كيف تحد من سيطرة مشاعرك على أفكارك وقراراتك؟

تأخذنا العواطف دون أن نشعر، وتدفعنا إلى قرارات أو مواقف أو أماكن ربما لم نخطِّط لها أو لم نتوقع الوصول إليها يوماً، ونحن في وسط هذه العواصف مجرد ريشة تتقاذفها رياح العواطف. والمصيبة أنَّنا لم نعد ندري إن كانت الأفكار التي تتدفق في عقولنا صنيعة أدمغتنا، أم أنَّها نتاج عواطف لحظية عابرة تدفعنا إلى اتخاذ قرارات مصيرية لا يمكن التراجع عنها ثمَّ تتركنا إلى مصيرنا.



ما هو التنظيم الذاتي؟ 

التنظيم الذاتي، والمعروف أيضاً باسم التنظيم العاطفي، هو عملية الإدارة الواعية لما نشعر به أو ما يعترينا من المشاعر أو الأفكار أو الأحداث أو التجارب أو السلوكات، بعبارة أخرى؛ يسمح لنا التنظيم الذاتي بممارسة الذكاء العاطفي، ويسمح لنا بعدم ترك مشاعرنا تتحكَّم بنا. 

على سبيل المثال، يمكن أن تساعدنا ممارسة التنظيم الذاتي على التوقف والتروي عندما ننزعج من صديق أو أحد أفراد الأسرة، فلا نقول كلاماً انفعالياً قد لا نعنيه في الوقت الحالي، ويمكن أن يشمل التنظيم الذاتي أيضاً ممارسات التفكير الذاتي، والتأمل، ويسمح لنا بفهم السبب وراء الحالات العاطفية السلبية؛ مثل القلق أو الغضب.

أولئك الذين هم على دراية جيدة بالتنظيم الذاتي يجيدون فن الاستراحة من العمل، والنشاط البدني، والمحادثات المشحونة عاطفياً، من أجل الحفاظ على سيطرتهم على ما يشعرون به، وعادةً ما يؤدي التنظيم العاطفي القوي إلى نتائج صحية أفضل وأداء مهني أفضل؛ لذلك من الضروري أن يوجِّه المعلمون طلابهم إلى تعلُّم هذه المهارات مبكِّراً.

بخلاف ذلك، يمكن أن يؤدي ضعف التنظيم الذاتي (أو ضعف التنظيم العاطفي) إلى سلوكات غير صحية، مثل الشجار مع الأصدقاء، أو إيذاء النفس؛ إذ توفِّر هذه الأنواع من السلوكات راحة عاطفية فورية، ولكنَّها تسبب ضرراً كبيراً على الأمد الطويل. 

كيف تؤثر العواطف والأفكار فينا؟

عندما نكون سعداء، قد نشعر بأحاسيس جسدية، مثل الإثارة، والطاقة، أو استرخاء عضلاتنا، وانخفاض التوتر، ومن ناحية أخرى، عندما نشعر بمشاعر سلبية؛ مثل الإجهاد الشديد، قد نفقد شهيتنا ونعاني من الصداع، وعندما نشعر بالقلق، قد تتوتر عضلاتنا، وتصبح أنفاسنا أضعف وأسرع، ويمكن للأحاسيس الجسدية أن تساهم في الانفعالات العاطفية أو المشاعر السلبية؛ بعبارة أخرى، تستجيب أجسامنا استجابةً سلبيةً للمشاعر السيئة، فتساهم في تفاقم حالتنا العاطفية نحو الأسوأ.

شاهد بالفيديو: كيف يساعدنا الشعور بالامتنان في التغلب على العواطف المضطربة؟

يختلف تأثير العواطف في طريقة التفكير بحسب العمر:

الأطفال الأصغر سناً معرضون للمشاعر والانفجارات الانفعالية، ويرجع ذلك إلى كيفية عمل أدمغتهم وتطورها، فلا يمتلك الأطفال والمراهقون عادةً قشرة ناضجة أمام الجبهة، وهي منطقة دماغية تساهم في التنظيم الذاتي من خلال توفير القدرة على ممارسة التحكم المعرفي. 

