كيف تتوقف عن الشعور بالتعاسة تجاه نجاح الآخرين؟

بات العديد من الناس يظنون أنَّ تحقيق نجاحاتهم هدفُهم الأعظم في ظلِّ عالم يعرِض فيه الآخرون مثل تلك الإنجازات وكأنَّها جوائز حصدوها.



لكن ما ندعوه بـ "النجاح" في الحقيقة هو مقياس شخصي تماماً يجده بعضهم في امتلاك المال والشُهرة والنفوذ والممتلكات المادية، بينما يعني للآخرين أن يكونوا آباء صالحين أو أن تكون نواياهم حسنة أو أن يثق بهم الآخرون مثلاً.

يشعر الفرد بالكآبة في وجه إنجازات الآخرين بسبب آلية المقارنة التي تتولَّد داخله.

أنت الخاسر دائماً حين تقارن نفسك بالآخرين، فما يحصل هو أنَّك تتخيل الطريقة التي ستحقق من خلالها هدفاً تريده، ثم تقارنها مع العملية التي مرَّ بها شخص آخر ليحقق الهدف ذاته؛ وهنا تشعر بالقصور؛ وذلك لأنَّك لا تعرف تفاصيل ما قاساه الآخر؛ بل ترى فقط الصورة السطحية التي اختار أن يعرضها لإنجازه النهائي؛ وهذا ما ينشِّط آلية غير واعية تدفعك للشعور بالنقص أمام الآخرين.

على سبيل المثال، حين يتحدث الناس عن إنجازاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ويقارنونها بحياتهم في الماضي، باستخدام أسلوب "قبل وبعد"، أو يكتبون أنَّهم تحولوا من أناس فقراء إلى أصحاب ملايين دون ذكر أي تفاصيل تخصُّ الطريقة التي حققوا بها ذلك أو ما عانوه، هناك ثغرة في فحوى القصة تترك القارئ ليفكر أنَّه محروم من شيء ما؛ وذلك لأنَّ "الحظ الجيِّد" لم يباركه بهذا النوع من التجارب، ولهذا يشعر الناس بالتعاسة لمجرد مصادفة إحدى تلك الصور على الإنترنت.

كما يشرح الكاتبان الإسبانيان "أليكس روفيرا" (Àlex Rovira) و "فرناندو ترياس دي بيس" (Fernando Trias de Bes) في كتابهما "الحظ السعيد" (Good luck): "إن لم تتمتع بالحظ الجيد الآن، قد يكون السبب هو ظروفك التي لا تتغير أبداً، ولكي يبتسم لك الحظ من جديد عليك أن تخلق ظروفاً جديدة".

ومن هذا المنطلق، إن كنت تريد تحقيق نتائج مختلفة عليك أن تقوم بشيء معاكسٍ تماماً لما تفعله الآن بدلاً من الاستسلام لمشاعر الأسى، بدءاً من تغيير نموذجك الذهني (mental model)، الذي يحدد نموذج تفكيرك.

كيف تقلع عن مقارنة نفسك بالآخرين؟

هناك صلة مباشرة بين مقارنة نفسك بالآخرين والتقدير المتدني للذات (احترام الذات)؛ إذ إنَّك تحدُّ من إمكاناتك على تحسين حياتك حين تراقب الآخرين بهوس، ثم تقارن الصورة التي يعرضونها بواقعك أنت، والنتيجة هي شعورك بالمزيد من الاستياء كلَّ يوم.

قد تشعر أنَّ هناك حاجزاً داخلك يقف بينك وبين السعادة، وتتردد إلى ذهنك فكرة أنَّك غير سعيد؛ وعلى الرغم من أنَّ شعورك قد يكون صحيحاً، ولكن عليك ألَّا تعترف بذلك؛ لأنَّ تأكيد ذلك النوع من الأفكار يجعلها تتحكم بك؛ فعندما تفكر في تلك الطريقة، يوهمك لاوعيك بأنَّك الضحية، وتثبط عزيمتك لإمكانية التحسن؛ إذ تشكل الشكوى المستمرة والندم ركيزتا هذه العقلية؛ وكلُّ ذلك يعني أنَّك لن تستمتع بإنجازاتك، على الرغم من أنَّ أيَّ إنجازٍ - بغض النظر عن حجمه - يحمل دوماً نقاط إيجابية.

ليس هناك مشكلة في الإعجاب بالسمات الإيجابية المتميزة التي تلهمك وتحفزك في الآخرين؛ بل يجب عليك القيام بذلك باستمرار في مسعاك إلى تحسين نفسك؛ لكن تذكر أنَّ الشخص الوحيد الذي يجب أن تقارن نفسك به هو أنت وكيف تساهم أفعالك في الماضي في نموِّك اليوم، فالحياة ليست مسابقة، وعلى كلٍّ منا أن يعيش تجاربه بنفسه.

