كيف تحقق النجاح على الرغم من صعوبة الحياة؟

لطالما تملَّكني شغف بتحقيق الحرية المالية، وتكوين ثروتي الخاصة، والتخلُّص من كل الديون، خلال فترة المراهقة بنيت أحلاماً كبيرة، كامتلاك منزل بعد عامين من التخرج، وسداد جميع القروض الطلابية خلال العام الأول بعد التخرج، كنت أظنُّ أنَّ حياتي ستكون رائعة، وعزمت أن ألتحقَ بكلية الطب، وأصبح جرَّاحة، وأجني مالاً وفيراً، وأستمتع بحياتي المستقبلية مع زوجي وأطفالي دون ديون.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "روث جوي كونيل" (Ruth Joy Connell)، وتحدِّثنا فيه عن الصعوبات التي واجهتها في طريقها نحو النجاح.

تبدد الطموحات:

لكن لم يحدث ما كنت أحلم به، وتبدَّد كل ما خطَّطتُ له خلال السنة الأولى في الجامعة، فقد واجهت صعوبات كبيرة للنجاح في مواد الكلية، وبدأتُ أعيد النظر برغبتي في تخصُّص الجراحة، كما بدت فكرة التخلُّص من الديون صعبة التحقيق لا سيما أنِّي كنت ما زلت أطلب المال لتسديد احتياجاتي وأتأخَّر في دفع الإيجار، وازداد وضعي الدراسي سوءاً، فقد تحوَّلتُ من طالبة متفوقة إلى مستوى قريب من الرسوب.

لم أدرك حقاً لِمَ تلاشت رغبتي بدراسة الطب، ولم أعرف إن كنت حقاً لم أعد أرغب بها، أم بسبب تراجع مستواي الدراسي، وممَّا زاد الأمر سوءاً أنَّه لطالما تحدثت خلال السنوات السابقة أمام العائلة والأصدقاء عن نيتي وإصراري أن أصبح طبيبة جراحة لدرجة أنَّ الجميع كان متأكداً أنَّ ذلك سيتحقق.

شاهد بالفيديو: 9 عقبات تمنعك دائماً من الوصول إلى النجاح

تغيير المسار:

الآن تجاوزت هذه السنة بنجاح في جميع المواد، لكنَّني أعدتُ التفكير بشأن كلية الطب، وقرَّرت أن أغيِّر هدفي نحو علم النفس، وهذا ما تسبَّب بغضب كبير لكل من حولي من الأحبة والعائلة والأصدقاء، إضافة إلى حيرتهم الكبيرة وتساؤلهم عن سبب التغيير الذي حصل معي، وما إذا كان ثمَّة من يشتِّت انتباهي عمَّا كنت أريده.

لم يكن عندي جواب على كل تلك التساؤلات، فقد كنت تائهة لا أعرف إلى أين أتجه، ومتى سأصل، وهل سيكون خياري المهني الجديد مربحاً، فعند دراسة علم النفس سيتساءل الجميع عن عملك في المستقبل وهذا ما كنت أجهله تماماً.

ممَّا زاد الأمر سوءاً أنَّ وزني بدأ بالازدياد، وطاقتي تناقصت تدريجياً، وكنت أظنُّ أنَّ ذلك يحدث بسبب ضغط الدارسة وعدم ممارسة الرياضة، ولم يكن لدي أي فكرة في ذلك الوقت أنَّها علامات مبكِّرة للاكتئاب والقلق، ومرَّ بعدها عامان مليئان بالتغييرات والتجارب الفاشلة، وعندها أدركتُ أنَّ ما أشعر به هو أكثر من مجرد قلق دراسي.

انتظرت أن يزول ذلك الشعور الثقيل بالإرهاق، فقد كانت لدي صعوبة كبيرة بممارسة النشاطات اليومية الاعتيادية، كالطبخ، والرياضة، أو حتى مجرد الالتقاء بالأصدقاء، لطالما كنت أفكِّر وأتساءل ما الذي يحدث لي، ولِمَ لا أفعل ما أريده ببساطة وحسب؟

لكنَّني لم أستطع، فقد كنت أتأخر بتسليم المهام، أو لا أستطيع إنجازها على الإطلاق، وأتأخر في حضور المناسبات، وأتجنَّب الحديث مع الناس، وأتناول الوجبات السريعة باستمرار؛ لأنَّه لم تكن لدي طاقة لأطهو طعامي بنفسي.

