كيف تدير وقتك؟

عندما يخطط كل فرد منا للقيام بأي عمل فهو بشكل تلقائي يقرنه بالوقت، فيقول: "سوف أبدأ بتنفيذ العمل في الساعة كذا، ويجب أن أنهيه في الساعة كذا"، ففي الواقع يقدِّر أغلب الناس أهمية الوقت ويحاولون جاهدين استغلاله بما ينفع حياتهم، فالوقت هو المورد الثمين للإنسان غير القابل للتجديد أو للتخزين، ولا يمكن شراؤه أو بيعه، كما لا يمكن تأجيره أو استعارته أو توفيره، فهو أنفس ما قد يملك الإنسان؛ إذ يتخلل كل جزء من حياته وفي كل مرحلة أيضاً.



لذا الأمر يتطلب منا التفكير الجيد بكيفية استغلاله على النحو الأفضل والمفيد، وكما قال رسول الله ﷺ: "لا تزول قَدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟".

الالتزام بالوقت واستثماره هو التزام أخلاقي من حيث المبدأ، وقد صُنِعَت الحياة وفقه، ويُمنَح لكل الأفراد بالتساوي بصرف النظر عن صفاتهم الأخرى، فكل إنسان يملك 24 ساعة في اليوم و168 في الأسبوع و87669 في السنة، فلا شيء أطول من الوقت لأنَّه مقياس الخلود ولا شيء أقصر منه لأنَّه لا يكفي ليحقق الإنسان كل ما يريده؛ إذ يمتد إلى ما لا نهاية، ولكنَّه لا يحترم الإنسان فلا يتوقف أبداً، وهو سريع الانقضاء؛ لذا يجب أن تفكر كيف تدير وقتك وفيما يجب أن تستغله لتحقيق المنافع لنفسك وللمحيطين بك أيضاً.

أولاً: الوقت وأنواعه

يُعَدُّ الوقت البعد المثالي الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان عند أداء أي عمل، ولا يمكننا الحفاظ على الوقت، لكن يمكننا تجنب هدره وضياعه؛ بل بإمكاننا تعظيمه وتحقيق الإنجازات باستغلاله بالشكل الصحيح والمدروس؛ أي قضاؤه بحكمة، ويقسم الوقت إلى أربعة أنواع:

الوقت الإبداعي: هو الوقت الذي يُخصَّص من أجل التفكير والتخطيط لما يجب أن تقوم به، كما يتضمن تنظيم العمل وتقسيمه بالشكل الذي يتوافق مع الوقت المتاح.

  1. الوقت التحضيري: هو الوقت الذي يُخصَّص للتحضر لإنجاز عمل ما واستكمال ما يحتاج إليه هذا العمل لينجز كما يجب سواء كان ذلك أدوات أم مستلزمات أم غير ذلك.
  2. الوقت الإنتاجي: يعبر عن الوقت الذي يتم فيه إنجاز العمل الذي تم التخطيط له بشكل مسبق خلال الوقت الإبداعي.
  3. الوقت العام: هو الوقت الذي يُخصَّص للقيام بنشاطات وأعمال فرعية لها تأثير حقيقي وهام في نجاح العمل الرئيس.

أما من ناحية ارتباط الوقت بالنشاطات الأساسية الضرورية في الحياة التي يقوم بها الإنسان فيقسم الوقت إلى:

  • الوقت الذي يصعب تنظيمه: وهو الوقت الذي نستخدمه في القيام بالحاجات الأساسية مثل الطعام والنوم وتعزيز الروابط الأسرية.
  • الوقت الذي يمكن تنظيمه: هو وقت العمل الجاد، ويختلف الناس في قدرتهم على طريقة تنظيمه واستغلاله، وهذا النوع من الوقت ينقسم بدوره إلى نوعين فرعيين؛ الأول وقت الذروة وهو الوقت الذي نكون فيه على أتم الاستعداد وبكامل حضورنا الذهني والعقلي، والنوع الثاني وقت الخمول الذي نكون خلاله في أدنى حالات حضورنا الذهني وتركيزنا.

ثانياً: كيف تدير وقتك؟

إدارة الوقت مفهوم عام في كل زمان ومكان، وهو يشمل إضافة إلى إدارة وقت العمل إدارة الوقت الخاص أيضاً، وإدارة الوقت هي عملية متكاملة تشمل التخطيط والتحليل والتنظيم والتقييم لكل ما يتم تنفيذه باستمرار للوقوف على الأخطاء وتصحيحها في الوقت المناسب.

إدارة الوقت تعني إدارة الذات وإدارة الحاجات وإدارة الإمكانات المتاحة وإدارة النشاطات والأعمال التي تؤدَّى في الوقت، وتعني الاستخدام الأمثل للوقت بالاستغلال الكفء للموارد المتاحة والإمكانات المتوفرة وبطريقة وأسلوب يؤديان إلى تحقيق الأهداف في الزمن الحاضر وبناء أساسيات من أجل ضمان مستقبل جيد، ومن ثمَّ تحقيق التوازن في حياة الفرد ما بين الواجبات والرغبات والأهداف.

شاهد بالفيديو: كيف تتقن فن إدارة الوقت؟

إليك بعض النصائح التي سوف تساعدك على إدارة وقتك بنجاح:

  1. حدِّد إلى أي مدى تتحكَّم بوقتك وأعطِ لنفسك نسبة مئوية تساعدك على الحكم على وقتك.
  2. حدِّد مسار نشاطك اليومي؛ متى تكون في قمة نشاطك وتكون أكثر حضوراً جسدياً وعقلياً؟ وأي الأوقات تشعر فيها بالخمول وتريد الراحة خلالها فقط؟ ومن ثم أعد ترتيب أعمالك وتوزيعها من جديد؛ إذ يجب عليك:
  • أن تحدِّد قائمة بالأشياء الواجب إنجازها سواء خلال اليوم أم الأسبوع أم الشهر أم السنة.
  • أن تقدِّر الوقت اللازم لكل واجب من القائمة السابقة مع الحرص على ترتيب الأولويات والجمع بين المهام المتشابهة.
  1. احرص على أن تكون القائمة منطقية، فيجب أن يتناسب الوقت المخصص لكل نشاط مع قدراتك الحقيقية، فلا يكون الوقت قليلاً بحيث لا يتسع للقيام بنشاطك وفقاً لقدراتك الذاتية، ولا يكون كثيراً بحيث يتبقى كثيرٌ من الوقت بسبب وجود قدرات كبيرة لديك.
  2. عدِّل القائمة التي وضعتها وفقاً للمتغيرات الطارئة فقط والظروف غير المحسوبة التي تحدث؛ أي ضع خطة مرنة يسهل التحكم بها.
  3. اكتب الأعمال التي تم تسجيلها ولم تنجز واذكر السبب الذي أدى إلى عدم إنجازها في وقتها.
  4. احرص على عدم تأجيل أي نشاط ولا تدع للكسل باباً إليك.
  5. أعطِ بعض النشاطات وقتاً إضافياً طالما كان ذلك لإنجازها بالشكل المناسب.
  6. لا تقم بتقليب القائمة وعدِّ ما تبقى من نشاطات وواجبات، فذلك سوف يضعف من همتك.
  7. قيِّم مدى التزامك بالخطة وأعطِ لنفسك نسبة مئوية كي تستطيع تدارك الأخطاء ورصد مدى تقدُّمك في إدارة وقتك.
  8. التزم بتنفيذ أهدافك الخاصة التي وضعتها بنفسك وليس ما يضعه الآخرون لك، فذلك سوف يضعف من همتك ويقلل دوافعك للالتزام بالقائمة التي وضعتها.
  9. حاول ألا تقضي كثيراً من الوقت في النشاطات الترفيهية والتسلية، فهي من أكثر الأشياء تسبباً في ضياع الوقت وهدره.
  10. احرص على إيجاد التوازن في القائمة التي تضعها بين واجباتك واهتماماتك ورغباتك كذلك.
  11. حفِّز نفسك بعد كل عمل تنجزه من الأعمال المسجلة في القائمة مهما كان بسيطاً أو صغيراً.
  12. لا تخجل من طلب المساعدة عند حاجتك إليها.
  13. ابتعد عن الندم على ما فات من وقت واستثمر كل لحظة جديدة في حياتك.
  14. لا تبدأ بعمل وتتركه في المنتصف؛ بل عليك أن تكمله حتى ينتهي تماماً وبأفضل شكل تستطيع أن تقوم به.
  15. لا تضيع وقتك أو جهدك في القيام بأعمال غير منتجة مهما كنت تستمتع بالقيام بها.
  16. القائمة أو الجدول الموضوع هو للمساعدة على ضبط الوقت وليس قيداً تخاف منه.
  17. حدِّد المشتتات وجِدْ حلاً لها.

