كيف تتغلب على صوتك الداخلي؟

هل تسمع صوتاً داخلك يتحدَّث طوال الوقت ويعطي رأيه في كل ما يحدث في حياتك؟ هل يصف ما تفعله دون توقُّف كأنَّه يخبر شخصاً ما قصة حياتك؟



إنَّه لأمر غريب، كيف يصف الصوت داخلنا التجربة في أثناء مرورنا بها، ويشرحها ويعلِّق عليها في الوقت نفسه، حتى إنَّه يقدِّم ملخصاً عن الأحداث وما حصل قبلها وفي أثنائها وبعدها، وغالباً ما يكون هذا الصوت جزءاً لا يتجزأ من التجربة نفسها لدرجة أنَّنا نتساءل ما إذا كان من الممكن أن نعيش تجربة من دون أن يرافقها ذلك الحديث الداخلي المتزامن والتفكير والتعليق.

من المثير للاهتمام أيضاً ملاحظة أنَّ هذا الصوت الداخلي له هوية مختلفة عنك، ويتحدث بصوت وأسلوب ونبرة معينة، ومثل كاتب السيناريو يميل صوتنا الداخلي إلى سرد الأحداث لتبدو قصة من نوع معين، كدراما أو كوميديا أو غيرها، فهل تساءلت يوماً لماذا يخبرك ذهنك بما تفعله كأنَّك لا تعرف بالفعل؟ ولماذا يصر على حل لغز قصة حياتك وكتابتها وإعدادها كأنَّها رواية؟

الحضور الذهني:

يميل الذهن إلى الاعتقاد بأنَّه المكوِّن الوحيد للإنسان، وأنَّنا إذا لم نشعر بوجوده فلن نكون موجودين، وأنَّه إن لم يكن حاضراً خلال كل تجربة، وإن عشنا التجارب دون تفكير سيكون الأمر كأنَّنا غير موجودين إطلاقاً، فيختلق الذهن قصة عن "الأنا" ككائن في وعينا؛ كي يحافظ على شعورنا بذاتنا كشخص وعلى عيشنا التجربة كذات؛ الأمر الذي يعتقد أنَّه ضروري لضمان البقاء.

خلال سرد قصة حياتنا التي لا تنتهي على أنفسنا، تحاول أذهاننا أن تقدِّم تصوراً واضحاً ومفهوماً وثابتاً عن الحياة وعن أنفسنا فتختلق شخصية رئيسة تسمى: "أنا" تعيش "حياتي"، وفيها يحاول الذهن تحويل الطبيعة المؤقتة والمتغيرة باستمرار للوجود إلى شيء يمكن فهمه وإدارته والتحكم فيه، فيقسم الحياة التي نحن جزء لا يتجزأ منها إلى مكوِّنين مختلفين؛ هما "أنا" و"حياة"، هكذا نصبح في نظر ذهننا حقيقيين؛ أي إنَّنا نفكر في أنفسنا كي نوجِد أنفسنا.

إقرأ أيضاً: كيف ترفع من معنوياتك؟

ممَّا يستدعي السؤال: "هل يوجد جانب سلبي للعيش مع هذا الصوت الداخلي؟ وهل يجب علينا أن نعيش بهذه الطريقة؟ وهل هو جزء لا يتجزأ من حالة وجود الإنسان؟"، الحقيقة هي: يوجد جانب سلبي؛ لكنَّنا لسنا مُجبَرين على العيش هكذا إلى الأبد.

الجانب السلبي الأول للصوت الداخلي هو أنَّه يمكن أن يسبب التوتر ويشتت الانتباه؛ لأنَّه بمنزلة ضوضاء مستمرة في حياتك، مثل وجود ذبابة حولك لا يمكنك إسكاتها أو تجاهلها؛ لكنَّ الأهمَّ من ذلك أنَّ الصوت الداخلي يعوقك عن عيش الحياة بنفسك والشعور بكل ما فيها؛ إذ يضع حاجزاً بينك وبين ما يجري لتعيش من خلال الوصف الذي يقدمه لك عما يحصل، وهو صورة ذهنية عن الواقع؛ أي إنَّ الأمر أشبه بشراء صورة لجبال الهملايا عوضاً عن زيارتها بنفسك، ثمَّ يتابع الصوت ليقدم تعليقاته عن القصة، ويضع حاجزاً آخر بينك وبين عيش التجربة مباشرة.

شاهد بالفيديو: 10 أشياء تحرمك من متعة العيش بسلام داخلي

قد تلحظ أيضاً أنَّ الصوت في ذهنك يحكي نسخته عن قصة حياتك الحقيقة كأنَّ القصة التي يسردها هي الحقيقة الفعلية الموجودة في العالم الواقعي؛ لكنَّ تلك القصة تصف فقط ما يحدث في ذهنك، وليست الحقيقية ولا تقدم نظرة موضوعية عن الأحداث؛ بل هي قصة عن قصة يحيكها وعيُك ولا توجد سوى داخل ذهنك.

الخبر السار هو أنَّك لست مضطراً إلى العيش بهذه الطريقة، أو إلى تحمل وجود تلك الحواجز بينك وبين الحياة، فإذا سبق لك أن شاركت مشاركة فاعلة في نشاط ما فربَّما دخلت ما يُدعَى بحالة "التدفق" (flow)، خلالها تكون مركزاً على ما تفعله لدرجة أنَّك تتوقف عن إدراك نفسك، وتنغمس في التجربة حتى تغفل عن الوقت وتتلاشى كل أفكارك عن "الأنا" المنفصلة، وتكتشف أنَّك لن تختفي حتى عندما لا يكون الذهن منشغلاً بتذكيرك بوجودك؛ ممَّا يعني أنَّ وجودك غير مرتبط بذهنك فقط؛ بل يبقى الوعي حاضراً حتى عندما نفقد الإحساس بالذات، ومن المثير للاهتمام أنَّ مثل هذه التجارب هي تلك التي نصفها لاحقاً بأنَّها مُرضِية وسعيدة، تلك التجارب التي ننسى فيها أنَّنا موجودون هي أكثر التجارب التي نتوق إليها.

كيفية إسكات الصوت:

ثمة علاج من ثلاث خطوات لعلاج الصوت الداخلي:

  1. يجب أن نكون قد سئمنا من ذلك الوصف المستمر لحياتنا لدرجة أن نقرر أنَّنا لا نريد الاستماع إليه أو العيش معه بعد الآن.
  2. بمجرد حدوث ذلك يجب أن نبدأ في ملاحظة الصوت وإدراك أنَّه من نسج وعينا.
  3. يجب أن نرغب بوضوح وبقوة في عيش الحياة مباشرة والشعور بها بحواسنا، وليس مجرد سماع قصة عنها، وأن نلزم الانغماسَ مباشرة في تجارب الحياة.

إقرأ أيضاً: قرارات هامة لتغيير حياتك نحو الأفضل

في الختام:

الاستماع إلى الصوت الداخلي في ذهنك هو عادةٌ لها جذور عميقة، ويعود أصلها إلى غريزة البقاء على قيد الحياة، فقد مارسناها لوقت طويل؛ لكنَّها عادةٌ نستطيع تغييرها عند امتلاك الرغبة والإرادة والنية القوية، وكل مرة تلاحظ الصوت في ذهنك حاول ممارسة عادة جديدة؛ أي اختبر حياتك مباشرة، ولفعل ذلك؛ أولاً: فكر ملياً وقدِّر لحظة الوعي هذه؛ لأنَّ ملاحظتك الصوت تعني أنَّ ثمة جزءاً آخر منك يصحو، وهو شخصيتك الحقيقية.

ثمَّ وجِّه انتباهك بعيداً عن ذهنك حيث تتركز طاقتنا عادةً وباتجاه جسمك، واسمح لجسمك بالاسترخاء، خذ نفساً عميقاً واشعر به، ثمَّ ركز على كل حواسك تباعاً، لاحظ ما تراه أو تسمعه أو تشعر به أو تشمه أو تتذوقه، أولاً: ركز على كل حاسَّة على حدة، وأخيراً: اشعر بحضورك المادي، وبالحياة في جسدك عوضاً عن ذهنك، فمن خلال ممارسة هذا التمرين سيضعف الصوت داخلك وستتمكن من تجاهله حتى تعيش حياة حيوية ومُرضية وواقعية.




مقالات مرتبطة