانك" بالإعدام، ولكنَّ شخصاً غير متوقَّع وقف وطلب عدم إعدامه، كان هذا الشخص هو "رانا" شقيق "بالبير". قال "رانا" بأنَّ قتل الرجل الذي قتل شقيقه سيحرمه من فرصته في التعبير عن الندم والنمو كفرد؛ فخُفِّضت العقوبة إلى السجن المؤبد.

سُرعان ما شعر "فرانك" بالندم والأسف الشديد، وعذَّبه ضميره لما اقترفت يداه، وقال أنَّه قد كان مخطئاً. وبعد سنوات، قال "فرانك" لـ "رانا": "أريدك أن تعرف أنَّني آسف من كل قلبي لما فعلته بأخيك، وفي يوم من الأيام، عندما يحين موعد الحساب، سأطلب رؤية أخيك، وأعانقه وأطلب منه العفو".

ولكنَّ ردَّ "رانا" كان أكثر صدمة من اعتراف "فرانك" بالندم؛ إذ قال له: "لقد سامحناك بالفعل".

أصبح "رانا" ناشطاً يعمل على تعزيز الوعي والفهم حول الثقافات المختلفة التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى تعزيز روح التسامح بين الناس. ومن خلال مغفرته هذه، اختار "رانا" شخصاً غير متوقَّع للعفو عنه، والذي كان "فرانك"، قاتل شقيقه.

وقال "فرانك": "أود أن أضم صوتي إلى صوته، وأقول لكلِّ من يسمعني أنَّنا جميعنا أخوة رغم اختلافاتنا. وكل ما يتطلَّبه الأمر هو رجل طيب يسامح في أمر سيء حدَث له وأثَّر في حياته وعائلته، فأخبروني أنتم، أي نوع من الرجال هذا؟".

فقال "رانا" بدوره لـ "فرانك": "إذا كان بإمكاني إخراجك من السجن، لكنتُ فعلتُها الآن، وإذا خرجتَ ذات يوم، فيمكننا أن نسرد هذه القصة للعالم سويةً".

والآن، هل تجدون ما سبق منطقياً؟ فأنا أجد صعوبة في مسامحة ساعي البريد على تأخره في تسليم بطاقة تأميني الصحي في الشهر الماضي، وذاك الرجل يتمنى أن يحرِّر قاتل شقيقه من السجن؟

أعلم أنَّ هذا يبدو غير منطقي، ولكنَّ الغفران الذي قدَّمه "رانا" حقيقي وصادق، فضلاً عن أنَّه ليس الوحيد الذي فعل ذلك؛ فقد سامح عدد من الناس علناً أشخاصاً قتلوا أحباءَهم، وتظهر قصص مثل هذه كل عدَّة أعوام في الأخبار.

إنَّ ما فعله "رانا" هو إنجاز عاطفي قوي لا يتمكَّن سوى القليل من الناس على هذا الكوكب القيام به. ولكنَّ النبأ السار أنَّ هذا الأمر جائز الحدوث؛ فهو يشبه تمرينات تقوية العضلات؛ أي تحتاج القدرة على التسامح إلى التدرُّبِ عليها وتنميتها على مدى فترة طويلة من الزمن. ومثلما تعمل عضلاتنا على تقوية أجسامنا، قد يمنح التسامح مزيداً من القوَّة لأرواحنا وحالتنا العاطفية.

شاهد بالفيديو: 15 قول عن التسامح والغفران

ما هو التسامح؟

إنَّ التسامح هو اختيار عدم السماح لأحداث الماضي السلبية بتحديد شعورك تجاه شخص ما أو شيء ما في الوقت الحاضر. ومن الجدير بالذكر، أنَّ للتسامح فوائد عديدة على الصحة النفسية؛ فهو يزيد مشاعر السعادة ويقلل مشاعر الغضب والحزن، كما يساعد على تخفيف القلق والاكتئاب، ويحسِّن جودة علاقاتك، ويحدُّ من خجلك الذاتي وعدم ثقتك بالآخرين.

