كيف تتوقف عن التشتُّت الشديد؟

توجد فكرة في الفلسفة الشرقية والغربية مفادها أنَّنا يجب أن نتعلَّم كيفية الاستمتاع باللحظة الحالية دون تشتيت انتباهنا بالتفكير في الماضي أو المستقبل، فمنذ اختراع الكلمات ضاع الجنس البشري تماماً في التفكير؛ فنحن نفكِّر باستمرار ونقلق وننشغل بقوة تبدو خارجة عن سيطرتنا.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُخبرنا فيه عن تجربته في التخلُّص من التشتيت والاستمتاع باللحظة الراهنة.

لذا يبحث معظمنا عن ملاذ في الفلسفات التي تعِدنا بالهدوء والسلام الداخلي، كالفلسفة الرواقية وتأمُّل اليقظة، فيستخدم معظمنا هذه التعاليم للهروب من أفكاره، ونستمر في علاج الأعراض باستخدام تطبيقات التأمل، وقراءة الكتب والمقالات المريحة، والتخلُّص من أجهزتنا الإلكترونية، وتجربة الحل التالي الذي نأمل أن يحقِّق لنا السلام الداخلي.

لقد ارتكبتُ أنا أيضاً هذا الخطأ، فأنا أبحث دائماً عن معرفة وعن معلومات جديدة، وفي مرحلة ما علمت أنَّ جمع المزيد من المعلومات ليس هو الحل.

لكن، ما هو الذي يسبِّب هذه الحالة الذهنية التي نحن فيها؟

ربما هي رغبتنا المفرطة، فثمَّة مقولة مستمدَّة من الفلسفة "الأبيقورية" (Epicurean)، - وهي مذهب فلسفي مفاده أنَّ اللذة هي وحدها الخير الأسمى، والألم هو وحده الشر الأقصى - يتحدث عنها الفيلسوف الرواقي "سينيكا" (Seneca) في إحدى رسائله: "حياة الإنسان الجاهل مخيفة وحزينة، إنَّها انهماك تام في المستقبل".

فكان "أبيقور" (Epicurus) مثل معظم الفلاسفة القدماء يطمح إلى أن يعيش حياةً سعيدة، ويسعى إلى السلام والشجاعة وإلى حياةٍ خاليةٍ من الألم، فاقترح حياة الاكتفاء الذاتي.

أنا لا أتفق مع كل آرائه، لكنَّني أحب وجهة نظره عن المتعة، فالمتعة ليست فقط في الطعام والشراب والمرح، بل المتعة الحقيقية هي العيش مرتاح البال، لكنَّنا نعيش حياتنا بعيداً عن ذلك، فدائماً ما يشغلنا شيءٌ ما؛ لذا من الصعب الاستمتاع باللحظة الراهنة التي نعيشها.

شاهد بالفديو: 10 أشياء تحرمك من متعة العيش بسلام داخلي

إزالة الرغبات المفرطة من حياتنا:

إليك بعض الأشياء التي يرغب معظمنا في الحصول عليها:

تعدُّ الأبيقورية هذه الرغبات مرض الروح؛ وذلك لأنَّ الروح النقية لا تريد "امتلاك" أي شيء، فهي كاملة لا تحتاج إلى أي شيء؛ إنَّه المفهوم نفسه الذي يقوم عليه تأمُّل اليقظة الذهنية، وهي وجهة نظر يمكننا جميعاً الاستفادة منها، لكن كيف تمارسها دون الاعتماد كثيراً على مصادر خارجية لتكون سعيداً؟

تبيَّن أنَّه ثمَّة طريقة بسيطة جداً يمكننا من خلالها أن نكون أكثر حضوراً في اللحظة، من خلال التوقف عن التفكير في الماضي والمستقبل حتى نتمتَّع بالحاضر.

إقرأ أيضاً: الخوف من المجهول وشبح المستقبل

الاعتماد على حواسك:

دعونا نقوم ببعض تمرينات التفكير، مثلاً عندما تمشي في الشارع، أو تستحم، أو تُجري محادثة، أو تجلس على كرسي، ماذا يمكن أن تفعل؟ تذكَّر ماذا يدور داخل رأسك عندما تقوم بنشاطٍ ما؟

نمارس جميعاً الأنشطة التي ذكرناها بلا اكتراث، فهدفنا الأساسي هو التفكير، ويمكنك بسهولة اكتشاف ذلك من خلال النظر إلى مدى اعتمادك على حواسك في يوم عادي.

هل تشعر بالماء على بشرتك في أثناء الاستحمام؟ هل تسمع الكلمات التي يقولها لك أحد ما؟ هل ترى المباني التي تمر بجانبها؟ هل تشم رائحة القهوة؟ هل تستمتع بما تتذوقه من طعام؟

نعلم جميعاً أنَّ لدينا خمس حواس أساسية، ومع ذلك لا ندركها، فنحن ندرك أفكارنا فحسب، أفكارنا التي تصرف انتباهنا عن حواسنا، فهل فكَّرت في ذلك من قبل؟

لكي تكون أكثر سلاماً، وأقل تشتتاً، وسعيداً تستمتع بالحاضر الذي تعيشه، كل ما عليك فعله هو الاعتماد أكثر على حواسك؛ لذا اشعر، واسمع، وانظر، واشتَّم، وتذوق الحياة، إنَّه شعورٌ جيدٌ جداً، لكنَّك تعرف ذلك مسبقاً.

شاهد بالفديو: 5 طرق للعيش بحالة من الامتنان كل يوم

ماذا عن أهدافي؟

لا يتناسب أن يكون لديك أهداف مع العيش في الوقت الحاضر، فالأهداف بحكم تعريفها موجَّهة نحو المستقبل، وعندما تحدِّد هدفاً فأنت تسعى إلى تحقيق شيء ما في المستقبل، ومثل كل شيء في الحياة، لا شيء جيد أو سيئ في حدِّ ذاته، لكنَّنا نصبح على وشك تحويل أهدافنا إلى أشياء سيئة من خلال التفكير المفرط فيها.

لا أظن أنَّه ثمَّة أي خطأ في وجود نية لجعل حياتك أفضل، وإذا فكَّرت في الأمر فكل هؤلاء الفلاسفة والمعلمون الروحيون والحكماء كانت لهم أهدافهم، فقد كتبوا الكتب، وأنشؤوا المدارس والحركات والمجتمعات؛ لذلك عندما يخبرك شخص ما أنَّ الأهداف سيئة، لا تصدِّقه.

إقرأ أيضاً: كيف تحدد أهدافك في الحياة؟

في الختام:

نحن نحتاج أحياناً إلى رسائل تذكِّرنا بأن نكون أكثر حضوراً، ونستمتع بحياتنا، ونستفيد منها على أفضل وجه، فلماذا لا تزيد من وعيك الآن، هل تشعر بالجهاز الذي بين يديك؟ هل ترى جمال المكان الذي أنت فيه حالياً؟ ماذا تشم؟ أو ماذا تسمع؟

فإنَّك ستجد بالاعتماد على تلك المشاعر وتقليل الأفكار أنَّ الحياة ستكون آمنة، وأنَّك لا تحتاج إلى أي شيء لتكون سعيداً، فالحياة جيدة كما هي، ولا تحتاج إلى قراءة كتاب آخر، أو إلى التأمل، أنت لا تحتاج إلى أي شيء.

من الغريب كيف يزيل هذا الوعي القلق والتوتر من حياتنا، لأنَّه في الوقت الحالي لا يوجد ما يدعو للقلق، والاعتماد على حواسك يساعدك على ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة