كيف تتعامل مع الفاجعة والأسى؟

في هذه المقالة تقدم الخبيرة النفسية "لوسي هون" 3 استراتيجيات اعتمدت عليها وأنقذَتها خلال أحلك أيام حياتها، ويمكن للجميع تطبيقها بسهولة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الخبيرة النفسية "لوسي هون" (Lucy Hone)، والتي تُحدِّثنا فيه عن الأساليب الثلاثة المباشرة التي استخدمَتها لتخطِّي أحلك الأيام.

في البداية دعني أطرح عليك بضعة أسئلة:

  • هل سبق لك أن فقدتَ شخصاً تحبه؟
  • هل كسر أحدهم قلبك؟
  • هل عانيتَ من طلاق مروع أو كنتَ ضحية لخيانة زوجية؟
  • هل سبق لك أن مررتَ بكارثة طبيعية؟ أو تعرضتَ للتنمر؟
  • خسرتَ وظيفتك؟
  • هل سبق لكِ أن خسرتِ جنيناً أو أجهضتِ أو عانيتِ من العقم؟
  • وأخيراً، هل اضطررتَ أنت أو أي شخص تحبه إلى التعامل مع مرض نفسي أو الخرف أو أحد أشكال الإعاقة الجسدية أو الميل إلى الانتحار؟

ستجيب في الغالب بـ "نعم" عن واحد أو أكثر من هذه الأسئلة، وهذا الوضع في حالة معظم الناس، فلا تفرق الشدائد بين الناس حين تعصف بهم، وطالما أنَّك على قيد الحياة فسوف تضطر إلى التعامل مع بعض الأوقات العصيبة.

بدأَت دراسة المرونة الذهنية قبل عقد من الزمن في "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania). لقد كانت فترة رائعة؛ لأنَّ الأساتذة الذين درَّبوني كانوا قد حصلوا للتو على عقد لتدريب مليون جندي أمريكي على اللياقة الذهنية كمكمل للياقة البدنية، وبالنسبة إلى شخص مثلي هدفه الرئيس في الحياة هو محاولة الاستفادة من أفضل النتائج العلمية خارج النطاق الأكاديمي وتقديمها إلى الناس ليستخدموها في حياتهم اليومية، كان وجودي في ذلك المكان والوقت ملهماً للغاية.

أنهيتُ دراستي هناك وعدت إلى موطني في "نيوزيلندا" للعمل على بحث الدكتوراه، كنتُ قد بدأتُ للتو تلك الدراسة عندما ضرب "زلزال كرايستشيرش" (Christchurch earthquakes)؛ لذلك أوقفتُ بحثي وبدأتُ مساعدة مجتمعي خلال تلك الفترة الرهيبة عقب الزلزال، فعملتُ مع مختلف أنواع المنظمات، من الإدارات الحكومية إلى شركات البناء إلى جميع أنواع الجمعيات؛ حيث علَّمتُهم طرائق التفكير والتصرف التي نعرف أنَّها تعزز المرونة، واعتقدتُ حينها أنَّ ذلك كان هدفي والوقت الوحيد الذي سأستخدم فيه كل تلك الأبحاث لأُفيد الناس.

كنتُ مخطئة للأسف، واجهتُ التحدي الحقيقي في حياتي في عام 2014، حين قررَت عائلتي وعائلة صديقتي المقربة الذهاب في رحلة، لكن في اللحظة الأخيرة، قررَت ابنتي الجميلة البالغة من العمر 12 عاماً ركوب السيارة مع صديقتها المقربة.

في الطريق، تخطت سيارة مسرعة لافتة توقف واصطدمَت بهم وقتلَتهم جميعاً على الفور، في غمضة عين، وجدتُ نفسي في موقف الأشخاص الذين كنتُ أساعدهم، استيقظتُ شخصاً مختلفاً تماماً، فبدل أن أكون خبيرة المرونة أصبحتُ الأم الحزينة المفجوعة، وبتُّ أحاول استيعاب الخبر وأنا أشاهد عالمي يتداعى من حولي.

فجأة، كنتُ الشخص الذي يتلقى نصائح الخبراء، ولم يعجبني ما سمعتُه على الإطلاق.

في الأيام التي أعقبَت وفاة ابنتي، قالوا لي أنا وزوجي إنَّنا عرضة لظاهرة "الاغتراب العائلي" (family estrangement)، ومن المحتمل أن ننفصل، وكنا في خطر الإصابة بأمراض ذهنية، اعتقدتُ حينها أنَّ كل تلك الأخبار لم تكن مفيدة على الإطلاق.

وصفَت المنشورات في العيادات المراحل الخمس للحزن: الغضب، والمساومة، والإنكار، والاكتئاب، والتقبُّل، وأتت خدمات دعم الضحايا إلى عتبة بابنا وأخبرونا أنَّنا سنقضي السنوات الخمس المقبلة في تعلُّم تقبُّل هذا الحزن، أعلم أنَّ النية من تلك المنشورات طيبة، ولكنَّنا كنا نشعر بعد كل واحدة من تلك النصائح أنَّنا ضحايا عاجزون ولا يمكننا التأثير في حزننا على الإطلاق.

لم أكن بحاجة وأنا أمرُّ بتلك التجربة أن يخبرني أحد كم أنَّ الظرف قاسٍ، كنتُ أعرف ذلك بالفعل، وكنتُ أحتاج إلى الأمل، كما كنتُ بحاجة إلى أن يرشدني أحد إلى الطريق بين كل تلك الحرقة والألم والشوق، والأهم من ذلك كله، أردتُ أن أمارس الحزن ممارسةً فاعلة.

قررتُ أن أدير ظهري لنصائحهم وأن أجري بدلاً من ذلك تجربة ذاتية، فقد أجريتُ الأبحاث عن الموضوع من قبل وكانت لدي الأدوات اللازمة، وأردتُ أن أعرف مدى فائدتها الآن في مواجهة هذا التحدي الهائل الذي يجب أن أتخطاه، لكن عليَّ أن أعترف أنَّني لم أعرف حينها حقاً ما إذا كنتُ سأنجح، فمن المعروف أنَّ خسارة الأهل لأطفالهم هي أصعب الخسائر التي يمكن التعرض لها، لكن بعد مرور خمس سنوات، يمكنني أن أخبرك أنَّه يمكنك النهوض بعد الشدائد، وأنَّ من الممكن تماماً أن توجِّه نفسك لتفكر وتتصرف بطرائق معينة تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة.

شاهد بالفديو: 10 نصائح يتغلب بها الناجحون على الشدائد

فيما يلي 3 استراتيجيات اعتمدتُ عليها وأنقذَتني خلال أحلك أيام حياتي، ويمكن للجميع تطبيقها بسهولة:

1. فهم أنَّ المعاناة جزء طبيعي من الحياة:

لا يعني ذلك أنَّ الأشخاص المرنين يرحبون بالمعاناة، لكن عندما تحل الأوقات العصيبة، يعرفون أنَّ المعاناة جزء من الوجود البشري، ولهذا لا يشعرون أنَّ العالم يقف ضدهم وحدهم حين تقع المصائب.

بعد وفاة صغيرتي، لم أتساءل أبداً لماذا حصل ذلك معي أنا بالتحديد، في الواقع، أتذكر أنَّني كنتُ أفكر أنَّ ما من شيء غريب في الموضوع، فأشياء فظيعة تحدث لي كما أي شخص آخر، وهذه هي حياتي الآن، يجب عليَّ تقبُّلها والمضي قدماً.

المأساة الحقيقية هي أنَّ العديد منا لا يعرفون ذلك، فنحن نعيش في عصر يشعر فيه الكثيرون بأنَّهم يستحقون عيش حياة مثالية، وكأنَّ صور الحياة المثالية والسعيدة التي تعرضها مواقع التواصل الاجتماعي هي الوضع الطبيعي، بينما الواقع هو العكس تماماً.

إقرأ أيضاً: 11 اقتباس تواسي بهم نفسك أوقات المعاناة

2. اختيار التركيز على الإيجابيات:

وجدتُ أنَّ الأشخاص المرنين يُقيِّمون المواقف بواقعية، ويتمكنون عادة من التركيز على الأشياء التي يمكنهم تغييرها ويتعلمون تقبُّل تلك التي لا يستطيعون تغييرها، وتلك مهارة هامة وقابلة للتعلم.

بصفتنا بشراً، نحن نجيد ملاحظة التهديدات. إنَّه لمن الهام أن نكون مفطورين للتفكير بهذه الطريقة خلال تطورنا؛ فحين كنا نسكن الكهوف، ضمنَت قدرتنا على التركيز على التهديد الذي يحدق بنا مثل حيوان مفترس بقاءنا على قيد الحياة، لكنَّ المشكلة هي أنَّنا نعيش الآن في عصر نواجه فيه أنواعاً مختلفة من التهديدات، من المواعيد النهائية غير الواقعية والزملاء السامين إلى الفواتير المتزايدة أو مجرد أمور بسيطة مثل شخص يشغل موقف سيارتنا، وتعامل أدمغتنا طوال اليوم كل واحد من تلك المواقف على أنَّه خطر يهدد حياتنا، فنشعر بالتوتر على مدار اليوم.

توصَّل الأشخاص المرنون إلى طريقة للتركيز على الأشياء الجيدة من حولهم، فذات يوم، عندما كانت الشكوك تراودني، أتذكر بوضوح أنَّني كنتُ أقول لنفسي: "لا يمكن أن تهزمكِ هذه الأمور، هناك الكثير من الأشياء التي تستحقين العيش لأجلها، لا تخسري ما لا زلتِ تملكينه حسرةً على ما فقدتِه بالفعل".

يدعى ذلك في علم النفس "البحث عن الفوائد"، في ظل وضعي الجديد، كان ذلك ينطوي على محاولة العثور على أشياء أشعر بالامتنان لامتلاكها، على سبيل المثال: قلتُ لنفسي، على الأقل لم تمت ابنتنا العزيزة بسبب مرض رهيب عانت منه طويلاً، ماتت فجأة وعلى الفور فتجنبنا نحن وإياها ذلك الألم.

كما تلقينا الدعم الاجتماعي من عائلتنا وأصدقائنا، والأهم من ذلك كله، كان لا يزال لدينا ولدان جميلان يحتاجان إلينا ويستحقان أن يعيشا حياة طبيعية بقدر ما يمكننا تقديمه لهما، فعندما تمرُّ بوقت عصيب، قد تحتاج إلى تذكير نفسك بأن تشعر بالامتنان؛ لذا وضعنا في مطبخنا ملصقاً مكتوباً عليه "تقبَّل الخير".

استخدم علماء النفس صياغة مختلفة قليلاً عند عملهم مع الجيش الأمريكي، فأسموه "العثور على الإيجابيات"، ابحث عن الصياغة التي تناسبك، لكن مهما فعلت، ابذل جهدك بشكل مستمر لملاحظة الأمور الجيدة في عالمك.

إقرأ أيضاً: 13 طريقة للحفاظ على الإيجابية وتحقيق أهداف الحياة

3. تحديد ما إذا كانت أفعالك تفيدك أم تضرك:

اسأل نفسك: "هل يفيدني ما أفعله أم يضرني؟"، وهو سؤال يُستخدَم كثيراً في العلاج، وكان أول سؤال أطرحه على نفسي في الأيام التي تَلَت وفاة ابنتي، كنتُ أكرره كثيراً، على سبيل المثال: سألتُ نفسي: "هل يجب أن أذهب إلى المحاكمة وأرى السائق؟ وهل سيساعدني ذلك أم سيؤذيني؟"، بالنسبة إليَّ، كانت الإجابة واضحة، اخترتُ عدم الحضور خلال المحاكمة، لكنَّ زوجي قرر مقابلته لاحقاً.

كنتُ أجد نفسي كثيراً في منتصف الليل أتأمل الصور القديمة لطفلتي وأشعر بالضيق أكثر فأكثر، وفي مرحلة معينة كنتُ أسأل نفسي: "هل يساعدني هذا أم يؤذيني؟"، وأدركتُ أنَّ من الأفضل لي أن أعيد الصور إلى مكانها وأخلد إلى الفراش.

يمكن تطبيق هذا السؤال على العديد من السياقات المختلفة، على سبيل المثال: قد تسأل نفسك: "هل الطريقة التي أفكر بها وأتصرف بها تساعدني أم تؤذيني في محاولتي للحصول على تلك الترقية؟ لاجتياز هذا الامتحان؟ للتعافي من نوبة قلبية؟".

أكتب كثيراً عن المرونة، وقد وصلَتني تغذية راجعة إيجابية على هذه الاستراتيجية أكثر من أيَّة استراتيجية أخرى، فتلقيتُ عشرات الرسائل ورسائل البريد الإلكتروني من أشخاص أخبروني عن التأثير الكبير الذي أحدثته في حياتهم، فمن خلال سؤال نفسك عما إذا كنتَ تحتاج حقاً إلى قضاء ساعة أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الخوض في الجدال القديم نفسه مع أحد أفراد الأسرة، فأنت تتولى زمام الأمور في حياتك مجدداً؛ مما يمنحك القدرة على التحكم في عملية اتخاذ قراراتك.

على عكس ما يعتقده الكثيرون، فالمرونة ليست صفة ثابتة أو يصعب اكتسابها، يمتلكها بعض الأشخاص ولا يمتلكها بعضهم، وفي الواقع، كل ما يتطلبه الأمر هو الرغبة في تجربة استراتيجيات أساسية مثل هذه.

هناك لحظات في حياة كل منَّا حين تأخذ الأمور منحى فظيعاً لم نتوقعه أبداً ولم نكن نريده بالتأكيد، حدث ذاك معي، وكان فظيعاً لدرجة لا يمكن تخيلها، لكن إذا وجدتَ نفسك في موقف تعتقد أنَّه لا يوجد مخرج منه، فأنا أحثك ​​على تجربة هذه الاستراتيجيات، فاعلم أنَّ المعاناة جزء من الحياة، ولا تركز فقط على السلبيات، وفكر فيما إذا كانت الطريقة التي تفكر بها وتتصرف بها تساعدك أم تضرك.

لن أتظاهر بأنَّ التفكير بهذه الطريقة سهل دائماً أو أنَّه يشفي الألم، لكنَّني تعلَّمتُ خلال السنوات الخمس الماضية أنَّه مفيد حقاً، وأثبتَ لي أنَّ من الممكن العيش والشعور بالحزن في الوقت نفسه.

المصدر




مقالات مرتبطة