لا يعني التسامح النسيان بالضرورة؛ فإذا احتال عليك أحدهم وسلبك بعض المال، لا يعني أنَّ عليك أن تعيره سيارتك في اليوم التالي بحجَّة أنَّك سامحته؛ فبوسعك مسامحته مع الحفاظ على أموالك، وكذلك الأمر بالنسبةِ للمعاملات، فيمكنك مسامحة شخص ما وإخراجه من حياتك في الوقت نفسه. كما أنَّه ليس من الضروري أن يعرف أحدهم أنَّك قد سامحته؛ إذ يمكنك أن تسامح من أجل نفسك فحسب، ومن أجل المضي قدماً في حياتك.

مرَّة أخرى، إنَّ التسامح هو اختيار عدم السماح لأحداث الماضي السلبية بتحديد شعورك تجاه شخص ما أو شيء ما في الوقت الحاضر؛ والهدف من ذلك هو توضيح أنَّ التسامح عملية نفسية بحتة، وليس من الضروري أن يكون لها أي تداعيات على أرض الواقع (إلَّا إن أردتَ أنتَ ذلك).

عندما تعيش وفي قلبك ضغينة تجاه أحدهم، وعندما تتمسَّك بالشعور بالغضب تجاه نفسك أو تجاه الآخرين، ستشعر بثقل العالم على كاهلك؛ إذ ستتسبَّب هذه المشاعر في استنزاف طاقتك وزيادة توترك وحرمانك من أن تحظى بالمرح في اللحظات السعيدة؛ لذا يُعدُّ تطوير القدرة على التخلُّص من مشاعر الضغينة والحقد ومسامحة الآخرين وسيلة فعَّالة للحفاظ على صحتك النفسية؛ ولهذا السبب، توصي الأديان جميعها بالتسامح.

تكمُن مشكلة الضغينة أو الحقد في أنَّه يجبرك على العيش في الماضي، والأمر نفسه بالنسبةِ للندم؛ فهو يجبرك على أن تظلَّ منخرطاً في اللحظة التي حدثت فيها الذكريات السيئة؛ وبالتالي عدم القدرة على مسامحة نفسك أو الآخرين؛ ممَّا يجعلك تظلُّ الشخص الذي كنتَ عليه، دون أي تطور أو اختلاف.

ورغم ذلك، فإنَّ الحديث عن التسامح أسهل بكثير من فعله، كما أنَّه لن يكون بالضرورة علاجاً لجميع الأمور؛ فقد سامحتُ بعض الناس في الماضي، ولكنِّي مازلتُ أشعر بالانزعاج وعدم الارتياح عندما أتعامل معهم، وأحياناً ما أرغب في تجنُّبهم. ولكن بالنسبة للعلاقات الهامَّة، تُعدُّ القدرة على التسامح والمضي قدماً أمراً هامَّاً للحفاظ على علاقة سليمة وسعيدة مع الأشخاص الذين تهتم لأمرهم. وحتى إذا كنتَ ما تزالُ غاضباً، ما يهم هو ألَّا تسمح بأن تُحدَّد العلاقة بناءً على هذا الغضب؛ لأنَّك إذا فعلت ذلك، سرعان ما ستصبح العلاقة سامَّة وهشَّة، وسيصعب استعادتها مرَّة أخرى.

إقرأ أيضاً: ماهي المشاكل التي يسببها الغضب؟ وماهي طرق التخلص منه؟

كيف تسامح شخصاً ما؟

قد يكون التسامح خادعاً نظراً لطبيعته العاطفية، فمن السهل أن تقول لنفسك: "سأسامح شخصاً ما على إساءته لي"، ولكن عندما يحين وقت التخلِّي عن هذا الغضب الداخلي، يبدو الأمر وكأنَّه مستحيلاً.

سنقدِّم فيما يلي خمس نصائح لتعزيز المزيد من التسامح في علاقاتك:

  1. افصل بين الفعل والشخص.
  2. افهم دوافعه وسبب فعله لما فعل.
  3. كُن متعاطفاً.
  4. ضَع حدوداً للعلاقة.
  5. تخلَّص من الارتباط العاطفي.

فلنفسِّرهم واحدةً تلو الأخرى:

1. افصل بين الفعل والشخص:

هناك مقولة تقول: "لا تنسب أي شيء إلى الضغينة والحقد، في الوقت الذي يمكنك أن تنسبه إلى الغباء".

أحبُّ هذه المقولة؛ لأنَّني أعتقد أنَّ الأشخاص الساديين قليلون في العالم، أمَّا بالنسبةِ لبقيَّتنا، فقد نكون جميعاً حمقى وبغيضين تماماً إذا وُضِعنا في سياقٍ خاطئٍ بمعلوماتٍ خاطئة.

نحن نستسلم جميعاً لسلوكات لا تعكس حقيقتنا، ففي الأسبوع الماضي -على سبيل المثال- تناولتُ كميةً كبيرةً جداً من الحلوى بمفردي، وشعرت بتأنيب ضميرٍ شديدٍ في الساعات الست التالية؛ فهل يعني هذا أنَّني شخصٌ عادةً ما يتناول كميةً كبيرةً من الحلوى بسبب شراهته للطعام؟ بالتأكيد لا، إنَّه مجرد فعل لم أكن فخوراً به؛ لأنَّه لا يتماشى مع قيمي ولا مع الشخص الذي أرغب أن أكون عليه؛ لذا سامحتُ نفسي على ذلك.

يُعدُّ الفصل بين الفعل والشخص أمراً في غاية الأهمية؛ لأنَّه يُحدِّد الطريقة التي ستُعامل بها أي شخص في حياتك. وتذكَّر: يفعل الجميع أموراً سيئة في حياتهم، ولكن قلَّة قليلة من الناس في هذا العالم يكونون سيئين بطبيعتهم.

تنطلق الأديان جميعها من هذا المفهوم، حيث تُشجِّع على التسامح غير المشروط الذي يبدأ بفصل الفعل عن الشخص؛ أمَّا من وجهة نظر دنيوية، إذا درستَ قدراً كافياً من علم النفس، فستكتشف أنَّه لا يوجد شيء في النفس ثابت إلى الأبد؛ لأنَّ الإنسان يتغيَّر ويتطوَّر دائماً؛ وبالتالي فأي شخص سيء قد تتغيَّر شخصيته وتتطور، أو يمتلك القدرة على ذلك على الأقل. وبناءً على ذلك، يكون التركيز على إمكانية التغيير أو التطور -أي إمكانية نشوء معتقدات وأعمال جديدة- هو جوهر التسامُح.

إقرأ أيضاً: حبّ الآخرين وفصل السلوك عن السالك

2. افهم دوافع الشخص المخطئ:

خُذها قاعدة عامة، يفعل الأشخاص الذين يؤذون غيرهم ما يفعلون لأنَّهم تعرَّضوا للأذى شخصياً. وكما قُلنا، قلَّة من الناس في هذا العالم هم أشخاص ساديون بطبيعتهم. أمَّا معظم الأشخاص الذين يبدو أنَّهم يستمتعون بإيذائك أو إيذاء الآخرين، فهم يعوِّضون الألم الذي يشعرون به. وكثيراً ما تدفعهم معتقداتهم الخاطئة إلى فعل بعض الأمور البغيضة؛ لأنَّهم يتَّسمون بمزيجٍ من الغباء والخوف وانعدام الأمان الذي يمنعهم من التشكيك في معتقداتهم تلك.

لذا، مهما فعل هذا الشخص، ابحث عن بعض التفسيرات لدوافعه. وإليك بعض الأمثلة:

  • تفعل المرأة التي تفتعل الكثير من الخلافات مع زوجها ذلك؛ لأنَّها تشعر بالوحدة وعدم الاهتمام.
  • يفعل الرجل الذي يتنصَّل من دفع ضرائبه ذلك؛ لأنَّه مرعوب من عجزه عن إعالة أسرته.
  • يشعر الرجل الذي سرق هاتفك بأنَّه يمتلك مبرراً للقيام بذلك؛ لأنَّه نشأ في بيئة فقيرة ودمَّرته الظروف مراراً وتكراراً على مدار حياته.