شاهد بالفيديو: 10 خطوات لاكتساب شخصية قوية حسب علم النفس

5 مفاتيح كي تنجح لأجل نفسك:

الخطوة الأولى هي الامتناع عن مشاهدة المحتوى الذي يدفعك إلى مقارنة نفسك بالآخرين سواء كانت المقارنة بالمظهر أم الإنجازات المادية - بما أنَّ معظم المحتوى يُعنى بتلك النقطتين - ثمَّ صبَّ تركيزك على تحسين حياتك من أجل نفسك فقط ومن دون التظاهر أمام الآخرين، وبهذا توفِّر على نفسك الكثير من خيبات الأمل والإحباط ومعاناة لا داعي لها.

يمكنك أن تصنع مرآتك الخاصة؛ اجعلها مرآة صادقة لا يتغير فيها انعكاسك تبعاً لمعايير الآخرين، وتظهر حقيقتك من الداخل كي تعمل على تحسين نفسك وليس ظاهر الأمور فقط.

صورة الذات (Self-image) هي تصوُّرك الداخلي لمن أنت عليه وما تفعله ولتصرفاتك وإنجازاتك وتجارب حياتك، فإذا اخترت تصوُّر نفسك كإنسان غير محظوظ وإخضاع نفسك لنقد ذاتي قاسٍ، سترزح صورتك الذاتية تحت ذلك العبء، وقد تشعر أنَّها لا تتوافق مع الصورة التي يراها الآخرون عنك.

قد تظن أنَّ شعورك بالكآبة أمام نجاح الآخرين سببه الحسد، لكن في الحقيقة مصدر تعاستك هو تدنِّي تقديرك لذاتك واحترامك لنفسك؛ وحين تتمكن من التغلب على المقارنة ستظفر بحياة غنائمها الحرية والرضا والإدراك.

إقرأ أيضاً: المقارنة لص يسرق السعادة من حياتك

المفاتيح الخمسة هي كالتالي:

1. مقارنة جميع مراحل حياتك:

عليك النظر إلى الحياة التي عشتها منذ لحظة ولادتك إلى الحاضر، وتحديد النجاحات البارزة واللحظات التي عنت لك شخصياً، ثم الاعتراف بالتقدم الذي أحرزته وتقديره؛ فهذه العملية ضرورية لتشعر بالتحسُّن.

2. العمل على المجالات التي لا زالت بحاجة إلى التحسين:

سلِّط الضوء على المجالات التي ازدهرتَ فيها، واعمل على تلك التي ما تزال بحاجة إلى تحسين بوعي كي تجلب المزيد من النجاح إلى حياتك.

3. تحديد الأهداف والالتزام بها:

يدوم التحسُّن الذي تحرزه عبر تطوير ذاتك من خلال مقارنة نفسك بنفسك، وذلك عبر تحليل مختلف مراحل حياتك؛ كما يمكنك تعزيز ذلك عبر تحديد أهداف بسيطة تختارها لنفسك؛ لذا ما عليك فعله هو تحديد هذه الأهداف ورسم خطة لتحقيقها، ثم اتِّباعها وسترى كيف تتغير حياتك إلى الأفضل.

4. غضُّ البصر عن الآخرين:

حين تتملكك رغبة عارمة بمقارنة نفسك بالآخرين، كن واعياً لذلك السلوك وحوِّل تركيزك إلى نفسك وإلى تحسين حياتك؛ فقالب واحد لا يناسب تجارب الجميع، وكلٌّ منا يعيش حياته عيشاً مختلفاً؛ لذا صبَّ اهتمامك على النواحي التي تعمل على صقلها وتحسينها في التحفة الفنية التي هي حياتك.

5. الوعي بالحاضر:

التفكير بماضيك ومراجعة التجارب التي أوصلتك إلى اللحظة الراهنة أداة فعَّالة، لكن لا يجب أن يقتصر الأمر على مقارنة نفسك بما كنت عليه في الماضي؛ بل يجب عليك أن تربط نفسك باللحظة الراهنة، وتراقب الأثر الذي يخلفه التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين على حياتك الآن.

في النهاية، تحصل المقارنة بسبب قلة ثقتك بنفسك وبمهاراتك وطريقة توظيفها.

يقول القس الأمريكي "ستيف فورتيك" (Steve Furtick): "سبب معاناتنا من عدم ثقتنا بأنفسنا هو أنَّنا نقارن ما نقاسيه في سبيل تحقيق أهدافنا بأبرز الإنجازات التي يحققها غيرنا"؛ لذا توقف عن المقارنة وابدأ بتصوير فيلمك الخاص، وعش حياتك لأجل نفسك؛ تدرَّب على الخطوات السابقة بما فيه الكفاية وستكون النتائج مُرضية بالتأكيد.

المصدر




مقالات مرتبطة