لطالما اعتدت أن أكون منجزة وفاعلة ومحفِّزة لكل من يريد أن يحقِّق فكرة ما، وفجأة تغيَّر كل شيء، وأصبحت بالكاد أقوم بالأمور الأساسية، وفي النهاية طلبت المساعدة بعد أن أدركت أنَّ ما كنت أمرُّ به كان أعراضاً لنوبات القلق والذعر، وأنَّ الإرهاق الذي أصابني كان من أعراض الاكتئاب.

إقرأ أيضاً: 12 طريقة للعودة إلى المسار الصحيح عندما تسوء الأمور

تجربتي مع الاكتئاب:

رفضتُ حقيقة إصابتي بالاكتئاب حتى إنَّني كنت أرفض الحديث عن الأمر للعلن، وظننتُ أنَّني سأتخلَّص من التوتر بمجرد أن تنتهي الدراسة، وسيعود كل شيء إلى طبيعته، لكن هذا لم يحدث، انتهى الفصل الدراسي وما زلت أعاني من الإرهاق، كنت رافضة فكرة معاناتي من اضطراب في الصحة العقلية خوفاً من نظرة الناس لي، شعرت أنَّني فقدت الدافع لخسارة الوزن أو النجاح في العمل أو حتى إعداد الطعام كما كنت في السابق، لقد كان ذلك بمنزلة هزيمة بالنسبة إلي.

لم أكن أريد الاستسلام، لكنَّني كنت أحتاج إلى إدراك وقبول ما أعاني منه والتعامل معه كي لا يهزمني، بدأتُ في وضع بعض المهام اليومية كي أشعر بالإنجاز في كل يوم، فمثلاً خصَّصت 15 دقيقة يومياً فقط لممارسة التمرينات الرياضية، وقرَّرت أن أنجز شيئاً كل يوم، وخصَّصت يوماً واحداً في الأسبوع للخروج مع أصدقائي، لقد كنت بطيئة في الإنجاز، لكن كنتُ مُصِرَّةً على الاستمرار.

كنت أحتاج إلى التدرب على الالتزام، ووضع مفهوم جديد للتحفيز والدافع لكيلا أستسلم عندما أمر بلحظات الضعف، فالالتزام بالنسبة إليَّ هو فعل الشيء على الرَّغم من عدم الرغبة بذلك، وهذا ما كنت أشعر به معظم الوقت، وقد فعلت أشياء مساعدة، مثل ارتداء الملابس الرياضية طوال الوقت لكي أستطيع أن ألتزم بممارسة الرياضة لـ 15 دقيقة، وتعلَّمت أن أكون رحيمة بنفسي وأقدِّر الأشياء البسيطة التي أنجزتها، كإعداد الطعام، أو غسل الملابس.

لقد كانت هذه التجربة درساً في الإصرار والاستمرارية حتى في الأوقات التي لم أحقِّق بها شيئاً، وليس لديَّ ما أقدِّمه وأفعله، أو أنَّ ما أريده صعب المنال، لقد تعلَّمت وما زلت أتعلم تجزئة المهام لتكون أكثر قابلية للإدارة بحيث أتمكَّن كل يوم من تحقيق تقدُّم نحو إنجاز أهدافي.

إقرأ أيضاً: انتكاسة الاكتئاب: أسبابها وأعراضها وطرق علاجها

في الختام:

كلنا في الحياة لدينا صعوبات، قد تكون مالية أو عاطفية، كفقدان عزيز، أو القلق والاكتئاب، وقد تشكِّل أحلامك الكبيرة أو توقعات الآخرين أو حتى توقعاتك عن نفسك عبئاً ثقيلاً يمنعك من الحركة، لكن يمكن لتجربتي أن تعطيك أملاً وإثباتاً بأنَّك تستطيع أيضاً أن تفعل مثلي وألَّا تستسلم، وحتى اليوم ما زلت أتعلَّم وأقوم بإنجازات صغيرة، وأنت يمكنك أن تفعل ذلك أيضاً، فقد تمرُّ بفترات صعبة في حياتك تعوقك من التقدم السريع، وتجبرك على التروي والصبر، ولا بأس بذلك فالهام ألَّا تتوقف، استمر بالسعي نحو هدفك ولو على نحو بطيء.

الآن أنا في السنة الثانية من الجامعة، وتبقَّى لي أربع مواد لأتجاوزها، لم تكن رحلة سهلة، لكنَّني أقرب للهدف ما كنت عليه سابقاً.

أظنُّ أنَّنا نستطيع تحقيق أي شي نريده، ربما لن نستطيع تحقيق كل أهدافنا بوقت واحد، لكن مع الاستمرار في السعي سنصل إلى ما نريد؛ لذا اجعل أحلامك كبيرة، وليكن سعيك مصدر إلهام للآخرين، مثل تجربتي التي حاولتُ أن أرويها في هذا المقال.




مقالات مرتبطة