التحكم المعرفي هو مجموعة من القدرات التي تساعد البشر على توجيه السلوك نحو إجراءات محددة وذات صلة بموقف معيَّن، على سبيل المثال، نحن نستجيب بصورة مختلفة عندما ينتقدنا المعلم مقارنة بزميلنا؛ إذ إنَّ موقف زميلنا سيكون أكثر رسميةً واحتراماً، في حين قد لا يكون موقفنا كذلك.

نظراً لأنَّ قشرة الفص الجبهي لدى الشباب لم تتطور تطوراً كاملاً؛ فإنَّهم عرضة لضعف التحكم المعرفي، فإذا لم يتم إشراك قشرة الفص الجبهي مع نمو الأطفال، فقد يتكوَّن لديهم قدرات تحكُّم معرفية عامَّة ضعيفة على الرَّغم من تقدُّمهم في السن، ويمكن أن يؤدي سوء التنظيم الذاتي إلى ضعف الأداء الدراسي في المستقبل، وعدم القدرة على تكوين علاقات جيدة، ومشكلات الصحة العقلية مثل الاكتئاب أو القلق. 

مثال عن تأثير المشاعر في الأفكار عند طلاب المدارس:

توجد عدة ضغوطات مجتمعية تمنعنا من إظهار المشاعر إلى العلن، وغالباً ما تأتي هذه الضغوطات من آبائنا وأقراننا وثقافتنا الشعبية، ويمكن أن يؤدي الاحتفاظ بالعواطف دون منفذ إلى دورات لا تنتهي من التفكير السلبي التي يمكن أن تزيد من الاكتئاب والقلق، ويمكن أن يؤثر عدم التعبير عن المشاعر بطريقة صحيحة سلباً في العلاقات مع الأصدقاء وزملاء الدراسة والمعلمين والعائلة.

دور المدرسة في تشجيع التعبير عن المشاعر:

يمكن للمدرسين مساعدة الطلاب من خلال إنشاء مساحة آمنة في الفصل الدراسي لمشاركة المشاعر مع بعضهم بعضاً، ويجب تشجيع عادات المشاركة العاطفية الصحية، على سبيل المثال، تشجيع الطلاب على مناقشة مشاعرهم ومشاركتها بعد الخلاف، وإذا لم يشعر الطلاب بالراحة في المشاركة مع مجموعة، يمكن أن يؤدي المعلمون دور المستمعين للتحدث مع طلابهم، ويجب على المعلمين تشجيع التلاميذ على التحدث عن مشاعرهم مع والديهم أو أصدقائهم أو أقاربهم. 

تدريب الأطفال على تسمية مشاعرهم كي يتعاملوا معها:

أحد تكتيكات التعلم العاطفي الاجتماعي الفعَّال للطلاب لفهم عواطفهم والتغلُّب عليها هو وضع اسم لما يشعرون به، فبمجرَّد أن يتمكَّن الطلاب من تعيين أسماء لعواطفهم، يصبح التعرف إلى المشاعر وإدارتها والتحكُّم فيها أسهل؛ إذ تساعد تسمية المشاعر الطالب على فهم سبب شعوره بالطريقة التي هي عليه.

على سبيل المثال، قد يكون الطالب الحزين قادراً على فهم أنَّه يفتقد والديه الموجودين خارج المدينة، وأنَّ الحزن يجعله يتصرف بأسلوب الانسحاب وعدم المشاركة، فيمكن أن يسمح له تسمية الشعور بفهم "السبب" وراء سلوكه، والسماح لهم بالتعبير عن مشاعره من أجل تجاوزها. 

