كيف تتعامل مع التعقيد؟

إنَّ أكثر شيئين قضيتُ معظم وقتي وأنا أقوم بدراستهما هما هندسة البرمجيات وتأليف الموسيقى، وبينما قد يبدوان مجالَي دراسةٍ صعبَين، فإنَّ أعمالاً على نطاقٍ واسعٍ في كلا المجالين تعتمد على مهارة مشتركة هامة للغاية وهي القدرة على التعامل مع التعقيد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "مارك شيد" (Mark Shead)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في التعامل مع التعقيد.

في البرمجة، تعلم أنَّ درجة التعقيد باتت خارجة عن السيطرة حين يصبح إجراء تغيير صعباً كلما أصبح حجم الكود الأساسي كبيراً، وفي الموسيقى، يصبح التعقيد خارجاً عن السيطرة حين تصبح المقطوعة الموسيقية أقل فأقل تماسكاً وأطول من حيث المدة والتوزيع الموسيقي.

لن يدهشني أن تكون مجالات أخرى مشابهة لهذين المجالين؛ فعندما نتمكن من المهارات الأساسية وعلم الدلالة الشكلي، فإنَّ أكثر شيء يحدد إخفاقك أو نجاحك يتعلق بكونك قادراً أم لا على إبقاء التعقيد تحت السيطرة.

ينطبق الأمر ذاته على حياتك الشخصية أو المهنية، فهناك المئات من الأشياء التي تتنافس على انتباهك في كلِّ دقيقة من كلِّ يوم، فإن لم تتخذ موقفاً لمحاولة التقليل والتعامل مع التعقيد في حياتك، فيمكن له أن يسيطر عليك.

إذاً، كيف يمكنك التعامل مع التعقيد؟ إليك بعض الاستراتيجيات:

1. التنظيم:

إنَّ قلة التنظيم تكلفك دقائق وساعات من حياتك، والحيلة الحقيقية تكمن بفهم الأشياء التي يفيد بها التنظيم والأشياء التي لا يفيد بها؛ إذ تتطلب بعض الأشياء نوعاً مما أسميه التنظيم الفوضوي. إن كان لديك زوجان مختلفان من الجوارب، فلا طائل من ترتيبهما، فقط ضعهما في الدرج؛ لأنَّ كلفة إيجادهما عند حاجتك إليهما ليست أعظم من كلفة ترتيبهما حين تضعهما جانباً.

على كل حال، فإنَّ التعامل بمثل هذه الطريقة مع الضرائب لن تنجح كثيراً؛ لأنَّ كلفة إيجاد المعلومات عند حاجتك إليها هي أعظم بكثير من كلفة ترتيب الأوراق بملفات مناسبة بسهولة حين قدومها.

2. الأتمتة:

في هندسة البرمجيات، تكمن الطريقة الأساسية للتعامل مع التعقيد في صنع شيفرة تقوم بمهمة ما من تلقاء نفسها، فما إن تكتبها وتجربها، تصبح مثل صندوق سحري وليس عليك القلق حيال كيفية قيامها بعملها. أحد الأمثلة يمكن أن يكون شيئاً مثل تنظيم دفع آلي للفواتير. لديَّ بوليصة تأمين حياة لن أضطرَّ للتفكير بها للعشرين سنةٍ القادمة، فيتمُّ دفعُها أوتوماتيكياً في ميعادها كل سنة.

3. التسهيل:

إنَّ أحد أصعب أجزاء تأليف الموسيقى هو تقرير ما يجب التخلص منه، فتسهيل الأشياء صعب للغاية؛ لكنَّ النتائج تستحق الجهد المبذول. إنَّ التسهيل غالباً ما يعني فهمَ نفسك كفاية بحيث تستطيع التخلي عن كل شيء ليس بتلك الأهمية بالنسبة إليك على الصعيد الشخصي.

"اجعل كل شيءٍ سهلاً قدر الإمكان، لكن ليس بقدر أكثر من المطلوب" - "ألبرت أينشتاين".

حين اشترينا أنا وزوجتي أول منزل لنا، قمنا بتركيب مسرح منزلي، الذي يأتي بمقاعد مقسمة، وشاشة بقياس 12 قدماً ونظام صوت محيطي، وأمضيتُ وقتاً طويلاً في محاولة فهم كيفية تركيبه بأسهل طريقة ممكنة.

شاهد بالفديو: 9 طرق للتخلص من التعقيدات وعيش حياة مُرضِية

في النهاية، قررنا وضعه لمشاهدة الأفلام فقط، فلم نقم بتوصيله بخدمة الكابل الهوائي أو جهاز التسجيل. كان يقوم بتشغيل الأقراص المدمجة فقط ولا شيء أكثر، وكنَّا راضين بهذا الشيء؛ لأنَّه كان تماماً سبب استعمالنا له. كان التجهيز سهلاً وكان لدينا مجرد جهاز تحكُّم سهل الفهم والذي يتحكم بكل شيء.

أما أصدقاؤنا بالمقابل، اتبعوا طريقة مختلفة، فكانوا يريدون تجهيزاً يقوم بكل شيء؛ إذ يمكنهم مشاهدة التّلفاز وتسجيل قناة أخرى على جهاز "تيفو" في الوقت ذاته، وتشغيل جهاز التسجيل على التلفاز الصغير في المطبخ، وغير ذلك.

كان لديهم قائمة بالتعليمات من ثلاث صفحات بنصوص بخط مباعد. قُمنا بالاعتناء بأطفالهم في إحدى الليالي وقررنا تشغيل التلفاز بعد أن نام الصغار. أنا شخص ذكي إلى حدٍّ معقول وبارع في الأمور التقنية؛ لكنَّني لم أستطع فهم كيفية جعل مسرحهم المنزلي يعرض أي شيء لنا سوى قناة كوكب الحيوانات.

لربما كان التجهيز مثالياً بالنسبة إليهم لأنَّهم كانوا يشاهدون التلفاز كثيراً، لكن بالنسبة إلينا، فإنَّ تجهيزاً مماثلاً كان ليضيف كمية هائلة من التعقيد على قدرات لم تكن هامة بالنسبة إلينا في الأساس.

ما أريد قوله هو أنَّنا بحاجةٍ إلى أن نكون واعين كفايةً بكيفية السماح للتعقيد بالتسلُّل إلى حياتنا؛ وهذا لا يعني أنَّه يجب عليكم تجنب التعقيد بأي ثمن، فقط كونوا متأكدين من أنَّكم تستعملونه بمكانه المناسب وليس بجعل حياتكم أكثر تعقيداً بدون أيِّ داعٍ بطرائق لا تفيد كثيراً أو لا تقدم أيَّة إفادة هامة حقاً.

المصدر




مقالات مرتبطة