ثالثاً: العوامل التي تؤثر في إدارة وقتك

  1. المواظبة والالتزام: فالتزامك بتنفيذ ما وضعته لنفسك من مهام ضمن الوقت المخطط يؤثر في نجاح إدارتك لوقتك.
  2. المستوى التعليمي الذي أحرزته وما وصلت إليه من ثقافة: فعلمك سوف يساعدك على التخطيط الجيد.
  3. الخبرة: خبرتك في إنجاز الأعمال سوف تختصر عليك كثيراً من الوقت الذي يمكن أن توظفه في تعلُّم أشياء جديدة نافعة.
  4. طرائق أداء العمل: فالطريقة التي تنجز فيها الأعمال تحدِّد الوقت الذي سوف تقضيه في إنجازها؛ إذ يمكنك استخدام بعض الأدوات والتقنيات الحديثة، ومن ثمَّ كسب مزيدٍ من الوقت لمصلحتك.

رابعاً: مصفوفة إدارة الوقت

هذه المصفوفة عبارة عن نظرية وضعها "ستيفن كوفي" والهدف منها أن يعرف كل فرد الأولويات في حياته ويرتبها حسب أهميتها من الأكثر إلحاحاً إلى الأقل؛ إذ تتألف هذه المصفوفة من أربعة أقسام وفي كل قسم يتم وضع مجموعة من المهام الواجب القيام بها وهذه الأقسام هي:

  • هام وعاجل: يجب القيام بها دون أدنى تقصير أو تأجيل.
  • هام وغير عاجل: أبقها ضمن تركيزك.
  • غير هام وعاجل: هنا يجب أن تبحث عن شخص يمكن أن تفوضه بإتمامها بدلاً من أن تقوم أنت بإضاعة الوقت عليها.
  • غير هام وغير عاجل: لا تنشغل بها أبداً ويُفضَّل أن تنساها تماماً.
إقرأ أيضاً: مصفوفة إدارة الوقت: كيف تتقن فن إدارة الوقت

خامساً: أقوال في أهمية الوقت

  1. الشاعر أبو العلاء المعري: "ثلاثة ليس لها إياب: الوقت والجمال والشباب".
  2. يحيى بن هبيرة: "الوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع".
  3. الإمام الشافعي: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فبادر أنت بقطعه".
  4. عمر بن عبد العزيز: "إنَّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما".
  5. الحسن البصري: "يا ابن آدم إنَّما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك".
  6. أحمد شوقي: "دقات قلب المرء قائلة له، إنَّ الحياة دقائق وثوانٍ".
  7. شهاب الدين الأبشيهي: "إذا كان رأس المال عمرك، فاحترز عليه من التضييع في غير واجب".
  8. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال: "ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد في علمي".
إقرأ أيضاً: أهمية الوقت في حياتنا وأهم النصائح لإدارة الوقت واستثماره

في الختام:

إدارة وقتك بشكل جيد هي سبيل تحقيقك لأهدافك، فهي تختصر الطريق الطويل وتمنحك أعظم النجاحات، فمن خلال إدارة الوقت سوف تستطيع استغلال الموارد المتاحة أمامك والتقليل من الخسائر، وسوف تحسِّن من إنتاجيتك بصفتك فرداً، وسيكون لديك متسع من الوقت لاكتساب مهارات جديدة وتعزيز قدراتك الذاتية الفردية منها والجماعية، كما أنَّ التنظيم سيخفف من الضغوطات عليك والتوتر والقلق نتيجة تراكم الأعمال، إضافة إلى أنَّ التنظيم سيمنحك وقتاً أكبر تقضيه مع عائلتك وأصدقائك وكذلك في تعلم أشياء جديدة.




مقالات مرتبطة