يمكن للمعلمين إجراء بعض التمارين للتدرُّب على تسمية المشاعر؛ إذ يمكن للطلاب طرح قائمة طويلة من المشاعر المختلفة، ثمَّ معرفة أي منها يتطابق مع الطريقة التي يشعرون بها حالياً، ويمكن للمدرسين أيضاً أن يسألوا الطلاب عن شعورهم على انفراد، أو إعداد مساحة خاصة في الفصل الدراسي؛ إذ يمكن للطلاب كتابة مشاعرهم الحالية، وعندما يمارس الطلاب هذه الأنشطة باستمرار، فإنَّهم يطوِّرون وعياً ذاتياً وعادات توفِّر لهم مزيداً من المرونة لمواجهة تحديات الحياة. 

اكتب ما تشعر به:

بعد أن يطوِّر الطلاب قدرتهم على تسمية المشاعر، يمكنهم التدرب على الكتابة عنها بمزيد من التفصيل، فالكتابة عن العواطف في سياق موقف أو قصة يمكن أن تكون منفذاً للتخلي عن المشاعر السلبية، وعندما يتعلق الأمر بكتابة المشاعر، يمكن للمدرسين مرة أخرى تخصيص وقت للأنشطة الجماعية أو الفردية، والتي يمكن أن تكون بسيطة، مثل وضع 20 دقيقة يومياً مخصَّصة للكتابة عن المشاعر، ويمكن تنظيم نشاط جماعي، مثل ورقة عمل تحتوي على قصة مع حبكة؛ إذ تمرُّ الشخصية الرئيسة بمواقف من شأنها أن تجعلها تشعر بطريقة معيَّنة، وسيحدِّد الطلاب المشاعر التي يمكن أن تشعر بها الشخصية ولماذا.

ارسم ما تشعر به:

قد يكون من المفيد تشجيع الطلاب على رسم ما قد تبدو عليه مشاعرهم، ويمكن أن يشمل ذلك استخدام الألوان والأشكال، أو رسم الطلاب لموقف يتماشى عادةً مع عاطفة معينة، ويمكن أن يساعد دمج تمارين الكتابة والرسم الطلاب على تحديد عواطفهم، ومن ثمَّ تسهيل إدارتها، وتحسين قدراتهم على التنظيم الذاتي.

إقرأ أيضاً: كيف نتقن فن إدارة المشاعر والتحكم بعواطفنا؟

بناء عادات صحية للتعامل مع الضغط النفسي والعاطفي:

يمكن للمدرسين مساعدة الطلاب على تطوير عادات صحية للتعامل مع الضغط النفسي، على سبيل المثال، الطلاب الذين يضعون توقعات معقولة عن نتائج اختباراتهم، سيكون لديهم وقت أسهل في الوصول إلى أهدافهم وعدم الشعور بخيبة أمل من نتائج اختبار معيَّن، فمن خلال تحديد هدف في وقت مبكر، والعمل على تحقيق هذا الهدف، يمكن للطالب تقسيم ما يجب القيام به إلى خطوات عمل أصغر يمكن التحكم بها على مدار اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو الفصل الدراسي، وينتج عن هذه العادات إدارة فعَّالة للضغط النفسي وإيقاف دائرة القلق والتوتر. 

إضافةً إلى ذلك، إنَّ تحديد توقعات معقولة يمكن أن يخفِّف من تأثير حدث مخيِّب للآمال، مثل نتيجة ضعيفة في الاختبار، أو عدم تكوين فريق رياضي، أو تفويت حفلة عيد ميلاد أحد الأصدقاء بسبب حالة طوارئ عائلية، فإنَّ تخفيف هذا التأثير العاطفي يجعل من السهل التحكم بكل العواطف والأفكار السلبية المرتبطة بخيبة الأمل، ويسمح للطلاب باستخدام مهارات التنظيم الذاتي الخاصة بهم دون الانغماس في الانفعالات العاطفية.

إقرأ أيضاً: الضغط النفسي: تعريفه، وأسبابه، وطرق علاجه

في الختام:

لا يمكن للإنسان أن يكون عقلانياً بصورة كاملة، فالعواطف جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية السليمة، لكن ما يجب علينا الاهتمام به، هو التحكُّم بهذه العواطف عندما تكون أمامنا قرارات مصيرية لا يمكن التراجع عنها.




مقالات مرتبطة