سواء كانت هذه الأسباب مبرِّرة للأفعال أم لا، فهذه ليست نقطة حديثنا؛ فالنقطة الهامَّة هي ألَّا تعتقد أنَّهم أشرار؛ إذ يشعر الجميع بأنَّ ما يفعلونه مبرَّر، وإلَّا لَما فعلوه!

قد تقول الآن: "ولكنَّ الفقر ليس مبرِّراً للسرقة". في الواقع أنت مُحق، لكنَّنا هكذا فصلنا الشخص عن الفعل، وتذكَّر أنَّ هذه ليست أعذاراً أو مبرِّرات؛ بل هي مجرَّد تفسيرات لدوافع الشخص المخطئ. وقبل أن تسامح شخصاً ما، يجب أن تفهم سبب قيامه بما فعله لتتمكن من التعاطف معه؛ فالتسامح في نهاية المطاف هو نوع من أنواع التعاطف.

3. تَعاطَف:

والآن، إليك الجزء الصعب، يجب أن تتعاطف مع الشخص الذي ألحق بك الأذى؛ فالتعاطف في حد ذاته مهارة متكاملة، ويعني أن تضع نفسك في مكان الآخرين وتتخيَّل أنَّك تعاني نفس الآلام التي يعانون منها. على سبيل المثال: إذا رأيت شخصاً قد استغني عنه في مكان عمله، فلتتخيَّل شعورك لو كنتَ مكانه، أو تتخيَّل مدى الألم والتوتُّر الناتجان عن الصراع مع الإدمان. الفكرة هنا أن تتحدى نفسك لتشعر بأي محنة قد يمرُّ بها الآخرين وكأنَّك تعيشها.

إنَّه لمن الصعب القيام بذلك، ولكنَّ التعاطف أحد أهم المهارات البشرية؛ فتعاطفنا هو أحد الأشياء التي تميِّزنا عن بقية المخلوقات، وهو ما ترتكز عليه الأخلاق، ويملأ الحياة بالمغزى.

وإذا كنت ترغب في تبسيط الأمر، فاعلم أنَّ التعاطف هو التسامح والعكس صحيح. فإذا كان التسامح هو القدرة على رؤية الشخص على أنَّه إنسان معقَّد ومتعدد الجوانب، فإنَّ التعاطف معه هو ما يجعلك تشعر بظروفه. وعندما لا ترى التصرف الخاطئ على أنَّه مجمل شخصية المُخطئ، وأنَّه مجرد جزء صغير ناتج عن ظروف معيَّنة، تكون قد وصلتَ إلى حالة التسامح.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

4. ضَع حدوداً في العلاقة:

بمجرد أن تتعاطف مع الشخص وتدرك أنَّه ليس سيئاً بطبيعته، فقد حان الوقت لتسأل نفسك عن الدور الذي تريده أن يلعبه في حياتك، إن وُجِد على الإطلاق. وغالباً ما تعتمد مدى صعوبة هذا على علاقتك بهذا الشخص؛ فإذا كان غريباً، سيكون الأمر سهلاً للغاية، فقد تطلب منه الابتعاد فحسب. أمَّا إذا كان صديقاً، فقد يكون الأمر أصعب قليلاً. وإذا كان أحد أفراد العائلة، سيكون الأمر صعباً للغاية.

سأقدِّم إليك بعض النصائح السريعة لوضع الحدود:

  • ضَع القواعد: حدِّد السلوكات التي سوف تقبلها والتي لن تقبلها.
  • حدِّد العواقب: إذا خالف شخص ما إحدى قواعدك، فما هي العواقب؟
  • افعل ما سبق بهدوء وتعاطف.

والأمر الهام بشأن النتيجة ليس في تقبُّل الآخرين لهذه الحدود بالضرورة؛ ففي النهاية، سيحترم بعض الناس الحدود التي تضعها، والبعض الآخر لا. ولكنَّ الأمر الهام هو أنَّ الحدود تمنحك إحساساً واضحاً بكيفية إدارة كل موقف مع كل فرد، بغضِّ النظر عمَّا يحدث.

5. تخلَّص من الارتباط العاطفي:

تتلخَّص الخطوة الأخيرة في التسامح في التخلُّص من الارتباط العاطفي الذي طوَّرتَه بعد كره هذا الشخص لفترة طويلة. فلتتخلَّص من مشاعر الحقد والغضب، وتخلَّ عن رؤى الانتقام؛ فهذا لن يساعد أي شخص، وخاصةً أنت.

قد تظل مشاعر الكراهية تتصاعد بداخلك حول شخص ما، ولكن عليك أن تحاول التخلُّص منها ببساطة. وبإمكانك فعل ذلك، فهناك حكمة قديمة تقول أنَّ بداخل كل منَّا ذئبين، أحدهما هو الحب، والثاني هو الخوف، والذئب الذي ينمو بداخلنا، هو الذئب الذي نطعمه؛ فأطعم الذئب المُحب.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الحاقدين والنقاد الذين يصدرون أحكاماً عليك وعلى عملك

كيف تسامح نفسك؟

ماذا لو كان الشخص السيئ الذي لا تستطيع مسامحته هو "أنت"؟

نرتكب جميعاً أخطاء نندم عليها في حياتنا، ونتمنَّى أن يعود بنا الزمن كي لا نكرِّرها، ونظل مُحمَّلين بالعار والشعور بالذنب. إنَّ الإجراء الذي يجب أن تتَّخذه في هذه الحالة هو ما ذكرناه تماماً (افصل بين الفعل والشخص)؛ فقد تكون فعلت شيئاً سيئاً، ولكنَّك لست شخصاً سيئاً بالمطلق. والخطوة الثانية أن تفهم دوافعك وتسأل نفسك ما الذي دفعك للقيام بذلك.

قد يكون التعاطف مع نفسك هو أصعب جزء في مسامحة نفسك. ولكن لا يجب أن تسأل نفسك عن دوافعك فحسب؛ بل عن الأشياء التي تلوم نفسك عليها دون أن تكون المسؤول عن حدوثها.

عندما نكون أطفالاً، نميل إلى تحمُّل الكثير من الأمور على عاتقنا وإلقاء اللوم على أنفسنا بسبب كل الأشياء المزعجة والفظيعة التي تحدث لنا، ثم نكبر ونحمل هذا الشعور بالعار والذنب دون أن ندرك؛ وبالتالي قد يستغرق الأمر سنوات من العلاج والمحاولات العميقة للتخلُّص من هذا الشعور.

ولأنَّ الكثير منَّا يجد صعوبة في التعاطف مع ذاته، سأقدم إليك خدعة لطيفة: تخيَّل أنَّ صديقك المُقرَّب هو من قام بالفعل السيء الذي قمتَ به، ماذا ستقول له إن كان منزعجاً من ذلك؟ هل سوف تنتقده أو تحكم عليه؟ هل ستوبخه؟ على الأغلب لا. حاول أن تقول لنفسك ما كنت ستقوله له.

والخطوة التالية، هي وضع الحدود، ضَع قواعد لنفسك، على سبيل المثال: "عندما أنجب أطفالاً، لن أفعل بهم ما فعله بي والدي أبداً". فالندم يكون مجرَّد ندم إذا لم تتعلم منه شيئاً؛ فتعلَّم من آلامك واخلق منها قواعد وحدوداً لنفسك.

وأخيراً، تخلَّص من الارتباط العاطفي؛ فكراهية نفسك أمر شاق ومبالغ فيه، كما يوجد الكثير من الأشياء الجيدة التي يمكنك استغلال طاقتك فيها بدلاً من تأنيب ذاتك، لذا، دَعك من الماضي ورؤية ما كنتَ عليه، وركز على رؤية ما يمكنك أن تصبح عليه، ثمَّ اتَّخذ خطوة نحو ذلك، ولا تنظر أبداً إلى الخلف.

المصدر




مقالات مرتبطة